أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - موت بائع متجول للكاتبة الأمريكية يودورا ويلتي















المزيد.....


موت بائع متجول للكاتبة الأمريكية يودورا ويلتي


خليل الشيخة
كاتب وقاص

(Kalil Chikha)


الحوار المتمدن-العدد: 2767 - 2009 / 9 / 12 - 10:24
المحور: الادب والفن
    


مَوتُ بَاْئِعٍ مُتَجَوْل
يودورا ولتي
ترجمة : خليل الشيخة
ر_ج. بومان، الذي تنقل لمدة أربع عشرة سنة لحساب شركة الأحذية عبر ولاية المسيسبي. قاد سيارته الفورد على طول طريق متسخة وعرة. كان يوماً طويلاً والوقت لم يتجاوز الظهيرة بعد، والشمس قد احتفظت بقوتها هنا حتى في فصل الشتاء ماكثة في كبد السماء، وفي كل مرة يطل بومان برأسه من نافذة السيارة المغبرة ليتفرس الطريق، تمتد يده الطويلة، بين الحين والآخر، تضغط على رأسه وقبعته فتجعله يحس بغضب وعجز، لقد كان محموماً وأيقن بأنه يسلك الطريق غير الصحيح، فهذا يومه الأول الذي خرج فيه بعد حصار أنفلونزي مرير، وغدا ضعيفاً شاحباً لدرجة تكفي ليصبح مهووساً بالمرآة، ولم يعد قادراً على التفكير بذهن صافٍ طيلة ساعات الظهيرة، ففي ثورة غضبه، وبدون أدنى سبب كان قد خطر على ذهنه جدته المتوفاة، التي كانت تتمتع بروح وديعة، وتمنى أكثر من مرة في صغره لو أنه سقط على ذلك السرير الريشي الواسع الموجود في غرفتها، لكنها غابت عن ذهنه كلياً... "يا لهذه البلدة المرتفعة المقفرة"!
تخيل نفسه أنه قد سلك الطريق الخاطئة وبأنه عائد من حيث أتى، وعبثاً حاول إيجاد بيت على مدى بصره ولكن، الآن، حتى رغبة عودته إلى سرير مرضه قد تلاشت، فقد أكد الطبيب شفاءه التام من مرضه بعد دفعه للفاتورة. لم يكن بومان متحسراً على الممرضة الجميلة التي غادرته مودعة، ولم يشعر بنفسه إلا وهو يهديها سواراً ذهبياً ثميناً.
كره أيام مرضه، وارتاب منه كما يرتاب الآن من الطريق الخالي من اللافتات التي أثارت غضبه، ماذا لو خلت السنوات الأربع عشرة من مرض أو حادث سيارة! فإنه يكون بذلك قد حطم رقماً قياسياً. بدأ يتساءل حول هذا الأمر.. وبالتدريج كان يزور فنادق جيدة في المدن الكبيرة ولم يكن هذا كل شيء، لأن هذه المدن كانت شديدة القيظ في الصيف وباردة في الشتاء.
نساء..تذكر الغرف الصغيرة داخل غرف أخرى كعش من صناديق ورقية صينية، وكلما فكر بامرأة خطر إلى ذهنه مفروشات تلك الغرف الموحشة، ففي الفندق يقف أمام المرآة مرتدياً قبعة سوداء ذات إطار عريض فيبدو كمصارع ثيران، وتراه صاعداً هابطاً على درج الفندق.
وما أن أخرج رأسه من نافذة السيارة حتى أحس بوهج الشمس المحرقة، أراد بومان أن يصل إلى (بيلا) ليلاً لينطرح في السرير ويريح نفسه المرهقة، ولكنه تذكر أن (بيلا) كانت على بعد خمسين ميلاً عندما رآها في البلدة السابقة ذات الطريق المفروش بالحصى.
ـ هذه سكة للأبقار.. كيف وصل إلى مكان كهذا، تساءل ماسحاً وجهه بيده ثم أعادها إلى مقود السيارة، لقد أتى إلى (بيلا) من قبل، ولم ير مثل هذه الهضبة وهذا الطريق وتلك السماء المتلبدة.
