أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق العربي - فالس للقدس















المزيد.....

فالس للقدس


طارق العربي

الحوار المتمدن-العدد: 2750 - 2009 / 8 / 26 - 09:08
المحور: الادب والفن
    



1

سأذهب إلى هناك، سأذهب إلى القدس. أدري أنني لا أعرف الطريق، لكني سأذهب.. فأنا ابن بلد أعرف المدن من ملامحها ، وأعرف أهلها من لهجاتهم، وهم طيبون.وسيدلونني على الطريق، ولن أضيع. لكن لماذا أفترض أني سأضيع، وأنّني لن أصل؟
سأتصل بصديق لي من سلواد وأسأله عن طريق مختصرة إلى القدس. من المؤكد أنه سيرشدني و لن يخاف، فأنا ذاهب للقدس في زيارة عادية. للعبادة ربما، وربّما لمعاكسة سياحها الغرباء، مجرّد معاكسة. لا أحمل في جعبتي حزاماً ناسفاً، ولا قنبلة ، أنا أحمل الهدايا فقط.. هدايا لكل من زار القدس قبلي، ولكل من أحبها، مثلي أو أكثر منّي، وللذين ماتوا في الحروب الصليبية على أبوابها، ولأهلها الصامدين لا لأجل كرامة الصمود بل لأن الصمود كٌتب عليها، وللحراس الواقفين على باب الأقصى وكنيسة القيامة، يؤدون وظيفتهم اليومية ، كما تسمح لهم بذلك الظروف. سأعطيهم الهدايا وأبتسم لهم في سذاجة، وأقول انتهت الحرب، وانتصرنا.. على أنفسنا.. فاسمحوا لي بالعبور.
سأحب سائحة أجنبية هناك، سأركض كأني بطل رواية مقدسية، لم يكتبها روائي فلسطيني بعد، عن مسيحي يحب فتاة مسلمة، أو العكس لا يهم، سأدقق بالتفاصيل العادية، بوجوه الطلبة الذاهبين إلى المدارس، سأكون راوي الرواية و شهيدها، ولن انظر للجنود، سأغمض عيني كطفل يختبئ بثوب أمه ولن انظر، سأختبئ بثوب القدس العربي، كما كنت افعل حين يأتي الجنود لبيتنا ليلا، أهرب واختبئ بثوب أمي.


2

لكن ماذا إن خاف صديقي، وأنكر معرفتي فهذه زيارة مجنونة، والذين يخرجون للقدس مثلي مجانين، لا يعرفون الطريق ولا يملكون إذن مرور هم منتحرون جميلون ، الذين يكتبونها كعاشقة ويحبونها بعيداً عن كلام السماء مجانين ومنتحرين، الذين أحبوها حجراً حجراً وشارعاً شارعاً دون أن يزرونها بالتأكيد مجانين، كأنها امرأةٌ بثوب أسود عاري الكتفين، شهية بحزنها بالتأكيد مجانين، الذين يحبونها عادية امرأة عجوز تبيع التين على بابها والكعك الطري و الفلافل، امرأة عادية بعض أولادها في السجن والبعض الأخر في المنفى، لكنها تذهب للفرح العادي عند الجيران هم بالتأكيد مجانين.
لذلك سيتهمني صديقي بالجنون، وسيسألني كثيراً عن سبب الزيارة المفأجاة , ومن ثم إن صديقي هذا ليس صادقاً معي، وأنا رجل لا يصلي وصديقي يصلي ، سيسألني كثيراً ، ليرفع تقريره لجهاز المعلومات في حزبه ويضيف الكثير على أسباب الزيارة، ربما سيقول" ذهب فلان، ابن فلان، من الحزب الفلاني، وينتمي للجهاز الفلاني ، في مهمة ثورية، لإشعال انتفاضة أخرى من القدس" ولأنه يثق بي أفشى لي بتفاصيل الخطة، سيجتمع هناك مع شباب من أحياء القدس، والخطة تقتضي ان ينقسم الشباب إلى مجموعات في كل حي، وينطلقون في التكبير، وإنشاد النشيد، ومن ثم يلتقون في ساحات الأقصى". و سينهي الرسالة "أرجو تزويدي بالأوامر الضرورية لأتحرك، هناك خوف من أن يسرقوا منا الأضواء ويبادروا لهذه الانتفاضة/ إن مجموعاتنا هناك تنتظر الأمر"
سأفعل هذا، سأخرج ليلا، سأقفز على سطح بيت قديم وابدأ بالتكبير، دون تخطيط ودون رعاية من أحد، - وسأصرخ لفيروز تعالي للغناء هنا وغني "القدس للغناء فغني" - سأخرج مع أهلها ونرقص
سأراقص العجوز التي تنتظر عودة ابنها من المنفى، والطفلة التي سجن أباها والأرملة، والحجارة والشوارع واليهود "السكناج" واليهود "السفارديم"، والفلاشا، سأدعو الجميع للرقص، سأتصل بصديقي المتطرف وادعوه للرقص

