غريب عسقلاني
الحوار المتمدن-العدد: 2720 - 2009 / 7 / 27 - 10:17
المحور:
الادب والفن
هناء القاضي وغريب عسقلاني في..
مقهى الذاكرة
نحن من تعب من الحكاية!!
أم تراه الوقت يطلبنا للقفز عن فاصلة تائهة بين الغفوة والحلم.. والطرقات تطلب خطانا..
هل تسمرنا عند فاصلة الوهم.. وهل طابت لنا دار مقام..
نهرب من عذاباتنا, نمتطي الحلم أفراس رغبات وشهوات مستحيلة.. لكنه الوقت كسير والريح صفراء تمطر طينا ينبت شياطين عذاب.. تأكل منا اللحم..تهرس فينا العظم.. فتفر الروح منا إلى تيه الذاكرة من جديد..
فالذاكرة في مواسم الجفاف أمست حقل زهور ذبلت عند شهقة العطش المقيم..
نصحو فتمضغنا الرواية.. أي رواية تطفئ فينا عطش الظامئين يا امرأة من عطش..
فالبتراء يانعة في بطن التواريخ الغابرة.. منقوشة سيرة على وجه قصر من حجر في بطن الجبل..
ذهبت الملكة يا سيدتي.. وما زال الحجر..
ماذا تبقى فيك يا سيدة الحلم من رياح السومريات.. من عبق جلل وجه الضفتين قرونا بالبهاء..
آه من عذابكِ والرافدين يفيض عليهما اليوم دم الخصومات الرخيصة..
تزهر الأرض هناك آمالا قتيلة, ترضع من ثدي الأرض نواح السومريات الثاكلات نواحاً.. هل ناحت أمي السومرية عليَّ في شط العرب..
وهل ما زلتِ تحملين على عين قلبكِ قنديل فرح!!
وهل ما زال قلبكِ يرقص مع تهاليل الطرب..
وأنا القتيل.. ماذا تبقى لي من مواعيدي إليكِ..
هل يعمدني الأردن في الطريق إليكِ مثلما فعل مع المسيح.. أم تراني بتُ مرجوما بالغربة كنيتي/ أسمي.. لا فرق غريب.. بعد أن شطبوا عسقلان من خرائط الذاكرة.. وضعوا بدلا منها " أشكلون " علامة استفهام مبهمة بين وعد الرب لقوم الصابئين المارقين على الوصايا, وبين خير أمة أخرجت للناس.. قُتل الخير فيها وتربع الوسواس بين جنباتها..
لم يبق من الخير إلا بعضه بين دجلة والفرات. وبعض الدم المسفوح حول مسرى النبي يندلق نهرا يحفر مجراه يصب في أكناف غزة..
هل تعود بنا الأجندات.. أم هو الوهم/ الحلم يأخذنا إلى حياة غير ما نحيا في الحياة
آه يا لهفي ولهفكِ من طول انتظار الغائب حتى يعود..
متى يعود؟!
هل نعود يا سيدتي مع نور الصباح..
هل نهبط مع غيم الوجد قطرات ندى على خد وردة
أم هي الأقدار أخذتنا عنوة عند فاصلة الانتظار..
هدأة السكون
معلقة عند خاصرة الجبل, بين سقف الله وجب الوادي العميق.. هي فى شرفتها تسامر الليل.. تفتح صفحات الدفاتر.. وثمة قمر يرسل ضوءً شاحبا يموت قبل أن يصل إلى الوادي.. يغرق الوادي في حلكة زرقاء.. ترهف السمع..
لا شيء غير وشيش ريح جفاف تنذر بشتاء قارس.. تغفو على وسادة الرؤيا.. تناجي سيد قلبها..
" يا ساكناً في الغياب أما آن للمدى..أن يحمل قوافلَ الصدى وتتفتقُ رؤى الأحلامِ.. حقيقةً "
قلبها يزفر غصة حارقه..
" سأتدثرُ بصخب حلم, أرسمُ على ضباب الزجاج دوائرَ الوهم.. وأضحكُ حتى الثمالة.. وفي الموقد أحرقُ كل أوراق علني أيقنُ أني فيكَ تجاوزت ُحدود المحال, وأنكَ حاضر غائب لا يتعدي الخيال.."
تعبتُ من الحلم..
تعبتُ من التسكع في أروقة الوهم
تعبتُ من عبث محاولة اصطياد عينيك
تعبتُ من التفكير كيف سيكون اللقاءُ في حضرة شفتيك
ومن التكهن بأن..
الشتاء يناديني
أن أضيءَ نار الموقد..
وأهيئ فناجيني
فالأحاديثُ عندنا ستطول
والليالي.. ستطول
زوادة الشتاءِ يا بعيدي
نارٌ وقهوةٌ...