ـ يا له من أمر مخجل، نظر حوله بسرعة، لماذا لا يقر ويعترف بأنه أضل الطريق وابتعد عن مبتغاه. لم يكن من عادته أن يسأل الغرباء عن الطريق، وعلاوة على ذلك فإن هؤلاء القرويين لا معرفة لهم إلاّ بحقولهم، وليس هناك ثمة إنسان قريب منه ليسأله، فمعظمهم كانوا بعيدين عنه، ربما كانوا يبذرون الحبوب في الحقول أو على قمة البيادر، فجأة، استدار على صرير عجلات السيارة التي تقتطع وراءه أوحال الطريق بأشكال مستديرة كالكوسا الأصفر، بينما تبعته أنظار القرويين من بعيد كجدار صلب متسائلين عن هذا الغريب الواطئ أرضهم.
تجمعت الغيوم في جانب واحد في السماء، وكأنها مخدة طويلة كالتي على سرير جدته، ثم انتقلت إلى طرف الهضبة فوق شجرتي سرو سامقتين، بينما كانت عجلات السيارة تضغط على أوراق الأشجار الشاحبة المتناثرة على طول الطريق، فينبعث صوت أنين كئيب يصل إلى أذنيه.
كان يقود السّيارة بدون وعي، وفجأة وجد نفسه على حافة منحدر متآكل، فاتضح أنه في نهاية الطريق، ضغط بكل ما أوتي من قوّة على مكابح السيارة، إلا أنها اهتزت وتدحرجت باتجاه الهاوية، وبدون شك فإنها ستسقط في الوادي. خرج منها بهدوء رغم الاضطراب الذي انتابه. رفع حقيبة الأحذية ثم وضعها على الأرض وشرع يراقب السيارة وهي ترتمي في الهاوية، لم يسمع حطاماً، بل خشخشة منبعثة من الأسفل، انحنى ونظر إلى الوادي فوجد سيارته قد حطّت على عريشة ضخمة وارتاحت كأنها طفل في مهده، فشعر بالارتياح لأنه لم يكن بداخلها، ثم مالت بلطف نحو الأرض، تنفس الصعداء، ثم تساءل مندهشاً:
"أين أنا؟ ولماذا لم أقم بفعل شيء ما؟"
بدأت ثورة غضبه واهتياجه تنساق بعيداً عنه، فقد رأى بيتاً وراءه على التلة. حمل حقائبه وبرغبة كرغبة الأطفال ذهب متجهاً إلى البيت، كان يلتقط أنفاسه بصعوبة، فتوقف وارتاح قليلاً، بدا الكوخ بغرفتيه وكأنه صنع للصيادين الذين يأوون إليه طلباً للراحة، جثم بومان على التلة، ورأى أن الكوخ يميل للأسفل تحت العريشة الثقيلة التي فرشت سطحه بأغصانها الخضراء الهاربة من فصل الصيف، شاهد امرأة تقف في الممر، فتسمر في أرضه وأحس بأن في قلبه سهماً نارياً، فلم يعد يقوى على التفكير، وغدت ضربات قلبه المنتفضة عشوائية قوية، خفقان بدون ضجة، ريثما سقط كالغَمْرُ أوقعته الشباك.
استقام ولملم ما تبقى بداخله من قوة قاصداً المرأة وقال :
ـ نهار سعيد يا سيدتي.
لم يسمع دقات قلبه الآن، فقد سكن كرماد يتساقط، وانبعثت في نفسه الطمأنينة، إنه لشيء رهيب لبومان أن يكتشف ضعف قلبه، ومع سكون اضطرابه ألقى بحقائبه التي تكومت ببطء ووداعة على العشب الأشيب قرب باب الدرج. أحس بومان أن المرأة الواقفة مسنة وليس بوسعها أن تسمع خفقات قلبه التي تجاهلها هو بدوره أيضاً.
نظر إلى المرأة حذراً مشدوهاً. كانت تنظف قنديلاً متسخاً، وكأنها انتهت من النصف المقابل لها وما زال النصف الآخر أسود. وقفت في الممر المظلم بجسمها الضخم المكتنـز، وأثار الطقس بادية على وجهها الخالي من التغضن، شفتاها مطبقتان وعيناها البراقتان تنظران إليه ببلادة وفضول، رنا إلى حذائها الشبيه بأحزمة مترابطة، وتساءل .. لو أن الطقس صيف لرأيتها حافية القدمين.
