|
(مدرسة الإمام محمد عبده بين مصر وتونس) ( 2 / 3 )
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 2734 - 2009 / 8 / 10 - 07:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من مقياس الاستنارة الى إشكالية المنهج ملاحظة : سبق نشر هذا البحث في الفصلية العلمية ( الإنسان و التطور ) التي يصدرها المفكر المصري د. يحيى الرخاوي ، في قسمين تحت عنوان ( بعض مراتب ومراحل الاستنارة الدينية الحديثة في الإسلام) . وننشرها هنا فى ثلاثة أقسام . وهذا هو القسم الثانى .
1- وللتيسير على المثقف غير المتخصص في الأصوليات وللتخفيف من وقع المفاجأة فإننا نكتفي بوضع مقياس قرآني للاستنارة العقلية ونبدأ بتطبيقه قرآنيا على النبي محمد عليه السلام نفسه، فالنبي هو القدوة وما لا ينطبق عليه لا يمكن أن ينطبق على غيره، وهذه العبارة يمكن فهمها حالا إذا عرفنا المقياس القرآني المراد. وهو باختصار، الإجابة على سؤالين: هل كان النبي يعلم الغيب؟ وهل كان النبي يفتى للمسلمين في التشريع ويجتهد برأيه في الأمور التشريعية؟.
2- إذا كان النبي يعلم الغيب فالواجب علينا أن نؤمن بكل الأحاديث المنسوبة للنبي في الغيبيات، بدءا من الحديث عن الأمم السابقة والأمم اللاحقة بعد النبي، والحديث عن علامات الساعة وما يجرى فيها من شفاعات وأحوال، والحديث عن العوالم الأخرى من ملائكة وجن وشياطين، وبالتالي يمكن أن نتسامح في معرفة الآخرين لهذا الغيب لأنهم على " قدم النبي" أي نؤمن بمقدرة الأولياء الصوفية وغيرهم من القديسين على معرفة الغيب، وبالتالي تتضخم مساحات الخرافة في عقولنا - وهى فعلا متضخمة - وتتحول تلك الخرافات المتضخمة إلى قدس الأقداس، وبالتالي تتضاءل المساحة التي يتحرك فيها العقل - وهى فعلا تضاءلت - ونصبح أسرى للخرافة - ونحن فعلا كذلك.
وإذا لم يكن النبي يعلم الغيب - وهذا ما يؤكده القرآن الكريم خلال أكثر من ثلاثين آية قرآنية - فإن كل تلك الأحاديث المنسوبة إليه مزيفة، وهى بمعنى آخر كاذبة في نسبتها للنبي، وإن كانت صادقة في أنها تعكس الحالة العقلية المتردية للذين صاغوها وللمجتمع الذي يؤمن بها، أي أن صدقها في تعبيرها عن حال أصحابها ومدى تحكم الخرافة فيهم، والمهم في ذلك المقياس من حيث عدم علم النبي بالغيب أنه يفتح كل الأبواب للعقل الإنساني في أن يفكر وأن يبدع طالما كانت الغيبيات محصورة في العلم الإلهي المذكور في القرآن الكريم وحده، وليس للنبي محمد ولا لأي إنسان آخر أن يتحدث فيها. إذاً علينا أن نسعى للبحث في عالم الشهادة طالما تقلص ميدان الغيب في آيات القرآن وحدها.
3- ومن ناحية أخرى فإذا كان النبي يفتي ويجتهد في التشريع فقد وضعت بذلك متاريس كثيرة أمام العقل المسلم، إذ كيف يـجتهـد في أمر قد أفتى فيه النبي سلفا؟ وكيف يفسر آية فسرها النبي آنفا؟ فمن الطبيعي أن يتحول ذلك الاجتهاد النبوي إلى دين، أو على الأقل يكون مصدرا للتشريع، وعليه فقد كان ينبغي للمذاهب الفقهية أن تبدأ أولا بجمع وتوثيق ذلك الاجتهاد النبوي كما حدث مع القرآن، ولكن ذلك لم يحدث، صحيح أن هناك التفسير بالمأثور، ولكن أعلن الإمام أحمد بن حنبل نفسه عدم الاعتداد به، حين قال " ثلاثة لا أصل لها: التفسير والملاحم والمغازي " ولكن الصحيح أيضا أن المنافسات الفقهية والمذهبية جعلت بعضهم ينسب رأيه في التفسير أو في الفقه للنبي عبر سلاسل مفتراة ذهبية أو معدنية، لا يهم، إنما المهم أنها افتراء على الله تعالى ورسوله وأنها في تضخمها أعاقت حركة المسلمين، وإذا كان سهلا أن نتذكر الآيات القرآنية التي تعلن عدم معرفة النبي بالغيب وتأمر النبي بأن يعلن ذلك عن نفسه بوضوح، فإن قضية اجتهاد النبي في التشريع والتفسير تستحق بعض التوقف بما يتلاءم وهذه الورقة البحثية الموجزة.
4- وهنا نكتفي بالدعوة إلى تدبر الآيات القرآنية التي تبدأ بقوله تعالى " يسألونك" ونعطى عنها لمحات سريعة.
أ- فالقرآن الكريم أكد أكثر من مرة على أن علم الساعة وموعدها وما يجرى فيها عند الله تعالى وحده (فصلت 47، لقمان 34، الزخرف 85) وأكد أيضا على أن النبي لا يعلم عن الساعة شيئا (الشورى 17).
ومع ذلك سألوا النبي عن الساعة، وكان يمكن أن يكتفي بالإجابة عليهم بترديد الآيات السابقة، ولكن لم يكن له أن يجيب على شيء طالما الوحي ينزل، لذلك انتظر إلى أن نزل قوله تعالى "يسألونك عن الساعة أيان مرساها؟ فيم أنت من ذكراها؟ إلى ربك منتهاها، إنما أنت منذر من يخشاها: النازعات - 46"
وبعد هذا التأكيد في الإجابة على التساؤل بأن النبي لا شأن له بعلم الساعة وأن وظيفته التبليغ والإنذار فقط، عاد نفس التساؤل، وكان يمكن أيضا للنبي أن يتلو الآيات السابقة التي ترد على نفس التساؤل، ولكن ليس له أن يجيب بنفي أو إيجاب، لذلك انتظر إجابة السؤال من السماء، ونزلت الإجابة تؤكد نفس الإجابة السابقة وتزيد تأكيدا عليها بأن النبي ليس له أن يعلم الغيب، ولو كان يعلم الغيب لاستكثر من الخير وما مسه السوء (الأعراف 187: 188) وعاد نفس التساؤل وظل أيضا معلقا دون إجابة من النبي إلى أن نزل قوله تعالى " يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله، وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا، الأحزاب 63" أي أن النبي لم يكن مسموحا له أن يجيب على أسئلة يعرف مقدما إجابتها من القرآن، حتى لو تكررت الأسئلة وتكررت الإجابة عليها في القرآن من قبل.