وشعرٌ يدفئ شراييني
على راحلة الوقت
لا تغلقي عليك نوافذ الرؤيا.. إني تعريت من الوهم, وامتطيت راحلة الوقت.. حملتني الريح إليكِ, لم تخذلني المعابر والمتاريس ولا وشى بي الأردن للذين ينتظرون موتي.. أخبُّ في الطرقات أمضي نحو القبو.. لكنها اليمامة لم تلح لي..
هل غادر القبو المكان؟
لم أجد من يأخذني إليكِ.. وعلى ناصية.. كان العجوز يبسط راحتيه.. فالتبس الأمر عليَّ, أذا ما كان يبتهل إلى الله أو يتسول.. نفحته بعضا من زادي.. ضحك ساخرا مني:
- خبزك يا فتي لا يعصم من جوع
- هذا ما تزودت به في رحلة الانتظار
- إذن أنت الغريب ؟!
- أنا هو.. من أنتَ يا سيدي.. من تكون؟
- أنا حارس القبو.. نادل مقهى الذاكرة, كيف وصلت إلى هنا يا فتى؟
- على ظهر راحلة الريح
- من يتسلل مع الريح يا ولدي لا تدب خطاه على أرض الحقائق.. لا ذاكرة بدون أرض!
فجأة اختفى الرجل.. وغامت النواصي والطرقات, وحملتني الريح إلى خاصرة الجبل وهبطُ بين سقف الله وقعر الوادي.. صرتُ فوق العتمة وقبل الضوء.. أرى ولا أري.. ولكني سمعت صوت امرأة اعرفها ولا أعرفها.. صرختُ:
- أين أنا؟!
- عند فاصلة الوهم
- من أنتِ يا سيدتي؟؟ هل أنتِ هي..
لم يصلني غير وشوشة الريح.. ورجع ناي بعيد..
هدأة السكون
قارس هنا الشتاء.
ثلجٌ وثلج على مدّ النظر.. الريحُ تصفرُ عند شباكي والليل ووجهكَ البعيد, وأوراقي وشوقٌ الذكريات والصور.. وأنا كلما مضى بي العمر, واشتدّت عليّ قسوة الدهر وخبرتُ الصبر أكثر..
أحبكَ..أكثر..
معكَ تلتقي الخطوط.. عنكَ لا تحيد..
كل النساء يتقلبن مع الفصول إلا أنا.. أعش على مدار العام في مدار فصل وحيد.. أنت فيه الشموس والأقمار والنجوم.. وكلام ليس مثل الكلام لا يقال إلا لكَ.. في حضورك أصير فراشة تعشق نهايتها على دفء لهيبك..
اليوم عيد ميلادي.. حضرت وكنت معي على مائدة القصيدة.. مرّرتُ يدي على يديك أذيب الصمت.. كنا كأغنية جوفاء.. ألم تشعر بيدي وهي تتراجع بعيدا.. هل وصلكَ حالي.. ولماذا أطلقت تلك التنهيدة الطويلة..!!
لحظتها يا بعيدي وقعت عيني على حبيبين يتهامسان.. كانت هي سعيدة.. وهو يطير بها إلى مدن جميلة..
اليوم عيدُ ميلادي
أتراكَ تذكرُ..
في الصباح
لبستُ أحلى فساتيني
أمام.. مرآتي
...تمنيتُ لو كنتَ هنا
لتراني..
وأنا أزهو بسنيني
جاءني الصحبُ والرفاق
تلقيتُ الورود والهدايا...والعناق
عيناي تتنقلان قلقا
بين الهاتفِ..والباب
حين أطفأتُ.. شموعي
صرخت روحي.. بألف عتاب
لو كنت.. معي في عيدي
لأسندتُ رأسي المتعب..على كتفك
وربما كنتُ سمحتُ لك
أن تلفَ ذراعك حول
خصري.. وجيدي
وفي الليل
فتحتُ بلهف بريدي
قلبّتُ الرسائلَ.. وقرأتُ الأسماء
أتراكَ نسيتَ.. ؟
أغمضتُ عيني
مطرٌ حزينٌ تساقط..
في سماء روحي
وفي أجندة العمر..
حفرتُ عاما آخر..
جمعت أوراقي وغادرت المكان.. قبل أن نتحول إلى قصيدة خرقاء.. كلماتها خواء, تثير الضحك والبكاء..