لقد اعتاد بومان أن يقدر عمر المرأة من نظرة واحدة، فقدر عمر تلك المرأة بخمسين سنة. كانت ترتدي ثوباً بسيطاً ذا قماش خشن رمادي، جفف من الماء بطريقة سيئة، تظهر منه ذراعاها الورديتان المستديرتان، وقد حافظت على صمتها وتنظيفها للقنديل. أردف بومان ثانية:
ـ نهار سعيد يا سيدتي..
كانت تحدق، لكن لم يعلم بومان بأنها تحدق فيه أم في شيء آخر، ثم أخفضت عينيها لتصغي إلى ما سيقول.
ـ أتساءل فيما إذا كان بوسعك أن تساعديني! قال بومان.. هناك حادث.. سيارتي.. فردت بصوت منخفض كأنه آتٍ من بحيرة نائية.
ـ صوني.. هل أنت هنا؟..هل أنت هنا الآن..
فكر بومان، هل صوني هذا قادر على إخراج سيارتي. أشار بومان إلى أسفل التلة:
- سيارتي في تلك الحفرة وأنا بحاجة إلى مساعدة. ردت المرأة ثانية:
- صوني.. أأنت هنا؟.. إنه ليس هنا !.. توضح لبومان أن صوتها قوي وتبدو كأنها بلهاء. غدا الأمر لا يحتمل، فقدان الطريق وانتظار هنا، إنه لأمر ممل، تنفس قليلاً وسمع صوته يعلو فوق نبضات قلبه: لقد كنت مريضاً.. لست قوياً بعد، فهل بإمكاني الدخول؟ انحنى بومان ووضع قبعته السوداء على قبضة حقيبته وأحس بتيار يصعقه، رنا إلى المرأة، والرياح تعبث بخصلات شعره، كان بوسعه أن يستمر فترة طويلة على الوضع غير المألوف إلا أنه لم يكن رجلاً صبوراً، فعندما كان مريضاً اعتاد أن يستكين لتلك الوسائد خانعاً منتظراً دواءه وهو الآن بانتظار جواب المرأة.
نظرت المرأة إليه بعينين زرقاوين واستدارت وأبقت الباب مفتوحاً، انتصب بومان مقتنعاً بصحة تصرفاته ولحق بها إلى الداخل، وما أن دخل الغرفة حتى لامسه ظلامها كيد ناعمة وادعة. وضعت القنديل نصف المنظف على الطاولة؛ وأشارت بيدها ترشده إلى كرسي ذي مقعد أصفر صنع من جلد بقري، ثم ركنت قرب الموقد ساحبة ركبتيها تحت ردائها البسيط. أحس بالطمأنينة بادىء الأمر، ريثما بدت الغرفة كئيبة بجدرانها المؤلفة من ألواح الصنوبر الصفراء، وكان بإمكانه رؤية الغرفة المجاورة مع سرير ذي قوائم حديدية عبر الممر وعليه ملاءة مزركشة بألوان زاهية؛ تبدو كخريطة أو صورة ملونة كالتي رسمتها جدته في صباها عن احتراق روما.
كانت الرطوبة قوية في الغرفة فأحس بالبرودة. ركز عينيه على الموقد وعلى الأوعية المتوزِِِِعة في الزاوية؛ لقد رأى المدخنة الحجرية بدخانها الذي يلتف حول الهضبة وتساءل.. ليس ثمة نار في الموقد.! عندها، خيم السكون وانتشر صمت الحقول في المنطقة وتسربت الرياح إلى القاعة وأحس أنه في خطر غامض موحش، عليه أن يفعل شيئاً ما! أن يتكلم، قال :
ـ معي عدد من الأحذية النسائية الجميلة ذات أسعار منخفضة. لكن المرأة أجابت :
ـ صوني سيحضر، فهو قوي وشجاع، سيخرج سيارتك.
ـ أين هوالآن ؟
ـ إنه يعمل في مزرعة السيد ريدموند
ـ السيد ريدموند ! أحس ببهجة لهنيهة ريثما اكتشف أنه لا يعرف صاحب الاسم، شعر بالقلق وتمنى أن يبتعد عن أسماء هؤلاء الرجال المجهولين ومزارعهم.
ـ هل تسكنا معاً لوحدكما؟
اندهش لسماع صوته المعتاد المليء بالثقة والمؤثر وكأنه خصص لبيع الأحذية، فسؤال كهذا لا يهمه معرفة جوابه.
