|
اعاريب مابعد الحداثة
عبد الكريم التميمي
الحوار المتمدن-العدد: 2767 - 2009 / 9 / 12 - 23:19
المحور:
الادب والفن
كثيرا ما كنت اخلد إلى لواعج الحداثة متابعاً الصفحات الثقافية للصحف المحلية والدولية والمواقع الالكترونية لاستمتع بالشعر الحديث بما جاء من ابتكارات لآليات جديدة في التعبير وقد فـُجئتُ بقصيدتين لتحسين عباس كانت الأولى بعنوان : من كتب الاعاريب والثانية بعنوان : المرايا وقد رأيت أن القصيدتين تدوران حول ما يسمى بأدب مابعد الحداثة لكن الغريب الذي استحوذ على استماعي أن ماقراته في السابق من قصائد كانت تكتفي بسلاسة محور الفكرة الذي يتضمن الغوص في الذات الإنسانية بطريقة غير مباشرة لان بساطة التراكيب في شعر مابعد الحداثة هي وحدها صورة شعرية تكشف الواقع الاجتماعي والسياسي على طاولة المتلقي لكني رأيت الشاعر هنا أضاف في كل قصيدة شيئاً جديداً ففي الأولى ادخل مصطلحات النحو والصرف ثم تخللت هذه الآلية صور شعرية غاصت في أعماق أطول مما كانت عليه قصائد مابعد الحداثة وأما الثانية ( المرايا) استخدم فيها لغة الحوار مع المرايا الباطنية أو النفس الأمارة فابتدأ ( من كتب الاعاريب) بـــ يرفـَعها سكونُ الأمس بضمةٍ مقدره يمنعُ من ظهورها الحياء والفاعل اندثر في زحمةِ المجهول حائكاً ثيابَها العتيقة كي لا يراه فعلٌ غادر المفعول مكتفيا بالتفرج
فالضمير الغائب هنا ( ها) يحمل عدة وجوه منها انه يقصد قضيته في الزمن الراهن ومما تعانيه شخصية الشاعر من تواطىء وهروب من التأنيب وهذا ما أفصحت عنه مفردة الحياء فلم يستخدم مفردة التعذر أو الثقل لأنه لو استخدمها لسقطت بلاغة التعبير.وكانت ساذجة ؛ ثم انساب ليكشف حيلة أل ( أنا) لحب الاندثار والتخفي وراء الستار ومدى حبها في التأثير على المخلوق وهذا ما بينه في ذكر النقيض عندما جعلها تكره الأفعال اللازمة التي تكتفي بالتفرج .
وهكذا استرسل بخلق الصور البلاغية في تنقيب مكنونات جديدة في التملق ومخادعة الضمير مستخدما الاستفهام الإنكاري مع الفعل الناقص في قوله : ( أكنت عاشق المرايا ) فهذه الجملة شرحت ما قبلها ومابعدها : بلاغتي فعل ناقص أمضى زمنه ُيضاجعُ الأسماء في حفلة ٍٍ تنكرية مغتالا ً أخباره بالنصب في ضربٍ بابه ملثــَّم ٌ بحروف الاستفهام التي استنكرت فك المحال ْ ) أكنت عاشق المرايا في أول جملةٍ استوقدت وقتي بالتملــُّقْ وانأ اقفز على نقطي موارباً مقنعا ً إياها ...أنها أصفارٌ في جيبٍ مفتوق ْ أثملت حروفها الزائدة فائدة ً في التضليل ْ
وهذا تمكن بلاغي بسيطرة لغوية ألقت الصورة الشعرية في رحم مابعد الحداثة لتلد إبداعاً فائقاً في القصد .
يستمر الشاعر بالغوص في جانب أخر أراد تبرير ما فعل مشيرا إلى ضعفه في الثبات : كيف اجرد نفسي مني و ترابيني بالحياة
فيهيئ لشاعريته دخولاً آخر إلى عالم النحو بإشارته على أسماء الأفعال بالصمت حيث أوقفها حرساً لأنها حيّرَت النحاة في تشخيصها أهي من الأسماء أم من الأفعال حتى قالوا أنها أسماء أفعال لاحتوائها المعنيين وبالتالي أراد خلط تملقه للأسماء (الذوات ) بأفعاله بجعله إياها حرسا صامت أي كالمتفرج على ألف ِ بيت ٍ من الحيلة والمكر صنعتها نفسه الأمارة . وأسماء الأفعال حرسٌ صامت في ألفية ابن آوىِ
فتستهوي هذه الألفية شارحاً يهيـِّج خوفهُ زاحفاً إلى ما صرفـهُ الهذيان في التيه وحبِّ القوانين المغرية والملذات : لشارح ٍ يرتجل أنفاسي وجــوماً .. زاحفاً إلى تصاريف الهذيان وتفاصيل الأجساد في مسلــَّة التأنيث فيدخل إلى عالم الانعكاس ليجعل صورته تراه في عالمها وهو لا يرى إلا جزءه المنحوت من الهشيم المخفي ب( الأنا ) حيث نوه إليها ب ( ياء المتكلم) ليستمر بتعريفها واصفاً إغراءها وكيف ثقبت مجلس تفكره من الأعلى إلى الأسفل حين أشار في قوله ( مجلس التعريب) . آه ٍ من فضيحتي صورتي تراني وانأ لا أرى سوى رفات ٍمنحوت ٍ قدَّرهُ النحاة .. أخفى .. يُخفى بياء المتكلم التي قذفتها سرايا أبابيل كأنها سجيلٌ من ياقوت سقطت على مجلسٍ التعريب .
ينهي الشاعر فحوى قصيدته متمنيا أن يعود إلى رشده فتبتلعه نون الندامة ( والتي يمكن أن تكون الحوت الذي بلع يونس (ع) قاصدا البلاء الذي يهذب النفوس ) وهي بالطبع الحرف الأول من كلمة الندم . إلى ان ينكر بان عسى لم ينلها قائل بها أي أن تفكيره بالتوبة هو مجرد هراء .
فعسى أن تبلعني نون الندامة فأكون من المسبحين واستقري عجلاتي بالتوبة في حولقاتٍ تشفيني من هالة التـَشظي ومن عربدة ٍ توسَّدتها الحمّى في أراجيح الضباب عسى أن أتسامى مطراً يندى على ثغر الصباح أنشودة ً لطفلٍ يتيم أو شعراً لا يتثاءبُ وحيهُ بالتفاعيل مستقبلاً قاطرة الصبرْ عسى ، هل نال قائلها يوما ً مازالت مهرولة ً في رحم ِ المجهول ْ. عبد الكريم التميمي / الرياض
#عبد_الكريم_التميمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حماس تدعو لترجمة القرارات الأممية إلى خطوات تنهي الاحتلال وت
...
-
محكمة برازيلية تتهم المغنية البريطانية أديل بسرقة أغنية
-
نور الدين هواري: مستقبل واعد للذكاء الاصطناعي باللغة العربية
...
-
دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في
...
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|