أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - ابراهيم ازروال - الحجاب الإسلامي: من تأنيث الألوهية إلى تذكيرها















المزيد.....

الحجاب الإسلامي: من تأنيث الألوهية إلى تذكيرها


ابراهيم ازروال

الحوار المتمدن-العدد: 2723 - 2009 / 7 / 30 - 05:10
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


الجزء الاول
عادت إشكالية الحجاب والنقاب إلى الفضاء الثقافي الإسلامي ، لتحتلّ موقعا رئيسا في وعي مستهلكي الخطاب الشرعي، بعد الفاصل الإصلاحي، الداعي إلى شرعنة السفور، استنادا إلى قراءة وتأويل خاصين للنصوص المؤسسة. لا جدال في مركزية الهندسة الجسدية في الإسلام، وفي تدبير العلائق بين الأجساد لضمان انتظام النظام الرمزي كما أسسته المنظومة العقدية الشرعية. وعليه، فلا غرابة في أن تتفق كل الحساسيات الإسلامية، على تعيين معايير الاتصال والانفصال بين الأجساد في الفضاء الاجتماعي، وتحديد قوانين التدبير الذاتي للجسد وآليات التعامل مع الجسد الآخر، وتنظيم التواصل اللفظي والإشاري والفكري والوجداني بين الجنسين. فالإسلام يتحدّد عموديا بالتوحيد، وأفقيا برسم معيارية صارمة لاستعمال الجسد، فرديا أو جماعيا. ولمّا استطاع الإسلام تكريس "صفاء" تعاليه، قياسا إلى التقاليد التوحيدية الكتابية، فإنه لم يتمكن من تحويل محايثة الجسد إلى تعال، فبقي مترددا ينزه الله عن التشبيه والتشريك، ويتردد إزاء الجسد بين محايثة مكرسة، بقوة الشريعة نفسها وتعال مطلوب نظريا، ومستحيل عمليا .
لقد تغيّى الإسلام شرعنة الجسد وأسلمة كل الاستعمالات الفردية أو الجماعية لجماع البدن؛ إلا أنه اصطدم بقوة الغريزة والجبلّة ونداء الحبّ وسوى ذلك من التجليات الثقافية الحاثّة على التلذّذ الجسدي وعلى "الطقسنة " الجسدية. لا جدال في أنّ الإسلام توخّى من خلال أسلمة الجسد، توجيهه إلى وجهة غير الوجهة الاستيطيقية أو اللذّية أو الشعرية أي إلى استعمالات مخالفة كليا للتراث الثقافي للعرب. فالجسد المؤسلم موجّه أساسا نحو الصلاة والجهاد، فهو جسد برسم الإفناء عبر إذلاله ميتافزيقيا في الصلاة وإعدامه قصديا في مشاريع الجهاد القتالي والاستشهاد. ولئن رصد الجسد الذكوري للصلاة وللجهاد القتالي، فإن الجسد الأنثوي مرصود للحجب، بالنظر إلى لصوقه الانطولوجي بإطار محايث، وبذاكرة ثقافية حبلى بتمجيد الجسد المنطبع بالرغبة والحبّ المتأجّج والشهوة المنداحة في ثنايا المتن الثقافي الوثني التعديدي .
(حدثنا الحسن بن صباح حدثنا محمد بن سابق حدثنا مالك بن مغول قال : سمعت الوليد بن العيزار ذكر عن أبي عمرو الشيباني قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: " الصلاة على ميقاتها " قلت: ثم أي؟ قال: " ثم برّ الوالدين " قلت: ثم أي؟ قال " الجهاد في سبيل الله " فسكت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني).
(البخاري – صحيح البخاري – اعتنى به : محمود بن الجميل – مكتبة الصفا – الطبعة الأولى – 2003- كتاب الجهاد والسير – باب فضل الجهاد والسير – ص . 15).