5- وإذا كان هذا الموقف واضحا في أمور الغيب فإنه بنفس الوضوح في التشريعات، فعلى سبيل المثال نزلت آيات مكية كثيرة تحض على رعاية اليتيم وإعطائه حقوقه (الأنعام 15، الإسراء24 الفجر 17، الضحى 9، الماعون 2، البلد 15، الكهف 82) ثم نزلت آيات أخرى في المدينة في نفس الموضوع (الإنسان 8، البقرة 83، 177، النساء 36،10،8،6،3،2، الأنفال 41، الحشر 7) وتميزت الآيات المدنية بتشريعات تحفظ حقوق اليتيم المالية والاجتماعية والنفسية، وكانت تلك الآيات المكية والمدنية تتلى في المدينة ويرتلها المسلمون في صلواتهم ومناسكهم، ومع ذلك سألوا النبي مجددا عن اليتيم، وكان يمكن للنبي أن يتلو عليهم بعض الآيات وفيها الإجابة، وكان يمكنه أن يستشهد بها في فتواه، إذا كان له حق الفتوى، وكان بإمكانه أن يحيلهم إلى تلك الآيات ويدعوهم للتدبر فيها بأنفسهم، لم يغفل ذلك، وانتظر إلى أن نزل الوحي بالإجابة " ويسألونك عن اليتامى، قل: إصلاح لهم خير، وإن تخالطوهم فإخوانكم: البقرة 22" وهى إجابة تؤكد ما سبق قوله في الآيات السابقة عن رعاية اليتامى وجاء تساؤل آخر عن اليتامى من النساء، وكالعادة لم يتصدى النبي للفتوى، بل انتظر إلى أن نزل قوله تعالى " ويستفتونك في النساء، قل: الله يفتيكم فيهن، وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء، النساء 27" ويلاحظ هنا أن الرد الإلهي على استفتائهم جاء بقوله تعالى " قل الله يفتيكم" لم يقل قل أنا أفتيكم، وتردد هذا في قوله تعالى " ويستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة: النساء 176" أي طالما أن الوحي الإلهي ينزل فإن الله تعالى هو صاحب الفتوى، وما على الرسول إلا البلاغ، أي بتبليغ الوحي كما هو، دون أي إضافة، حتى لا يكون للدين الإلهي إلا مصدر واحد، هو الله تعالى، وحتى يتنزه دين الله تعالى من أي مصدر بشرى، وبعد نزول الوحي وموت النبي يكون تدين الناس وفكرهم وتدبرهم وتفسيراتهم للكتاب، وهم عنها مسئولون، ولكن لا يمكن أن تكون دينا، لذلك فإن الله تعالى يوجه نظرهم إلى ما نزل في الكتاب في موضوع النساء اليتامى فيقول: قل الله يفتيكم، وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء" أي أن للناس - دون النبي- الحق في الاجتهاد، لأنهم ليسوا مبلغين عن الله، ولأنهم يتحملون وزر ما يقولون، وهذا منطقي ومعقول، لأن كل مؤلف من البشر يكتب اسمه على الكتاب الذي يؤلفه ويكون مسئولا عنه، والنبي محمد ليس مؤلفا لأي كتاب، ولكنه قام بتبليغ كتاب الله تعالى وتلك مهمته وتلك مسئوليته وليس عليه غيرها.
ج- ونعود إلى لمحات سريعة آخري عن كلمة "يسألونك" في القرآن فقد كانوا يسألون النبي عن أمور يعرفها بثقافته العربية والدينية، وكان المنتظر منه أن يجيب عنها من واقع المعرفة والتعود العربي، ولكنه لم يكن يجيب بما يعرف، وانتظر الإجابة من الله تعالى، ولذلك حين سألوه عن الأهلة (جمع هلال) لم يرد عليهم إلى أن نزلت الإجابة في قوله تعالي" يسألونك عن الأهلة، قل هي مواقيت للناس والحج، البقرة 189" وبالتأكيد فإن هذه الإجابة معروفة مسبقا للنبي ولأي عربي، فقد اعتاد العرب اتخاذ التقويم القمري مواقيت شهرية، وعلى أساسها كان العرب يحجون للبيت الحرام، ولكن لم يبادر النبي بالإجابة رغم أن الإجابة لا تحتاج إلى اجتهاد في الرأي، لأنه لا يملك الإفتاء أو الاجتهاد في الدين.
د - ونحن نعتقد أن النبي عليه السلام قد بلغ الكمال الإنساني في الذوق الرفيع، والله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته: "الأنعام 124" ولذلك فإننا نتوقع أنه يعرف الإجابة مقدما حين يسأل عن مباشرة الزوجة في المحيض، ومن المتوقع أن تكون إجابته بالنهى عن ذلك لأن المحيض أذى، ذلك هو ذوق الصفوة من الناس، ولكن النبي لا يقول رأيه، وينتظر الإجابة إلى أن ينزل قوله تعالى " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن: "البقرة 222" ويلاحظ أن البخاري أعطى في باب الحيض في كتاب الطهارة إجابة مخالفة لهذا التساؤل في حديث كاذب يزعم أن النبي كان يباشر نساءه في المحيض" وتأسيسا على موقف النبي من الرد على تساؤلات واستفتاءات الناس في عصره، وانتظار الإجابة من الوحي فقد حدث موقف طريف للنبي، فقد ظاهر رجل امرأته كعادة الجاهلية، وجاءت المرأة تستفتي النبي وتطلب منه حلا، ولم تكن حالتها النفسية ترضى بأن يمهلها النبي إلى أن ينزل الوحي بالفتوى، كانت تريد من النبي بأن يسرع بإعطائها فتوى سريعة، والنبي لا يملك حق الفتوى، فظلت تجادل النبي إلى أن نزل الوحي بالفتوى قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكى إلى الله، والله يسمع تحاوركما: المجادلة 1 فالمرأة حين يئست بعد الحوار والجدال اشتكت إلى الله تطلب منه الفتوى، فنزلت الإجابة في تشريع الظهار (المجادلة 2: 4).
5- باختصار.. ليس للنبي أن يتحدث في الغيبيات، وليس له أن يتحدث في التشريع أو التفسير أو أن يجتهد في هذا وذاك. لم يكن له إلا التبليغ للقرآن كما هو، فالاجتهاد في التفكير لنا دون النبي في أمور التشريع.
وباختصار آخر، فإن ما نسب للنبي بعد موته بقرون كان انعكاسا وتعبيرا للثقافات السائدة وقتها، وحيث كانت العادة السيئة في القرون الوسطى هي الانتحال الديني، فقد كان سهلا نسبة هذه الثقافات للنبي عن طريق الروايات والسلاسل الذهبية والفضية والمعدنية!!.
ومن الطبيعي أن الصدمة ستكون هائلة إذا طبقنا هذا المقياس العقدي والتشريعي على فكر المسلمين في طوائفهم المختلفة، ولكن ستكون لنا مفاجأة آخري إذا طبقنا نفس المقياس على فكر محمد عبده ومنهجه، ستكون مفاجأة سارة حين نراه يقترب ويناور ويلتف حول الموضوع إلى درجة تحس معها أنه يريد أن يصرح وأن يعلن لولا أن كابوس التقليد والجمود يرزح فوق أنفاسه ويمنعه من الاسترسال والإفصاح.
