|
في -الأجندة الخاصة- وأصحابها!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2735 - 2009 / 8 / 11 - 07:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
النقد السياسي أتانا، في الجديد من تجربته وخبرته وخطابه وثقافته، بمصطلحات ومفاهيم وعبارات، تظل، على كثرة استعمالها، غير واضحة المعاني والدلالات بما يكفي لجعلها مفهومة جيِّداً لدى فئة واسعة من المواطنين، ومن العامة من الناس؛ وربَّما كان أبرزها، وأشهرها، وأكثرها شيوعاً واستعمالاً، مصطلح "الأجندة الخاصة"، و"المشبوهة"، في بعضها، وأصحاب، أو ذوي، تلك "الأجندة".
"الأجندة"، في العربية، وفي معناها اللغوي الصرف، هي "البرامج" و"الجداول"..؛ وليس هناك من جماعة سياسية، أو غير سياسية، معدومة "الأجندة"، فكل جماعة سياسية ينبغي لها أن تملك "برنامجاً"، يميِّزها من غيرها، أي يخصها وحدها؛ ولا بدَّ لهذا "البرنامج" من أن يشتمل على "أهداف"، و"مهمات"، ومن أن يعكس، بأهدافه، ومهماته، مصالح تخصُّ تلك الجماعة، أو تخصُّ مَنْ تمثِّلهم الجماعة السياسية صاحبة البرنامج. وبحسب هذا المعنى، حتى الفَرْد له أجندته الخاصة به.
ولكنَّ هذا المعنى ليس هو المعنى الاصطلاحي (السياسي) الحقيقي لـ "الأجندة الخاصة"، وذويها، فثمَّة جماعات، ومجموعات، وقوى، ازدهرت في مناخ "العولمة السياسية"، و"العولمة على وجه العموم"، ظاهرها، في السياسة، وغيرها، غير باطنها، وباطنها غير ظاهرها، فهي في أقوالها، وكلامها، وشعاراتها، ومواقفها، تسعى إلى أشياء وأهداف وغايات تحيطها بالسرِّية والكتمان، لا تبوح، ولا تجرؤ على البوح بها؛ لأنَّ "الشفافية" في عملها ونشاطها تصيب منها مقتلاً، وتتسبَّب بانتفاء الحاجة إلى وجودها.
إذا أردنا الانتماء إلى السياسة في عالمها الواقعي (لا الأفلاطوني) فلا مهرب لنا من الإقرار بوجود، وبسوء وجود، تلك الجماعات، التي يمكن ويجب تسميتها "أصحاب وذوي الأجندة الخاصة"، والذين يشبهون سفينةً، يملك طاقمها من القوَّة والنفوذ والحيلة والوسائل ما يسمح لهم، على ما يتوقَّعون أو يأملون أو يتوهَّمون، بتسيير الرياح، التي هي كناية عن العامة من الناس، بما تشتهي سفينتهم.
ونحن يكفي أن نقرَّ بوجود تلك الظاهرة السياسية حتى نَرُدَّ الاعتبار إلى "نظرية المؤامرة"؛ ولكن بأبعادها وجوانبها العقلانية والواقعية والمنطقية، فالمشتغلون بسياسة تقوم على "المؤامرة" استنفدوا كثيراً من وقتهم وجهدهم لينفثوا في روع الناس جميعاً فكرة أنَّ "نظرية المؤامرة" هي من نسج عقل مثخن بجراح الأوهام السياسية، ولا تمتُّ إلى العالم الواقعي للسياسة بصلة، وينبغي لنا، بالتالي، نبذها ومحاربتها واستصغارها و"الشفاء" منها؛ أما الغاية الكامنة في حربهم على "نظرية المؤامرة" فهي تذليل العقبات من طريق مؤامراتهم هُمْ، وكأنَّهم اللص الذي يحضُّكَ على الأمانة والاستقامة حتى يسهل عليه سرقتكَ، والكذوب الذي يحضُّكَ على الصدق حتى يسهل عليه جَعْلكَ مُصَدِّقاً لكذبه.
ذوو الأجندة الخاصة هم نمط سياسي (وفكري) متفرِّع من ظاهرة "الفِرَق (السياسية والفكرية) الباطنية"، التي يُظْهِر المنتمون إليها خلاف ما يضمرون، ويضمرون خلاف ما يُظْهِرون، توصُّلاً إلى غاياتهم وأهدافهم التي يتَّخذون من العامة من الناس وقوداً لها، غير متورِّعين عن استعمال حتى القذر من الوسائل في سعيهم إلى تسيير الريح بما تشتهي سفينتهم.
وهؤلاء، على سوئهم، وسوء ما يستهدفون، ليسوا بمعدومي الإحساس بالواقع وحقائقه، فهم لا ينبذون "الحَبَّة" من حقائق الواقع؛ لأنَّهم لو فعلوا ذلك لحكموا على أنفسهم بالإعدام السياسي. إنَّهم يتوفَّرون على جعلها في حجم "القُبَّة"، من خلال "تأويلهم" لكلام ما، أو لتصريح ما، أو لحادث ما، بما يؤثِّر، على ما يتوقَّعون أو يتوهَّمون، بنفوس جمهور من الناس أو المواطنين، فتجري الرياح، على ما يتوقَّعون أو يتوهَّمون أيضاً، بما تشتهي سفينتهم، التي قد تكون على هيئة سفينة صيد، يتوفَّر الصيادون على متنها على تعكير المياه ليتصيَّدوا فيها.
