محي المسعودي
الحوار المتمدن-العدد: 2750 - 2009 / 8 / 26 - 07:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة لابد منها
ثمة خيط يربط الاحداث الاجرامية الاخيرة التي شهدها العراق وخاصة في الموصل وبغداد لان هذه الاحداث جاءت مباشرة بعد زيارة رئيس الوزراء نوري المالكي, الاولى زيارته لاربيل وتقاربه مع برزاني وتباعده عن النجيفي . وكان ثمنها المئات من "الاقليات " ثم زيارته الثانية لسوريا وكان ثمنها المئات ايضا ولكن هذه المرة في بغداد ومن خلال استهداف وزارتي المالية والخارجية وما تعنيه هاتين الوزارتين !!! والغريب ان جريمة الموصل هي الاكثر ضحايا وقسوة وتدميرا ولكنها الاقل اهتماما وكأن الاقليات في الموصل اقل قيمة من الانسان والمنشآت في بغداد , أي ان ضرب المؤسسات الحكومية يعني ضرب الحكومة والحكومة هي اغلى واهم من المواطنين البسطاء الذين تقوم عليهم الدولة والحكومة معا .
السياسة
تكشف ردود الفعل السياسية والاعلامية على جريمة يوم الاربعاء الدامي 19-8-2009 والتي طالت وزارتي الخارجية والمالية العراقيتين , تكشف هذه الردود واقعا سياسيا عراقيا لازال مريضا ولايتوجّع ابدا مع المواطن ولا مع الوطن , فالسياسي المسؤول اسرع الى تبرير تقصيره وتحميل المسؤولية لخصومه التقليدين من الارهابيين والبعثيين والصداميين وسواهم . اما السياسي المعارض فقد رأى في الجريمة موسم حصاد وفير فاسرع الى حمل "مناجله" وحصاد ما استطاع من ارواح واشلاء الضحايا وضمها الى بيدره السياسي . اذ اسرع بعضهم الى تبريئة العرب " الاخوة الاعداء" قبل ان يتهمهم احد بذلك مع ان فتاواهم الدينية والسياسية تحرّض على قتل اغلبية الشعب العراقي ان لم يكن كله , والبعض الاخر من السياسين العراقيين اسرع هو ايضا الى تبريئة ايران مع انها متورطة حد النخاع وملوثة يدها بدم العراقيين مثلها مثل الاشقاء العرب . لم نر حزبا سياسيا او شخصا سياسيا او اعلاميا او وسيلة اعلامية توقفت عند الحدث على انه جريمة بشعة بكل المقاييس الانسانية والسياسية , ونظرت الى الضحية بعيدا عن المصلحة السياسية والنعرة الطائفية او العرقية . لم نر احدا يركز على هوية القتلة المجرمين كشخوص اولا ومن ثم كجهات, سواء كانت سياسية او تنظيمات ارهابية او اجرامية او مرتزقة. ويفكك ايدلوجية هؤلاء السفاحين . لم نر احدا يتعرض الى هوية هؤلاء القتلة وهدفهم . فاذا كانوا "بعثيين صداميين" كما قالت الحكومة. ماذا سيقولون للشعب العراقي لكي يساعدهم على الرجوع الى دفة الحكم ؟ وكيف سيبررون جرائمهم هذه عند عودتهم ؟ وهل هي قادسية ثالثة امْ امّ المعارك الثانية ؟ وهل لا زالوا يعتقدون ان الشعب العراقي عدوهم الاول الذي لا يحكمونه الا بالقتل والارهاب والتخويف والتجويع !! ؟
من المؤكد ان الجهة التي قامت بالجريمة لم تكن جهة سياسية تحترم نفسها وعملها , ناهيك عن انعدام وطنيتها لانها, لو كانت سياسية تريد الوصول للسلطة باية طريقة فانها لن تخطأ هذا الخطأ الجسيم بارتكابها هذه الجرائم التي ستظل ماثلة في نفوس وعقول العراقيين زمنا طويلا . حتى لو كان الهدف منها تسقيط سياسي لجهات حاكمة وحتى لو اعتقد القائمون بالجريمة ان جريمتهم لن يكشفها احد . لان الجريمة بحد ذاتها تعني سقوطا اخلاقيا وسياسيا لايقبله أي سياسي حقيقي مع نفسه وفي سره الاّ اذا كان الفاعل مسلما عقائديا تكفريا كاخوتنا القادمين من بلاد بيت الله الرحمن الرحيم ....!!
