|
احلام القطب الواحد
بارق الطائي
الحوار المتمدن-العدد: 2761 - 2009 / 9 / 6 - 08:11
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
قبل تطور وسائل المواصلات , كانت سعة أحلام تكوين إمبراطورية هو ماتصل إليه أحذية الجندي المقاتل راجلا او فارسا , فكانت التوازنات الإستراتيجية تتحدد بتوازنات المنطقة الإقليمية حيث تنشا إمبراطورية جديدة حيثما ترى حولها دول ضعيفة يمكن ابتلاعها وضمها للدولة القوية الناشئة . إن استقرار العالم كان دائما سببه الرئيس وجود توازنات في القوى بين دول قوية تمنع إحداها الأخرى من أن تحول حلمها بتكوين إمبراطوريتها إلى حقيقة . في الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية وبعد استسلام ألمانيا وخروج ايطاليا قبلها من اللعبة , احتل الجنود الاميركان شمال اليابان التي كانت تحاول جاهدة أن تحافظ على مايمكن المحافظة عليه وهي تحس أنها في موقف لاتحسد عليه وليس لها إلا أن تحاول أن تخسر اقل مايمكن حيث الطائرات الأمريكية قد قصفت 64 مدينة يابانية وأحرقت حرقا كاملا 16 ميل مربع من طوكيو بالقنابل الحارقة فوصلت الحرارة فيها إلى درجة أذابت الخرسانات المسلحة ووصلت المياه في جداولها إلى درجة الغليان . في يوم واحد قتلت من سكان طوكيو 100 ألف شخص سلقا وحرقا بالقنابل الحارقة البشعة . كان الجنود الاميركان يتجهون جنوبا لاحتلال باقي اليابان بينما كانت حكومتهم تطبخ طبخة كانت ستغير وجه التاريخ الإنساني نحو الدمار والموت والعبودية لوكانت قد نجحت . كانت اليابان تعتبر ساقطة بالحسابات العسكرية والحرب انتهت عمليا والمسالة ليست إلا مسالة وقت ولا حاجة لاستخدام أي سلاح ذري من أي نوع كان لكن الحكومة الأمريكية كانت لها كما قلنا حسابات أخرى . حين ابلغ الرئيس الأمريكي حينذاك هاري ترومان بنجاح عملية تدمير مدينة هيروشيما وإبادة سكانها في أول عملية إبادة بشعة لمدينة كاملة بثواني معدودة وباستخدام سلاح نووي قفز فرحا و ضم كف يده ورفعها إلى الأعلى وصرخ بأعلى صوته بعبارة ( العالم صار بين أيدينا ) . عملية ضرب هيروشيما بالقنبلة الذرية لم تكن إلا رسالة وحشية من أميركا للعالم اجمع أن من الآن فصاعدا هذا مصير من يقف في وجه أميركا وإننا لن نتورع عن قتل مئات الآلاف بثواني معدودة بسلاحنا الجديد هذا , والذي كان مفاجأة مرعبة للعالم حينذاك . يبدوا أن أميركا فرحت أن اليابان لم تستسلم فورا ولم تتوسل بأميركا أن تعفو عنها لأنها كانت تريد أن تعطي الدرس الثاني للعالم قاطبة عندما أبادت المدينة الثانية وبثواني ايضا لتقول للعالم إننا لانتورع عن إبادة بلد كامل بأيام قلائل فليفكر ألف مرة من يخطر بباله أن يصبح بطلا . هذا بالضبط ماكان يفعله التتار في غزواتهم حيث يعرضون الاستسلام بلا شرط ولا قيد فان رفضت المدينة الاستسلام ثم سقطت بأيديهم أبادوا أهلها إبادة كاملة وقتلوا دوابها وحرقوا زرعها وقلعوا أشجارها وذلك ليعطوا درسا للمدن الأخرى التي قد تفكر بالمقاومة . نجحت العملية وأصبحت أميركا وحدها تملك سلاحا مرعبا لايقاوم وأصبح العالم بيد أميركا كما صرخ رئيسها وأصبحت أحلام الإمبراطورية تقرب أن تكون حقيقة وان هي إلا مسالة وقت . هو كذلك لولا أن هناك مفاجأة كبيرة كانت تنتظر أميركا أتت من الاتحاد السوفيتي الذي أعلن فجأة انه يمتلك نفس السلاح وقادر على استخدامه ضد أي دولة لاتحسب له حسابا حتى وان كانت أميركا نفسها . اسقط في يد الولايات المتحدة وطوت أحلام إمبراطوريتها ووضعت معها ذيلها بين ساقيها وصمتت . لكنها لم تنس أحلامها بل أجلتها سنوات طويلة إلى حين ميسرة وكان سقوط الاتحاد السوفيتي هو وقت الميسرة هذا لها. عندما انهار الاتحاد السوفيتي وتمتعت الولايات المتحدة باختفاء القوة الوحيدة التي كانت قادرة على منعها من تحويل أحلامها إلى واقع , لم تؤل جهدا للسعي لتحقيق هذه الأحلام وتحقيق حلمها بالاستيلاء على العالم قاطبة , هذا الحلم المؤجل منذ إعلان الاتحاد السوفيتي امتلاكه السلاح الذري بعد الحرب العالمية الثانية . ماحدث