|
انقلاب جنبلاط على -14 آذار-
رضي السماك
الحوار المتمدن-العدد: 2731 - 2009 / 8 / 7 - 08:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يكن مفاجئاً الموقف الذي اعلنه زعيم الحزب الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط وأحد الاقطاب الرئيسية في التحالف المعروف بتكتل "14 آذار" بهجومه العنيف على هذا التحالف الذي يضمه إلا في توقيته، ذلك بأن مشكلة هذا التحالف انما تكمن انه وليد تقاطع ارادات في لحظة تاريخية معينة من ردود الفعل العنيفة ضد الوجود العسكري السوري السابق، ووليد أيضاً احتقانات وسخط شديد ازاء النفوذ المتعاظم لحزب الله على الساحة السياسية اللبنانية وتقليل قيادة هذا الحزب او استخفافها بأدوار وأوزان الاحزاب السياسية الاخرى المعروفة بأدوارها واوزانها التقليدية التاريخية وبامتداداتها الطائفية، بغض النظر عما تمر به من ضمور او تراجع من مرحلة تاريخية او اخرى. وبهذا المعنى يمكن القول ان الساخطين على الوجود السوري والناقمين على حليفه القوي "حزب الله" هم بمثابة قوى ورموز عريضة متنافرة في الانتماءات السياسية والدينية لا يجمعها من تقارب سوى شعارات "وطنية" و"ديمقراطية" فضفاضة لا ترتكز على قاعدة سياسية وفكرية صلبة ولو من خلال القواسم المشتركة، فقد كان من الطبيعي والحال كذلك ان يتعرض هذا التكتل الذي يضم خليطاً متنافراً من اليمين واليسار والوسط، فضلاً عما تمثله أحزابه، كما ذكرنا، من امتدادات أو واجهات مذهبية للاهتزاز، ولن يكون تحالف "8 آذار" الذي يتشكل من قوتين سياسيتين رئيسيتين بأفضل حالاً، فهو الآخر يتكون من حزب الله الذي يمثل الاسلام السياسي الشيعي في لبنان وتكتل ميشيل عون "الإصلاح والتغيير"، وفيما يعد الأول نفسه حزباً مقاوماً ضد اسرائيل وحليفاً صدوقاً لسوريا فإنه لم يعرف عن الثاني يوماً وقوفه مع المقاومة المسلحة اللبنانية ضد اسرائيل أو أنه يقف مع سوريا التي حاصرته وطردته من لبنان غداة قمعها لتمرده العسكري في خريف 1989م. وبالعودة الى التكتل الأول الذي هاجمه وليد جنبلاط بعنف، فإنه يمكن القول ان الخطأ ليس في انضمام جنبلاط الى هذا التكتل العريض في حد ذاته حتى لو كان غير متجانس سياسيا مادام يلتقي على هدف سياسي واحد مركزي بقدر ما كان في وضع أوراق رهانه بالكامل في سلة هذا "التكتل" والتعويل عليه في العمل المشترك لتحقيق مهام وطنية آنية وبعيدة متعددة، فقد كان من المفترض من وليد بيك ومن حلفائه اليساريين والديمقراطيين ان تكون لهم جبهتهم الخاصة أو تحالفهم الخاص قبل دخولهم ذلك التكتل العريض الذي تمثله قوى "14 آذار" المتنافرة سياسيا. وللأسف فإن القوى اليسارية والديمقراطية والليبرالية الحقة انقسمت على نفسها بين تكتل "14 آذار" الذي شكل اليمين قاعدته الاقوى وبين تكتل "8 آذار" الذي لم يخل هو الآخر من اليمين والتمثيل الطائفي للإسلام الشيعي المرتكز على امتداداته العشائرية والمناطقية والاقطاعية ناهيك عن امتداداته الاقليمية بتأييده المطلق لدمشق وبتبعيته العمياء لطهران الداعمة الاساسية له، فأجندة القوى اليمينية المؤتلفة مع القوى اليسارية في تكتل "14 آذار" غير متطابقة مع أجندة هذه الاخيرة والعكس صحيح. لا بل يمكن القول ان القوى اليمينية ظلت تتصرف داخل التكتل بعقلية اكثر وعياً وحرصاً على مصالحها السياسية والطبقية وعلى اجندتها الخاصة، في حين بدت القوى اليسارية ليست مسخرة في خدمة "14 آذار" فحسب بل مقزمة في القرارات المفصلية الكبيرة. أضف الى ذلك ان القوى اليمينية في تكتل "14 آذار" لم تتخلص تماماً من رواسب عدائها الشديد لليسار وللفلسطينيين على خلفية الصراع الدموي المرير طوال