عبد الله احمد عبد الله
الحوار المتمدن-العدد: 2770 - 2009 / 9 / 15 - 07:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لاشك إن العراق وشعبه المظلوم الذي تحكمه اليوم بقبضة حديدية معادلة ثلاثية الأطراف التي افرزها احتلال العراق عام 2003 وهذه الأطراف الثلاثة هي الاحتلال الأمريكي والنفوذ الإيراني والحكومة العراقية المتكونة من عدة ائتلافات طائفية ضعيفة ..
دخلت أمريكا العراق وهي تعتقد إنها الأقوى وأنها ستبقى الطرف الوحيد في معادلة السيطرة .. ولكنها لم يدر في خلدها أنها ستصطدم بالنفوذ الإيراني القوي والعنيد كما أنها أيضا لم تحسب حسابا للازمة المالية التي تعصف بها حاليا ..
أمريكا التي استنزفت عسكريا واقتصاديا في المستنقع العراقي على مدى السنوات الست الماضية توصلت في النهاية إلى قرار يحفظ لها ماء وجهها وهو الخروج من المدن العراقية والتمترس في قواعد وثكنات عسكرية تراقب الوضع عن كثب واضعة أيديها على النفط العراقي الغزير , فالإستراتيجية الجديدة لأمريكا تكمن في تقليل النفقات العسكرية لتفادي الأزمة المالية الخانقة وكذلك تقليل الخسائر البشرية لتفادي هيجان الرأي العام الأمريكي ضدها ..
وهي بذلك أدارت ظهرها للنفوذ الإيراني الذي شق طريقه بنجاح وبدقة أذهلت الأمريكيون أنفسهم .. النفوذ الإيراني المستفحل في العراق الذي اعتمد على عدة عوامل ساعدته كثيرا ليحقق هذا التغلغل الأخطبوطي الشائك .. من هذه العوامل .. اعتمادها على المجاميع الخاصة الإيرانية المنتشرة في العراق والتي تقود التنظيم ألاستخباري والعسكري والتجاري من خلال استخدام وتجنيد المليشيات الطائفية حتى السنية منها برغم الاختلاف الأيديولوجي والعقائدي معها وهدف إيران من ذلك هو إحكام قبضتها على الملف الطائفي الذي تستطيع أن تؤججه متى ما شاءت فهي تستطيع أن تشعل فتيل الطائفية بتحريكها للمليشيات في الجنوب أو القاعدة في غرب العراق ..
أما العامل الثاني الذي ساعد إيران كثيرا ونافس الدور الأمريكي بل فاقها في بعض الأحيان هو الامتداد الجغرافي المجاور للعراق , فإيران أكثر خبرة ودراية بجغرافية المنطقة بحكم موقعها المجاور وأنها تستطيع تحريك الأوساط التي تجيد لغتها وتعرف موروثها وتدرك تماما نقاط ضعفها وقوتها , وأنها تستطيع تأجيج العواطف الدينية والمذهبية أكثر مما تجيده أمريكا التي اصطدمت بالحاجز الثقافي والقيمي الغريب عن المنطقة , والعامل الثالث هو تحكمها بأغلب الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق بعد 2003 كون اغلب الشخصيات والأحزاب التي استطاعت الوصول للسلطة تأسست وعاشت وترعرعت في إيران وتلقت الدعم منها والولاء لها وبالتأكيد هناك عوامل أخرى كثيرة جعلت من إيران ندا قويا وخصما آخرا صعبا أمام المحتل الأمريكي الذي وقف عاجزا في كثير من الأحيان أمام قوة النفوذ الإيراني كما أسلفنا .. كما إن إيران عرفت كيف تدير الملف العراقي وأجادت لعب الدور المهيمن وخاصة على الائتلافات السياسية الحاكمة وأنها تحركها كما تحرك بيادق الشطرنج , فكما