أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هادي الحسيني - حوار مع الشاعر العراقي شوقي عبد الامير















المزيد.....


حوار مع الشاعر العراقي شوقي عبد الامير


هادي الحسيني
(Hadi - Alhussaini)


الحوار المتمدن-العدد: 2717 - 2009 / 7 / 24 - 07:21
المحور: الادب والفن
    



حوار مع الشاعر العراقي شوقي عبد الامير





الغربة اختيار وجودي تكويني تأسيسي للشاعر

أكتب القصيدة حالماً بها ساعياً لمنحها كل القدرة

حوار : هادي الحسيني / اوسلو

يعتبر الشاعر العراقي شوقي عبد الامير من شعراء العراق الذين اسسوا لقصيدة حديثة بكل المقايسس التي عرفت بتاريخ الشعر العربي لما يمتلكه هذا الشاعر من نضوج فكري وشعري واسلوب مغاير بكتابة القصيدة التي اخذت ابعاداً واشكالاً مختلفة لكنها في المحصلة النهاية تذهب الى نفسه الشعري الفريد المتحصن بروح الاسطورة السومرية والمتجذر بالمعرفة التاريخية التي اتخذها عبد الامير منذ صباه ليرسم ملامح قصيدة عربية حديثة مختلفة عن قريناتها منذ بداياته الاولى التي تشكلت داخل العراق ، فكانت قصائده الاولى تبعث شرارات الامل في الاحتجاج على السائد آنذاك الامر الذي ادى الى منع ديوانه الاول الذي قدمه الى المؤسسة الثقافية عام 1969 . وما لبث حتى آثر الرحيل من العراق ولينتقل من مدينة عربية الى اخرى حتى يستقر به المطاف في فرنسا ليدرس الادب المقارن في جامعة السوربون . ومنذ بداية عقد السبعينات من القرن الماضي دأب الشاعر شوقي عبد الامير على تطوير قصيدته من ديوان الى آخر بأختياره لموضوعات تكاد تكون صعبة ومعقدة بعض الشيء إلا انها تضرب جذورها في عمق التاريخ العراقي السومري الذي هو العمق الحقيقي للحضارات الاولى في العالم ، وبالرغم من غيابه في سنوات المنفى الطويلة عن الخارطة الشعرية العراقية التي كانت مرهونة بالسلطة آنذاك إلا انه عرف كشاعر على مستوى الوطن العربي والعالم ، فترجمت قصائده للعديد من اللغات العالمية وكتب وترجم باللغة الفرنسية واصبحت له مكانة مرموقة في خارطة الشعر الفرنسي ونال جائزة ( ماكس جاكوب ) العالمية للشعر بعد صدور ديوانه ( مسلة انائيل ) باللغة الفرنسية في باريس . لم يتمكن شوقي عبد الامير الشاعر والانسان من زيارة وطنه العراق طيلة اكثر من ثلاثة عقود مضت عليه في المنفى إلا بعد عام 2003 بسبب احتجاجه المستمر منذ صباه على طريقة عيش الانسان والصعوبة التي يلاقيها وكبح جماح الحرية التي كان الشاعر يطمح بها ، فاين ما يذهب كانت ترتسم امامه وجوه الحرية التي افتقدها داخل وطنه وليوظفها عبر قصائده ودواوينه .
ولد الشاعر شوقي عبد الامير في جنوب العراق عام 1949 لعائلة كان ربها من اساتذة المدينة الذين قاموا بدور علمي وتربوي في مدارس المدينة آنذاك . وليعيش صباه في قضاء سوق الشيوخ بمدينة الناصرية والتي هي الامتداد لبقايا مدينة اور السومرية ومن ثم لينتقل الى العاصمة بغداد ويكمل دراسته الثانوية والجامعية ، وعندما هاجر العراق بداية السبعينات الى اليمن والجزائر ليدّرس هناك انتقل بعدها الى باريس ليتعرف على ثقافات اخرى وليؤسس في بيروت اضخم مشروع ثقافي بتاريخ الثقافة العربية وهو ( كتاب في جريدة ) الذي اطلقه عن منظمة اليونسكو منذ حوالي 12 عاما ليساهم في رفع مستوى القراءة وايصال المعرفة الى جميع البلاد العربية وكان وطنه العراق قد احتضن مشروعه مؤخراً بسبب المنع وسياسات النظام السابق ، لقد استطاع شوقي عبد الامير ان ينتقل بالقصيدة العربية الى فضاءات واسعة ورحبة في دول اوربا والعالم وليجعل منها ان تكون شعلته التي يستنير بها في غربته الطويلة التي صاحبها الكثير من لوعة الفراق والألم ، لكنه تمكن بقوة الشعر ان ينتصر على مجمل القضايا التي كانت الغربة قد خلفتها على نفسه ، انه شاعر من شعراء العراق الكبار الذين اخلصوا للشعر واستمدوا القوة منه . وعن رحلته الطويلة في الشعر والمنفى كان لنا مع الشاعر شوقي عبد الامير هذا الحوار ..