6- وفى هذه العجالة السريعة سنأخذ تفسير المنار للشيخين محمد عبده ورشيد رضا كحالة نموذجية نتفهم منها منهج محمد عبده، ومنهج تلميذه رشيد رضا، والفجوة بين هذا وذاك.
إن رشيد رضا يؤكد في مقدمة تفسير المنار أن شيخه محمد عبده توقف في تفسيره للقرآن عند الآية (126) من سورة النساء، وتوفى بعدها فأكمل رشيد رضا التفسير إلى بعض أجزاء سورة يوسف. وهذا هو محتوى تفسير المنار للشيخين، بغض النظر عن طريقة صياغة رشيد لأجزاء التفسير كلها، وما ينسبه لنفسه أو لشيخه، وتلك قضايا فرعية نعرض عنها اختصارا. ونكتفي بتوضيح منهج الشيخين في ذلك التفسير والفجوة بينهما.
منهج محمد عبده:
ماذا قال محمد عبده في المنار عن علم النبي بالغيب؟ وماذا قال عن تشريع النبي في تعليقه على آيات يسألونك في الجزء الذي قام بتفسيره؟
1- في تفسير قوله تعالى وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء: آل عمران 179 يقول محمد عبده إن بعض الناس قد وقع في الوهم حين ظن أن كل من اجتباهم الله من رسله يعلمون الغيب، وزعم بعضهم أن النبي محمدا قد أطلعه الله تعالى على علم الساعة قبل وفاته، ويؤكد محمد عبده أن كل ذلك من الجرأة على الله، والقول عليه بغير علم، وهنا يستدل محمد عبده بقوله تعالى قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب (الآية الخمسون من سوره الأنعام ) ويقول محمد عبده إن هذا ما أمر الله تعالى خاتم النبيين أن يبلغ عن ربه للناس ويؤكد محمد عبده مجددا عدم علم النبي بالغيب بقوله تعالى ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء: الأعراف 188
ثم يقول محمد عبده إذا أجزنا لأنفسنا أن نقيد كل ما حكاه الله تعالى عن نفسه وأن ذلك يقضى إلى تعطيل صفات الألوهية بالتأويل، فيجب أن نقف عند حدود النصوص في أمر الغيب لأنه لا يعرف بالقياس ولا مجال فيه لعقول الناس، وسيأتي لهذا البحث مزيد بيان في سورة الأنعام وغيرها إن شاء الله تعالى أ.هـ.
ومات الإمام محمد عبده قبل أن يكمل في تفسيره إلى سورة الأنعام وما فيها من آيات تنفى عن النبي علم الغيب، وكان ذلك من حظ تلميذه رشيد رضا الذي استخدم كل مهاراته في التأويل والتحريف لكي يثبت للنبي علما بالغيب خلافا لمنطق القرآن الواضح، وخلافا لتفسير شيخه محمد عبده. وموعدنا مع تفصيل لذلك فيما بعد، ولكن نتوقف مع ما قاله محمد عبده بالمزيد من التأمل.
2- فالآيات التي تقطع بأن النبي محمدا لا يعلم الغيب لم تأت في الجزء الذي عرض له محمد عبده في تفسيره ومع ذلك فقد استشهد ببعض الآيات الواردة في سورتي الأنعام والأعراف قبل أن يصل إليها، ووعد بأن يأتي بمزيد من البحث ليؤكد عدم علم النبي بالغيب. أي أنه كان حاضر الذهن في الموضوع وقد اكتمل وعيه بحقائق القرآن التي تؤكد عدم علم النبي بالغيب.
ويكاد القارئ لما بين سطور الكلام أن يقطع بأن الإمام محمد عبده كان حاضر الذهن في نفى الأحاديث التي تنسب للنبي زورا العلم بالغيب، وإن لم يتعرض لها بالهجوم والاستنكار مكتفيا بالدعوة إلى الإعراض عنها تحت عنوان عام يحذر من تعطيل جميع صفات الألوهية بالتأويل .
والمسكوت عنه في هذه العبارة يظهر حين نعيد شرحها أو نعيد صياغتها في ضوء التأكيدات القرآنية التي استشهد بها محمد عبده، فنقول إذا أجزنا لأنفسنا أن نقيد كل ما حكاه الله تعالى عن نفسه من أن النبي لا يعلم الغيب، إذا أجزنا أن نقيد ذلك بتلك الأحاديث التي تثبت للنبي علم الغيب فإن ذلك يفضى إلى تعطيل جميع صفات الألوهية بتأويل معناها، حيث إن العلم بالغيب مما اختص الله تعالى به ذاته، وأعطى بعضه لبعض الأنبياء كمعجزة ولم يكن منهم خاتم النبيين .
والمفهوم في منهج محمد عبده في هذا السياق انه اكتفى بتقرير القرآن في التأكيد على أن النبي لا يعلم الغيب، واكتفى بالإعراض عن الأحاديث المخالفة للقرآن في هذه القضية، ولم يشأ إعلان الحرب عليها، لأن المناخ السياسي والثقافي يحول بينه وبين ذلك. وهذا هو موقفه من الجزء العقدي في المقياس، أي ما يتعلق بعلم الغيب. فماذا عن الجزء الآخر التشريعي، وهو أن النبي كما لا يعلم الغيب فليس له أيضا أن يجتهد في التشريع؟
3- وهنا نجد تضاربا في منهج الإمام محمد عبده.
ففي تفسير المنار في الجزء الخاص به نجده يتبع المنهج التقليدي في الإصلاح الفكري، بمناقشة الروايات خصوصا أسباب النزول معتمدا في ذلك على ما ورد في الرازي والجلالين، ونحن نركز هنا على آيات يسألوك عن الخمر والميسر ويسألونك ماذا ينفقون، يسألونك عن اليتامى، ويسألونك عن المحيض: (البقرة: 189، 222،220،219،217،215) ولم يستشف منها ما قررناه سابقا من أن النبي لم يكن له أن يفتى في أي تشريع.
وفى مقابل هذه النظرة التقليدية نجد الشيخ أكثر جرأة في إصدار الفتاوى الثورية التي تحل التعامل مع البنوك والتصوير الفوتوغرافى والاستماع إلى الراديو والتي تحل الإضراب للعمال المظلومين، كما نجد ما يؤكد هذه الثورية في اعتبار الأحاديث (الصحيحة) مجرد أحاديث آحاد تفيد الظن ولا تفيد اليقين.
هذا بالإضافة إلى اعتبار النظر العقلي لتحصيل الإيمان هو الأصل الأول للإسلام، وجعل تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض هو الأصل الثاني للإسلام، ثم جعل الأصل الرابع الاعتبار بسنن الله تعالى في الخلق (الإسلام بين العلم والمدنية 2 :106،105) (ط. الهيئة العامة للكتاب المصرية).