ـ نعم نحن وحيدين.. استغرب طريقة إجابتها التي استغرقت فترة طويلة وأومأت برأسها أيضاً، هل أرادت من وراء ذلك أن تخبره بأن ثمة شيئاً على وشك الحدوث، تساءل في سره باضطراب: ربما لا تريد تقديم يد العون له، أو ربما يتوجب عليه أن يتكلم إليها أكثر؛ فلقد عاش ما يقارب الشهر ولم يتحدث إلى أحد، بل واجه هلوسات في رأسه وحمى في جسمه، يا لهذه الدنيا، تركته ضعيفاً تحت رحمة الآخرين.
تعالت نبضات قلبه، حتى غدا فؤاده ينتفض كالسمكة في الشباك، تساءل طويلاً: لماذا لم تنتهِ المرأة من تنظيف القنديل المتسخ حتى الآن؟ وماذا دهاها لتبقى صامتة في الغرفة المقابلة؟ لقد ارتسمت على وجهها علامات الشجاعة والثقة، ربما لم تتكلم معه لسبب يرجع إلى خجلها من الغرباء، واستمر يراقب يديها الملتفتين على بعضهما كالملقط، وفجأة قالت:
ـ هذا صوني، إنه آت. لم يسمع بومان وقع أقدام، بل رأى رجلاً يعبر أمام النافذة ويدخل البيت مع كلبين للصيد، كان طويلاً وممتلئاً، وعلى خصره حزام تدلى على وركه، بدا في الثلاثين من عمره واكتسى وجهه حمرة وصمتاً، بنطاله موحل، وسترته عسكرية مموهة، تساءل بومان بدهشة: سترة من الحرب العالمية.. يا إلهي.. يا لها من سترة تشبه البدلات الاتحادية، أحس بومان بأنه يستخف به عندما لاحظ أنه ما زال يضع قبعته السوداء القذرة على رأسه، دفع بكلبيه بعيداً عن صدره، كان قوي البنية، وتنم حركاته عن وقار ورزانة، بدا كأنه نسخة لوالدته، وقفا بجانب بعضهما بعضاً، وأحس بومان بضرورة الإعلان عن وجوده أمام الرجل.
ـ صوني.. هذا الرجل سقطت سيارته في الحفرة، ويريد أن يعرف إذا كان بوسعك مساعدته.
قالت المرأة ذلك بعد لحظات.
لم يكن بإمكان بومان حتى التحدث في قضيته، استقرت أنظار صوني كلها عليه، فظن بومان أنه من الواجب التوسع في شرح مشكلته وتقديم شيء من النقود ليبدو أكثر وجاهة وهيبة، مر صوني بجانبه تتبعه قفزات كلبيه وتطلع إلى الخارج، كان يبذل جهداً حتى في الطريقة التي ينظر بها، وكأن باستطاعته أن يرمي بنظره بعيداً كحبل، أحس بومان أن عينيه لم تعد بإمكانهما أن تريا شيئاً، فالمسافة بعيدة جداً.
قال صوني:
ـ علي إحضار بغل وحبل.. وقريباً سأخرج سيارتك.
نظر في أرجاء الغرفة كأنه يتأملها، وتاه بصره داخلها، ثم أطبق شفتيه بثبات، ومشى والكلبان أمامه بخطوات واسعة وثابتة، عندما سمع بومان وقع خطوات الرجل قفز قلبه، وأحس به يعدو بداخله. قالت المرأة: "صوني سيخرجها "رددت العبارة بلحن موسيقي، وهي تجلس قرب الموقد. سمع بومان مطاردة بعض الحيوانات على الهضبة، بعد لحظات خرج صوني ومعه بغل بني ذو أذنين مخمليتين، نظر البغل داخل النافذة فأشاح بومان برأسه وشاهد المرأة تبادل البغل نظراته، وقد ارتسم الارتياح على وجهها، تكلمت بنغم عذب فظن أن صوتها جميل، لكنها لم تكن توجه الكلام إليه، إلا أنه شعر بفضول غريب ينبعث بداخله للكلام.
الآن، عندما خفق قلبه، خفقت معه روحه كمهر يتلاشى، حدّج في المرأة قليلاً، وبدأت أحاسيسه المختلطة تهز كيانه. لم يستطع الحراك، رآها تشبك يداً بأخرى، أراد أن يقول لها شيئاً لكنه أحس بالعجز. حاول أن يخبرها بمرضه، وكم كان يشعر بالوحدة، وأن قلبه يبذل مجهوداً فوق طاقته، وأنه أضحى يرفض هذا الفراغ، وبرغم كل هذا فإن قلبه المريض يصبو وينتظر الربيع الآتي، تعالي وامكثي في قلبي لتري أنه سيغمرك حباً كشلال دافق يجرك لأعماقه.