مع كل ما تحدثنا به, فان هذه الجريمة وما شابهها في العراق , وكل ما يرتكب يوميا من الجرائم فانها تختلف عن سائر الجرائم في العالم لان الجريمة في العراق مفتوحة على احتمالات كثيرة ليس بمقدور أي محلل مهما كان حاذقا ونبيها ان يستطع حصرها في خانة جهة دون غيرها لان الجميع اعداء العراق سواء كانوا في داخل العراق او في دول الجوار وسواء كانو في الحكم او خارجه وما يجري من حصر للجرائم في جهات معينة لا يعدو ان يكون خطابا سياسيا رخيصا يصطاد صاحبه في الماء العكر , وهذا يعني ان ليس في العراق جهات سياسية حقيقية او عمل سياسي حقيقي . هذا ما كشفته التصريحات التي تاجرت بالدم العراقي لصالح اهاف حزبية او طائفية او عرقية . وهذا ما تكشفه الجرائم الاخرى والفساد والتستر عليه . ان العراق دون سائر دول العالم هو الاكثر اعداء .. فمحيطه العربي والاقليمي كله اعداء , حتى اهله اغلبهم اعداء له بعضهم يعي عداءه البغيض للوطن كالسياسين والارهابين والمجرمين والفاسدين وبعضهم لا يعلم العداء ويمارسه دون ان يدري كالموطن البسيط الذي يساند الارهاب والمجرمين والفاسدين وهو غافل او مخدوع او الذي يهون عليه وطنه من اجل مصالح صغيرة جدا .
الاعلام
اما الاعلام العراقي والعربي فانه لا يختلف عن الحال السياسي فهو يعكس الواقع السياسي في اغلب الاحوال وبعضه يعكس الواقع الشعبي الطائفي والعرقي وحتى الجغرافي والعشائري وليس هناك ثمة اعلام حر محايد مستقل ذي مصداقية . هذا ما كشفته ردود الفعل الاعلامية على جريمة الاربعاء في بغداد وجرائم الموصل واخواتها من الجرائم , بعض وسائل الاعلام حملت ايران الجريمة بلا أي دليل . فقط لاسباب طائفية " مع ان ايران ليست بريئة ابدا" وبعضها اعفى البعثيين والتكفريين من الجريمة مع انهم ليسوا ابرياء ابدا . والغريب ان بعض وسائل الاعلام اتخذت من الحادثة الاجرامية عملا احتفاليا تشفت فيه من خصوم ومجدت من يقف وراءها وشربت نخب الانتصار على اشلاء الضحايا وحولت الجريمة الى فعل يشبه البطولي دون ذكر "هذه البطولة" بشكلها الصريح . المعارضون احتفلوا اعلاميا بفشل الحكومة ومعهم العرب وخاصة دول الجوار الدينية . والحكومة جعلت من الجريمة حفلا تأبينيا ليس لتأبين الضحايا بل لادانة خصومها قبل ان يتبين شيئا عن الجريمة . وبعض وسائل الاعلام البعيدة قليلا عن المصالح المباشرة بهذه الجريمة جعلت من الحدث صيدا ثمنا لابراز وجودها وترويج نفسها دون الالتفات للضحايا وهول الجريمة وفاجعتها الانسانية وبعيدا عن اخلاقيات الاعلام ومواثيقه ...
نريد حكومة وطنية واعلاما عالي المسؤولية
حتى يستقيم الوضع في العراق لابد من تحقق امر غاية في الاهمية الا وهو كشف وتحديد اعداء العراق في الداخل والخارج قبل كل شيء , لان تحديد العدو وكشفه يسمح للشعب بتجنبه وتحاشيه والحذر منه على اقل تقدير ولا اقول محاربته ونحن في هذه الحال . العدو حقيقي وواقعي ونحن نلمس جرائمه يوميا وجريمة الاربعاء واحدة من تلك الجرائم . ومن اجل كشف وتحديد عدو العراق للشعب العراقي نحتاج الى حكومة وطنية شجاعة مخلصة لشعبها تقوم بمتابعة الجرائم وكشف الدول والجهات والشخوص التي تقف وراء هذه الجرائم مهما كانت الظروف والاحوال والمصالح على ان يكون تحديد المجرمين بطريقة مهنية خالصة وبعيدا عن السياسة والتسييس والمصالح والانتماءات وغيرها وان لا يراعى خاطر او مصلحة أي كان. وهذه مهمة صعبة ولكنها ممكنة مع حكومة وطنية منقطعة لوطنيتها وحسب . اما الاحتياج الثاني الذي يحتاجه الشعب العراقي لكشف اعداءه فهو الاعلام الحر المحايد والعالي المسؤلية والمهنية . الاعلام الذي يقول الحقائق كما هي ولا ينتمي ولا يتأثر باي جهة او شخص . فاذا حددت الحكومة الوطنية اعداء العراق بدقة وعدالة , بعدها يبدأ دور الاعلام بفضح هؤلاء الاعداء وكشف ايدلوجياتهم وخططهم واهدافهم ومواضع قوتهم وضعفهم وعندها يكون الشعب العراقي قد عرف اعداءه وحددهم فهو كفيل بهزيمتهم مهما كانوا اقوياء واينما كانوا ..
#محي_المسعودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