|
دور أجهزة الأمن في ترهل النظام السياسي العربي
سيمون خوري
الحوار المتمدن-العدد: 2728 - 2009 / 8 / 4 - 08:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تغمرني سعادة وغبطة غير عادية ، بأن هذه المادة ستكون الأكثر قراءة ، ليس من قبل القراء الأعزاء ، بل من قبل أجهزة الأمن في العالم العربي. ربما قد تساهم بإلقاء ضوء خافت على ممارسات ليست فقط غير قانونية ، بل وليست إنسانية . وما أكثرها وعلى دورهذه الأجهزة في ترهل وتدمير النظام السياسي في العالم العربي . ربما يقال أن المسؤلين لا يدرون ، وهي مصيبة أسوء . لكن الحقيقة ، الجميع يدري ويواصل ممارسة ساديته على المواطن وحقوقه المنصوص عليها في الدستور المنسي أو الموضوع على الرف . عادة في كافة القوانين ، وفي البلدان الديمقراطية ، فإن دور رجل الأمن أو البوليس أو الشرطي ينحصر في صيانة القانون الذي يكفل حقوق المواطن ، ويمنع أية حالة تعدي عليه بصفته مواطناً وعلى حقوق القانون أيضاً . بصفته ناظماً للعلاقات بين أفراد المجتمع من مواطنين . وفي علاقة المواطن مع السلطة . في المفهوم اليوناني ، يقال أن رجل الأمن ، مهمته الحافظ على النظام العام المحدد بالدستور. الذي جرى المصادقة عليه من قبل البرلمان .والبرلمان هو الهيئة التشريعية المنتخبة ديمقراطياً بكل نزاهة وشفافية من قبل الشعب . وبالتالي فإن الدولة ومؤسساتها العامة هي خادمة للشعب وتعبر عن مصالحه . وهنا تلعب أجهزة المراقبة والمحاسبة ، لاسيما الصحافة دورها النقدي للسياسات الخاطئة للمؤسسة الحكومية على مختلف الصعد . فهي مثل القضاء ، لا سلطة تعلو على سلطة القضاء ، كما أن لا قضاء يمنع أو يصادر ، حق الصحافة من ممارسة دورها النقدي في المجتمع ، والوصول الى المعلومة التي تبحث عنها . عالم بلا اسرار ولا غرف محصنة . في الواقع العربي القائم ، هل دور أجهزة الأمن العربية حماية المواطن ، أم حماية النظام من المواطن ؟ أو تعميق الشرخ ما بين المواطن ومؤسساته المدنية ؟ في البلدان الحضارية ،لايحق لرجل الأمن ممارسة دوره الوظيفي خارج نطاق عمله ، أو المهمات المكلف بها . بمعنى مبسط فهو لا يحق له ممارسة وظيفته خارج أوقات عمله الرسمي . خارج عمله، رجل الأمن هو مواطن عادي . وبكل بساطة ، كمواطن تملك الحق في مقاضاة ليس فقط رجل الأمن بل حتى رئيس الوزراء . بالطبع هناك أجهزة أمنية تتعلق بمختلف الشؤون الأمنية التي يحددها القانون . بيد أنها لا تتدخل في حياة المواطن . إلا بناء على موافقة رسمية وخطية من قبل المدعي العام . ورجل الأمن يسمح له بحمل سلاحة ، فقط في حال إرتداءه لملابسه الرسمية التي تحدد صفته . ولا يسمح له بإستخدام سلاحه . إلا في حالات إستثنائية . ومع ذلك هذه الحالات الإستثنائية ، معرضة للتساؤل والمقاضاة أمام الهيئات القضائية المختصة . في الحالة العربية ، ماذا لدينا وما هو دور أجهزة الأمن ..؟ بالتأكيد من حق أية دولة حماية أمنها الوطني ، لأن الآمن الوطني العام هو آمان للمواطن . كافة الأجهزة الأمنية عادة هي ملحقة إما بوزارة الأمن العام ، أو بوزارة الداخلية التي تتولى التنسيق بين مختلف الدوائر الأمنية المعنية بحماية المواطن . هذا من حيث المبدأ العام . على صعيد النظام العربي ، الأجهزة الأمنية هي أجهزة حاكمة . تتولى التشريع والمقاضاة معاً . وحتى عمليات تسويق البزنس من خلال إستغلالها لموقعها ، وإحتكارها للسلطة والثروة معاً . من الذي يملك حق مقاضاة شرطي وليس رئيس جهاز ( والعياذ بالله ) . في العالم المتحضر لا أحد يعرف إسم رئيس هذا الجهاز أم ذاك ، ولا أحد سمع أو من الممكن أن يسمع مثلاً بأسماء أجهزة تعمل بإستقلالية كاملة ، أو مناطق نفوذ خاضعة لها . رئيس هذا الجهاز أم ذاك في البلدان الحضارية هو مجرد موظف يؤدي مهمات محددة . في العالم العربي رئيس جهاز يعني ( أنا ربكم الأعلى ) ؟ فهو مركز قوة من مرتكزات النظام ... وتتوالى الحلقة الى أن يصبح ( الخفير ) هو الآمر الناهي في الشارع والمنزل . وعلى الجميع تحمل إسقاطات من هم اعلى على من هم أسفل . دعونا نناقش الموضوع من زاوية أخرى ، في كافة دول العالم القرار السياسي يتخذ من قبل الدوائر السياسية - الأقتصادية المعنية . بإستثناء القرارات التي تستدعي مشورة الجهات الأمنية . في العالم العربي القرار السياسي ، هو قرار أمني بالدرجة الاولى . وهناك ملايين الشواهد والأدلة . لأن الحياة السياسية العربية قائمة على مجموعة من التعقيدات التي خلقها النظام السياسي. وعندما يتحكم القرار الأمني بالقرار السياسي يصبح رجل الأمن هو الحاكم الحقيقي . وهذا الحزب أو اللجان ،أو تلك الشعارات التي تدعي ( الديمقراطية ) مجرد مواد تجميلية لحيزبون شمطاء ، مرَ عليها قطار كامل من الرجال . النتائج الفعلية التي أسفر عنها التدخل الأمني الفاضح في الحياة السياسة العربية ، ادت الى نتائج عكسية حيث غذت هذه الممارسات، قوى مضادة تعمل في الإتجاه المغاير لحركة التاريخ . وهي مسارات طائفية وأثنية ما كان لها أن تنطلق بالصورة التي هي عليه الأن في ظل وجود نظام سياسي ديمقراطي قائم على تبادل السلطة بصورة شرعية ، وعلى إحترام حقوق المواطنة على اساس العدل والمساواة . بل أن التدخل الأمني في حياة المواطن بلغ ليس حد الزبى بل حد الكفر من كل شئ ، حتى من يوم مولده . إن تجاوز أجهزة الأمن لدورها ، أدى الى حدوث الصدام الاول بين الدولة كسلطة والمواطن . وبشاعة سيف القمع أدت الى ولادة مواطن مقموع ، خائف متوتر . وبالنتيجة العامة مجتمع مقموع ، ليس على إستعداد للدفاع عن نظامه السياسي أمام أي غزو خارجي . أليس هذا ما حدث في العراق ؟ وكان من الممكن حدوثه في أقطار أخرى ( لولا ) إحساس النظام وإدراكة لهذه الحقيقة ؟ لما قدم هذا وذاك من التنازلات للأمبريالية اللعينة مالا يعد ولا يحصى . إشكالية ودور الأجهزة الأمنية العربية أدت الى تراجع المفاهيم الديمقراطية ، والأقتصاد والتربية وكل المنظومة الإنسانية العامه. عدا عن الفساد المستوطن . كل ذلك ساهم بخلق مواطن معزول ومهمش . هذه هي الفرصة الذهبية التي إستغلتها التيارات الأصولية المتطرفة ، في مواجهة النظام الذي كان يمارس قمعه للقوى وللعناصر الديمقراطية . التي لو لم تقمع بهذه الطريقة لكان الوضع الأن مغايراً للحالة القائمة . يكفي الفساد المالي نموذجاً، رغم أن الفساد موجود في كافة بلدان العالم ( كحالات ) لكن في العالم العربي سمة عامة وظاهرة اسفرت الى تراجع تحديث بنية المجتمع حتى الإقتصادية منها ؟ هل إمكان أحد أن يقول لنا ماهي الصناعات العظيمة التي حققناها بإستثناء الصناعات البتروكيميائيات بسبب النفط ؟ هل هناك شئ آخر . حتى التحقيق مع المعتقلين لجأت واشنطن الى محققين ( عرب ) لإنتزاع ما يمكن أن توظفه الإدارة الأمريكية لخدمة مصالحها الحيوية في المنطقة . قبل عشرون عاماً ، في أحد السجون العربية ( وهي قصة معروفة لأجهزة الأمن العربية ) صدر قرار بالإعدام ( لم يكن قراراً قضائياً ) بل قراراً أمنياً كنا سجناء في زنزانات إنفرادية ، قد لايصدق القارئ أننا إجبرنا على تناول الصراصير ذات الأجنحة وهي حيه . حجم الصرصار كان يعادل حجم فأرة ؟ ترى هل هذه أجهزة حريصة على تطور الوطن أم هدفها خلق المعارض الدموي لها بدل المعارض الديمقراطي . عندما نعترض على المعاملة السيئة التي يتعرض لها عناصر حماس لدى السلطة أوعناصر فتح لدى حماس ليس دفاعاً عن حماس أو فتح بل إحتراما لحق الإختلاف الطبيعي . وإحتراماً لإنسانية وكرامة المواطن حتى لو كان من المريخ . فما بالك بنظام قائم على أزرع من حديد وبنادق ، وخناجر معقوفة ، وسيوف مسلولة . ونظارات سوداء تخترق حتى غرف النوم ؟؟ ماهو مطلوب ببساطة ، إعادة النظر في مجموع التركيبة الأمنية الساقطة أنظمة وأحزاباً وفصائل عمل وطني فلسطيني .هنا الإصلاح لا يكون بتغير الأقنعة ، بل بإعادة النظر من جديد بالثقافة القمعية الراهنة، بثقافة ديمقراطية بديلة تحترم الرأي الآخر.
#سيمون_خوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة المواطنة في العالم العربي. مواطن درجة أولى ..ومواطن درج
...
-
تراجيديا الترهل . هل نحن أمة واحدة ...ذات رسالة خالدة ..؟
-
اليمن - ليبيا - مصر / الآب والأبن بدون روح القدس
-
شهادة الصحافي اليوناني الذي إعتقلته السلطات الإيرانية أمام ا
...
-
وجهة نظر يونانية حول قضية القدومي
-
نكاح حلال.. وثقافة النفاق مع الذات والرمز
-
شاطئ النقاب الذهبي الحلال
-
حوار مع الأستاذ إبراهيم علاء الدين .. المهم بناء وطن وليس كن
...
-
لمصلحة أية أجندات سياسية توظف منظمات التطرف الآصوليةالإسلامي
...
-
لماذا لا تجلد فرنسا المنقبات
-
لماذا لم يعلن الجهاد المقدس ضد الصين ؟
-
لا.. لحملات الإعدام في إيران نعم ..لحق المواطن في المعارضة
-
على هامش قمة الثمانية بين خيام المنكوبين وخيمة العقيد ومدن ا
...
-
سوريا .. والعودة المتدرجةالى مثلث القرار العربي
-
مؤتمرات تشتيت الشتات ومهرجانات لإتحادات جاليات بالجملة
-
هجرة أم فرار غير منظم من الاوطان
-
هل تعيد القاهرة بناء خارطة سياسية فلسطينية جديدة ؟
-
لماذا لا يتمسك المفاوض الفلسطيني بدولة كل الشتات ؟
-
مؤتمر حركة فتح السادس ومهمات التحول من مفهوم الحركة الى حزب
...
-
هل نتنياهو كذاب..أم ..؟
المزيد.....
-
تعهدات مكتوبة بخط اليد.. شاهد ما وجده جنود أوكرانيون مع كوري
...
-
إيمي سمير غانم وحسن الرداد بمسلسل -عقبال عندكوا- في رمضان
-
سوريا.. أمير قطر يصل دمشق وباستقباله أحمد الشرع
-
روسيا ترفض تغيير اسم خليج المكسيك
-
عائلات الرهائن الإسرائيليين يدعون حكومتهم إلى تمديد وقف إطلا
...
-
أثر إعلان قطع المساعدات الخارجية الأمريكية، يصل مخيم الهول ف
...
-
ما الذي نعرفه حتى الآن عن تحطم طائرة في العاصمة واشنطن؟
-
العشرات من السياح يشهدون إطلاق 400 سلحفاة بحرية صغيرة في ساو
...
-
مقتل اللاجئ العراقي سلوان موميكا حارق القرآن في السويد
-
من بين الركام بمخيم جباليا.. -القسام- تفرج عن الأسيرة الإسرا
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|