وباختصار فإن منهج محمد عبده قد اقترب من المقياس الصحيح في موضوع الغيب وتقاعس عن ذلك المقياس في موضوع التشريع والتفسير. كان في الجانب العقلي سابقا لعصره والعصور السابقة، بينما اكتفى في الجانب الآخر بالإصلاح التقليدي بمنهج المصلحين السابقين، في تتبع الروايات ومناقشتها، وتوضيح الصحيح من الفاسد تسليما بالمبدأ نفسه.
وهذا بدوره أعطى فرصه لتلميذه السلفي رشيد رضا لكي يرسي دعائم منهجه ولكي يفسد الثمرة التي ناضل من أجلها أستاذه وندخل بذلك على منهج رشيد رضا.
منهج رشيد رضا:
1-هربا من بيئة التعصب الديني (بين المسلمين والنصارى) والتعصب المذهبي (بين السنة والشيعة) والصراع الدولي (بين العثمانيين والأوربيين) جاء رشيد رضا من الشام إلى مصر، ضمن كثيرين من الشوام النصارى والمسلمين، الذين جاءوا إلى مصر يحملون داخلهم إفرازات التعصب الديني والمذهبي وموروثاته. وفى مصر كان التدين مختلفا، يسمح لهذا وذاك بحرية المعتقد وإمكانية الشهرة والثراء والنفوذ. وأتيح لهذه الكفاءات الشامية عن طريق (وكلاء) مصريين أن يحظوا بالشهرة والثناء، وعندها، وبعد الاستقرار والتمتع بالأمان، عاد أولئك الأعلام الشوام إلى استئناف خصوماتهم الفكرية في مصر، بين علمانيين وسلفيين، بين ملحدين ومتدينين، بين نصارى ومسلمين..
وكان من أولئك صاحبنا رشيد رضا الذي حمل في داخله التعصب السني السلفي بعد أن أحدثت الحركة الوهابية انتعاشا للفكر السلفي الحنبلي التيمي بالشام. وحاول رشيد رضا كبت مشاعره السلفية بكل ما أوتى من دهاء أهل الشام، ولا ريب أنه كان يتوجع من آراء أستاذة محمد عبده ومن انتقاده للأحاديث، خصوصا وقد كان الإمام محمد عبده لا يفتأ يهاجم التصوف والدعوة الوهابية معا.
2- وبينما كان رشيد رضا يحتفل بآراء شيخه في نقد التصوف ويرصع بها أقواله في تفسير المنار نجده على العكس يتجاهل أراء محمد عبده في السخرية وانتقاد الوهابية، ومنها قوله عنهم .. فئة زعمت أنها نفضت غبار التقليد، وأزالت الحجب التي كانت تحول بينها وبين النظر في آيات القرآن ومتون الأحاديث لتفهم أحكام الله منها، ولكن هذه الفئة أضيق عطفا وأحرج صدرا من المقلدين، وإن أنكرت كثيرا من البدع، ونحت عن الدين كثيرا مما أضيف إليه وليس منه.. فلم يكونوا للعلم أولياء ولا للمدنية أحباء. (الإسلام بين العلم والمدنية: 47:148)
3- وكذلك تجاهل رشيد رضا ما أكده الإمام في نفس الكتاب السابق عن الأصل الثالث من أصول الإسلام وهو البعد عن التكفير، والتكفير أساس الاستحلال للدماء والأموال والأعراض، والاستحلال أساس قيام وتوسع الدولة السعودية الوهابية. وصاحبنا رشيد رضا أوقع نفسه في تكفير خصومه في المذهب وفي الدين في مواضع كثيرة من تفسيره في المنار، وذلك حين كان يخلط بين خطاب الله تعالى للبشر من مشركين وأهل كتاب (ومن حقه تعالى أن يقول لهم ما يشاء) وبين الأوامر الإلهية لنا بالحكمة والموعظة الحسنة وإرجاء الحكم في العقائد إلى الله تعالى يوم القيامة، وذلك في حوارنا مع المختلفين عنا في المذاهب والعقائد.
سار رشيد رضا على نفس طريقة السلف - خصوصا ابن تيميه - في إدمان التكفير لجميع من يخالفونه في الرأي.
4- وإذا كان محمد عبده في كتابه (الإسلام بين العلم والمدنية) قد جعل الأصل الخامس من أصول الإسلام "قلب السلطة الدينية.. والإتيان عليها من أساسها" فإن رشيد رضا لم يفهم من هذا المبدأ إلا الهجوم على أولياء التصوف، ونراه في المقابل يعمل على تأسيس الكهنوت الديني السياسي أو الدولة الدينية، وهو المبدأ الذي وقف عليه نشاطه بعد أن تحالف علنا مع السعوديين، وبعد موت شيخه الإمام. والطريف - بل من غير الطريف - أن رشيد رضا يتحدث عن تأليف الإمام محمد عبده لكتاب الإسلام بين العلم المدنية فيقول في مقدمة تفسير المنار " زرته يوم الجمعة 13 رمضان فقرأ لي عبارة من كتاب فرنسي في الطعن على الإسلام، وطفق يرد عليها بعد أن قال أن هؤلاء الإفرنج يأخذون مطاعنهم في الإسلام من سوء حال المسلمين مع جهلهم بحقيقة الإسلام، وقال إن القرآن نظيف والإسلام نظيف وإنما لوثه المسلمون بإعراضهم عن كل ما في القرآن واشتغالهم بسفاسف الأمور.." والشيخ رشيد رضا لم يذكر لنا كل ما قاله له شيخه، كما لم يذكر أيضا لنا في تفسير المنار بعض ما قاله شيخه في نفس الكتاب " الإسلام بين العلم والمدنية".
5- ومن حقنا أن نتشكك في أمانة النقل لدى رشيد رضا في الموضوعات التي يختلف فيها مع شيخه الإمام، ويتأكد لنا هذا الشك في تفسير المنار ذاته، ففي نهاية الجزء الذي فسره الإمام محمد عبده وهو نهاية الآية (126) من سورة النساء يقول رشيد رضا هذه الآية كانت آخر ما فسره شيخنا الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده في الجامع الأزهر، وسنستمر في التفسير على هذه الطريقة التي اقتبسناها منه، ولكنه يناقض نفسه فيما كتبه في المقدمة، والعادة أن تكون مقدمة الكتاب آخر ما يقوم به المؤلف لأنه في نهاية حديثه في المقدمة يقول هذا وإنني لما استقللت بالعمل بعد وفاته خالفت منهجه بالتوسع فيما يتعلق بالآية من السنة الصحيحة، سواء كان تفسيرا لها أو في حكمها وواقع الأمر أن منهج محمد عبده اعتمد على بعض مرويات الأحاديث ومناقشتها وإثبات ما يتفق منها مع وجهة نظره، ولكن الجديد الذي جاء به رشيد رضا ورفض أن يفصح عنه هو الإتيان بأحاديث سماها سنة صحيحة وهى تؤكد على رؤية رشيد رضا المخالفة لمدرسة شيخه التنويرية ونضرب لذلك مثلا واحدا: فالشيخ محمد عبده في تفسير آية وما كان الله ليطلعكم على الغيب وعدنا بتفصيلات أخرى تؤكد أن النبي لا يعلم الغيب، وذلك عندما يصل إلى الآية 50 من سورة الأنعام قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ومات الإمام قبل أن يصل إلى نهاية سورة النساء، وأكمل رشيد رضا التفسير، وحين جاء إلى الآية المذكورة حاول تأويل أو تحريف معناها الواضح ليثبت للنبي علم الغيب، وفعل نفس الشيء في موضوع الشفاعة، وهذه هي السنة الصحيحة التي يعنيها رشيد رضا،
6- وهنا تبدأ الفجوة بين محمد عبده ورشيد رضا، وهنا أيضا تتسع الفجوة: فالأحاديث النبوية عند محمد عبده مجرد أحاديث آحاد لا تفيد اليقين وإنما تفيد الظن، ولا تنهض وحدها دليلا إلا إذا اتكأت على آية قرآنية أو رؤية قرآنية واضحة. أما عند تلميذه رشيد رضا فالأحاديث هي مصدر قائم بذاته سواء اختلف أو تعارض مع القرآن، بل طبقا لمنهجه فإنه يستسيغ تأويل الآيات القرآنية وتحريف معناها كي توائم وتتفق مع الأحاديث الصحيحة لديها.