الحرب الأهلية على مدى أكثر من 15 عاماً، وان حاولت ان تكيف خطابها السياسي الممالئ لحلفائها اليساريين الجدد وللعرب. وهكذا وفي لحظة ضعف هي من لحظات تجليات قائد الحزب الاشتراكي وهو الحزب الذي كان في يوم ما العمود الفقري للحركة الوطنية اللبنانية لم يجد سوى الاعتراف امام المؤتمر العام لحزبه الاخير: "ان الانتخابات النيابية أفرزت نتاجا طائفيا يجب التخلص منه"، واننا لن ننتصر إلا "عندما نعطي العمال حقوقهم ونخرج من اليمين"، وانه يجب "العودة الى اصولنا وثوابتنا اليسارية"، وان عهد الوصاية السورية ولى، والجيش السوري انسحب فكفانا بكاء على الاطلال، وان ذهابه لواشنطن كان نقطة سوداء في تاريخ الحزب الابيض في نضاله ووقوفه مع القضية الفلسطينية ومع القضية العربية ومع قضية لبنان العربي. على ان هذا النقد الذاتي الشجاع الذي وقفه جنبلاط امام حزبه، فيما يتعلق بتخطئة مراهنته السياسية المطلقة على تكتل "14 آذار" لن يكون ذا جدوى ما لم يقترن بمبادرة الحزب الاشتراكي نفسه بقيادة دور للملمة صفوف وقوى اليسار وسائر القوى الديمقراطية والليبرالية الوطنية تحت لواء جبهة جديدة ذات عقلية مختلفة عن جبهة يسار الحرب الأهلية المؤتلفة مع الفصائل الفلسطينية، وان تعول هذه الجبهة واحزابها في المقام الأول على ذاتها وعلى تقوية عودها أكثر من التعويل على تقوية هذا العود من خلال التحالفات الذيلية العمياء غير المشروطة او غير المحسوبة بدقة مقدماً، وهذا الخطأ ذاته لعمري هو الذي وقعت فيه قوى يسارية في بلدان عربية اخرى وبضمنها بلادنا. ولئن كان حزب الله الذي يقود تكتل "8 آذار" في مواجهة تكتل "14 آذار" هو أكثر المبتهجين الآن لصدور تلك المراجعة النقدية من قيادة الحزب الاشتراكي فإن ذلك لا يعني انه هو الآخر بغير حاجة الى وقفة نقدية شجاعة قبل فوات الأوان، وبخاصة في ظل الظروف المصيرية التاريخية الراهنة التي تواجه حليفته وولية نعمته وحاضنته الكبرى: "إيران".
#رضي_السماك (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شهادات في هزيمة يونيو 67 (1)
-
هل نودع عصر الكاريكاتير والكتابة الساخرة؟
-
ثورة يوليو بين النكسة والثورة المضادة
-
بين زنوج البصرة.. وزنوج أمريكا
-
إيران.. وحلم التغيير المجهض
-
الإلحاد بين الماركسية والداروينية
-
الأزمة المالية وديون البلدان الفقيرة
-
كيف مر يوم الصحافة العالمي؟ (1)
-
حكايات من تاريخنا (73)
-
لبنان ودلالات الإفراج عن الضباط الأربعة
-
إنفلونزا الخنازير
-
نحو عيد العمال العالمي1, 2
-
قمة العشرين.. وعيد العمال العالمي
-
المليارديرية العرب.. والبيئة
-
إيران بين العزل والانعزال
-
أساطين الطبقة الجديدة.. ماذا فعلوا بروسيا؟!
-
حكايات من تاريخنا
-
البشير والقضاء الدولي
-
الجامعات التركية والحجاب
-
العرب وعقوبة الإعدام
المزيد.....
-
الرئيس السوري أحمد الشرع في قطر لأول مرة منذ وصوله للحكم
-
من يتصدر عربيا؟.. أمريكا الأولى عالميا في عدد المليارديرات ل
...
-
محمد رمضان يثير الجدل بلباس -فرعوني- في حفل في الولايات المت
...
-
-هل لدينا ما يكفي من الإنسانية لمواجهة أزمة السودان؟- - فاين
...
-
بيسكوف: أوروبا تعلن نيتها دعم كييف في رغبتها لمواصلة الحرب
-
حمل حصانا وفارسها على كتفيه.. بطل روسي يسجل أرقاما قياسية في
...
-
مليارديرة تطالب شركة بتعويض ضخم عن إلغاء مشاركتها في رحلة -ت
...
-
خبير نووي مصري: طهران لا تعتمد على عقل واحد ولم تتبجح كصدام
...
-
البحرية المصرية تتسلم زوارق أوروبية لمواجهة الهجرة
-
هل خامنئي متفائل أم متشائم بشأن مفاوضات مسقط؟
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|