مروج التمدن
الحوار المتمدن-العدد: 2759 - 2009 / 9 / 4 - 17:52
المحور:
الادب والفن
ميخائيل ليرمونتوف هو الشاعر الروسي العظيم . وبالرغم من انه كتب رواية "بطل من هذا الزمان" الشهيرة وعددا من المسرحيات ذاع صيته كشاعر رومانسي ومؤلف للاشعار الحزينة التي تقترن فيها مشاعر الاكتئاب والغربة والعزلة.
ولد ميخائيل ليرمونتوف في 3 اكتوبر/تشرين الاول عام 1814 في موسكو. وكان يشهد منذ ايام الطفولة خلافات دائمة وقعت بين جدته ووالده . وتوفيت امه مبكرا، الامر الذي ترك أثرا عميقا في نفس الولد وساعد في تشكيل طبيعته التي اتصفت بالحساسية المفرطة والميل الى العزلة والاحلام، وانعكس فيما بعد باشعاره الحزينة. وكتب ميخائيل الشاب في عام 1830:
" وحيدا وسط صخب الناس
نموْتُ أنا تحت غطاء غريب.." (ترجمة يوسف شحادة)
التحق ليرمونتوف الشاب عام 1828 بقسم الاداب في جامعة موسكو. لكن طبيعته الحساسة وميله الى مغامرات ومواجهات مع الاساتذة والطلبة اضطرته الى التخلى عن الدراسة في الجامعة والانتساب الى الكلية الحربية في بطرسبورغ التي تخرج منها عام 1934. واطلع ليرمونتوف خلال دراسته في الجامعة على ابداع الادباء والشعراء والفنانين الرومانسيين الذين حظيوا حينذاك بشهرة كبيرة في روسيا، كما اطلع على فن نظم الشعر. ومن اشعاره المبكرة يمكن ذكر" الخريف"، و"المزمار"، و"ضلالات كوبيدون"، و"الشاعر" و"الشركس"، و"الأسير القوقازي"، و"القرصان"، التي كان يقلد فيها الشعراء الرومانسيين. لكن نزعته الرومانسية كثيرا ما اقترنت بالاكتئاب والسعي الى العزلة والاغتراب عن محيطه الاجتماعي. فكتب ليرمونتوف في احد أشعاره :
كلّ شيء مملّ ومحزن،
وما من أحد أمدّ له يدي
في لحظات شقاء الروح المضنية...
الرغبات..! وما نفع التمنّي عبثا إلى الأبدِ
والسنون تمضي.. أجمل كلّ السنين ؟! (ترجمة يوسف شحادة)
في يناير/كانون الثاني عام 1837 قتل اكبر الشعراء الروس ألكسندر بوشكين بمبارزة مع نجل المبعوث الهولندي الذي كان يخدم في بلاط القيصر نيقولاي الاول. فكتب ليرمونتوف متأثرا بقتل بوشكين قصيدة "موت الشاعر" الذي هاجم فيها العادات السائدة حينذاك في محيط القيصر واتهم بلاطه في التواطؤ والمساهمة بقتل الشاعر الروسي العظيم. واصدر القيصر نيقولاي الاول مرسوما يقضي بارسال الملازم ليرمونتوف الى القوقاز ليشارك في الحرب مع الشراكسة.
وادهشته مناظر جبال القوقاز الخلابة، و تأثر ليرمونتوف على وجه الخصوص بجمال الطريق الجورجي القديم الحافل بالاساطير والخرافات، مما ساعده لاحقا في كتابة قصيدتيه المشهورتين " الابليس" و"مسيري" وغيرهما من القصائد التي وصف فيها سحر جبال القوقاز وتاريخ وطبيعة شعوبه. واتسم الضابط الروسي ليرمونتوف بالشجاعة المفرطة والميل الى المغامرة. وشارك في معارك عديدة مع الشراكسة. وانعكست انطباعاته الناتجة عن مشاركته في المعارك وبطولات الشعوب القوقازية في بعض قصائده المؤلفة في تلك المرحلة، ومن اشهرها قصيدة "معركة فاليريك".
في ينايرعام 1838 عاد ليرمونتوف من المنفى وانهمك في كتابة القصائد الجديدة وبينها ملحمته " انشودة التاجر كلاشنيكوف" وقصائد " الشاعر" و"ألتأمل" و"ثلاث نخلات"(اسطورة شرقية) حيث كتب:
"في الأرض العربية المغطاة
بالرمال الجرداءْ
بسقت عاليا ثلاث نخلات شمّاءْ.." (ترجمة يوسف شحادة)
حاول الشاعر في ابداعه ان يظهر مشقات يواجهها الانسان الموهوب الذي لا يقدره محيطه لاستقلاله وغطرسته. كما ابدى ليرمونتوف في قصائده المؤلفة بتلك الفترة عن موقفه من وطنه ووروحه الوطنية المميزة وكتب الشاعر:
"أُحبُّ الوطن، لكن، حبّا غريبا
لا تنتصرعليه حصافتي !
لا المجد المشترى بالدم،
لا الهدوء التام للثقة الأنوف،
ولا الأساطير المقدسة في العهود المظلمة
تحرك فيّ كلّ الأحلام المفرحة !" (ترجمة يوسف شحادة)
كما تعرض ليرمونتوق للمؤثرات الاسلامية والعربية، ونبقى نردد معه القسم الذي أُوحي إليه من سجع القرآن الكريم ورسالته الإيمانية الاجتماعية الفاضلة:
"أقسم بيوم الخليقة الأول
أقسم بيومها الأخير
أقسم بعار الجريمة
وبسيادة الحق الخالد"...(ترجمة د. ناظم الديراوي)
في فبراير/شباط عام 1840 نفي ليرمونتوف مرة اخرى الى منطقة القوقاز لمشاركته في مبارزة مع نجل السفيرالفرنسي. ومن الصعب جدا ذكر كل المبارزات التي شارك فيها الشاعر. وجرت العادة في زمان ليرمونتوف ان يرد ضابط على اتهامات موجهة اليه من جهة، ومن جهة اخرى فان طبيعته الحساسة المتأثرة للعوامل الخارجية كانت تدفعه دوما الى المشاركة في المبارزات العديدة مع زملائه الضباط.. وليس من قبيل الصدفة ان قدره شاء ان يقتل باحدى المبارازات في القوقاز. وبالمناسبة وصف ميخائيل ليرمونتوف على وجه التقريب مبارزته الاخيرة مع صديقه مارتينوف في روايته المشهورة "بطل من هذا الزمان". كأنه استشعر بموته المبكر في القتال او المبارزة. ومما تجدر الاشارة ان صديقه مارتينوف الذي قتله في مبارزة وقعت في 15 يوليو/تموز عام 1841 تم تجريده من رتبة الضابط.. لكنه تمكن في نهاية المطاف الى الترقي حتى رتبة لواء في الجيش القيصري.
وكتب ليرمونتوف وقته في قصيدة "وحيدا أخرج إلى الدرب":
"أأنتظرُ شيئا ما ؟ أأحنّ إلى شيء ما ؟!
قد أصبحتُ لا أنتظر من الحياة شيئا
ولا الماضي أراه مؤسفا أبدا
فأنا أبحث عن السكينة والحريـّة
وأودّ أن أُنسى.. وأن أغفو..!" (ترجمة يوسف شحادة).
تأليف: يفغيني دياكونوف
#مروج_التمدن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