7- ولكن النتيجة الواضحة والمؤلمة أن رشيد رضا نجح في خنق وتحجيم حركة شيخه التنويرية وكان لذلك سببان: الأول يرجع إلى منهج محمد عبده نفسه الذي لم يكن متسقا ومحددا. إذ إنه بدون مبررات تشرح سوء الأحوال وعنف الأشياخ وتأثيراتها على تردد محمد عبده وعدم وصوله إلى منهج كامل متسق الأطراف يضع الأمور في نصابها، نقول برؤية منهجية فوقية أن هذا التردد وعدم حسم المشكلة الأساسية (الأحاديث المنسوبة للنبي في الغيبيات والتشريعات ) قد أتاح لرشيد رضا أن يجهض حركة محمد عبده التنويرية ويحصرها في الإطار التقليدي الذي تتقلص مساحته التنويرية شيئا فشيئا، والمؤسف أن عدم التحديد للمفاهيم و التواري في الهجوم خلف مصطلحات باهتة، مثل التأويل جعل الكثيرين يعتقدون أن رشيد رضا قد سار على منوال شيخه، لأن التلميذ الداهية استخدم نفس مصطلحات شيخه استخداما عكسيا، فإذا كان محمد عبده يريد أن يهاجم الأحاديث تحت لافتات أخرى مثل التأويل وسفاسف الأمور، فإن رشيد رضا بذكاء نادر استخدم نفس اللافتات في الهجوم على خصومه، ومنهم من كان قرآنيا حاول أن يبنى على ما أرساه الإمام محمد عبده، فكان أن سلط عليه رشيد رضا منبر المنار ليهاجمه ويستعدى المناخ مستخدما نفس مصطلحات شيخه.
8- والسبب الثاني يعود إلى المناخ الذي ساند رشيد رضا في منهجه: فرشيد رضا لم يكن في وزن شيخه محمد عبده ليكمل بعده مشوار الإصلاح ولكي يعادى شيوخ الأزهر وحلفاءهم في السرايا الملكية وقصور الإقطاع. هذا إذا كان رشيد رضا متحمسا فعلا للسير على طريقة شيخه، ولكن عرفنا اتجاهه الحقيقي، وقد وجد المناخ بعد موت الإمام محمد عبده مواتيا لكي يرسي دعائم دعوته السلفية ويصعد معها إلى القمة. فقد كان خصوم رشيد رضا من المفكرين الشوام ينشرون في مصر (المذاهب الغربية الإلحادية والعلمانية لأهل أوربا الكفرة الذين يستعمرون بلاد المسلمين) ومن الطبيعي أن يتحد رشيد رضا مع علماء الأزهر ضد أولئك الملاحدة، خصوصا بعد إسقاط الخلافة العثمانية وتحول تركيا إلى (العلمانية الكافرة) وتجدد الحديث عن الخلافة الإسلامية وبعثها، وما واكب ذلك من علو شأن الدولة الوهابية السعودية باستيلاء عبد العزيز آل سعود على مكة والحجاز سنة 1926، وتنافسه مع الحكام الآخرين في مزاد الحصول على لقب الخلافة والإمامة العظمى في مواجهة الغرب الكافر. من الطبيعي أن يحاول رشيد رضا بمهارته الشامية أن يظفر من هذا السوق السياسي بأي شيء. وقد ظفر فعلا بشيء وأشياء، وبغض النظر عن هذه الأوضاع السياسية فإنها خلقت مناخا ليس لديه أدنى استعداد للبناء فوق ما أرساه الإمام محمد عبده، ويكفى أن الظروف الاجتماعية والسياسية في مصر أصبحت تتقبل فكرة الدولة الدينية، بعد أكثر من قرن من النهضة الفكرية وتأسيس الدولة المدنية الحديثة، ومشاركة محمد عبده في تأسيس الحزب الوطني القديم الذي يفصل بكل وضوح بين الانتماء الديني والانتماء السياسي.
9- هذه النقطة استثمرها رشيد رضا في الدعاية لمشروعه السياسي للدولة السلفية الدينية، وكان قبل ذلك قد أسهم في تحويل الجمعية الشرعية من تدينها الصوفي إلى التدين الوهابي، كما نجح في إقامة جماعة أنصار السنة بزعامة صديقه الشيخ حامد الفقي، كما أسهم في إقامة جماعة الشبان المسلمين أي أنه أكمل إرساء الدعوة السلفية بديلا عن دعوة محمد عبده المستنيرة، ثم كان أن قام رشيد رضا بأخطر عمل سياسي، وهو إقامة جماعة الأخوان المسلمين عن طريق تلميذه الشاب حسن البنا سنة 1928 وبذلك تحول الفكر السلفي من مجرد الدعوة إلى الحركة السياسية النشطة إلى إقامة الدولة الدينية. ونجح حسن البنا خلال عشرين عاما (1928-1948) في إنشاء خمسين ألف شعبة في العمران المصري، وساعد على نجاحه استثمار المناخ الديني والاجتماعي لصالحه بالإضافة إلى حرمان الطبقات الوسطى والدنيا من طموحها السياسي، مع التبرعات المالية من السعودية قبل ظهور البترول فيها. واستثمر حسن البنا كل أنواع الخلل الاجتماعي والسياسي لصالحه، وتحالف تبعا لمصلحته مع حكومات الأقليات، ومع كل أنواع الثوار وفى النهاية تحالف أتباعه بعد مقتله مع حركة الجيش، وأسهموا في قيام الثورة، ثم اختلفوا مع عبد الناصر فانقلب عليهم فهرب من نجا منهم إلى موطنهم الروحي (السعودية).
