أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماري تيريز كرياكي - فارس هذا الزمان














المزيد.....

فارس هذا الزمان


ماري تيريز كرياكي

الحوار المتمدن-العدد: 2719 - 2009 / 7 / 26 - 06:24
المحور: الادب والفن
    


جمعت العائلة كل ما إدخرته، وما أمكن استدانته لترحيل الصبيتين لتتمكنا من اللحاق بأمهما، التي سبقتهما إلى أمريكا. فالحرب كشفت كل ما كان معتماً عليه، وبدأ القتل على الهوية، وأول ضحايا هذه الحرب كانت النساء والأطفال والعجز والأقليات. وعائلة هاتين الفتاتين كانت تعيش في قرية مسيحية في منطقة معزولة من البلاد، لم يغادرها سكانها في حياتهم، تربوا فيها على الخوف من الغرباء، وتحديدا من الغالبية المسلمة التي تعودت على إذلالهم متى سنحت الفرصة لها لإحساسها بالقوة، والغلبة والتفوق العددي والاقتصادي على سكان القرية المسيحية.
وكان سكان هذه القرية كالسكان المسيحيين الآخرين يحاولون السير، كما يقولون، الحيط الحيط ويا رب السترة، اتقاء لغضب المسلمين، حتى أنهم كانوا يعمدون إلى تسمية أبنائهم الصبية بأسماء مسلمة خوفاً من أن يتعرف عليهم المسلمون. فصورة المسلم بالنسبة لهؤلاء المسيحيين كانت صورة الطاغي الذي يريد إذائهم وإزالتهم من الوجود.
انضمت الفتاتان إلى مجموعات أخرى غالبيتها من النساء ومن قرى مسيحية أخرى، حتى وصلن إلى أوروبا. هناك، وفي إحدى مراكز تجميع المهربين ألحق بهن مجموعة كبيرة من الشبان الأفغان. أفغان، يعني مسلمون، انكمشت الفتيات على أنفسهن، وبدأن بالبكاء، وأجسادهن ترتعش من الخوف، وبدأن يتناقشن فيما بينهن محاولات تصور ما قد يمكن أن ينالهن على أيدي هؤلاء المسلمين، وأتفقن على تناوب الحراسة، ليل نهار، ليكن على أهبة الاستعداد في حال حاول أحد هؤلاء الشبان الأفغان التحرش بهن.
وأمرهم المهربون بالاستعداد للمسير، وكان عليهم أن يقطعوا غابات وأحراشا في أماكن موحشة لا يعرفونها، متسترين برداء الليل. وعرفوا منذ البداية أن من يتعب أو يتخلف عن الركب يصفى جسدياً من قبل عصابات التهريب، إذ ليس لديهم وقت للانتظار أو حتى الأدوات لحمل من يتعب، والتخلص من عبء الإنسان الذي يتخلف عن الركب لا يكلف سوى رصاصة واحدة. وكانت إحدى الفتاتين ممتلئة الجسد، يزيد وزنها عن المائة كيلو غرام، ترتدي حذاء أملس المداس لا يناسب الأحذية الخاصة بالسير في الأدغال، التي يجب أن تكون سميكة ومفرغة من أماكن عدة حتى لا ينزلق من يلبسها. ولكن لسوء حظ الفتاة، زلقت رجلاها، وسقطت بكل ثقلها على ركبتيها، ومع ذلك حاولت متابعة السير، لكن ألم ركبتها تزايد وكذلك تزايد ورمها.
عرفت الفتاة أنه لم يعد بإمكانها متابعة الطريق، وأنها هالكة لا محالة، وبدأت النسوة بالبكاء، ورجتهم الفتاة بأن يأخذوا أختها وينتبهوا لها وقامت بتوديعها، وكان مشهدا مأساويا ما بين الأختين، مشهدُ الأخت الأولى وهي تحاول إبعاد الأخت الثانية التي ترفض تركها وتصر على مساعدتها.
غضب رجل المافيا، الذي حثهم على الإسراع ... تركها يعني تصفيتها، وعيارها طلقة واحدة لا تكلف سنتاً. في وسط هذه البلبلة، فجأة، تقدم أحد الشباب الأفغان من المصابة، وكان يتكلم اللغة العربية الفصحى، وقال لها: "لن أتركك وحدك"، ورفض السير دونها، وأصر وسط ذهول الجميع على حملها على كتفيه.
وأحست هي بالأمل وبالخجل في آن واحد ... فهي تعلم أن وزنها قد يُهلكها ويهلكه معها، وهو في نفس الوقت، رجل مسلم، وهي تربت على أن المسلم لا يريد الخير لأي مسيحي، فكيف لهذا الرجل أن يساعدها. إصراره، لم يترك لها المجال لرفض مساعدتها، ودون أن ينتظر ردها، تقدم منها وحملها على ظهره ... ووعدها بأن لا ينزلها إلا بعد وصولهم إلى بر الأمان.
رائحة ملابسه وعرقه دخلت في أنفها، أحست بالدفء، كيف كان لها أن ترى فيه عدواً، ودقات قلبها تعانق دقات قلبه، فهو القريب والبعيد في آن واحد. تلازم جسديهما خط ظلاً واحداً على الأرض، ومصيرهما المشترك أبعد شبح الكراهية، تمنت لو كان لديهما فرصة أفضل للتعارف، للتواصل، لهدم حاجز الخوف الذي بني فقط على هواجس دفعتها للتقوقع على ذاتها. غريب هذا العالم، فلو توقف كل منا لحظة، وأمعن النظر في عيني الآخر، لتلاشت كل المخاوف ولتلاقى البشر
استمر هذا المسير تسع ساعات عبر الأحراش والغابات، حتى وصلوا إلى الحدود النمساوية، هناك أنزلها الشاب من على ظهره، لم تعد قادرة على قول كلمة تفي هذا الإنسان حقه، والكلمة الوحيدة التي تمكنت من قولها كانت: "لن أنساك مدى الحياة"، وحاولت لثم يديه، فسارع إلى سحبهما وقام بتقبيل يديها ورجاها فقط أن تصلي من أجله لكي يصل إلى البلد المتوجه إليه.
وإبتعد فارس هذا الزمان الأفغاني ملوحاً لها بيده، وظلت تنظر إليه وهو يبتعد متسائلة هلى ستصادف مرة ثانية شخصا يحمل صفات هذا الشاب الجميل، والذي يحوي الجمال كله النابع من داخله لينعكس على وجهه الطافح بالرجولة.
بقيت الفتاة محدقة في الفراغ، هكذا انتهى الحلم، ولن تراه مرة أخرى، لكن هذا الشاب الأفغاني استطاع خلال هذه الساعات، والفتاة على ظهره، أن يجعلها تعيد النظر بكل الأحكام المسبقة التي أخذتها عن العائلة والمجتمع. عاهدت الفتاة نفسها أن ترفض، من الآن وصاعدا، أي نوع من أنواع التمييز، بل وستعمل على رواية تجربتها لمن يحيط بها لكي يقوموا بالانفتاح على الآخر، ومصالحته، لإن قوة المجتمع بتعدديته.



