|
دوائر جارتي الكاملة- قصة قصيرة
سما حسن
الحوار المتمدن-العدد: 2755 - 2009 / 8 / 31 - 07:56
المحور:
الادب والفن
هي جارتي .... بفقرها .... بسمرتها ... بنحافتها ... بجهلها منذ أن عرفتها وهي كما هي لم تتغير ... أمنيتها الوحيدة أن تنتقل من الخدمة في بيت أسرتها ذات الأفراد العشرة إلي الخدمة في بيت رجل آخر يدعى زوجها، حتى لو كان في بيته عشرون فردا ... ولكن ذلك لم يحدث ... لأن أحدا لم يفكر بطرق بابها وهي بهذه المواصفات، وربما أكون قد جاملتها قليلا حين وصفتها بها .... عائلتها الفقيرة والتي لا تملك سوي مساعدات من وكالة الغوث الدولية والشئون الاجتماعية، ومساعدات متفرقة من زوج شقيقتها الذي يعمل مقاولا، ويسكن بأختها في مدينة مجاورة ... كان زوج أختها بالنسبة لها أحد الأحلام التي تراودها وهي بين أواني المطبخ، ماذا لو رزقها الله بزوج مثله. ولكن شقيقتها التي تكبرها بأعوام كثيرة حصلت على هذا الزوج الثري لأنها تفوقها جمالا بمراحل عدة ... تتنهد وهي تصب جام غضبها علي الطبيعة التي لم تمنحها لو نصف جمال أختها ... ثم تستغفر الله وتقول : كل شيء نصيب زوج الأخت يزورهم أسبوعيا محملا بالكثير من الخيرات على شكل فواكه وخضار، والقليل من المبالغ النقدية التي تسد ثغرة في مستوى العائلة المادي المهلهل، فكان قدومه لبيتهم احتفالية صغيرة، تحتار الأمّ ماذا تفعل؟ وكيف تحتفي بهذا الصهر الذي يكلف نفسه السؤال عنهم ودعمهم بهذا الخير؟ ولا ينسى هذا الصهر وهو يتعجل المغادرة أن يقف على باب المطبخ، ويرمقها بنظرة لا تعرف لها معنى، ثم يدسّ في يدها المبللة بالماء والصابون قطعة معدنية كبيرة. ومرضت أختها فجأة ... أصبحت طريحة الفراش بسبب إصابتها بانزلاق غضروفي حاد في احدي فقرات عمودها الفقري ... فلم تتردد أمّها بأن تشير على زوج أختها أن يصطحبها معه في زيارته الأسبوعية الأخيرة إلى منزله، كي تقوم على خدمة شقيقتها ورعايتها ... كانت هذه المشورة هي أبسط طريقة من وجهة نظر الأمّ كي ترد بعضا من جميل زوج الأخت ومجهوداته في خدمة الأسرة البائسة. تحدثني رباب عن رحلتها في سيارة زوج أختها ... أصرّ علي جلوسي إلى جواره ... كانت نظراته نارية تخترق لحمي ... ما الذي يراه في هذا الجسد النحيف الأسمر وأختي ترقد في سريره بجمالها الذي لا يقارن ؟ في هذه اللحظة سخرت من أفكاري المريضة ... انه يعتبرني مثل شقيقته أو حتى ابنته. الأسبوع الأول مرّ على وجودها في البيت الفخم وهي لا تصدق نفسها بأنها تحيا في هذا الجو الخرافي بالنسبة لها، حتى كانت ليلة تم نقل شقيقتها فيها إلي المشفى استعدادا لإجراء جراحة في صباح اليوم التالي ... ليلة لم تكن سوى كابوس أفاقت عليه وهي ترى زوج شقيقتها يجثم فوق صدرها ... ظنت في البداية أنه حلم ثقيل بعد وجبة دسمة ... ولكن محاولاتها للتخلص من هذا الجسد الضخم الذي يعتصر عظامها النحيلة أنبأتها أنها في أحلك كوابيس اليقظة، حاولت الصراخ، حاولت الهرب من جسده الضخم العاري، وحاولت قبل ذلك كله أن تطرد آثار النوم اللذيذة عن جهازها العصبي، ولكن هذه المحاولات كانت فاشلة أو جاءت متأخرة جدا ... السائل الدافئ اللزج الذي انساب على فخذيها... وبعض الألم في أحد أجزاء جسدها الحساسة ... جعلاها تتوقف عن كل هذا العبث. في اليوم التالي كان يصطحبها إلي بيت عائلتها دون كلمة واحدة ... تناثرت منه كلمات غير مفهومة لأمّها على عتبة البيت على غرار أن زوجته في المشفى وتحت رعاية طاقم من الممرضات.. وأختها ليست بحاجة لرعايتها الآن، في مطبخها المتآكل الجدران تحاول أن تبكي فلا تستطيع .. وعلى صدري تحاول أن تبحث عن دموع فلا تجد ... وأمام قصتها أحاول أن أجد حلولا فلا أفلح ... اتصال قصير أجريته مع طبيبة النساء والولادة في مدينتنا الصغيرة عن إمكانية إيجاد حل فقالت: أن العملية التي يمكن إجراؤها لا تتم إلا في مشفى وتحت تخدير كامل، وأن الفتاة بصمتها ضيعت على نفسها فرصة إجراء عملية إعادة البكارة قبل مرور ثماني ساعات على حادث الاغتصاب، وأخيرا فان العملية لو أجريت في مشفي وتحت إشراف طاقم طبي فهي غير مضمونة النتائج بعد مرور خمس سنوات على إجرائها، لأن الغشاء الصناعي أو الغشاء الذي يعاد ترقيعه سوف يفتض تلقائيا بعد سنوات خمس. وجدت نفسي مع هذه الجارة بعد مكالمة الطبيبة أننا ندور في دوائر كاملة الإغلاق... دوائر مرسومة بالفحم علي جدار مطبخ متآكل في بيت فقير.. في مدينة صغيرة ... جنوب غزة حيث الفتاة بلا غشاء هي جثة هامدة لا تساوي ثمن رصاصة تطلق عليها.
#سما_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|