10- وقد استفاد الفكر السلفي من هذا المناخ السياسي الصاعد والهابط على السواء بالنسبة للحركة السلفية السياسية، والدليل على ذلك أن عبد الناصر وقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه الوالي محمد على من قبل، حين قضى على الدولة السعودية الأولى دون أن يقضى على أساسها الفكري والديني. وإذا كنا نغفر للوالي البلقاني محمد على هذا الخطأ فكيف نبرره لعبد الناصر وهو أقرب لفهم ما يجرى أكثر من الوالي محمد علي. والمهم أن عبد الناصر قضى على الإخوان سياسيا ولكنه تبنى الفكر السلفي أو على الأقل تصالح معه، ووضع عبد الناصر بذلك الأسلوب العسكري في مواجهة الحركات الدينية السياسية، وهو أن تكون الدولة العسكرية- خصوصا في وقت ضعفها - معتمدة على أشياخ التطرف في محاربتها للتطرف نفسه، وتكون النتيجة أن تحاول الدولة المزايدة على المتطرفين بأن تكون أكثر تدينا منهم، وكذلك فعل عبد الناصر، وكذلك فعلت الجزائر وكذلك تفعل السياسة المصرية الراهنة، وكذلك يستفيد التطرف السلفي على صعيد السياسة، وعلى صعيد الفكر، وعلى صعيد المنهج الفكري، وهنا يكون اختبارا صعبا أمام أي مفكر مسلم مستنير يحاول مواجهة الفكر السلفي السائد والذي يحظى بمساندة الدولة نفسها. وتلك هي الأرضية التي قام فيها فكر الشيخ شلتوت في عهد عبد الناصر وهى نفس الأرضية التي انتشرت فيها غابات الشوك، والتي يتحتم على كاتب هذه السطور أن يسير فوقها خلال ما تبقى له من عمر..
منهج الشيخ شلتوت:
وقد سار الشيخ شلتوت على منهج الإمام محمد عبده في الصياغات العامة وغير المحددة. فإذا كان محمد عبده قد جعل العقل يحتل الأصلين الأول والثاني ضمن أصول الإسلام في الإيمان والتشريع، فإن محمود شلتوت يتحدث في كتابه من توجيهات الإسلام عن الإسلام دين العقل والعلم ودين الواقع والحقائق. ويردد نفس المقولة في الفتاوى عن قيمة العقل (من توجيهات الإسلام: 236،176،140،18، الفتاوي: 332) وتحت هذا الشعار تزدحم كتبه وفتاويه بالأحاديث التي ينتقيها موافقة للقرآن ومنهجه العقلي، وذلك بدرجة أكبر مما نراها في كتابات محمد عبده، وفى المقابل، فإذا كان محمد عبده يبتعد عن أسلوب التكفير ويجادل النصارى والملحدين بالتي هي أحسن، نرى شلتوت في الفتاوى يحكم بكفر من يفعل كذا وكذا بنفس طريقة الفقهاء في العصور الوسطى.
وإذا كان محمد عبده قد أعلنها صريحة في أن النبي لا يعلم الغيب فإن الشيخ شلتوت تحاشى ذلك الإعلان، واكتفى بين سطور الفتاوى بعدم الاعتداد بما يقال عن العلاقات الحسية بين الإنس والجن وما يقال من تزاوج بينهما، وحتى لا يصطدم بأحاديث في البخاري تكرس ذلك الاعتقاد نرى شلتوت يحاول من خلال الفتاوى الإيحاء بأن تلك المقولات عن علاقات الإنس والجن مجرد فتاوى فقهية كانت للتدريب النظري، فحسب ثم يدعو في النهاية على استحياء إلى الرجوع إلى القرآن (الفتاوى 19: 21)
أي أن مساحة التنوير تناقصت لدى شلتوت عما كانت عليه عند محمد عبده بسبب تسيد المنهج السلفي وغلبته، لذلك تضاءلت بالتالي تفصيلات التنوير لدى الشيخ شلتوت وتناقصت طرديا مع علو النفوذ السلفي على الحياة الدينية. ولذلك لا تعجب حين تعرف أن الشيخ شلتوت لم ينج من الاضطهاد، حتى حين كان مديرا لمكتب شيخ الأزهر المراغي. وأنه كتب أهم وأجرأ مؤلفاته بعد أن أصبح شيخا للأزهر، ومع ذلك فلم تنج هذه المؤلفات من امتعاض الشيوخ، ومن الطبيعي أن يسوء الحال أكثر بعد عصر شلتوت وعبد الناصر، حين تحالف السادات مع الإخوان والسعوديين وفتح الباب واسعا أمامهم ليسيطروا على المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية.. وهذا ما كان كاتب هذه السطور شاهدا عليه وأصبح جزءا من تاريخه النضالي. وذلك يستحق لمحة سريعة..
منهج ما بعد شلتوت
1- كان الدكتور محمد البهي (توفى في حدود 1980م ) أبرز دعائم المدرسة التنويرية بعد الشيخ شلتوت وهو الذي نشر مؤلفات شلتوت حين كان مديرا عاما للثقافة الإسلامية في الأزهر، وقد عبر عن تضامنه وتفاعله مع هذه الاستنارة في أعماله حين كان مديرا لجامعة الأزهر أو وزيرا للأوقاف، وفى مؤلفاته وأهمها عن منهج القرآن في تطوير المجتمع. وفى نفس الوقت فإن الدكتور محمد البهي كان في بعثة الشيخ محمد عبده إلى الجامعات الألمانية سنة 1931 وقد حملت هذه البعثة اسم الإمام محمد عبده تيمنا باسمه، وعاد محمد البهي يحمل دكتوراه الفلسفة وعلم النفس من جامعتي هامبورج وبرلين. وكان ذلك أثناء مشيخة الشيخ الظواهري الذي وضع قانون إصلاح الأزهر سنة 1930 وكان الظواهري والمراغي من مدرسة محمد عبده في إصلاح الأزهر، ذلك الإصلاح الذي توجه في الأغلب إلى الشكل دون المضمون والمنهج، ولا يزال حتى الآن أي نفس المنهج القديم الذي لم يجرؤ محمد عبده على الاصطدام به مكتفيا بالعبارات العامة، وكان أول من اصطدم بالمنهج القديم العتيد هو كاتب هذه السطور.
2- بدأ ذلك بالمنهج الذي اتبعه كاتب هذه السطور في بحث الدكتوراه وكان عن أثر التصوف في مصر العصر المملوكي، وفيه بحث الحياة المصرية سياسيا ودينيا واجتماعيا وثقافيا من خلال تأثير التصوف فيها واستقال المشرف على البحث وكشف للشيوخ المنهج الذي اتبعه المؤلف، فبدأت حروب الشيوخ ضد المؤلف وكان وقتها مدرسا مساعدا في قسم التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بكلية اللغة العربية بالقاهرة جامعة الأزهر، واستمرت تلك الحرب ثلاث سنوات (1977 - 1980) وانتهت بحل وسط، وهو حذف ثلثي الرسالة ومناقشة الثلث فقط، وهو الذي يتعرض لأثر التصوف السياسي والاجتماعي والثقافي والعلمي، وخلال مراحل هذه الحرب لجأ المؤلف إلى الدكتور محمد البهي، وكان في عزلته بعيدا عن مشاكل الجامعة، وعرض عليه أن يتولى الإشراف على الرسالة باعتباره البقية الصالحة من مدرسة التنوير في الأزهر، واعتذر الدكتور البهي بلباقة وأشار على المؤلف بترشيح واحد من اثنين من تلامذته وقد سبق أن أرسلهما إلى ألمانيا حيث حصلا منها على الدكتوراه، وهما د.محمود زقزوق (جامعة ميونخ) ود. محمد عبد الغنى شامه (جامعة برلين الغربية) وأوصاهما الدكتور محمد البهي بالباحث خيرا.