فلئن استطاع الإسلام المؤسس أسلمة الجسد الذكوري، فإنه اكتفى بمجموعة من المعايير والقواعد لتأطير الجسد الأنثوي المضاد، جوهريا، للأسلمة وللانطولوجيا التوحيدية عموما. فكل انبثاق لهذا الجسد الإشكالي في ثنايا الفضاء الثقافي الإسلامي، يخلخل الغائية المسطرة، والمعيارية المقررة؛ وعليه، لا بد من رسم أحياز لحضور الجسد الأنثوي، وتعيين استيطيقاه المؤسلمة في حدود الإمكان. فالأنثى إذ يراد لها التخفّف من الفاعلية العمومية، ومن الانعزال عن مدارات الجماعة الإيمانية، إنما تخفف عن البنية المراد تسييجها وتصليبها، وقع توتر كياني راقد في اللاشعور الجمعي للأمة الحاملة للصيغة الأنقى للتوحيد وفي القيعان التشبيهية للغة العربية .
لقد انبنت العمارة الاعتقادية الإسلامية على إمكان النفاذ عميقا إلى سويداء الكائن، وعلى تليين القلب الإنساني، وعلى تشرّب القيم العرفانية للدين؛ إلا أن التشريع الإسلامي يقرّ باستحالة تذويب الطبيعة والغريزة والاستيطيقا القديمة في المعيارية الإسلامية الجديدة. فالإنسان المسلم المتشرّب للقيم والأخلاق الإيمانية، والمتفاني في أداء طقوسه والمتأهب للموت في سبيل رفعة عقيدته، غير قادر على الاستجابة الإسلامية المتعالية، لتحدّي الأنوثة أي لاستقبال الجسد الأنثوي استقبالا متعاليا. إن المسلم قادر على مجاهدة الفكرية في أرقى مراقيها وأحوالها، إلا أنه عاجز عن تجاوز احتواء بريق الجسد الأنثوي ونداءاته الشبقية المتأججة. فالمسلم يمكن، مبدئيا، أن يرتقي إلى مراتب العرفان والتقوى والإحسان، إلا أنه يبقى بعيدا عن تفعيل مبادئ التقوى في مواجهة الجسد الأنثوي. إن بين الأنوثة والقداسة، في المنظور الإسلامي هوّة انطولوجية لا تملؤها حتى التشريعات العازلة والحدود القاسية مثل الرجم .
إن الإيمان يجبّ ما قبله إلا الشهوة فهي باقية عالقة بالنفس إلى الموت! فالمؤمن قادر على استئصال الأوثان من مخيلته، إلا أنه غير قادر على عصمة نفسه من لهيب الجسد ومن نيران التوله والوجد. فالإيمان فعل جذريّ، إلا أنه محصور الفاعلية في مضمار الرغبة والغواية. فالغواية قابعة في قعر النفس، لا تجدي الحياة الطقوسية في محوها، مهما كان المتعبد منصرفا عن الدنيا وعن متعها .
نقرأ في ( طوق الحمامة ) ما يلي :
( …حدثني سليمان بن أحمد الشاعر قال: حدثتني امرأة اسمها هند كنت رأيتها في المشرق، وكانت قد حجت خمس حجات، وهي من المتعبدات المجتهدات، قال سليمان: فقالت لي: يا ابن أخي، لا تحسبن الظن بامرأة قط فإني أخبرك عن نفسي بما يعلمه الله عز وجل: ركبت البحر منصرفة من الحج وقد رفضت الدنيا وأنا خامسة نسوة، كلهن قد حججن، وصرنا في مركب في بحر القلزم، وفي بعض ملاحي السفينة رجل مضمر الخلق مديد القامة واسع الأكتاف حسن التركيب، فرأيته أول ليلة قد أتى إلى إحدى صواحبي فوضع إحليله في يدها وكان ضخما جدا. فأمكنته في الوقت من نفسها. ثم مرّ عليهنّ كلهنّ في ليالي متواليات، فلم يبق له غيرها، تعني نفسها، قالت: فقلت في نفسي: لأنتقمن منك. فأخذت موسى وأمسكتها بيدي. فأتى في الليل على جاري عادته. فلما فعل كفعله في سائر الليالي، سقطت الموسى عليه فارتاع وقام لينهض. قالت: فأشفقت عليه وقلت له: وقد أمسكته: لا زلت أو آخذ نصيبي منك. قالت العجوز: فقضى وطره، واستغفر لله . ).