* لو القينا نظرة شاملة على المشهد الشعري العراقي منذ قصيدة الرواد التي ابتدأها السياب مروراً بقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر وصولاً الى النص المفتوح الذي مازال صعب الاستجابة بالنسبة للمتلقي ، كيف تقيمون حركة تطور الشعر العربي في ظل الكثير من الاحداث التي عصفت بالواقع الاجتماعي والسياسي منذ ما يقارب الستة عقود ؟؟

تطور الشعر العربي بشكل ملحوظ منذ قصيدة الروّاد خاصّة وقد هيمنت اليوم على المشهد الشعري العربي قصيدة النثر. لم يكن ذلك ملحوظاً في الستينات ولكنه اليوم أصبح حقيقةً وواقعاً بحيث أن قصيدة التفعيلة أخذت تتلاشى عن المشهد الشعري. وهنا أودّ ملاحظة شيء هام هو أن الانتقال من التفعيلة إلى قصيدة النثر ليس مجرد إختفاء للعروض الشعري بكل أشكاله ولكنه تحول في الأداء والمفهوم والشعر بشكل عام. إن تلاشي القصيدة العمودية وضمور قصيدة التفعيلة جاء إلى الشعر العربي بمفهوم جديد يشكل انقلاباً ليس فقط على الشكل والأداء إنما في الشاعريّة العربية التي خرجت من الإيقاع الغنائي إلى الرؤية التأمليّة، وهذا يشكل بحد ذاته منعطفاً تأسيسياً في القصيدة العربية. كما أن لهذا الانقلاب أبعاده الاجتماعية والحياتية وقد وصفتُ في إحدى المقالات القصيدة العمودية بالقصيدة "المحجّبة" وليس هذا مجرد مزحة!

* بعد غربة طويلة عن الوطن الام العراق تجاوزت الثلاثة عقود من الزمن ، مالذي أضافته الى تجربتك الشعرية على صعيد تطور النص الذي من المؤكد قد تأثر بالثقافة الاوربية ، ومن المؤكد ان السفر والترحال يجعل من الشاعر أن يرسم مسارات جديدة لقصيدته ؟