وفعلا ذهب المؤلف إلى د. محمود زقزوق وكان يعمل وقتها عميدا لكلية الدعوة ، ولكن الدكتور زقزوق آثر السلامة فاعتذر، وحينئذ لم يبق للباحث إلا أن يلجأ لرفيقه الآخر د.محمد عبد الغنى شامة الذي استجاب وتشجع على المغامرة ولكن الشيوخ رفضوا إشرافه على الرسالة، وأسندوا الإشراف عليها إلى اثنين من الشيوخ معا..
وتلك لمحة سريعة يبدو منها التضاؤل الهائل في حجم وعمق المدرسة التنويرية في مصر في عصر السادات، وازداد التضاؤل بازدياد النفوذ السعودي في مصر، بحيث تبلورت مواقف كثيرة، حتى إن المتعصبين للتصوف أصبحوا متعصبين ضده حبا في البترودولار وفى الريال السعودي.
منهج مدرسة التنوير التونسية
بين بن عاشور ومحمد عبده:
1- لا مفر من الاعتراف بأن هذه الورقة البحثية تعانى من نقص حاد في المراجع التونسية، خصوصا تفسير التحرير والتنوير للشيخ الطاهر بن عاشور، وكل ما اعتمدت عليه هذه الورقة هو كتاب وحيد للشيخ ابن عاشور وهو أصول النظام الاجتماعي في الإسلام بالإضافة إلى كتابين أحدهما عن ندوة أقيمت حول إسهامات الشيخ الطاهر بن عاشور في تجديد الفكر الديني، وهى رقم (9) من سلسلة آفاق إسلامية، بالإضافة إلى العدد الأول من هذه السلسلة وكان عن الوسطية والتيسير في الإسلام.
وقد يكون بعض الإسهاب السابق في المدرسة التنويرية المصرية معينا على توضيح بعض النقاط الغائبة في توصيف المدرسة التنويرية التونسية، ولكن أرجو أن يتاح الوقت للاطلاع الكافي على المصادر التونسية لإعطاء صورة متكاملة في بحث متكامل يضع كل النقاط فوق كل الحروف
لقد تحدثت المصادر التونسية لدينا عن لقاء بن عاشور بالشيخ محمد عبده وتأثره به.
فالدكتور على الشابي يلاحظ اتساق الخطاب الإصلاحي للشيخ بن عاشور مع الحركة الإصلاحية الإسلامية خارج تونس وداخلها، وهو يركز على تفاعل بن عاشور مع الشيخ محمد عبده حين زار تونس للمرة الثانية سنة 1903 ويعطى بعض أمثلة للتشابه في الآراء بينهما في تقييد تعدد الزوجات وإصلاح حال المرأة ومحاولة إصلاح التعليم الديني وكيف هب الشيخ ابن عاشور للدفاع عن محمد عبده حين هوجم بسبب الفتوى الترنسفالية.
ويؤكد عبد العزيز يوسف والحبيب الشعبي ذلك التفاعل بين المدرسة الإصلاحية المستنيرة في تونس وبين محمد عبده حين زارها ويؤكد الشعبي ذلك التفاعل حين يتحدث عن معاناة ابن عاشور من المتزمتين حين أراد إصلاح التعليم الزيتوني، وكيف كان بن عاشور يسخر منهم، وهذا يذكرنا بمعاناة محمد عبده من شيوخ الأزهر المتزمتين، وكيف كان يسخر منهم، وفى حوار بين الشيخ محمد عبده والشيخ البحيري قال البحيري عن تعليم الطلاب: إننا نعلمهم كما تعلمنا، فقال الإمام محمد عبده وهذا الذي أخاف منه، فقال البحيري، ألم تتعلم أنت في الأزهر؟ وقد بلغت ما بلغت من مراقي العلم وصرت فيه العالم الفرد فأجابه محمد عبده إن كان لي من العلم الصحيح الذي تذكر فإنني لم أحصله إلا بعدما مكثت عشر سنين اكنس من دماغي مما علق فيه من وساخة الأزهر، وهو إلى الآن لم يبلغ ما أريد له من النظافة (سلسلة آفاق إسلامية: ندوة الطاهر بن عاشور: رقم (9) 42،35،33،- 362،160، 367 381) (سلسلة الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده 179،178،3).
ومن الطبيعي أن يؤثر هذا التواصل والتفاعل بين محمد عبده وبن عاشور على منهج الأخير ونظرته للقرآن والحديث والتراث مع التأكيد بأن منهج بن عاشور - حسب ما لدينا من مصادر - قد احتوى على بعض التغيير الذي تميزت به المدرسة التونسية المستنيرة عن نظيرتها المصرية، نظرا لاختلاف الظروف التونسية عن الظروف المصرية، التي أسلفنا الحديث عنها.
منهج بن عاشور في التفسير والحديث:
(1) وقد أوجز الدكتور على الشابي منهج ابن عاشور في التفسير، فهو يقرأ القرآن قراءة لغوية وقراءة مقاصدية تتحقق بها المصلحة التي تتغير باختلاف الزمان والمكان ودرجة تطور المجتمع.
وهناك تفصيلات أخرى في الحديث عن منهج ابن عاشور في التفسير، فيرى محمد المهدي العروسي أن بن عاشور يعتمد التفسير بالرأي ويدعو إليه، ولكن يقرنه بالأساليب الاجتهادية التي تعتمد أساسا على اللغة العربية وعلومها، كما أن الشعيبي قد أورد رؤية الشيخ في إصلاح علم التفسير، وهى تفسير النص القرآني بمفاهيم اللغة الحقيقية ودلالات الألفاظ وعلوم البلاغة، وإنه لا يؤخذ من أقوال السلف إلا ما يوافق الأصول الدينية الثابتة، وتجنب الدعاية الحزبية والمذهبية، والاقتصار على تبين المعنى والاقتصار على استنباط المقاصد ودقائق الآيات.