مسح وجهه بيده المرتجفة ورنا إلى المرأة الجاثية بصمت داخل الغرفة والتي تبدو كتمثال، وعندما أقبل الأصيل، كانت أشعة الشمس تلامس الوعاء الموضوع على الموقد، فكر بومان: غداً وفي مثل هذا الوقت سيكون قائداً لسيارته على طريق حصوي آخر، وأحس بالغبطة حين فكر بذلك، كما أنه أيقن بأن لا وقت لديه لإضاعته مع امرأة عجوز كهذه، وهنا وعلى حين بغتة، ولدت في داخله قوة جديدة أخذته بعيداً عن المكان.
ـ أظن أن صوني قد أخرج سيارتك الآن - قالت المرأة - وهو لا محالة سيخرجها من الوادي..
ـ حسناً، صاح بومان بلهجة حماسية، بدأ الظلام يزحف إلى الوادي، كان بومان منكمشاً في كرسيه، ففكر بأن ينهض ويذرع الغرفة بخطواته منتظراً الرجل، هناك شيء غامض في هذا السكون، أصاخ سمعه، وهدأت أنفاسه وأصبحت عيناه عاجزتان عن رؤية ما في الخارج بسبب الظلام المتزايد، أرهف السمع إلى أصوات ناعمة متتابعة ذات لحن جميل منبعثة من الخارج، لم يستطع تفسيرها " ما هذه الضجة" سأل بومان مخترقاً صوته الظلام، وخشي أن لا تكون الضجة إلا خفقات قلبه الصاخبة.
ـ ربما تسمع صوت الماء في الجدول.. قالت المرأة بازدراء وهي تقف بجانب الطاولة فأتى صوتها قريباً، تساءل بومان كما فعل من قبل، لماذا لم تشعل المرأة القنديل في الظلمة حتى الآن! قرر ألا يتكلم إليها مرة أخرى، وراوده تصور بألاّ يخطر في باله أنه سينام في تلك الغرفة ذات الظلمة البلهاء، اتجهت إلى النافذة ومدت يدها مشيرة على امتداد العتمة.. "تلك البقعة البيضاء هناك هي صوني". أدار وجهه إليها ثم أخذ يسترق النظر من فوق كتفيها متردداً في الوقوف إلى جانبها، بحثت عينيه في الهواء المثخن بالسواد، فوجد تلك البقعة التي أشارت إليها كورقة في نهر وكأنها قد أرته شيئاً سرياً للغاية، أشاح بوجهه بعيداً يحاول مقاومة دموع لم يحن لها أن تذرف بعد، إلا أنها التزمت بصمت كصمته، وعندما دخل صوني اهتز البيت مع خطواته فانحنت المرأة إلى جانبه. " لقد أخرجت سيارتك يا سيد " قال صوني من دون أن يراه. " وهي الآن تنتظر على الطريق هناك "..! "حسناً " قال بومان بلهجة لا تخلو من حزم وتابع :
ـ أنا ممتن جداً لصنيعك، ولا أظن أن بوسعي إخراج السيارة كما فعلت أنت.
ـ إنها لأمر سهل.. قال صوني. كان بوسعه أن يحس بانتظارهما وبإمكانه أيضاً سماع الكلبين اللاهثين في الحديقة ينتظران خروجه ليشرعا بالنباح، أحس بالعجز، هل باستطاعته الرحيل الآن؟ وكيف يرحل وصدره يهتز بتأثير ضربات قلبه؟ لابد أن هناك سراً يسعد هذين المخلوقين على رغم عيشتهما البدائية، فلقد أدرك تلك السرعة التي تركته فيها المرأة واتجهت إلى صوني، وها هوالآن يرتجف برداً، وبدون وعي أدخل يديه في جيبيه ينشد الدفء.
ـ بالطبع سأدفع لك أجرك.
ـ نحن لا نأخذ نقوداً لأجل ذلك.