إن لإيران اليد الطولى على المليشيات الساكنة والمتحركة في العراق حيث تستطيع إيقاظها متى ما أرادت وتقوم بتزويدها بالدعم اللوجستي بالسلاح والتدريب والمتفجرات فلإيران أيضا أكثر من موطئ قدم على الساحة السياسية أيضا فهي الراعية الأولى للائتلاف العراقي الموحد الذي يرأسه المجلس الأعلى الإسلامي ولكن إيران تطمع للهيمنة على كل الأطراف فلا يهدأ لها بال بعد ذلك , فالائتلاف العراقي الموحد بدا نجمه بالأفول وراح يخسر كثيرا من مواقعه على الساحتين الشعبية والسياسية فلذلك فلإيران أكثر من بديل .. فهنا يظهر المالكي وحزبه الاحتياطي الخزين والورقة الرابحة في الانتخابات المقبلة فحتى الأمس القريب كان يعتقد إن المالكي خارج عن سيطرة الإيرانيين أو يحاول الخروج من قبضتهم .. ولكن تفجيرات الأربعاء الدامي وما سبقها من سطو على احد المصارف في العاصمة بغداد ومحاولات المالكي التعتيم وإسدال الستار عليها وإخفاءها ومسارعة المالكي لاتهام سوريا بالتفجيرات في ذلك اليوم الدامي في حين إن كل الدلائل تشير على تورط إيران بها ما هو إلا دليل على تبعية المالكي لإيران وانه لا يختلف بتاتا عن أتباعها الآخرين وما محاولات إيران والإعلام الحكومي لإظهاره على انه الجهة الوطنية في العراق إلا أكذوبة كبرى هدفها خداع الناس البسطاء والتغرير بهم للحصول على مكاسب انتخابية في حال أجريت الانتخابات المقبلة في موعدها ..
إن المالكي شعر أخيرا بقوة أسياده الإيرانيين بعد الأربعاء الدامي حينما عجزت أمريكا حتى بالحؤول دون إقالة اقرب عملائها ألا وهو الشهواني رئيس جهاز الاستخبارات ..
إن أمريكا في كل الأحوال إذا قويت شوكة النفوذ الإيراني أو ضعفت فإنها لن تخسر شيئا لأنها أي أمريكا تعرف جيدا إن إيران غاياتها أطماع قومية توسعية وعنصرية واقتصادية فهدف إيران أن تكون شريكا في اقتسام الكعكة العراقية , ومادام التفجير والقتل لا يكاد يصل إلى أسماع جنود أمريكا ولا يمس قواعدها فلا يهمها بعد ذلك ما دامت سطوتها باقية على منابع النفط العراقية وليذهب العراق إلى الجحيم ..
ويبقى الخاسر الأكبر في كل تلك المعادلة المرعبة هو الشعب العراقي الذي يدفع ثمنا باهظا من دماء أبنائه وثرواته وتاريخه ووجوده ..
إننا نناشد المحافل الدولية والأمم المتحدة والشعوب المحبة للسلام والمنظمات الرسمية وغير الرسمية أن تمارس دورها ولا تقف متفرجة مكتوفة الأيدي وهي ترى وتسمع ما يجري على بلد مستقل عضو ا عريقا في منظماتها وأنها عليها أيضا أن تضغط لكي يكون للقوى والائتلافات والأحزاب العراقية الوطنية الباع الأكبر في أي انتخابات ممكن أن تجرى مستقبلا فلا يعقل أن لا يوجد في العراق غير قطبين فقط هما الائتلاف الموحد وائتلاف المالكي , كما إن على المنظمات الدولية أن تحمّل الاحتلال الأمريكي وحكومته مسؤولية ما يجري فيه لان الاحتلال هو السبب الرئيس في ما يدور من رحى صراع يدفع ثمنه شعب امن تم الاعتداء عليه بهذا الشكل السافر ..
#عبد_الله_احمد_عبد_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