(2) وبالنسبة للروايات، ترى وسيلة بلعيد أن الشيخ كان يعنى بتمحيصها ونقدها ويختار أقربها للصحة وفق مناهج المحدثين، أما الشعيبي فقد تحدث عن اهتمام الشيخ بنقد سلاسل الرواة والعنعنة مع ضرورة نقد المتن، وإنه اقترح إلغاء الأحاديث الضعيفة، والاكتفاء بذكر الراوي من الصحابة، والاهتمام بما يستنبط من الحديث (سلسلة أفاق إسلامية: رقم (9): 44، 245، 247، 253، 388، 138 - 389)
دور الشيخ خضر حسين:
(1) والواضح مما سبق أن الشيخ بن عاشور سار في نفس المنهج الإصلاحي التقليدي، نفس الطريق الذي سارت فيه الحركة الإصلاحية في منتصف القرن العشرين، وذلك بعد التأثير الذي انعطفت به هذه الحركة بالحركة الوهابية ودعاتها، من أبرزهم رشيد رضا. ورأينا كيف تأثرت المدرسة المصرية بهذا التغيير، وكيف حمل الشيخ شلتوت ذلك التأثر في منهجه، ومن المنطقي أن يصل ذلك التأثير إلى تونس، ليس فقط بحكم الصلة بين البلدين، ولكن أيضا لأن هذه الصلة توثقت بين المدرستين بوجود الشيخ خضر حسين التونسي الأصل في إمامة ومشيخة الأزهر، فيما بين (1952 - 1954)
ومع أن الشيخ محمد خضر حسين لا ترشحه مؤلفاته لكي يكون علما في مدرسة التنوير شأن شلتوت وبن عاشور إلا أنه كان حلقة وصل نشطة بين المدرستين المصرية والتونسية، إذ درس في الزيتونة وفى الأزهر، وعمل في الزيتونة مدرسا، ثم عمل في تونس قاضيا، وبعدها عاد إلى مصر ليرأس تحرير مجلة الأزهر، ثم يلتحق بعضوية جماعة كبار العلماء، إلى أن اختير شيخا للأزهر.
وهذا التنقل بين مصر وتونس عززه نشاط الشيخ خضر السياسي حين كان ينتقل منددا بالاستعمار الأوربي لبلاد المسلمين، وحين كان يدعو إلى نبذ الخلاف بين المسلمين من أجل الوقوف ضد الاستعمار.
وذلك الشيخ التونسي الذي أحرز شهرة في مصر والعالم الإسلامي كان أقرب للسلفية منه إلى الاستنارة فقد وصل إلى أعلى منصب في الأزهر بفكره السلفي الصوفي، وبهجومه على الشيوخ المستنيرين في مصر، فللشيخ خضر كتابان هامان وهما نقض كتاب الشعر الجاهلي يهاجم فيه د. طه حسين، وكتاب نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم يهاجم فيه الشيخ على عبد الرازق.
كما أن مواقفه السياسية التي تبدو متحررة كانت مغلفة بالتوجه السلفي إذ كان من أشد المؤيدين لاشتغال رجل الدين بالسياسة لأن الأمة لا تتقدم إلا بعلمائها وهى نفس دعوة رشيد رضا إلى الدولة الدينية، أو خطوة نحو تحقيق هذا المشروع، ولذلك نراه قد غضب من الرئيس عبد الناصر حين ألغى المحاكم الشرعية وحين تفجر خلافه مع الإخوان المسلمين.
(2) ولا يمكن إغفال الأثر الذي أحدثه الشيخ خضر حسين في الربط الفكري بين مدرستي تونس ومصر، كما لا يمكن إغفال التأثير السلفي لهذا الشيخ على المدرسة التونسية، خصوصا بعد أن أصبح شخصية مشهورة في مصر وتونس والعالم الإسلامي، وهذا التأثير لم يكن يشجع الشيخ بن عاشور على أن يقترب من القمة التي وصل إليها محمد عبده من قبل في المنهج وفى الجرأة، هذا بالإضافة إلى أن النشأة الاجتماعية للشيخ الطاهر نفسه توضح أنه كان سليل بيت أصولي عريق، تتردد في جنباته علوم التراث (المقدسة) من تفسير وحديث، وقد تفتحت عيونه ومعارفه على ذلك التراث الذي أصبح جزءا من مكانة الأسرة اجتماعيا. وقد يكون سهلا على الإمام عبده أن يطيح بما أسماه وساخات الأزهر لأن محمد عبده نشأ في أسرة ريفية مصرية عادية، فهو ليس له حسب أو نسب في الأرستقراطية الدينية بالقاهرة، ولكن ليس سهلا على سليل أسرة دينية متخصصة في علوم الدين أن يقوم أحد أبنائها بنسف ذلك التراث مرة واحدة. وهنا يمكن أن تتحدد ملامح المنهج الإصلاحي والفكر التنويري في الإصلاح التقليدي للموروث طبقا لما كان عليه الحال في عصور الاجتهاد في القرنين الثاني والثالث من الهجرة، أي نقد الروايات والإعلاء من شأن الرأي والعقل. وهذا بالضبط أساس المنهج الفكري لبن عاشور، وهو هنا يتفق مع رفيقه محمود شلتوت، بقدر ما يبتعد عن رفيقه الآخر محمد خضر حسين.
ونتوقف هنا قسرا بسبب المساحة واعدين بمشيئة الله أن نكمل الحديث
تحت العناوين التالية:
1ـ أثر الطبيعة التونسية وآثر الطبيعة المصرية: بين بن عاشور وشلتوت
2ـ بعض ملامح الاستنارة الدينية بين المدرستين المصرية والتونسية
3ـ ملامح الوسطية والتسامح عند محمد عبده
4ـ من ملامح الوسطية والتسامح عند الشيخ الطاهر بن عاشور
5ـ ملامح الوسطية والتسامح عند الشيخ شلتوت
6ـ قضايا المرأة
7ـ في الموقف من غير المسلمين.
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بسبب هذا الخطاب فى ندوة فى الكونجرس الأمريكى : عملاء السعودي
...
-
(مدرسة الإمام محمد عبده بين مصر وتونس) ( 1 / 3 )
-
جائزة سيد القمنى ومصر التى تقفز فى الظلام
-
ليلة القدر في رمضان هي ليلة الإسراء،ليلة نزول القرآن كتابا (
...
-
ليلة القدر في رمضان هي ليلة الإسراء،ليلة نزول القرآن كتابا (
...
-
ليلة القدر في رمضان هي ليلة الإسراء،ليلة نزول القرآن كتابا (
...
-
ليلة القدر في رمضان هي ليلة الإسراء،ليلة نزول القرآن كتابا (
...
-
رحلة فى داخل عقل قاتل مروة
-
ليلة القدر في رمضان هي ليلة الإسراء،ليلة نزول القرآن كتابا :
...
-
ليلة القدر في رمضان هي ليلة الإسراء،ليلة نزول القرآن كتابا :
...
-
ابن خلدون أستاذا للرئيس الأمريكى ريجان
-
ليلة القدر في رمضان هي ليلة الإسراء،ليلة نزول القرآن كتابا :
...
-
تعظيم سلام للصوص مصر العظام :(7 ) تطبيق الشريعة السنية فى مص
...
-
موجز حديث د. أحمد صبحى منصور فى برنامج ( فى الصميم ) فى تليف
...
-
الطبرى والقرامطة وآل سعود .!!
-
التطرف المحمود فى العقيدة الاسلامية ،والاعتدال المذموم فى ال
...
-
لم يفهم ، ولن يفهم .. لماذا ؟
-
إنّه الله جل وعلا..أيها الناس .!!
-
11 ) قواعد الهداية والاضلال فى المشيئة:( فى المحكم والمتشابه
...
-
(10 ) قواعد الهداية والاضلال فى المشيئة.(فى السياق القرآنى ا
...
المزيد.....
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|