ـ لكن أريد أن أدفع.. وهل بإمكاني قضاء الليلة هنا؟ خطا نحوهما، لو رأياه لعرفا صدقه وحاجته، تابع يقول: أنا لست قوياً بعد، وليس بوسعي السير لمسافة بعيدة، حتى إلى سيارتي.. لا أعرف أين أنا الآن؟
" توقف يحاول مقاومة دموع بحاجة لأن تنفجر، ماذا سيظنون به، اقترب صوني منه ووضع يده على كتفيه فأحس بومان بنشوة :
ـ أنت لست موظف ضرائب متسلل إلى هنا؟
استجمع بومان ما تبقى من قواه ثم قال : " لا "
ـ باستطاعتك البقاء.
ـ صوني- قالت المرأة - عليك أن تستدين قليلاً من الحطب.
ـ سأستدين من السيد ريدموند..قال صوني.
ـ ماذا؟
سأل بومان وهو يحاول أن يسمع كلمات أشبه أن تكون همساً.
ـ انطفأت نارنا وعلى صوني أن يحضر شيئاً منها، فإنها ليلة مظلمة وباردة.
ـ لكن أعواد الثقاب.. معي أعواد ثقاب.
ـ لسنا بحاجة إلى الكبريت. قالت بزهو وعظمة.
ـ أنا ذاهب إلى السيد ريدموند.. قال صوني بجدية ثم مضى.
وبعد أن انتظروا قليلاً؛ نظر بومان من النافذة فرأى شعاعاً متحركاً على الهضبة، متوزعاً بشكل دائري كمروحة تتأرجح في الحقل يميناً ويساراً، دلف صوني إلى الغرفة واضعاً الحطب في الموقد وقد أحضر خلفه حطبة مشتعلة.
ـ سنشعل النار الآن، قالت المرأة. وما أن تأججت النار في الموقد حتى أشعلت القنديل، فتعثر الضوء من الجانب الذي لم ينظف، وأضحى لون الغرفة أصفر ذهبياً كلون الأزهار. اتجهت المرأة إلى الوعاء الحديدي ووضعت حطبة متوهجة على غطائه فأصدرت صوتاً كناقوس ناءٍ، نظرت إلى بومان فوجدته منكمشاً في كرسيه من البرد والخوف.
ـ هل تحب أن تشرب شيئاً يا سيد؟ سأل صوني وهو يحضر كرسياً ذا مسند ليجلس عليه.
ـ نعم يا سيدي ، ممتاز.. شكراً.
ـ تعال ورائي وافعل ما أفعل، اتجها من خلال بهو صغير إلى البيت، ثم عبرا بئراً متدفقاً ووصلا إلى أجمة كثيفة الأشجار.
ـ اجث على ركبتيك.. قال صوني.
ـ ماذا.. تساءل بومان والعرق يتفصد على جبهته، أدرك ما يعنيه صوني عندما شرع بالزحف عبر خندق غطته أغصان أشجار تمددت على الأرض. تبعه لكن لم يستطع أن يمنع نفسه من رعشة كانت تنتابه عندما تقترب منه عوسجة أو شوكة تلامسه بلطف دون أن تصدر صوتاً، تلتصق به كأنها تلثمه ثم تتركه، توقف صوني عن الزحف وجثا على ركبتيه، وبدأ ينبش الأوساخ المتكومة.
أشعل بومان عود ثقاب وأنار المكان، فظهر إبريق من الويسكي، سكب قليلاً منه في زجاجة كانت موضوعة في جيب سترته، وأعاد دفن الإبريق ثانية.
ـ أنت لا تعرف من هو المسؤول الذي يمكنه أن يطرق بابك؟ قال صوني ضاحكاً.. هيا بنا لنعد، فليس لنا حاجة إلى أن نشرب خارج البيت كالخنازير.
على الطاولة جلسا أمام بعضهما بعضاً وشرعا يعبان من زجاجة الويسكي، في ذلك الوقت، هدأ الكلبان واستسلما للنوم، أحدهما كان مستغرقاً في أحلام جميلة.
ـ إنه لشيء جيد.. قال بومان.. هذا ما كنت أريده.
أحس وكأنه يتجرع نار الموقد.
ـ لقد فعلها.. قالت المرأة بزهو بالغ، كانت تدفع الحطب إلى طرف القدر ورائحة خبز الذرة والقهوة تملأ أرجاء الغرفة، وضعت كل شيء على الطاولة قبل أن يأتي الرجلان، وبسكّينة كالساطور ضربت حبة من البطاطا فظهرت أحشاءها الصفراء الذهبية. بعد ذلك وقفت ترمقهما للحظات حيث كانا يجلسان، اتجهت نحوهما وقالت :
" بإمكانكما أن تتناولا الطعام الآن ".
