|
حوار مع جلال صادق العظم حول الإسلام والعلمانية
صلاح يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 2745 - 2009 / 8 / 21 - 10:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كتب د. جلال صادق العظم مقالاً نشر في الحوار المتمدن يوم الخميس 20 / 8/ 2009 يوضح فيه موقفه من العلمانية وبالأحرى أنه كتب لمحاولة فض الاشتباك الدائر على صفحات الحوار المتمدن حول موقف العلمانية من الدين وبالذات دين الإسلام، باعتبار أن المسيحية قد بلورت موقفها قبل مائتي عام أو أكثر. سأتجاوز نقطتي ضعف ظاهرتين في مقال د. جلال العظم، وهما: أن المفكر العظم قد عنون المقال بشكل يفتقر إلى التواضع وهي المرة الأولى التي يقحم كاتب اسمه في عنوان مقالته كإشارة إلى تعظيم الذات، وهي نرجسية لا يخلو منها الكثير من الكتاب والمفكرين وإن جاءت هذه المرة ظاهرة بصورة واضحة. النقطة الثانية هي أن المفكر العظم يعتبر نفسه من ورثة المشروع النهضوي العربي! ولا نعلم من أعطى د. العظم حق وراثة هذا المشروع وتملكه وحق التصرف فيه، هذا لو سلمنا أصلاً بوجود مشروع نهضوي عربي، وسوف أناقش الهزيمة المنكرة لهذا المشروع إن لم نقرر غيابه كلية. لكني قبل أن أبدأ في مناقشة موضوع العلمانية، سأطرح بعض التساؤلات على مفكرنا د. العظم، آملاً ان أجد منه رداً شافياً. هل إقحام المفكر لاسمه في العنوان يعني ثقة زائدة بأنه أصبح مشهوراً مثل أهرام الجيزة وسور الصين ؟ هل للفكر والثقافة العربية أباطرة وملوك يحتكرون الخطاب الثقافي بصورة ديكتاتورية تفوح منها رائحة الاستبداد الشرقي أكثر مما تشي بديمقراطية ؟ وإذا كان هذا هو حال رموز المشروع النهضوي العربي، فلماذا نلوم النخب الحاكمة على استبدادها وتسلطها واحتكارها للسلطة، طالما أن مبدأ الاحتكار موجود لدى المفكر كما لدى العسكر ؟
سأبدأ الآن في مناقشة أفكار د. العظم عسانا تخرج منها بشيء مفيد. طرح المفكر العظم بعض التساؤلات التقليدية التي تكاد تطرح يومياً على صفحات الحوار المتمدن، والتي لا يخفى على أحد بأنها مطروحة منذ عصر النهضة العباسي وليس منذ الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي، ويبدو مناسباً سرد تاريخ الصدام بين المعقول والمنقول، أو بين العلم وبين الدين، ونضيف، بين الإنسانية وبين الوحشية. التساؤلات التي طرحها د. العظم هي:
هل يمكن للإسلام أن ينسجم مع الحداثة؟
هل يمكن للإسلام أن يتوافق أو يتساوق مع العلمانية؟
هل يمكن للإسلام أن ينسجم مع الديمقراطية ويقبلها؟
هل يمكن للإسلام أن يتماشى مع العلم الحديث والتكنولوجيا المتطورة؟.. الخ الخ...