على راحلة الوقت
وصحوت بين سبع تلال أو قل سبع جبال, عند فاصلة الأجندات في تلك المدينة.. هل أعود أدراجي.. اقطع النهر إليكِ.. اترك وشم خطواتي على وجه البحر الميت الذي غاض منذ البدايات قبل التيه في الأخدود العميق.. اصعد من قاع اللعنة إلى درب آلام المسيح في القدس وأمشي الرحلة دون إكيل شوك متخفيا عن عيون من يرصدني.. كم مشيت الرحلة يا سيدتي.. كلما انتهيت عدت لأبدأ من جديد.. هل أتيت أنا بعد سيزيف أم تراه ذالك اليوناني جاء بعدي.. أخذ عني.. عند فاصلة أقف تأكلني الحيرة سهم بوصلتي توقف على سن الذهول أم الجمود.. أنقذيني بالحضور يا سيدة النساء.. أم أقفز عن سبع جبال شاهقات إلى ملاعبكِ الأولي بين الدجلتين..
- هل أنت هنا أم هناك..
صوت نادل المقهى يسخر مني..
- هي دائما هنا وهناك
أن ألقاكِ.. وأنت للوقت سبيّة تطلُ مُدماة من رشق حجارة ذوي القربى, وأنت بنت اللحظة, ما خنتِ وما عرضتِ وله الفاجرات ثم تبتِ مثل المجدلية.. أنت جئت مبرأة من كل الخطايا إلا من خطيئة قلبك الذي يرضع من زيت زيتون جبل العاشقين.. ولا مسيح في هذا العصر يغسل إثم الوجد عن وجهك
أنت البهية..
أي كفر ما يطلبون؟!!
أم تراني المنذور للبحث في التيه عن أميرة خرجت من حدائق بابل, انطبعت على مرايا عينيها وصايا من أحفاد العربي الأول نبوخد نصر, ضاجع عند لحظة وجد نخلة في بلاد الرافدين أنجبت منه أميرة سومرية.. وأنا التائه بين الفواصل وسطور أجندات مزحومة بأصداء جلجلة قادمة..
كيف الوصول إليك والوقت ضلالة؟ والريح تحمل مطر الطين وشياطين الفتنة وذبح الأنبياء الأبرياء..
قدري يا سيدتي أن آخذك إلى خاصرتي..وأفرد قلبكِ جناحين بهما أطير..
نسكن في إبط الغيمة ونجدلُ من الحكايات حبات مطر يهطل مع الفجر ندى يورق بين الشفاه الحالمة ورداً.. ينشر روح الياسمين
لو تعلمين..
إني وشمتك على قلبي فراشة, فصار قلبي قنديل فرح..
فاهبطي في بساتيني.. لنشدو ونغني.. ونرتل بوح العاشقين المخلصين..
هدأة السكون
هل نقفز عن فاصلة الوهم إلى مساحات الأمنيات.. والوقت شروط وضرورات مرارة.. يأخذنا إلى ما لا نريد ونشتهي, يطبع خطواتنا بالغربة.. يقطع علينا لعبة الحلم.. يحرق فينا حتى رجفة التمني يأخذنا إلى الهذيان.. يا صاحبي أن المشروع بات ضربا من الهذيان في هذا الزمان.. لو كان بإمكاني أن أحب ثانيةً, أحبكَ أنت.
ولو قدّر لي أن أعشقَ ثانية ستكون أنتَ.
ولو كان بإمكاني أن أراود أحلامي وزارتني جنيات العشق, وطرزت النجوم على فستاني, ونثرت الليل في شعري, وأطلقت فيَّ الأشواق.. ستأتي وتحملني على حصانك الأبيض..
ولو طُلب مني البقاء في مدارك سأجد الف سببا للرحيل إليكَ..
افتح لي نافذة صغيرة للنسيان..
امسح كل الوجوه والأسماء..
ازرع ذاكرتي نرجسا وريحان..
اخرج من رأسي الضجيج..
فقد أتعبني هذا الهذيان..
الفصل شتاء..
لو يتساقط بعض هذا المطر في صحراء روحي..
الثلج يغطي الطريق...
والشوق في قلبي حريق
تغوص قدماي في الثلج..
أمشي.. وأمشي..
أبحث عن بيتي العتيق.
اسمك محفور في ذاكرة الطريق..
هل ذوى في قلبك الحب؟
وغاب عن عينيكَ ما لي من بريق.
على راحلة الوقت
لا بأس يا سيدتي لو خرجنا من سقف الهم قليلا, لنرى ما قطعناه من خطوات.. فأنا درجت على الأرض ستين خطوة وبضع شهقات من العمر, خطفوني عن ثدي أمي فرضعت العطش من الجوع, ومضيت غريبا أبحث عن أمي بين السبايا.. هي همي..
هي في وهمي..
