أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رباح آل جعفر - أباطيل يوسف نمر ذياب في زنبيل !!














المزيد.....


أباطيل يوسف نمر ذياب في زنبيل !!


رباح آل جعفر

الحوار المتمدن-العدد: 2763 - 2009 / 9 / 8 - 21:11
المحور: الادب والفن
    


مات يوسف نمر ذياب ، بعد حياة طويلة ، عريضة ، شقّها بأسنانه ، وسط الأشواك ، والصخور ، ذاق فيها كل ألوان البؤس ، والفقر ، والحرمان ، والإحباط ، وخواء الجيوب .. وطال المرض بيوسف قبل أن يفتك به ، وينخر عظامه ، وكان مقدّراً له أن يرى بعينيه حقائق من حوله كئيبة ، ليترك خلفه إرثاً من الجراح ، والذكريات المريرة .
ولقد راعني منظره آخر مرّةٍ رأيته .. كان عليلاً ومنهكاً للغاية ، وكان منظره يدعو إلى الأسى ، وعيناه متقرّحتان ، وفي وجهه بثور ، وتبيّنتُ وأنا أتفرّس في وجهه ، أنه تحمّل صدمات في الحياة لا لزوم لها .. وقال لي في أسىً بالغ : لقد علّموني لماذا تجدب الصحارى .. فمن يعلّمني لماذا تجدب القلوب ؟!.
وكان يتفّحصني بعينين ، نصف نائمة ، نصف مفتوحة ، كلّما زرته في منزله ، وكانت صومعته هادئة ، هدوء المقابر ، ووجهه كله يرتعش ، ثمّ يسحبني من يدي لنذهب إلى مقهى يرتاده بالقرب من منزله في منطقة الكرادة .. وفي هذا المقهى تعرّفت بعشراتٍ من نماذج بشرية ، ليس لها مثيل في الكون ، ولقد انبهرت بالمقهى ، وبالناس الجالسين في خيلاء ، وهم يتبادلون المجاملات ، ويبيعون الكذب ، وبالنادل الذي كان يبدو أنيقاً ، ووسيماً ، مثل نجوم السينما المشهورين ، وقد همس في أُذني ذات مرّةٍ ، يقول : الكاتب كالفرّاش ، كلاهما يمكن الاستغناء عنه في أيّ لحظة !.
وفجأة ، ودخان ( الأراكيل ) يعمي عيوننا ، إنطلقت مني ضحكة لم أستطع كتمانها ، ضحكة طويلة عميقة ، صافية ، وسألني يوسف : لماذا تضحك ؟، ورويت له مشهد الرجل الوقور ، الذي يلعب معهم ( الدومينو ) وهو يعمد إلى إخفاء ( الدوشش ) ليربح اللعبة ، وسمعته يحلف الأيمان المغلظة ، بأنه لم يخسر غير مرّتين ، وهو يعلم علم اليقين ، أنه خسر ثلاثاً … ثمّ تعالت الأصوات ، والضحكات ، والنكات !.
وكان يوسف يشعر وهو يلعب ( الدومينو ) بنفس النشوة التي كان يشعر بها تشيكوف أثناء كتابة قصة ، وبنفس السعادة التي كان يشعر بها رمسكي كورساكوف ، وهو يؤلّف شهرزاد ، وكان غريمه في اللعب رجلاً أعرج يشبه كثيراً الشخصيات التي تزخر بها قصص جوركي ، وكنت كلّما التقيته على رشفات الشاي الساخن ، راح يحكي لي متاعبه في الحياة ، متاعب لا حصر لها ، ويشكو من الأقلام التي سبحت في بحر النفاق ، وما أصاب الحياة الثقافية في العراق من قحط ، وما حطَّ على اتحاد الأدباء من بلاء ، وقد عفّ علينا كالطير عدد من كتّاب الصف العاشر .. وكان يبدو عليه الغيظ الشديد ، وقد ملَّ حياته ، وضاق صدره بالكل ، ممروراً غاية المرارة ، حزيناً غاية الحزن ، شديد السخط على كل شيئ .. على الحكومة ، وعلى الشعب ، وعلى الأدباء ، وعلى الصحافة ، وعلى مجتمع يدوس بقسوة على الضعفاء .. وأذكر أننا قضينا ذلك الليل بطوله ، نشرب الشاي ، وندخن السجائر ، ونستمتع بالدفء في شتاء بارد ، مظلم ، كئيب ، وليلةٍ ليلاء ..!.
وقال لي يوسف : إذا غسلت الكلب في المحيطات السبعة ، فسوف يخرج منها أكثر قذارة .. ولو ذهب الحمار الذي ركبه المسيح بن مريم إلى الكعبة ، لعاد الحمار حماراً !!.
كان يوسف وعدد من الأدباء يلتقون ـ على الدوام ـ في منزل صديقنا الشاعر الراحل صفاء الحيدري ، ويستعينون به كلما دعت الحاجة إلى السهر ، والسمر ، والقمر .. وفي السنوات الأخيرة طمعت في قلمه أن يكتب في صحيفة ( الرأي ) التي كنت أرأس تحريرها ، وكتب عدة مقالات ، ثمّ قال لي : إنه لا يجد موضوعاً يكتب فيه غير ما يعاني من حياة رتيبة ، ولم يكن له من خلاص غير يوم الخميس ، يوم انعقاد ندوة آل الشعرباف الأدبية ، إذ يجد متنفساً في تعليقاته على ما يسمع من آراء ، واتفقنا أنا وصديقي العظيم مدني صالح أن نسجل له على الورق أفكارا لمقالات ، ورؤوس نقاط يكتب تحت عناوينها ، لكننا اختلفنا مع يوسف ، ولم ننفذ اتفاقنا ، وبالمناسبة .. أذكر أنني قرأت مقالة للأستاذ عباس محمود العقاد يشكو من أنه لم يجد موضوعاً يكتب فيه غير أزمة الخادمات !.
وروى لي يوسف : أنه في نهاية الأربعينات من القرن الماضي ، كان طالباً في ثانوية الرمادي للبنين ، وكان بدر شاكر السياب أستاذاً فيها ، وهناك كتب السياب قصيدته الرائدة في الشعر الحديث ( السوق القديم ) ، التي استوحاها من أجواء سوق علي السليمان في المدينة ، وفي سوق علي السليمان كان القسم الداخلي ، الذي جاءه يوسف من بلدته هيت ، الشاربة من نهر الفرات عطشاً .
واستمعت إليه ، منصتاً ، ومناقشاً ، ثمّ رأيته يطرق فجأة ، يستجمع كلمات معينة ، وقال لي : أنه وجد في الرمادي ، ما لم يجده في هيت ، وجد قريباً من السوق مكتبة يعير صاحبها الكتاب بأربعة فلوس كل ثلاثة أيام ، وكان يرى فيه صورة الجاحظ ، الذي قيل أنه مات تحت أكداس الكتب .. وفي الرمادي أدمن يوسف التدخين ، وارتبطت ذاكرته بحانوت ذلك ( الهيتاوي ) القابع في دكانه ، وكان ذلك الرجل الطيب ، قد باعه بالنسيئة علبة دخان ( تركية ) بـ (32 ) فلساً ، وبقي يوسف أشهرا يسرع الخطى إذا مرَّ أمام دكانه ، خشية أن يطالبه بدينه ، الذي لا يستطيع سداده ، ولم يسدّده حتى موته !.
واستطرد يوسف يروي لي ذكرياته : إنه بدأ حياته ممثلاً على مسرح مدرسة هيت الابتدائية ، وما أن دخل الصف السادس الابتدائي حتى صار من أصحاب المعلّقات ، فقد كتب ( قصيدة ) من مائة بيت بعد أن شاهد فيلم ( عنتر وعبلة ) في سينما الرشيد الصيفي ، وأصدر ديوانه ( أباطيل ) ، الذي وضعه الدكتور أحمد مطلوب في ( زنبيل ) ، وكتب القصة ، وأراني نماذج من قصص بدأ بها تجربته الأدبية ، وكانت كلها تتحدث عن خيانة المرأة !.
ويوسف نمر ذياب ، القاص والشاعر والناقد والأديب ، الذي غفرت له مواقفه مني في آخر لقاء ، هو من مواليد 1931، وعاش ( 73) سنة يعصره الألم ، ويرهقه الانتظار ، ولا يهمّه صياح الديكة حتى ولو كانوا بحجوم بني البشر !!.