(- ابن حزم الأندلسي – طوق الحمامة في الألفة والألاف- دار الجيل – بيروت – لبنان – ص.178-179)
فالإسلام المنادي بالتعارف وتكريم البشر نصّيا، يحترس من الكوامن المتعية العصية على الترويض؛ فالإسلام يمكن أن ينقل الإنسان من حال الضلال إلى حال الهداية، إلا أنه لا يعد بأي تحويل أو نقلة ممكنة، في حضرة الجسد الأنثوي .
إن الأنوثة لا تقود المسلم إلى معانقة الجسد الآخر فقط، بل تقوده إلى الإطلالة على عالم القداسة الأخرى، أي إلى عالم يتقدس بالجسد وفي الجسد. فالجسد ليس مجرد أداة وظيفية لأداء الطقوس كما في اليهودية والإسلام، بل هو بوتقة تشكل القداسة نفسها، وتبرعم التعديد الرؤيوي والتناغم مع الطبيعة والكون كما في الأساطير القديمة. ومسالك الغواية متعددة، مما يستلزم الاحتراس من الجسد الفيزيقي ومن جسد اللغة حين تتأنق وتتألق وتحيل إلى سديم العشق والافتتان والغواية. وهكذا، يستحيل الخوف من الجسد إلى رهاب، يستحيل معه الجسد بما هو هبة علوية، إلهية لا بد من إخفائها، خوفا من انتظام الناموس الطبيعي! فالنص يؤسس حجاجه على الطبيعي، ليعود لإلغائه باسم فكرية، متشككة جوهريا، في قدرة الفرد على التسامي والتعالي في موضوع الجنسانية .
فرغم الوضع الاعتباري لأمهات المؤمنين، فإنّ النص المؤسس يحذّرهن من مداورة اللغة على الوجه الجمالي أو الثقافي المتأنق. يقول ابن الجوزي:
(قوله تعالى : ( فلا تخضعن بالقول ) أي : لا تلن بالكلام (فيطمع الذي في قلبه مرض ) أي: فجور؛ والمعنى: لا تقلن قولا يجد به منافق أو فاجر سبيلا إلى موافقتكن له؛ والمرأة مندوبة إذا خاطبن الأجانب إلى الغلظة في المقالة، لأن ذلك أبعد من الطمع في الريبة. (وقلن قولا معروفا) أي: صحيحا عفيفا لا يطمع فاجرا.)
(- جمال الدين ابن الجوزي –زاد المسير في علم التفسير – دار ابن حزم – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى الجديدة – 2002-ص.1123)
تكمن قوة الأنثوي، في قدرته على إعادة الذكر المؤمن إلى عالم الرغبة والشهوة واللذة، أي إلى عالم مناقض للمثالات النظرية للفكرية التوحيدية المأخوذة بالتقشف وبالتطلعات الاسكاتولوجية. فالاستجابة لنداء الرغبة، ليس مجرد مخالفة للشريعة، بل هو تملص عملي من مرتكزاتها النظرية القاضية بالاستجابة لنداء الألوهية وحده. فلئن مثل الإيمان نقلة إلى عالم التعالي والمفارقة والتأله، فإن الأنوثة تمثل التعبير الأكبر عن عالم التعديد والتشريك والجنسانية المحايثة أي المحصورة في نطاقات تلذذية متعية أو هيدونية. ولما كان الإيمان متوترا من حيث المبدأ، فإنّ السماح للأنثوي بالتعبير عن ممكناته الرغبية والمتعية والشبقية واللعبية، يعدّ بمثابة إقبار لفكرية التعالي في الأصل. فالإيمان ليس عاصما من غواية الجسد ومن فتنة الأنوثة ومن الحنين إلى القداسة الأنثوية الساكنة في الأعماق التكوينية للذات الثقافية ولبنية اللغة والبلاغة العربيتين. فالفصل بين الجنسين وتغطية الجسد الأنثوي ينبعان من الخوف من الانبثاق الفجائي للقداسة الأنثوية، من أعماق مجتمع تأسست ثقافته على تأنيث الألوهية وعلى تقديس الجنسانية. فلنجاح الفكرية الجديدة، لا بدّ من تحويل الجنسانية المتعية المنفتحة على المقدس المحايث، إلى جنسانية وظيفية أو إلى جنسانية إنجابية لأهداف تفاخرية، أو إلى جنسانية استعراضية ( السراري وملك اليمين).