في الواقع ان أهم تأثير جاءت به "الغربة" على الكتابة عندي يتمثل في العلاقة مع اللغة في القصيدة. لقد أصبحت أكثر إقتصاداً وتغيّر لديّ منطق الخطاب بكامله. كنّا نكتب بلغة هي نفسها عائمة في محيط شعري ولهذا كان لا بد من الخروج من هذا الوسط الذي يفرض على القصيدة طقساً خاصاً والانتقال إلى لغة أكثر برودة وصرامة في نفس الوقت.. إن الانتقال إلى لغة أخرى سمح لي بالنظر من جديد إلى اللغة العربية واكتشاف مواطن عبقريتها وضعفها في آن.
أما "الغربة" فأضعها بين قويسات دائماً لأنني لا أعتقد بمضمونها السلبي الشائع إنها اختيار وجودي تكويني تأسيسي للشاعر. الشاعر هو المغترب بامتياز وهو غريب أينما كان حتى بين أهله وظهرانيه... الشعر هو غربة ولهذا فإن الحضن العائلي والوطني والقومي يشكّلُ نسغاً مضادّاً للشعر لا بد من كسره والخروج عليه. ومن هنا فإن "كتاب" الترحال والمدن الجديدة والسماوات الغريبة هي الصفحات البيضاء والحقيقية التي عليها تكتب القصيدة.

* في العديد من دواوينك الشعرية يبرز الرمز ( الاسطورة ) وتوظفها بطريقة اكثر من رائعة الامر الذي يجعل قاريء شعرك يشعر وكأنه يقرأ ملحمة من الملاحم السومرية ، كان ذلك واضحاً في ديوانك ميلاد النخلة المستوحاة من اسطورة ( اينانا وشوقالتودا ) الى اي مدى أخذ تأثركم بالرمز الاسطورة ؟ وهل ثمة ضرورة على الشاعر ان يوظف الاسطورة في شعره ؟

علاقتي بالأسطورة أساسيّة لأنني لا أتعامل معها كماضي أو كخرافة أو كمجرد مفهوم ديني وغيبي.. بالنسبة لي الشخصيّات الأسطورية كالشخصيات التأريخية وكالشخصيات المعاصرة كلّها تحيا.. وإذا لم تكن تحيا في القصيدة فأين تحيا؟ إن جلجامش وسركون والاسكندر ومحمد وعمر وعلي وسواهم كلهم رموز حيّة تنبض داخل النص. ولهذا لا أتعامل مع هذا الموروث كرمز أو كمجرد دلالة ذات بُعد ديني. إنهم بالنسبة لي شخوص وأحياء وما زالوا يواصلون حياتهم فينا مثل الشهداء والأبطال والأهل الراحلين. هذا هو الفرق في تعاملي مع الماضي لذلك تجدني أحاور إينانا وليلى الأخيليّة بنفس الدرجة التي أخاطب فيها حبيبتي.

* يقول أدونيس في الحداثة : ( هي أن ينتهك الشاعر القواعد السائدة في القول والاشكال التعبيرية ويحاول أن يأتي باشكال جديدة ، وكلما أصبحت هذه الاشكال سائدة ومعروفة سعى الى تجاوزها باشكال جديدة ). كيف تنظر الى هذا المفهوم الادونيسي للحداثة ؟ وماذا يتوجب على الشاعر العراقي خاصة والعربي بشكل عام لتطوير نصه باتجاه حداثوي يتواكب مع تطورات العصر من جهة ، ويكون مقبولاً بالنسبة للمتلقي من الجهة الثانية ؟