3

سأخرج من بيتي إلى مجمع السيارات الغربي في نابلس في الساعة الرابعة فجرا ، سأركب سيارة تطنطلق من نابلس إلى معبر قلنديا قرب رام الله، سأصل إلى معبر قلنديا في الخامسة والنصف،سأتصل بعبد السلام العطاري حين أصل ، سيشتمني، يا مجنون من مات لتتصل بي، هل استقال الرئيس، هل توقف صرف الرواتب من جديد، هل قام ياسر عرفات من قبره، هل اجتاحوا غزة ، ماذا تريد في هذه الساعة المبكرة من الصبح يا... ؟
عبد السلام اسمع، اتصل بكل من يكتب بصفحة القدس عاصمة الثقافة العربية، ورؤساء التحرير بالصحف التي تنشر صفحة القدس، وتعالوا إلي على معبر قلنديا، سنذهب جميعنا للقدس ، سترى كيف سنمر، سنمر عن المعبر وسط فرقة عسكرية تعزف لنا النشيد، فقط تعال سترى كيف سنمر، انتظرك، أنا رتبت كل شي، تعريت للجنود صديقي، خلعت كل ملابسي، ولم يبقى شيء يستر عورتي، ورقصت للجنود كالبهلوان ، ثمة فرقة هب هوب من نابلس معي ، أخذت تعزف لي لأرقص، فرقصت، كنت أقفز وأبكي راجياً الجنود، دعوني أمر، وأزورها لساعة واحدة فقط ساعة واحدة أزورها وأعود لمدينتي ، أو إن شئتم اعتقلوني بعدها في المسكوبية هناك ، لكن دعوني أمر ، قبر أمي هناك، دفنها اخوتها لان أبي كان قد قرر أن يتزوج مرة أخرى فهربت بكرامتها، وكلما رفض الجنود السماح لي بالمرور كنت أرقص أكثر ، وأرجوهم ، أبي يمشي مشرداً وعارياً هناك، خرج ليرجع أمي لبيتها ولم يرجع، وأريد إرجاعه إلى البيت ، و أخي خرج إليها منذ سنة بحثا عن أبي وأمي، ولم يرجع.
عبد السلام هات معك ما يستر عورتي، الجنود أخذوا كل ملابسي لأستمر في الرقص، ألا تسمع ضحكاتهم عبد السلام، المجندة المجنونة سرقت ملابسي والفرقة الموسيقية هربت، أنا أرقص على أصوات الضحكات المُرة , عبد السلام ؛ يسخرون مني ، تعال لا تتأخر ، ربما يسمح الجنود لي في العبور ، هات من عندك ما يستر عورتي..!

4
ربما الرقص لن يُجدي، سأخلع ملابسي قرب مفرق "عيون الحرامية "، وأرتدي زي المستوطنين، و
أوقف سيارة بلوحة صفراء وأسرقها ، وسأبحث عن امرأة مجنونة مثلي في الطريق ، لترتدي زي نساء المستوطنين معي، وسأخرس لساني وأتكلم بلغة الإشارة، من المستحيل أن أتعلم اللغة العبرية بيوم واحد، ربما سيكشف أمري بكائي، أو ربما شعوري بالعجز يكشفني، أو ربما أضيع ، فأنا لا اعرف الطريق للقدس ، من سأسال لأعرف الطريق؟! ، لا أستطيع سؤال المستوطنين ، سيَشُكون بالدموع في عيني، ولا أستطيع سؤال العرب في بلدي عن الطريق! ، مستوطن ويتكلم العربية، سيقتلونني
حينها.

5
لا جغرافيا للقدس ، وكل الطرق إليها تمر عبر روحي ، كيف سأمر إلى روحي ، وبيني و بيني ألف جندي وألف سؤال وألف لسان لا يرد السلام، كيف سأمر؟ , حسناً سأصعد إلى جبل جرزيم في نابلس، ومن هناك سأتجه عبر جبال رام الله و جبال القدس ، ومنها سأدخل للقدس ، لن يراني المستوطنين سأتنكر كما العسكري في الجبهة ، سأحتمي بأغصان الزيتون ، وأرتدي زياً يشبه لون صخور جبالها وادخل ، سأزحف إن لزم الأمر ، لن يضير الزحف على الشوك ، سأقفز كالغزالة فوق الصخور، سأركض كالفرس الجموح، سأدع الريح تحملني ، وأطلق لروحي عنان التحليق وأطير ، سأصير طيراً و لن يصطادني احد ، سأصير فأراً وأحفر نفقا في الأرض وأصل ، أو فأر تسللٍ لمخازن القمح في ميناء حيفا، وأنتظر شاحنة ستذهب بحمولتها إلى هناك و أتسلل بين أكياس القمح وأذهب إليها ، فالكثير من الفئران أتت لنابلس من حيفا هكذا.