إن المقدس الإسلامي ينهض على الفصل بين القداسة والجنسانية، وعلى رفض التقديس الأنثوي على مستوى العقيدة، وعلى التقنين المعياري الصارم للجنسانية على مستوى الشريعة. فالقداسة الإسلامية لا تجتاف الجنسانية ولا تتوسلها وسيلة للتأله أو للتروحن أو لاحتياز القيم الجمالية الكبرى. فالجنسانية المتعية تحيل شعوريا أو لا شعوريا إلى الحبّ المحايث، والعشق العالق بضفاف الإنساني، والى التوله بالمحبوب إلى حد الفناء. وكل فناء في الأنوثة يعدّ، من الوجهة التوحيدية، ضربا من التعديد أو التشريك، ومسلكا من مسالك التشبيه والتدني الروحي والأخلاقي. فالقداسة الطالعة من قاع الأنوثة والحب والوله، تتنافى مع الاختلاف المتوحش، المفضي إلى القتل أو الانقتال المنهجيين، كما في التاريخ السياسي للكتابيين. لا جدال إذن في مجافاة القداسة المحايثة للقتل اللابس لبوس الفكرية التوحيدية وللانقتال الزهدي المنبثق من رهاب الجسد المتأصل في بعض التقاليد الثقافية بالشرق الأدنى وبالشرق الأقصى على السواء .
إن حبّ المرأة والهيام بالجسد الأنثوي، والانشغال بالجماليات التعبيرية، لا يعنيان إلا الابتعاد عن التأله والنأي عن محو الذات والآخر وتثبيت الغيب محلهما. إن الحب الميتافزيقي، نفي للوحدانية وللتعبد بوصفه الواجب الميتافزيقي الأرقى للإنسان بشهادة نص القرآن. كما أن الإيغال في عوالم المرأة وفي الجغرافية الباذخة للأنوثة يمنع من الانخراط الفعال في تغيير العالم بالصلاة وبالجهاد. فالصلاة محو أول للذات، والجهاد محو ثان ونهائي لها. وبين المحوين تنتصب الشريعة بما فيها الحدود الجزائية، لتنظم المسافة الاجتماعية والسياسية الممتدة بين الإنقتال الرمزي والانقتال الفيزيقي. فالصلاة في محراب الإله، هي البديل الإسلامي للصلاة في محراب الحبّ والتبتل في معبد العشق. كما أن آيات القرآن هي البديل الأدبي والفني للشعر والغناء. كما أن الاستشهاد الإسلامي هو البديل الأرقى للبطولة الحربية في الزمكان التشريكي القديم. فاستبعاد الأنوثة والجمال عموما وبهاء الجسد الأنثوي خصوصا، من دائرة الفعالية العمومية في الاجتماع الإسلامي، يستهدف القطع نهائيا مع نسق جمالي ورؤيوي بعيد عن امبريالية التأليه الإبراهيمي وعن المنطق التشريعي وعن المخيلة الطقوسية للإبراهيميين .
فالتوحيد الإسلامي لا يكتمل إلا بتطويق كل التعبيرات الثقافية للذاتية الثقافية التعديدية، وتجفيف منابع المخيلة الإبداعية المنزاحة عن قبليات العقل الشرعي وينبغيات المنطق الماورائي. فكل إطلالة للجسد الأنثوي على المشترك الإسلامي تحمل علامة الاختلال القيمي والارتجاج العقدي، والارتباك التشريعي؛ فالجسد يستدعي قدسانية جنسانية وجنسانية محايثة تؤسس مقدسها بالجسد لا ضده، باستيحاء العوالم الثرة للأنوثة والتخوم القصوى للتجارب الكيانية. فالأنوثة فضاء للتخيل، تتضافر فيه اختراقات الكلمة الخلاقة والنغم المطرب والشبق المتدفق والخمرة المسكرة، لخلق إنسان منقطع عن الاستشرافات الماورائية وعن الاهتيامات العبادية والطقوسية المسكونة بالترتيلات والإعادات والتهوس بالموت، فكرا وتعبيرا وفعلا .
