|
مقدّمة رواية كرة الثلج الصّادرة في سنة 2006
باهي صالح
الحوار المتمدن-العدد: 2718 - 2009 / 7 / 25 - 08:01
المحور:
الادب والفن
الحياة عبث و فوضى عارمة يحكمها قانون التصارع، البقاء فيها للأذكى و الأقوى و عليه فإنّ ادّعاء أي حقيقة بشأنها أمر فيه زيف و تضليل،سرعان ما تنكشف لك عبثيّتها و تتراءى لك فارغة زائفة خالية من المعالم، عارية من الحقيقة التي نأمل فيها و نبحث عنها.. و بمرور الوقت تصدمنا سرعة تلاشي كل تلك البهرجة من المعاني الجميلة أو السّيئة( حسب وجهة نظرنا ) و يصيبنا الإحباط من سرعة حلول الفناء و النسيان عليها و من ثمّة لا أثر و لا صدى! الإنسان نفسه لا أهمّية له و لا أهمّية تذكر لوجوده ما دام قدره الانقضاء و الزّوال و ما دام بقاءه مرتبط و منوط إلى أبعد الحدود بمتغيّرات و معطيات عدائية لا تحصى ظاهرة و خافية تحيط به من كل جانب، ما أهمّية هذا الإنسان إن كانت صدمة أو ضربة عابرة غير مقصودة و غير متوقّعة تضع حدّا لأنفاسه؟ ما أهمّية حياته التي يتباهى بها إن كانت معلّقة بنزوات و أهواء قائد أو سياسي له مطلق الحرّية في التصرّف ببقائها من عدمها؟ ما أهمّية الأرواح البشريّة و هي تزهق بالآلاف أثناء المعارك و الحروب و الأوبئة دون سبب واضح؟ ما السر ّ وراء هشاشة النّفس البشرية و قابليتها و كثرة تعرضها للمهالك؟ على مرّ الزمن دأب النّاس على التّقاتل و سفك دماء بعضهم البعض بدافع الجشع و حبّ السّيطرة و كسب الأموال و الجري وراء المتع الحسّية و الجسديّة في عالم تلفّه ظلمات من الأحقاد و الكراهية و العنف و ينوء بأحمال الجهل و الفقر و الحرمان و الجوع...أعداد لا نهائية من الجنس البشري حُكم عليها أن تعيش و تقتات من فتات المحظوظين في عالمها السّفلي! هناك أشخاص إمّا لذكائهم أو لعبث الصّدفة ( على مّر التاريخ البشري ) يسيطرون على الّرقاب و يستحوذون على الأرزاق لصالح بقائهم و استمرارهم، كثير منهم تعجبهم قوّتهم فيتحوّلون إلى طغاة و جبابرة، يتلذّذون بسادية لا مسوغ و لا مبرّر لها، يفتكون و يفسدون و يحرمون، يستأثرون لأنفسهم و يجعلون من مصالح النّاس و أقواتهم و حتّى من أرواحهم لعبة بين أيديهم، يستهينون بكرامة الإنسان، أمنه، حرّيته و لقمة عيشه، يعاملون البشر كقطعان من البهائم و الدّواب! يسّنون قوانين على مقاسهم و حسب أهوائهم تخدمهم و تخدم مصالحهم،يدجّنون النّاس باسم الّنظام العام زاعمين أنّ لقوانينهم مصادر فوقيّة أو تمثيليّة لتكريس و إحكام سيطرتهم. عالم ما أسرع ما تتلاشى فيه المعاني العظيمة، مآثره، بطولات شخوصه و رموزه ، سرعان ما يذهب البريق و يخفّ الوهج الذي يعمي الأبصار و تصمت جلجلتها الّتي تصمّ الآذان و تتحوّل الحياة ( في جوهرها ) إلى التّفاهة و الكذب و الزّيف، لولا ذلك الاختراع العظيم الّذي حبا الّله به الإنسان دون باقي خلقه ألا و هو "الكلمة" و أعني تحديدا "الكلمة المكتوبة" فهي في نظري الوسيلة الوحيدة لخلوده لأنّها تسجّل حياته و تصف آثاره و عظائم أعماله، أحيانا تضخّمها و أحيانا تقزّمها، قد تجعل من أناس عظماء بما تنسب إليهم من أعمال عظيمة ( صدقا أو كذبا ) فتخلّدهم و تنشر ذكرهم عبر الأجيال و العصور، و قد تتجاهل أناسا عظماء فيدفنون إلى الأبد في غياهب النّسيان! الكلمة تزيّن و تبهرج المعاني و الأفكار و المشاعر الإنسانيّة، تجعلها مؤثّرة و تضفي عليها الشّاعريّة، تتنكّر لمعاني أخرى أو تغالي في شجبها حتّى تسوّدها...فكم من رجل و امرأة عبر التّاريخ خلّدتهم الكلمات و السّطور و حوّلتهم إلى مشاهير لمآثر حقيقيّة أو مفتعلة حتّى أصبح يُحتذى بهم عبر الأزمنة و العصور، و كم من آخرين أنجزوا مفاخر إنسانيّة في الآداب و الفنون أو العلوم، أو قدّموا أعمالا جليلة أو تضحيات جسام من أجل الحرّية أو رخاء الإنسان، لكنّ النّسيان طواهم فور موتهم و جعل منهم مجاهيل لأنّ أحدا لم يكتب عنهم شيئا... فالكتابة حسب ما أعتقد هي سرّ بقاء الإنسان و استمراره، هي صفته و تميّزه و سّر خلوده.
الخير و الشرّ متلازمان متضامنان، متشابكان و متداخلان و إن كانا متضادّان متعاكسان في الوجه، كما أنّهما للحياة كالقطبين بالنّسبة للبطّارية يلزم كلاهما لمرور التّيار. إن المظاهر و الصّور الحياتية المختلفة غالبا ما تكون خادعة و لا تنمّ عن حقيقتها أو حقيقة أخرى نعتقدها أو نتوقّعها و ليس كلّ شرّ هو شرّ بالمطلق و لا الخير خير كلّه على الأقلّ من ناحية الجوهر! غالبا لا تعكس مظاهر الأشياء بواطنها فالقتل مثلا قد يعني إنقاذا للأرواح أو حماية للشّرف و الممتلكات أو درءا للمفاسد و بغي الآخرين. إنّ المعاني العظيمة كالشّجاعة و حبّ الوطن و التّضحية في سبيل الوطن، المبدأ و الحرّية أو الآخر تبرزها المحن و الحروب، مثلها مثل الكوارث الطّبيعيّة من براكين و زلازل و فيضانات و غيرها فإلى جانب ما تخلّفه من دمار فإنّها فضلا عن ذلك تساهم في بعث حياة نباتيّة و بيئيّة جديدة و تعيد تشكيل وجه الأرض و تعدّها لأجيال قادمة. يغلب على حياتنا الكذب، الرّياء و النّفاق و لا يمكن الإدّعاء بخلوّ العالم من المعاني السّامية كالأمانة و الصّدق و الإخلاص و الحبّ..إلخ ،ما أعنيه أنّ حياتنا في كثير من جوانبها ترغمنا أو تضطرّنا إلى مجانبة الحقائق أو تزييفها سعيا منّا إلى الانسجام و التّوافق و استمرار التّعايش.
باهي صالح
#باهي_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تُرى هل العين حقّ أم مجرّد خرافة و ظاهرة غباء و تخلّف...؟!
المزيد.....
-
أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
-
بعد نصف قرن على رحيلها.. سحر أم كلثوم لايزال حيا!
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|