وبشكل مفاجئ ابتسمت. بومان الذي كان لتوه ينظر إلى المرأة، وضع كوبه على الطاولة بطريقة تدل على رفضه وإنكاره، لابد أن ألما قد أصاب عينيه، فهذه المرأة ليست عجوزاً، إنها شابة وديعة، لم يخمن مقدار سنوات عمرها، لكنها بعمر صوني وتربطها به علاقة حميمة، وقفت في زاوية الغرفة الداكنة المظلمة، فتَسلط الضوء الشاحب فوق جسدها، عندما انحنت فوقهما وبدأت تتضح تلك العلاقة الأسرية التي تجمعهما، لقد كانت شابة ذات أسنان مشعة وعينين براقتين، استدارت وجرت خطواتها ببطء وثقل خارج الغرفة، سمعها تجلس على فراشها الصغير ومن ثم تتمدد :
ـ إنها على وشك أن تلد طفلاً. قال صوني عاضاً على شفتيه، لم يستطع بومان الكلام، كان مصدوماً بمعرفة حقيقة ما يدور في هذا المنـزل. زواج ! زواج مثمر. إن هذا الأمر لشيء عادي بوسع أي إنسان القيام به، أحس بعدم قدرته على أن يكون غاضباً أو مستاءً لما حدث بالرغم من هذا الهزل الذي أحسه، ليس ثمة شيء غامض أو مبهم، إنه شيء خاص وهذا كل ما في الأمر، السر الوحيد هو تلك العلاقة الوطيدة بين هذين الشخصين، ولكن مجرد تذكّره لانتظار المرأة بصمت قرب المدفأة الباردة، ورحلة الرجل القاسية لإحضار الحطب والتي استغرقت ميلاً، وكيفية تجهيز الطعام والشراب بزهو يملأ الغرفة، كل تلك الأمور كانت كافية لطرد شبح الدهشة من ذهنه.
ـ يبدو أنك جائع، قال صوني.
خرجت المرأة من غرفتها حالما عرفت أنهما انتهيا من تناول الطعام، تعشت وأخرجت ما تبقى من طعام إلى الكلاب، بينما كان زوجها يتأمل تلك النار المتأججة.
ـ أعتقد أنه من الأفضل لي أن أنام هنا على الأرض قرب المدفأة.. قال بومان.
شعر لبرهة أنه قد خدع نفسه بطلب كهذا، لكن عليه أن يكون أكثر شهامة ونبلاً، فبالرغم من مرضه، فإنه لم يطلب منهما النوم في سريرهما، لقد ناشد هذا البيت طلبا لمعروف والآن اتضح له أسراره.
ـ بالتأكيد يا سيد، قال صوني.
لم يكن واضحاً لديه كم كان استيعابه لذلك الأمر بطيئاً، ليس لديهما رغبة للتخلي له عن السرير، وبعد فترة وجيزة نهضا ونظرا إليه برزانة واتجها إلى الغرفة الأخرى، ظل متمدداً قرب النار حتى بدأت أشعتها تتلاشى وتموت، تأمل ألسنة لهيب النار وهي تتآكل وتخمد.
ـ سيكون هناك رخصة أسعار خاصة على كل الأحذية خلال شهر يناير، وجد نفسه يردد العبارة بهدوء ومن ثم استسلم للنوم بشفتين مطبقتين.
يا لها من ليلة صاخبة، لقد سمع عاصفة هوجاء وناراً تموت، وكان متأكداً من سماع نبضات قلبه تخفق بعنف، ذلك الصوت المنبعث من ضلوعه، تسلل إلى سمعه أنفاس الرجل وزوجته من الغرفة المجاورة، أنفاس عميقة وروتينية، وتولد في نفسه أمنية أن يكون الطفل الذي تحبل به المرأة ابنه.