في اعتقادي أن التساؤل الأول يخترل جميع ما بعده، إذ لا حداثة دون علمانية ولا علمانية دون ديمقراطية وبطبيعة الحال لا حداثة دون علم حديث وتكنولوجيا، ولكني سأعتبر أن طرح تلك التساؤلات جملة واحدة هي من قبيل الشرح والإسهاب الذي لا يحمل إضافات حقيقية للتساؤل الأول. ثم أورد د. العظم في مقالته فقرة ذات دلالات مهمة في نظري وهي:
( هل يمكن للإسلام أن ينسجم أو يتوافق مع ممارسات مثل العلمانية والديمقراطية والعلم الحديث؟ ما من مفكر عربي يعتبر نفسه وريث فكرر عصر النهضة وتطوراته وتراكماته إلا وسيجيب عن هذا السؤال بالإيجاب، أي بـ نعم المدوية. بإمكاني التأكيد هنا على العموم أن ورثة الفكر النهضوي العربي لم يجدوا في يوم من الأيام أي حرج حقيقي كبير في طرح هذه الأسئلة الصعبة على أنفسهم وعلى مجتمعاتهم أو في الإجابة عنها إجابة تأكيدية واثقة من نفسها. )
============================ لا أدري هل نبكي أم نضحك من كلام المفكر العظم، ونتساءل، هل يعيش المفكر العظم بين الناس في العالم العربي أم انه ما زال سائحاً يجوب أوروبا والولايات المتحدة ؟ عن أي إجابات واثقة من نفسها يتحدث العظم ؟ لعلها الإجابات التي قادت غلى ظهور الجماعات الإسلامية المسلحة في الجزائر أو حكم الإسلاميين ودورهم في مجازر دارفور أو ربما الإجابات في فوضى الصومال وغزة وإيران !!! أين هي معالم وجود مثل هذا المشروع ؟؟؟
لقد لاحظ المفكرون والفلاسفة أن الإسلام يتصادم مع العقل في فترة مبكرة، ولكن حد الردة الإجرامي كان يحول بينهم وبين إعلان إلحادهم، ورغم ذلك فإن تقطيع الأوصال بتهمة الكفر قد طال عدداً لا بأس به من العلماء، ومنهم ابن المقفع والحلاج، هذا خلاف تكفير الخيام والمعري وأبو نواس وابن سينا والفارابي والتوحيدي والبيروني وغيرهم. وهنا لابد من ألقاء نظرة على الأصول التاريخية لدور العقل العربي في مواجهة أصحاب النص. المعتزلة جميعاً آمنوا بالفلسفة اليونانية، وجلهم أجمع على القاعدة التالية: ( إذا تعارض حكم العقل مع حكم النص نلجأ لحكم العقل ). ماذا يعني هذا الكلام بصورة مباشرة ودون لف أو دوران ؟ إنها بداية حقيقية لفصل الإسلام عن الدولة وشئون المجتمع، ولو أن هؤلاء تمكنوا من إرساء مفاهيم ديمقراطية الحكم، لكانت الثورة الصناعية قد حدثت في بغداد والبصرة بدلاً من لندن وبرلين. لقد كتب عبدالله ابن المقفع ( 724 – 759 م ) كتاباً يشرح فيه واجبات الحاكم تجاه الرعية وواجبات الرعية تجاه الحاكم وكانت النتيجة هي محاكمة ابن المقفع وتقطيع أوصاله طبقاً للآية القرآنية ( جزءا الذين يحاربون الله ورسوله أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ... )، باعتبار أن مجرد إسداء النصح للحاكم هو مخالفة لأوامره التي هي نفسها أوامر الله والرسول، ولذلك وجدنا أن جميع خلفاء الدول الإسلامية كانوا يحرصون دوماً على اختيار أسمائهم مقرونة باسم الله، فوجدنا المتوكل بالله والمعتصم بالله والواثق بالله والحاكم بأمر الله .. وهكذا. ذلك لكي تكون أي مخالفة لأمر الحاكم مخالفة لأمر الله ويكون التكفير وتقطيع الأوصال هي النتيجة الحتمية لأي حراك فكري سياسي أو ثقافي. ما الفرق الجوهري بين سبب إعدام بن المقفع عام 759 م وسبب مصرع فرج فودة عام 1992 م ؟ لكن ماذا كانت نتيجة انتعاش العقل في الفترة العباسية الأولى ؟ إن انتكاس العقل العربي بعد الردة التي حدثت ضد منجزات العقل هي المفصل الذي على ضوئه يقسم المؤرخون الحكم العباسي ( 750 – 1258 م ) إلى فترتين. في العصر الثاني تمت محاكمة معظم الفلاسفة بتهم الهرطقة والإلحاد، و ( أتحفنا ) الغزالي بإحياء علوم الدين، وكأن الدين يحتوي على ما يصح تسميته بالعلوم ! بشكل موازي كان ابن رشد في الدولة الأموية الأندلسية يلقى نفس مصير مفكري وفلاسفة بغداد، فتم إحراق كتبه ومؤلفاته في القانون والفقه والتفسير والسياسة، ولكن الحرق لم يأتي على كامل ميراث ابن رشد بسبب انتشار النسخ في جميع مكتبات الأندلس ولم يكن ممكناً القضاء على جميع النسخ، ولعل ذلك كان من حظ الأوروبيين الذين اعتمدوا ابن رشد كشارح لأرسطو طيلة ثلاثمائة عام أو يزيد. بعد اغتيال منجزات العقل العربي في العصر العباسي الأول، ولحتى الآن، لم تظهر أي محاولات نهضوية سوى تلك قام بها الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي وآخرون، وهؤلاء لاحظوا النهضة الأوروبية وحاولوا إرساء أسباب فلسفية لتمكين العرب من ركوب قطار التقدم، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل الذريع مع صعود الأصولية المسلحة بالنفط والدعم الغربي المنقطع النظير بهدف حرب الاتحاد السوفييتي السابق. خلال اطلاعي على بعض أفكار محمد عبده من خلال شروحات وتقديم د. عاطف العراقي، لم أجد سوى محاولات يائسة لانتقاء آيات قرآنية تعتبرها الأصولية في حكم المنسوخ، وإليكم مثال: يستشهد الإمام محمد عبده في محاولاته لإظهار تسامح الإسلام مع غير المسلمين – وحتى الكفار – بالآية 99 من سورة يونس: ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعاً أأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )، وهي بلا شك آية جميلة جداً لولا أن الأصولية نسفتها بآية السيف: ( إن الدين عند الله الإسلام ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين – آل عمران: 85 ). http://www.youtube.com/watch?v=eseThaUV9jI
في مطلع القرن العشرين أعاد المفكر العربي شكيب أرسلان صياغة نفس السؤال النهضوي على الصورة: لماذا تقدموا هم وتخلفنا نحن ؟ إن تجاهل دخان التاريخ العربي الإسلامي فيما يتعلق بإعدام المفكرين بتهمة الكفر والإلحاد يجب أن يأخذها أي مفكر في الاعتبار عند محاولته تقديم إجابة جديدة على السؤال، رغم أن فشل المعتزلة ثم فشل مفكري النهضة، ثم اكتساح الأصولية لمقاليد الخطاب الديني الاجتماعي في أيامنا هذه يؤكد ما يأتي:
1- إن الإسلام لا يكفل حرية الاعتقاد وحرية التفكير مثلما تكفلها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وأن الإسلام نفسه كان السبب في مجازر رهيبة ارتكبت ضد المفكرين. 2- الإسلام يجعل من الشعب مجرد " رعية " أو قطيع يقاد من قبل الحاكم ويطيع – كرهاً أو طوعاً – فتاوى رجال الدين المتحالفون مع الاستبداد والفاشية، وهو تعارض جوهري مع الديمقراطية التي تقوم على حكم الشعب. 3- تقوم العلمانية على نظم حكم ديمقراطية ومشرعون عقلانيون لا يستندون إلى نصوص الدين في تشريعاتهم، بينما الإسلام ينص صراحة على كفر من لم يحكم بما أنزل الله. http://www.islam-qa.com/ar/ref/974
4- الفشل التاريخي الذريع لجميع محاولات عقلنة الإسلام تؤكد أن لا مفر من مناقشة مسلمات الدين لبيان تهافتها أمام محكمة العقل والمنطق، بصرف النظر عن موقف العامة والجهلاء من هذه القضية.
#صلاح_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عظمة الإسلام بين الحقيقة والوهم
-
أخلاق المسلمين وأخلاق اليابانيين
-
حوار مع مختار ملساوي حول سبل مواجهة التطرف الإسلامي
-
الإسلام والليبرالية
-
هل تؤيد تصفية الدجال يوسف البدري في حال حدوث مكروه لسيد القم
...
-
سيد القمني شعلة التقدم الإنساني في وجه الظلام !
-
الشرف الغربي والشرف العربي الإسلامي
-
حماية الحوار المتمدن من المتطفلين ومرضى الوهابية: الحائرة نم
...
-
الإسلاميون في الحوار المتمدن
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|