هي عسقلان, ذاكرتي التي لم أعشها على الأرض وحملتها بين ضلوعي نتفا من حكايات مبتورة شوهتها حكايات الرواة.. صارت بين فاصلة سكنت بين الحقيقة والخيال.. صارت ذاكرتي.. وصرت ابن الحكاية كما قد تصبحين أنت..
هل تدركين الآن لماذا كلما جئت إليك تفرين بعيدا.. تحترقين على شوق الانتظار.. أنا ربما من يشبه بعيدك في الحلم.. ربما كنتِ ظلا لأميرة أيامي التي وقعت في الأسر سبية قبل أن يدركني الفطام.. هل ندرك كيف يكون عذاب الانتظار, هل أدركت أن القبو فينا, وأننا ضيفان على ناصية الغربة حتى نعود..
وكيف نعود والماضي سجل فناء وحضور, والقادم باب معاناة وذهول
في أي المحطات نقف نختلس بعض راحة نتزود لبقايا الرحلة في ظلام الوقت في زمن الجور العظيم..
لا بأس يا سيدتي لو اخترنا مساحات النص جغرافيا جديدة نسطر عليها قناديل الشوق ننثرها في دروب الغائبين العائدين..
لا بأس لو حمل كل منا وليفة ومضى يبحث عنه في كل الدروب..
لا بأس يا امرأة ما زالت تعبق ببهاء السومريات, تجيء في الوهم كنعانية تحمل عذابات المجدلية.. لا بأس لو عشتْ أنا فاصلة من الوقت كما المسيح..
لا بأس لو لذتِ بجلجامش تشربين الحكمة ..ترضعين الشوق لأرض ما قبل الرسالات بين الرافدين
هل عرفت كيف يجللنا البهاء عند تلك الفاصلة..
إنه الوهم الجميل
إنه قنديل يشع وهج الذاكرة لتوأمين من شوق وعذاب حتى يعود الغائب من غيبته, وإن طال الغياب..
هدأة السكون
في مشواري الطويل مشيت آلاف الأميال قطعت البحار..هبطت الوهاد.. صعدت الجبال.. ظننت أني نسيت وأني لن أتعذب بالهوى ثانية.. لكن قلبي خفق فجأة:
- هذا محال
بدون استئذان تعود تخترق ذاكرتي.. تحفر طرقا في دروبي.. تحطم الحواجز تعتلي صهوة جواد قصيدتي وتسرج خطاك على إيقاع قافيتي..
هل أنتَ من يردفني على صهوة حصانكَ أم أنتَ الساكن معي في هودج راحلتي..
قلتُ لنفسي:
من تكون أنتَ لتمزقني.. لتبعثرني
قلتُ لنفسي:
ما أنت إلا..
لن أشتاق إلى وجهك الجميل..
سيان عندي إن غاب عني أو ظهر..
... ...
ما بال الليالي بعدك!!
طويلة صارت..
وما خطب سمائي!!
أنظر فيها.. فلا أجد قمر..
ولماذا صارت بلا طعم قهوة الصباح
لا تحليها ألف قطعة سكر..
من منا الذي غاب يا سيدي.. أنا أم أنتَ.. أم هو المعذب بيننا ذاكرة الوطن.. هل يغادرنا في غربتنا الوطن؟؟
قال الراوي
.. اختلفت الروايات حول اختفاء النادل العجوز, قيل أنه أغلق القبو بعد أن انقطعت السومرية عن مواعيدها, وانطلق يفتش عنها في دروب المدينة حتى عثر عليه في سوق الوحدات..تحمل ثدييها على راحتيها وتنوح, وقد ارتسم على جبينها صورة شاب, قبل أنه أخوها.. وقيل إنه وليفها وقيل إنه الوطن.. وقيل إنّ العجوز عندما رآها بلع لسانه وصام عن الكلام.. وقيل إن السومرية اختفت بعد أن فقس بيض يمامة القبو عن أفراخ غربان سوداء عبأت فضاء القبو بالنعيق, ونقرت رأس النادل ونثرت حشوه جمجمته على جدران القبو, ففرت السير عن أرفف المكان, وان النادل مات على جحوظ ذهول.. وقيل أن الفتى شوهد في أكثر من مدينة يعرض وليفته على أطباء العقول, بعد أنْ أصبابتها الجلطة إثر قصف طال غزة, هشمت فيها وعاء الذاكرة, وإنّ الفتي حملها على خاصرته وجاب بها العواصم يبحث عن نصف عمره الذي ضاع, وإنه عندما وصل القبو هاجمته الغربان فلاذ بالفرار..
وقيل إن البتراء غادرت عرشها وقررت الغيبة حتى يعود الفتي إلى مسقط رأسه وتزف السومرية إلى بعيدها على جسر الأحرار في بغداد..
#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