#ماري_تيريز_كرياكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البلاغ رقم 11555
- غزة في القلب
- -ترباية مرا-
- هل مات الحب في قلوبنا؟
- الخوف ثقافة سائدة
- الزمن الجميل
- شروق
- سوريالية
- المضحك المبكي
- الجنود الأطفال.. أدوات للقتل!
- قراءة في كتاب -طوق الحمامة- لابن حزم الاندلسي
- ناظم حكمت شاعر عظيم لأمة تنكرت له
- الاتجار بالبشر - أكبر مظاهر العبودية في العالم
- معذرة .. سيدتي هدى الشعراوي ..!
- ورقة عمل لمؤتمر الأقليات في العالم العربي، زوريخ، 24 إلى 26 ...
- خالتي أم بشار
- صوت العقل
- الاستبداد وثقافة القطيع
- المنطقة الرماديّة
- الضيف الجديد


المزيد.....




- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
- فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
- بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي ...
- فعالية أيام الثقافة الإماراتية تقام في العاصمة الروسية موسكو
- الدورة الـ19 من مهرجان موازين.. نجوم الغناء يتألقون بالمغرب ...
- ألف مبروك: خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في ...
- توقيع ديوان - رفيق الروح - للشاعرة أفنان جولاني في القدس
- من -سقط الزند- إلى -اللزوميات-.. أبو العلاء المعري فيلسوف ال ...
- “احــداث قوية” مسلسل صلاح الدين الجزء الثاني الحلقات كاملة م ...
- فيلم -ثلاثة عمالقة- يتصدر إيرادات شباك التذاكر الروسي


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماري تيريز كرياكي - فارس هذا الزمان