عن الحداثة إنني دائماً أقول أن النص هو سيد المقال وأن التنظير مهما كان شأن تأريخي تعليمي خارج المتن ومكانُه دائماً في الهامش بالنسبة للشاعر..
ولهذا لا أدخلُ في التنظير وأكتب القصيدة حالماً بها ساعياً لمنحها كل القدرة والأداة التي تجعلها تتواصل وتشق طريقها ضد النسيان. إن مشروع القصيدة هو البقاء والتواصل في مواجهة هذا الركام الهائل من غبار الحياة اليوميّة واللااكتراث والنسيان فإذا نجح النص بما يملكه من سطوع وجمال وتجدد أن يبقى في مواجهة هذه الحركة الامّحائية والاندثاريّة التي تستهدفه فإنه نص حديث ونص يمكن أن تضع عليه أي صفة فهذا الأمر لا يعنيني فأنا أكره تراكم الصفات في الشعر حتى في القصيدة لا احب الصفات والنعوت وأفضل ملامسة الهيكل العظمي في كل نص. وفيما يتعلق بأدونيس فإنه شاعر كبير ومنظّر مُحرّض لأنه ساهم في النص كمبدع وفي النقد كمفكر بملامسة أهم ظواهر الفكر والابداع في اللغة العربية ولهذا فإنه خاصة في "الثابت والمتحول" قدم إلى اللغة العربية دراسة لم يخرج النقد الأدبي من عباءتها منذ قرابة نصف قرن، لانه وضع يده على مفصل نقدي جذري في حياتنا الثقافية ولكنه بالنسبة لي قبل كل شيء شاعر متجدد معطاء جمع بين الأصالة والحداثة بشكل لا يوازيه فيه شاعر عربي آخر. أما فيما يتوجب على الشاعر العراقي عمله فليست لدي وصفة سوى ما قاله أبو نؤاس إلى هاوٍ جاء إليه يسأله كيف يصبح شاعراً حيث أجاب الحسن بن هانئ قائلاً: "إذهب واحفظ آلاف القصائد وعندما تنتهي من ذلك، إنسِها... ثم أكتب".

* كيف تنظرون الى واقع النقد العربي ، النقد المجامل ، والذي أستفحل منذ فترة طويلة الامر الذي يجعل من النقاد الابتعاد عن نقد مجاميع شعرية مهمة والانتباه الى مجاميع لشعراء آخرين ذات مستوى محدود ؟ وهل نتاجك الشعري اخذ حصته من النقد والدراسة بالشكل الحقيقي أم يراودك نفس احساس الشعراء اقرانك الذي يشكون من العملية النقدية برمتها ؟

عن النقد العربي أستطيع القول أنه ما زال متأخراً وما زال يهرول وراء الشعر ولا يلحق به وان أهم النقاد هم الشعراء ويصح هذا على أدونيس ولهذا فإن نقد الشعر ظل في هامش الشعر وفي هامش العلاقات الشخصية وفي هامش المجاملات..

* بعد زيارتك الاولى للعراق تكونت لديك انطباعات كثيرة من خلال مشاهداتك لِما جرى ويجري من احداث مؤلمة الامر الذي جعل منك ان تشرع في كتابة ( يوم في بغداد ) وتنشره في المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، وهو كتاب نثري تسرد فيه ذكريات الماضي الجميل والحاضر المؤلم ، كيف يتحدث لنا شوقي عبد الامير عن هذا الكتاب الذي استطاع من خلاله ان يربط صور الماضي والحاضر بتوليفة نثرية غاية في الروعة ؟

كانت عودتي إلى العراق مثل عودة الميت إلى الحياة فقد كان هذا الموضوع بالنسبة لي يشبه حالة من البعث.. لقد مات العراق في نفسي وطويت صفحة العودة منذ سنوات حتى جاء الزلزال الذي حطّم الصنم وفتح حدود المستحيل لأعود إلى الوطن وكان ذلك غير وارد حتى في المخيال.. لهذا كانت العودة مثل قصيدة سرياليّة يتحول أبطالها إلى مشروع فيلم واقعي..
من هنا جاءت فكرة كتابة مشاهدات يومية في بغداد وأخذت شكل كتاب. لقد رايت بغداد كمن يعود إلى منزله وقد إنهار وتشوهت معالمه وهو يبحث بين الركام والأحجار عن بقايا ذكريات وصور..
لولا وجود النهر الذي عرفته وعرفني لما صدّقت أنني في بغداد.
هناك عبقرية في الدمار كما في البناء وان عبقرية الدمار لدى الديكتاتور العراقي فريدة من نوعها ويجب الإشارة إليها لأنه استطاع وما زال وهو جثة يواصل، وبقدرة خارقة إنجازه، في الدمار والقتل والتشويه وتحقيق حلمه في تحويل العراق إلى حطام وهشيم..
لقد جاءت قيادات وزعامات في العالم أثبتت برهانها في البناء والحياة في العديد من شعوب العالم إلاّ عندنا فقد جاءت عبقرية عدميّة أثبتت برهانها في الموت والتشويه والدمار. يا للرعب!