كما تتميز القدسانية المحايثة بطابعها التعددي والمفتوح بالقياس إلى القدسانية التوحيدية الغارقة في التمركز والبطريركية والانغلاق النسقي؛ فالمقدس المحايث الأفقي جوهرا، قابل للتفريد والتذاوت، فهو لا يلغي الإبداعية الذاتية للأفراد في تصورهم لأجسادهم وتوظيفها، ايروتيكيا أو متعيا أو هيدونيا، كما أنها توفر مجالات لا نهائية لصناعة الرمزية الجنسانية أو القداسة المحايثة مع الأغيار بلا محظورات حدية من النوع المعهود في الفكرية الإبراهيمية التوحيدية .
فالمقدس المحايث، المنفتح جوهرا، يحفز الذات على مواصلة الترميز وإنتاج العلامات والدلالات، والبحث عن المعاني الطالعة من رحم الرغبة العارمة والنفس المسكونة أبدا بالتطلعات الحبية والعشقية والجسد المتطلع دوما إلى وصال توحدي، يحاكي الطبيعة في أجمل طقوسها إخصابا ورواء .
يحيل المقدس المحايث على المخيلة أكثر مما يحيل على الذاكرة أو على الحافظة؛ فهو يربط الكلمة بنبض الجسد، وبعنفوان تجربة الحب أو العشق أو التدله، ويوطنها في مساحات الاتصال أو الانفصال بين العشاق أو المحبين. إن الكلمة مجبولة هنا بطين الجسد وبكل الممكنات غير المستكشفة للرغبة وللشهوة حين تتألق في ليالي الصبوات .
تنهض القدسانية المحايثة على خلق اشتباك انطولوجي بين الأنوثة وبين الذكورة، بين الكلمة وبين العاطفة الحبية أو العشقية، بين المقدس وبين الجسد في وضعياته الايروتيكية أوالشبقية أو الهيدونية. إن الجسد منقوع في لهيب الرغبة، والكلمة مذابة في نار الجسد المتأجج شوقا أو تلهفا أو عشقا أو شهوة. فالجسد ليس مبرمجا وفق نسق تشريعي محدد التخوم والغائيات كما في النسق الكتابي، بل هو ضد البرمجة أصلا، بالنظر إلى ارتهان الجنسانية المحايثة إلى مبدإ الذاتية والى مبدإ الإبداعية. وليس غريبا، أن يعمل الهراطقة على تحرير الجسد الشرعي من البرمجة الأرثوذكسية، وعلى الاستجابة لنداء الآخر، بأريحية ايروتيكية لا تعرف التقتير الشرعي، في العاجل والبذخ الجنسي الموعود في الآجل .
يقول الوليد بن يزيد:
( أنا الإمام الوليد مفتخرا أجر بردي، وأسمع الغزلا
أسحب ذيلي إلى منازلها، ولا أبالي من لام أو عدلا
ما العيش إلا سماع محسنة وقهوة تترك الفتى ثملا
لا أرتجي الحور في الخلود وهل يأمل حور الجنان من عقلا ؟
إذا حبتك الوصال غانية فجازها بذلها كمن وصلا )
(- أبو العلاء المعري- رسالة الغفران – تحقيق : درويش جويدي – المكتبة العصرية – صيدا – بيروت – الطبعة الأولى : 2004-ص.261)
من المؤكد إذن أن الجنسانية المحايثة تنشغل بالآني زمانا، وبالعشقي وجدانا وعاطفة، وبالغزل تعبيرا، وبالخمر شرابا، وبالغناء فنا؛ وبناء على هذا، فإنها تقع في الطرف النقيض للمقدس الإسلامي وللجنسانية الشرعية المحكومة بموجبات فكرانية بالدرجة الأولى. فالإسلام المعياري لا يتصور الجنسانية الشرعية إلا في سياقها العقدي، والتجاذب بين الجنسيين إلا في إطار تعزيز اللحمة الفكرية للعقيدة المتأهبة لأسلمة العالم بالجهاد أولا، وبالصلاة ثانيا. فالجسد الشرعي جسد فكراني، يغلّب الاعتبارات العقدية على الاعتبارات الجمالية .