إنَّهم موجودون بين ظهرانينا، ظهورهم محمية، تمويلهم معظمه أجنبي، يأتي، على مرأى ومسمع من الحكومة والدولة، من جمعيات ومنظمات.. أجنبية، "غير حكومية"، مستقلة في الظاهر ليس إلاَّ، تلبس لبوس الكهنة، وتتقنَّع بأقنعةٍ جميلة، وتؤدِّي كثيراً من الأعمال الخيرية، وكأنَّها للبرِّ والإحسان وُجِدَت وتعمل.
ومع ذلك، ينبغي لنا ألاَّ نحيد عن "الموضوعية" في الفهم والتفسير والنظر والتحليل، فـ "ذوو الأجندة الخاصة"؛ ومن قبلهم، "الطابور الخامس"، و"القوى المندسة"، و"أصحاب الفكر الهدَّام والمستورد"، "ومثيرو الشغب والقلاقل والاضطِّرابات"، لا وزن لهم، ولا ثِقَل، حيث تنعدم الجاذبية.
إنَّ أعظم محرِّض لجمهور من العمال على الإضراب لن يؤتي تحريضه ثماره إذا لم يكن هؤلاء العمال في ظروف وأحوال اقتصادية ومعيشية وإنسانية تشدِّد الحاجة لديهم إلى الإضراب، حلاَّ أخيراً لمشكلتهم.
"البعوض" لا بدَّ لنا من محاربته؛ ومن السعي في قتله بعوضةً بعوضةً؛ ولكن من غير أن نضرب صفحاً عن حقيقة أنَّ الحلَّ النهائي والحقيقي يكمن في "تجفيف المستنقع"؛ وهذا "التجفيف" هو ما يتحدَّانا الواقع أن نفعله.
"الفكر"، ولو ثَبُت وتأكَّد أنَّه إبليسي المَصْدَر والغاية والغرض والوسيلة..، لا يؤثِّر، ولا يمكنه أن يؤثِّر، حيث يلقى صَدَّاً قوياً له في حاجات ومصالح الناس الحقيقية والأساسية والواقعية.
وهذا الذي قُلْت هو ما يميِّز ويَفْرِز الوهم من الحقيقة في "نظرية المؤامرة"، التي بنبذها المُطْلَق لا يمكننا فهم وتفسير "الأجندة الخاصة"، وأصحابها، وأصحاب أصحابها، فالسياسة، في عالمها الواقعي، تشتمل على "المؤامرة"؛ ولكنها لا تَعْدلها.
وفي هذه "الضارة"، التي هي "الأجندة الخاصة"، وأصحابها، تكمن "النافعة"، التي هي "الحياة الحزبية السليمة الشفَّافة المفعمة بالحياة"، فانعدامها، أو ضآلتها، أو فسادها وتشوَّهها، هو المناخ الذي فيه تزدهر "الأجندة الخاصة"، وأصحابها، وتتسع ظاهرة "الصالونات السياسية"، التي هي في كثير من معناها وحقيقتها، صالونات تعود ملكيتها إلى النافذين (المتصارعين ـ المتصالحين) من مراكز وقوى وأجنحة وشخصيات، تَسْتَجْمٍِع حولها، ولمصالحها، وعلى موائدها، بمعانيها الحرفية والمجازية، إعلاميين وصحافيين وكُتَّاب، وكأنَّهم جيوش لكرِّها وفرِّها في حروب لا ناقة للمجتمع فيها ولا جَمَل، وإنْ تسربلت بمصالحه وأهدافه وقضاياه.
وفي هذا الصنف من الإعلاميين والصحافيين والكُتَّاب نقف، على خير وجه، على معنى "الأجندة الخاصة"، وأصحابها، فما أن يخرج أحدهم من "صالون ما"، مزوَّداً "المعلومة"، و"الفكرة"، و"الغاية الحقيقية"، حتى يُسْرِع في ابتناء "مقالة رأي" من تلك الحجارة واللبنات؛ ولكن من غير أن ينسى أن يزركشها ويزيِّنها بمفردات وعبارات "المصالح والقضايا العامة"، فـ "دسُّ السُمِّ في العسل" هو جوهر عمل ذوي الأجندة الخاصة في وسطنا الإعلامي والصحافي.
تلك العلاقة، وبحدِّ ذاتها، ليست بالجيِّدة أو السيئة، فتمييز جودتها من سوئها لا يتحقَّق إلاَّ إذا عرفنا "من يستخدم (ويوظِّف) من".
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سنة على موت -هوميروس فلسطين-!
-
العبوس.. عربياً!
-
موت -الخبر-.. في الجريدة اليومية!
-
هكذا يُحارَب -التوطين-!
-
إذا لم يكن من -التطبيع- بُدٌّ..
-
إذا سلَّمْنا ب -نظام القضاء والقدر-.. فهل إرادتنا جزء منه؟!
-
أوَّل غيث -التطبيع الجديد-.. -مقالة-!
-
ماركس إذ بُعِثَ حيَّاً!
-
-الشيخ جرَّاح- هو -رودوس- التي تتحدَّى أوباما!
-
لِيُعْقَد في -بيت لحم- ولكن ليس في -بيت العنكبوت-!
-
من -أزمة الحل المرفوض- إلى حل -الحل المفروض-!
-
الأهمية الحكومية ل -المعارَضة- عندنا!
-
ما وراء أكمة -صُلْح- أوباما مع المسلمين!
-
اقْضوا على اللاجئين.. تَقْضون على -حق العودة-!
-
شتاينماير الذي هزَّ رأسه!
-
ما بين -رجل الإعلام- و-رجل الأمن-!
-
المخاطر الإسرائيلية.. كيف يمكن أنْ تُواجَه أردنياً؟
-
المستوطنات في أسواقنا وبيوتنا!
-
تخطِّي الرأسمالية.. أما زال ممكناً؟
-
الزمن في حياتنا اليومية!!
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|