* من خلال قراءتي لكتابك يوم في بغداد ثمة نفس روائي واضح في هذا الكتاب ، هل لك تجربة في كتابة الرواية ؟

لم أكتب يوماً رواية. حاولت كتابة نص سردي أسميته "البئر" قبل عشرين عاماً ولم أكتب أكثر من عشرين صفحة.
النص الروائي في الواقع يختلف عن النص الشعري لا في الوزن ولا في اللغة ولا في العلاقة مع الشخوص والأحداث ولكن هناك فارق جوهري جذري هو في العلاقة مع الزمن، ذلك لأننا يجب أن نُفرِّق بين مفهومين: الزمن والديمومة.
الزمن هو كل متحد كما يقول بيرغسون: ماضي وحاضر ومستقبل. أما الديمومة فإنها خطٌّ حدثيٌّ متواصل بين الولادة والموت كما يقول باشلار ولهذا فإنني أعتقد أن النثر هو النص الذي يتزاوج مع حركة الديمومة من حدث لآخر هكذا بشكل افقي متواصل ومن هنا فإن العمل الروائي الناجح هو الذي يشتبك ويعانق حركة الديمومة هذه.. ولهذا تجد أن الناس يحبون قراءة الروايات في القطارات وقبل النوم لما في ذلك من علاقة تناغم داخلية خارجية مع حركة الديمومة. هذا هو النثر أما الشعر فإن علاقته مع الزمن أمسِ اليوم غداً، هذا الزمن الذي تعوم فيه الديمومة مثل قارب والشعر بهذا المعنى يمضي باتجاه آخر عمودي يتقاطع مع حركة الديمومة ومن هنا فإن الشاعر الحقيقي هو الذي يكتب ليحاول وقف أو استجواب حركة الديمومة أي أنه يتجه عموديّاً إلى محيط الزمن الكلّي المتحد. ومن هنا ياتي البعد التأملي والصعوبة في التعامل مع النص الشعري. نحن بين نثر وسرد يواكب حركة الأحداث والأيام ويمشي معها وبين شعر يتقاطع ويحاول أن يستجوب هذه الحركة مستنداً إلى أمسِ الآن غداً.. معاً.
هذا هو الفرق الحقيقي بين الشعر والنثر وما عدا ذلك فإنها أضغاث لغات ونظريات. أما أنا فقد إعتدت الكتابة الشعرية بالمفهوم الذي أشرت إليه واليوم أحاول وعبر تجربة "يوم في بغداد" كتابة نص يمشي مع الأيام..

* في عام 2000 صدرت اعمالك الشعرية بمجلد ضخم عن المؤسسة العربية في بيروت وضمت ديوان الاحتمالات وديوان المكان وحديث النهر ، ثلاث مجموعات شعرية تولج في العوالم السومرية والميثلوجيا والاسطورة بطرق مختلفة ، وهي تحفر في اعماق التاريخ العراقي القديم ، كيف تكونت لديك هذه المخيلة الشعرية الفريدة لربطها بهذه التحف النادرة من تاريخنا القديم ؟

تسألني كيف تكونت لديك المخيّلة، هل تسأل النهر كيف ترسبت فيه الأعماق..
إنني أعيش الحالة الشعرية تماماً مثل تدفق جمالي غنائي وجودي كمن يرتل أيامَه في معبد جسده.