بعد تحول العالم من ثنائي القطب إلى أحاديه أن الولايات المتحدة بدأت خطوتها الأولى بتصفية ممتلكات الاتحاد السوفيتي السابق من الدول الاشتراكية السابقة او الدول التي كانت حليفة له او حتى الدول التي كانت من ضمنه . بعدها التفتت الولايات المتحدة في خطوتها الثانية إلى المضائق الإستراتيجية للسيطرة عليها فبدأت بمضيق بنما حين اقتادت رئيسها إلى سجن في أراضيها لعدم موافقته على تجديد معاهدة لبلاده مع الولايات المتحدة الأمريكية وادعت انه تاجر مخدرات , ثم التفتت إلى مضيق باب المندب حين استولت اليمن الرأسمالية على اليمن الاشتراكية محققة بذلك الوحدة العربية الوحيدة التي استطاعت الاستمرار لأنها موافق عليها أمريكيا , وكذلك حين بدأت سلسلة الاحتلالات والحروب والماسي في الصومال للسيطرة على الجانب الأخر للمضيق والقصة معروفة . التفتت الولايات المتحدة في خطوتها الثالثة إلى مصادر الطاقة للسيطرة عليها . كل هذه الأوليات كانت الولايات المتحدة تتسابق مع الزمن لتحقيقها قبل أن يعود العالم ويتحول مرة أخرى إلى ثنائي القطب او ربما ثلاثيه وخصوصا مع تسارع خطوات الاتحاد الأوربي وتوسعه ومع ظهور البعبع الصيني كقوة اقتصادية رهيبة استولت بشكل مفاجئ ومذهل على أسواق العالم قاطبة وبدأ ظهور منافسة صينية خطيرة لها في مجال الاستثمار في الطاقة وخصوصا في أفريقيا وقصة السودان ودارفور معروفة في هذا المجال . افتتحت الولايات المتحدة الأمريكية حروب الطاقة في 2003 باحتلالها العراق الذي يقول الخبراء أن اخر قطرة بترول في العالم ستكون منه وهاهي تتعاون بشكل حثيث مع ربيبتها المزروعة بيننا من اجل إخضاع كل المنطقة والاستيلاء على كل بترولها لتضمن أن من يفكر بمنافستها بأحلام الإمبراطورية سيحرم من الطاقة التي تحرك دباباته ومواصلاته ومعامله . ماكان للولايات المتحدة الأمريكية إلا القيام ببعض التمثيليات الساذجة للتغلب على التغييرات التي حدثت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ولحد الآن كوجود المجتمع الدولي كإرادة فارضة لنفسها متمثلة بالأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرها . وما الحادي عشر من سبتمبر و القاعدة ومنظمات الإسلام المتشدد المدارة من غرف مغلقة في ضاحية لانغلي - حيث مقر وكالة المخابرات المركزية الأمريكية - إلا أجزاء من هذه التمثيليات السخيفة السمجة . بسقوط الاتحاد السوفيتي انتعش حلم الإمبراطورية الأمريكية وانتعشت أحلام القطب الواحد وصار العالم كله متفرجا على هذا الوحش الأمريكي العملاق يبطش ويقتل ويزور ويحتل دول ويفرز حسب مزاجه الطيبين عن الأشرار والعالم بين تابع وخائف ومستنكر بهمس ونحن العرب أول الثيران التي بدا بذبحها إذ هي أكثرها انعزالا عن بعضها وأضعفها ردة فعل . بقي أن أقول شيئا واحدا هنا وهو أن من يرى كيف تعامل الجنود الأمريكان في العراق ومدى وحشيتهم اللامسبوقة سيعرف مصير العالم الأسود لو تحققت أحلام الأمريكان بتكوين إمبراطورية تضم العالم اجمع عسى أن يستيقظ العالم قبل أن تقرع طبول الحرب و قبل فوات الأوان حين نعض أصابعنا ندما ولات ساعة مندم .
#بارق_الطائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ديالكتيك الاخلاق
المزيد.....
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
-
فيديو مروع يظهر هجوم كلب شرس على آخر أمام مالكه في الشارع
-
لبنان.. عشرات القتلى بالغارات الإسرائيلية بينهم 20 قتيلا وسط
...
-
عاصفة ثلجية تعطل الحياة في بنسلفانيا.. مدارس مغلقة وحركة الم
...
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة من الشرطة في هجوم قرب السفارة الإسرائ
...
-
اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا
...
-
العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال
...
-
سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص
...
-
شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك
...
-
خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|