6
سأخرج إليها، سأرقص وأصلي ، إن الذين قالوا عن الرقص حرام لا يعرفون الله ، سأرقص حتى يخرجوا منها كما أتوا إليها ، سأرقص حتى يأتي الجميع معي ، كالمجنون سأرقص، سأتصل بجميع المجانين الذين اعرفهم وادعوهم للرقص معي- لجنود الحواجز -جنود القتل -الجنود الذين لا يعرفون الله ، ونرقص جميعاً حتى يخرجوا أو يسمحوا لنا بالمرور أو الحياة العادية، إنها دعوة مفتوح للرقص العشوائي الفوضوي العبثي فتعالوا إلي ، كُتاباً ومجانين ، ليس شرطاً أن تعرفوا الرقص ، اقفزوا في الهواء ، أو اضربوا الأرض بأقدامكم ، سأدعو حبيبتي لترقص معي هناك، سأجعلها تغني وتنشد ما تيسر لها من تراث جدتي، سأصرخ على أبي حتى يستفيق من قبره ويرقص، سأرقص للقبر حتى يخرج أو يعود فراشة أو غزالة أو طيرا ويرقص، سأذهب للمقاطعة في رام الله وارقص للساسة، تعالوا ارقصوا بدلا من المفاوضات التي لا تجدي، سأقترح على صائب عريقات إدراة المفاوضات بالرقص، سأرقص حتى تدمى قدمي، حتى يدمى جسدي، سأذهب اليها راقصا وأعود منها راقصا ، سأرقص حتى أموت، على إيقاع العدم واللامبالاة في كل هذا سأرقص، على إيقاع موتها البطيء ، حتى أموت معها أو قبلها.
أنا راقص مجنون، سأرقص للمدينة حتى لا تذبل وتموت، حتى تعود حية، عاشقة بكامل الشبق الأنثوي والرغبة في الحياة العادية، حتى ترقص معي بثوب فرح ابيض، أنا عريسها، أنا عاشقها الذي قام من موته ليراقصها، فالقدس تعرف كيف تراقص طفلها، وتعرف كيف تمسح الدمع عن وجهي
و تطعمني كعكها الطري وتينها.

7
أمي هل رأيت رقصي، لم يسمح الجنود لي في المرور، فرقصت، كان الخيار صعبا، إما أن يضربوني ، و إما أن أرقص، لماذا لم نذهب لزيارة القدس ولو لمرة واحدة كما كل إخوتي، لماذا لم تأخذ ابنك البكر، هل لأني عاق ولا أصلي، أنا لا استوعب كيف لم تفكر بان تصطحبيني إلى هناك في زيارة عادية، حبيبتي كانت وفية أكثر منك أتتني بشيء من ترابها، ما زال في دولاب ملابسي، منذ سنتين و أنا أخشى فتح العلبة خوفا من أن يفاجئني التراب بسؤال مباغت، ما حاجة القدس لهذا الحنين؟ لماذا الآن تعرف!
ضربني الجنود أمي، ألا تشتمين رائحة دمي، سألني الجندي، إلى أين أنت ذاهب؟ قلت للقدس- قال ممنوع- فرفضت، ضربني بكعب بندقيته ، لا تلوميني، رفضت كما أرفض كل ما قاله لي أبي عن الله والقدس، قال إن الله لا يحب من يعصونه، أبي فسر كل شي أفعله معصية، و أن الله لا يحب المرحين الذين يضحكون دائما، و أن القدس لا تحب من يرقص لها،و تحب من يموت، حسنا حسنا، أنا سأموت راقصا، لن احمل بندقية ولا حجرا، فقط سأرقص ، سأظل اقفز في الهواء حتى أموت أو يقنصني الجنود، لا يهم هكذا استطيع أن اتفق أنا وأبي على شيء واحد،هو أننا جميعا نحب القدس



#طارق_العربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا ليَلك يَنبت فِي مِدينتنا
- عن زمن الردة
- هششش ..لا تثر الضجة في المكان
- هرمجدون
- اماكن الحب والموت
- لا شي للدهشة
- إضاءات أخرى لتِشرين
- ثُلاثِيةُ الأَرض والمنفَى والوَجَع
- هنا والوَقتُ عَكَس حَيفَا
- أُحُبكَ بَعِيداً
- بيادر..إلى محمود درويش وكفى
- رَسَائِلْ مِنْ مُشاةِ الجَنَازَةْ
- عَنْ اللَيلْ
- مَنْ يَحمِينِيْ مِنْ ذَاكِرَتِيْ فِيكْ
- عن حصار المدينة
- إلِِى ثَائِرْ العَرِبِيْ بَعدَ النَفيْ
- بينَ قَذِيفَتينْ
- حَيفَا .. ظِلُ الله فَوقَ البَحرْ
- عن الجَمِيلاتِ أَكْتُبْ
- عشرون شظية في غزة


المزيد.....




- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق العربي - فالس للقدس