|
اضافة جمالية في المسار الشعري ل (نوفل أبو رغيف)
مهدي نزار
الحوار المتمدن-العدد: 2735 - 2009 / 8 / 11 - 07:27
المحور:
الادب والفن
إضافة جمالية في المسار الشعري لـ (أبو رغيف)
يعد ديوان (ضيوف في ذاكرة الجفاف) محطة مهمة من المحطات الشعرية في مسرى التصاعد الدلالي في اللغة الشعرية لنوفل ابو رغيف، فالانساق التي درج عليها في الزام نفسه بأسوار القصيدة التفعيلـــية وكون الديوان يمثل البصمة الأولى للمسار الشعري فقد جعل من عالمـه الشعري الذي انطوت عليه المجموعة، محطة انطلاق أولى تبهـــر المتلقــي إذ بـدأ _أبو رغيف_ ديوانه بعبارات اليوت الشهيرة التي كانت بمثابة مفاتيح الدخول الى هذا اليدوان مقتبساً:-( _انصرفوا_ ولم يتركوا عناوين. _بين الصخور _لايستطيع المرء ان يقف أو يفكر. _الاوراق المنهكة، تنتظر المطر )(2).. فبهذا التقديم، يؤكد_أبو رغيف_ للحاضر والماضي، ازلية الحقيقة الدامغة في بحث الانسان المتعب الخاضع لضغط العسف والقنوط، إزاء قوى الطبيعة التي تشكل عمق النشوة المدافة بروح التحدي والإصرار المتقد مستنداً الى الرغبة في البوح على طريقته وصولاً الى التغيير المنشود، فلايمكن ارتقاء الذات القاهرة التي تعجز عن ادراك مبتغاها في الاستحواذ والسيطرة إلا بأستلاب قدرة المخلوق امام ارادة الخالق، لهذا ظل نموذج الإنسان في قصائد المجموعة قانعاً محدقاً صوب القادم، كما تسلم الأوراق نفسها لقدر الاستلاب وانتظار القادم _المنقذ_المرتبط بالقدر المؤجل ممثلاً في مرات عديدة باكسير الحياة (المطر) الذي زخرت به قصائد عديدة من الديوان.. فهذا الشعور العميق بالاسى والخذلان يمثل الركون الى المطر والانزياح عن واقع التحدي والقبول بما هو مقسوم أو مقدر.. ففي قصيدته الاولى (رحلة الافق الابيض) استمرار لديمومة الرمز في الصراع بين أزلين أو حتمين لاينسيان طبيعة وبديهة تبادل الادوار، ويمضي يتأبط الفجر الوليد ليريح ركب تيار البزوغ ويستكين حماس التوهج لتعود الحياة لدورتها الازلية ترتع في ثنائية دؤوبة تتمثل رغد الحياة في الوجه النابض للارض الطيبة المعطاء التي انجبت أفقاً من المجد المؤثل بالكبرياء.. فنسمعه في قصيدة (رحلة الأفق الأبيض)(3) يقول:
(1) ديوان ضيوف في ذاكرة الجفاف، شعر نوفل أبو رغيف، بغداد – وزارة الثقافة الطبعة/2. (2) الديوان اعلاه، ص2. (3) الديوان اعلاه ، ص9. أسماؤهُ مثل العراق، غزيــرةٌ وقديمةٌ مثل المدى ألقابُــهُ
يمضي وصوت الريح همسُ صلاتـهِ أنـّى توقـّفَ، قيل ذا محرابُــهُ
حرث السنين وراح يبذرُ نبضـــهُ فنمت بكبر الأنبياء، رحابُــهُ
حين استعدّت للرحيل دروبــه يدري بأن المقلتين مآبُــهُ
فسرى ومن هذا الشموخ متاعــُهُ والغيمُ ينفضُهُ .. فيورقُ غابُـــهُ
وأتى يجرُّ الفَجرَ من أنفاســه ليضيع في غبش المجيء عذابُــهُ
منتقلاً برنين موسيقاه الحالمة الاخاذة في تفعيلة الشعر التي تمّيزُ قصائده التي أصبحت نادرة وسط ضجيج الترهل والعصرنة الشعرية الى قصيدة النثر التي قدمها بشكل مركّز مكثفاً فيها تجارب طويلة ومختزلة في نفس الوقت لما يحمله الانسان الذي ينتظر الزمن الغاطس بثقل التأمل والانتظار.. لاأريد ان اتحدث طويلاً عن التفعيلة الموسيقية (العروضية) لاسيما عندما تتميز بها قصيدة العمود. وماتبصمه منطويات الرمز في هذه القصيدة في زمن يعز فيه الشدو المعلن وتقسر الذاكرة على العودة للطفولة الشعرية الملتزمة (كما يتضح من تواريخ كتابة القصائد)، فمازالت لغة القصائد وصورها تستريح عند محطات الرؤى النقدية التي مزجت العقود الثلاث التي تتضمن ان شاعر القصيدة النثرية الحديثة، اذا لم يتقن تفعيلة القريض، لايمكن ان يكون شاعرا مهما تجزلت صوره الشعرية وتجلت موسيقاه فلغة الشعر لابد ان تكون مميزة الملامح.. حافلة بالأصول حاملةً قيد الارتباط والتآزر، فتجد أبو رغيف ملتزماً بطريقة البيت العمودي الواحد في (غرفه المستقلة/نصوصه) وبين التفعيلة المتقافزة في القصيدة التي تليها وهكذا جنح نحو التغيير النسبي في ديدنة القصيدة.. وقد تكمن تقليعته في تأسيس خطاب شعري متماوج بين الوصل والاسـناد ثم تعتمر بصدر صورته الشعرية معطيات الفعل المنطقي الذي دافه بنوع من المــواراة والعذوبة فنسمعه في قصيدة (رماد)(4).
(4) ( ضيوف في ذاكرة الجفاف)، ص29. وأيقظتْ الصمتَ في المملكه ودارت على أرضنا المعركه.. وحيدانِ لكننا مؤمنانِ ومن حولنا أمةٌ مشركَه وخضنا الجراح وعدنا وأسماؤنا منهكه ومنتصرين .. وما أدركَ السرَّ أعداؤنا فصعبٌ على الناس أن تدركَهْ
لقد استطاع الشاعر في ديوانه (ضيوف في ذاكرة الجفاف) ان يستثمر امكاناته المتحركة في الرسم والتشكيل المتزاوجين مع دلالة الواقع الحزين للشخصية العراقية عبر سنوات القهر المريرة فتغلفت صورهُ بتلك الغمامة التي توشحت كل موقف مكبل بالحزن، تصريحاً ورمزاً.. انه يدغدغ مشاعر المتلقي بروحه الحزينة المكابرة الطموحة فالمآسي التي مرت بها النفوس هي الضمان اللاحق إلى الامن والاستقرار الذي تبحث عنه قرائح المتلقين لكي تجد ظالّتها ومداها في قراءة هذا الديوان الذي حاولنا عرضه عبر هذه القراءة السريعة، سيما أذا ادركنا ان القصائد كتبت في زمن القهر والاستلاب.
#مهدي_نزار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
-
الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|