#رباح_آل_جعفر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصطفى محمود .. المفترى عليه
- عبد الغني الملاح يستردّ للمتنبي أباه !..
- مدني صالح يدفن زمان الوصل في هيت
- ( صانع ) بلند وحسين مردان .. صفاء الحيدري لا عذاب يشبه عذابه
- أبو جهل يتوحم على دمائنا
- عندما تغضب الكلمات
- علي الوردي وأنا في حوار من الأعظمية إلى الكاظمية
- عبد الوهاب البياتي .. الأول في روما


المزيد.....




- عــرض مسلسل ليلى الحلقة 24 مترجمة قصة عشق
- نبض بغداد.. إعادة تأهيل أيقونة العاصمة العراقية شارع الرشيد ...
- فنانة شابة في علاقة حب مع نور خالد النبوي؟ .. يا ترى مين ضيف ...
- إيران.. 74 جلدة لنجم شهير حرض على خلع الحجاب!
- سلي أولادك بأفضل أفلام الكرتون.. اضبط أحدث تردد لقناة كرتون ...
- انتقادات واسعة للمسلسل العراقي -ابن الباشا-.. هل هو نسخة من ...
- فنان مصري مشهور يفقد حاسة النطق.. وتامر حسني يتدخل
- شاهد.. مغني راب يصفع مصارعا قبل نزالهما في الفنون القتالية
- -أشغال شقة جدا- كاد ألا يرى النور.. مفاجآت صادمة عن المسلسل! ...
- معرض للفنان العراقي صفاء السعدون بين جدارن جامعة موسكو الحكو ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رباح آل جعفر - أباطيل يوسف نمر ذياب في زنبيل !!