عليه العودة من حيث أتى، وقف أمام تلك الخشبات الحمراء ذات الوهج المنهك وارتدى معطفه، أحس بثقل على كتفيه، وبينما كان خارجاً رأى القنديل نصف المنظف على الطاولة، أراد أن يفرغ كل ما في جيبه من نقود ويتركها لهما. تناول حقائبه ومضى، وما أن أطل برأسه خارجاً حتى أحس بعاصفة الرياح القارصة تدفعه محاولة حمله بعيداً، كان القمر ما يزال يرسل بأشعته الواهنة، وأخذ الطريق المنحدر يشده إلى الأسفل، وما إن وصل إلى سيارته حتى عاد قلبه يدق بداخله كطلقات بندقية..بم..بم. ترنح قليلا ثم هوى غائصاً في الطريق مع حقائبه. أحس أن كل هذا، شيء معتاد، وضع يديه على قلبه وكأنه يمنع تسرب الضجيج منه.
ولكن لم يكن ليسمعه أحد.
_____________________________________-
يودورا ولتي
Eudora Welty

كاتبة أمريكية (1909- 2001). كتبت القصة القصيرة والرواية، وحازت أعمالها على عدة جوائز منها جائزة (بليتزر- Pulitzer) لأعمالها الأدبية عام 1973. ولدت في ولاية مسيسبي في مدينة جاكسون حيث قدم أهلها من الشمال الأمريكي. تخرجت من جامعة (واسكانسن) في عام 1929 ثم قررت أن تكمل دراستها العليا في مجال الإعلان لكنها لم تستسغ تلك الدراسة، فهجرت مقاعد الجامعة باحثة عن متعة ترتاح لها، فوجدتها في مجال الأدب، حيث نشرت أول قصة هي التي ترجمناها (موت بائع متجول) في عام 1936 في مجلة ليست واسعة الانتشار، وهي بالطبع غير المسرحية ذات نفس الاسم المعروفة للكاتب آرثر ميلر.
بدأ مشوارها الأدبي بنشرها مجموعة قصصية بعنوان (الستائر الخضراء) عام 1941، حيث رسمت في تلك المجموعة شخصيات جنوبية بسلوك وطبائع تملؤها الغرابة، ثم تبعتها بقصة طويلة عام 1942، وما أن أتى عام 1943 حتى كانت قد نشرت مجموعتها الثانية بعنوان (الشبكة العريضة)، وبعد ثلاث سنوات نشرت روايتها (زفاف الدلتا) وهي تشرح حياة الناس في الجنوب الأمريكي من منظار طفلة عمرها تسع سنوات حيث جسدت أفكارها وصورها الرائعة ضمن أطر إنسانية بليغة، وأتمت رواية أخرى عام 1964 حول شخصيات جنوبية ساخرة، ثم نشرت أعمالها القصصية الكاملة عام 1980؛ تفرغت بعدها إلى كتابة مشوار حياتها الأدبية، وهي عبارة عن سيرة ذاتية مفعمة بالخبرة في مجال الأدب، حيث تركت هذه الخبـرة بصمة دامغة في تاريخ الأدب الأمريكي والعالمي، فقد تجلى في أسلوبها الواقعي النقدي عاطفة إنسانية فياضة، وعرفت بطريقة بارعة كيف تغوص في كوامن النفس البشرية وهواجسها وتقلباتها الداخلية بحسب الظروف المحيطة.




#خليل_الشيخة (هاشتاغ)       Kalil_Chikha#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرحيل
- إصدار المجموعة المترجمة (رسالة إلى السماء)
- من أجل غرين كارد
- إصدار غابة الذئاب - تعليق خليل السواحري
- نفاق
- علم تحليل الشخصية - الشخصية اليقظة
- من العم توم الى باراك اوباما
- قراءة في كتاب (الرقيق) – ميندي نزار *
- إصدار كتاب إنطباعات الزمن الفائت
- ماوراء أعياد الربيع....سانت باتريك - النيروز - الفصح
- قراءة في رواية -عمارة يعقوبيان- لعلاء الاسواني
- تركيز الثروة العالمية بين أفراد
- تركها زوجها وفر مع صاحبته الامريكية
- الذات العربية والكيان الاسرائيلي
- قراءة في مجموعة (الكلاب) من الكاتبة ريما فتوح
- مشكلات التنمية في الوطن العربي
- الثقافة العربية ومرحلة الضياع
- الأصولية والغطاء الديني
- الابعاد الفنية للشخصية السياسية عند شارلي شابلن
- المجتمع والثورة


المزيد.....




- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - موت بائع متجول للكاتبة الأمريكية يودورا ويلتي