( أخبرنا إسماعيل ين مسعود قال: حدثنا خالد عن عبد الملك عن عطاء عن جابر: أنه تزوج امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتزوجت يا جابر؟ " قال: قلت: نعم قال: " بكرا أم ثيبا ؟ " قال : قلت: بل ثيبا قال : " فهلا بكرا تلاعبك " قال: قلت: يا رسول الله كن لي أخوات فخشيت أن تدخل بيني وبينهن قال: " فذاك إذا إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك ". )
( -النسائي – سنن النسائي –ضبط نصها : أحمد شمس الدين –دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان – الطبعة الثانية – 2005- كتاب النكاح – على ما تنكح المرأة - ص.525)
والواقع أن تغليب العقيدة على الجمال ، يكشف عن تخوف كموني من بروز الجمال الأنثوي في الفضاء الثقافي، ومن ارتهان الناس لخطاب الرغبة والغواية. إن الجمال إسلاميا، ماورائي فردوسي، أما الجمال الدنيوي، فهو قرين الفتنة المتمثلة في الغالب في ترك الصلاة والجهاد والكلمة المقدسة. فالجمال الأنثوي لا يحجب عن الآخرين فقط بل عن القرين كذلك؛ فالزواج الشرعي زواج فكراني وظيفي، محكوم بأهداف إنجابية وبمقصديات ذرائعية أي بالاستهدافات التاريخية الكبرى للمشروع التوحيدي الإسلامي. واستنادا إلى هذا الاستنتاج، فالجنسانية الشرعية مناقضة جوهريا للجمال الأنثوي. فطالما يبرع الجمال الأنثوي في إنتاج مقدسه المخصوص وأشعاره الغزلية ومتخيله الأدبي والفني الباذخ، فإنه يمثل النقيض الكلي لتركيبة عقدية، لا ترى للجسد اعتبارا إلا في مقامات السجود أو في ساحات الجهاد القتالي .




#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التمركز العقدي في الرحلات السفارية / المثاقفة المستحيلة /الج ...
- التمركز العقدي في الرحلات السفارية / المثاقفة المستحيلة /الج ...
- التمركز العقدي في الرحلات السفارية / المثاقفة المستحيلة
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي(5)
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (4)
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (3 )
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (2 )
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (1 )
- جودة التعليم-نحو قطيعة لغوية مع الإكليروس اللغوي
- المحرقة المغربية - تأملات في تراجيديا العصر الطحلبي
- أندريه كونت- سبونفيل-فضيلة التسامح
- في نقد الخطاب الاصلاحي -( نموذج الصادق النيهوم )
- في نقد الفكر الاصلاحي - (نموذج الصادق النيهوم )
- في نقد الخطاب الاصلاحي -( نموذج حسن حنفي )
- في نقد الخطاب الإصلاحي-( الجابري والعشماوي )
- الفكر المغربي وثقافة حقوق الإنسان
- قراءة في - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك - لعلي حرب- حين يصير الت ...
- شيزوفرينيا ثقافية
- الإشكالية الدينية في خطاب الحداثيين المغاربة-( نموذج الجابري ...
- واقع الثقافة بسوس-قراءة في وقائع نصف قرن


المزيد.....




- وزارة المالية : تعديل سن التقاعد للنساء في الجزائر 2024.. تع ...
- المرأة السعودية في سوق العمل.. تطور كبير ولكن
- #لا_عذر: كيف يبدو وضع المرأة العربية في اليوم العالمي للقضاء ...
- المؤتمر الختامي لمكاتب مساندة المرأة الجديدة “فرص وتحديات تف ...
- جز رؤوس واغتصاب وتعذيب.. خبير أممي يتهم سلطات ميانمار باقترا ...
- في ظل حادثة مروعة.. مئات الجمعيات بفرنسا تدعو للتظاهر ضد تعن ...
- الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال ...
- فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى ...
- مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 % ...
- نيويورك تلغي تجريم الخيانة الزوجية


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - ابراهيم ازروال - الحجاب الإسلامي: من تأنيث الألوهية إلى تذكيرها