* هل يؤمن الشاعر شوقي عبد الامير بتقسيم الشعراء الى اجيال ففي كل عشرة سنوات يطلق على شعراء هذه المرحلة بالجيل الشعري كما هو متعارف الان بجيل الستينيات والسبعينات والثمانينات وآخرهم التسعينات وهل ان هذا التصنيف يخدم الحركة الشعرية ام يقوضها ؟ وهل لنا ان نعرف وجهة نظرك حول هذا الموضوع والذي يكون فيه الشعر هو الشعر سواء كان للسياب او لشاعر شاب من جيل التسعينيات ؟

إن تقسيم الشعراء إلى أجيال كل عشرة سنوات هو جزء من فشل النقد الذي أشرت إليه وهي دعابة كنت أرددها دائماً عندما يأتي الحديث عن الأجيال ويأتي السؤال التقليدي، هل أنت من جيل الـ... ذلك لأنني كنت أجيب بأنني خدمت في الجيش في دورة السبعينات لأنني من مواليد 1949.. لا علاقة لهذه التقسيمات لا بالأجيال ولا بالنقد ولا بالشعر ومن يكتب في هذا النوع من النقد فهو يضع نفسه خارج الشعر وخارج تأريخ الأدب نفسه.

* ننتقل معك من الشعر الى الترجمة كيف خضت هذه التجربة التي تستند الى مرتكزات اساسية في اللغة الفرنسية وهل لاقيت في البداية صعوبات بدراستك لهذه اللغة التي تكاد تكون معقدة بعض الشيء بالنسبة الى لغات آخرى ، وهل تشعر بنجاحك في ذلك بعد ان ترجمت بعض الاعمال من الفرنسية الى العربية ؟

"الترجمة هي القراءة الحقيقية" كان يقول صاموئيل بيكيت وأنا أؤمن بهذا.. عندما أقرأ كتاباً وأحبّه وأقرر فيما بعد ترجمته اكتشف في كل مرّة أن القراءة الأولى والتي حبّبتني بالنص لم تكن قراءة حقيقيّة إلاّ عندما أبدأ بترجمة النص ذلك لأن نقله إلى لغة أخرى يعني التشريح بالمعنى الطبي للكلمة وإعادة كتابته في لغة أخرى تعني إعادة الخلق أيضاً.
من هنا فأنا أترجم ما أحب فقط من النصوص ولا أغامر في نقل نص لا أعشقه إلى لغتي أو من لغتي إلى أخرى..
الترجمة مغامرة رائعة.. أعماق وأغوار لا يكشفها إلاّ من يحسن الغوص في محيط اللغات الساحر والمليء بالمفاجآت والدلالات والكشف. والترجمة العربية لا علاقة لها بما يسمّى "الخيانة" لأن الوفاء حيوان أعمى لا يعرف أن ينتقل من ضفة إلى أخرى ولا بد من راعٍ يقوده ولهذا لا تسألني عن الوفاء في حرفيّةِ نص شعري، بل إسألني عن جماله في لغة جديدة وبقائه حيّاً فيها. من لا يجرؤ على الخلق الأدبي لا يجرؤ على الترجمة الإبداعية.. كلاهما يصدران عن ينبوع واحد، لكن الترجمة أصعب من الإبداع لأن الإبداع كتابة على صفحة بيضاء أما الترجمة فإنها كتابة على صفحة مكتوبة.

* عن دار ( مركور دو فرانس ) الباريسية ترجم لك كتاب ضخم وهو مختارات من شعرك تحت عنوان ( مسلة أنائيل ) واشترك في ترجمته كبار الشعراء الفرنسيين امثال ألان جوفروا وأوجن غييفيك وميشال بولتو مع الشاعرين الجزائريين حبيب تنغور ومحمد القاسمي وقد حمل الكتاب مقدمة من الشاعر الفرنسي برناد نويل ، وفزت عن هذا الكتاب بجائزة ماكس جاكوب للشعر المترجم الى الفرنسية ، هل استطاع هؤلاء المترجمون ايصال قصائدك للقاريء الفرنسي بالشكل الذي تطمح له ، وكيف كان شعورك حين اعلن عن فوزك بجائزة ماكس جاكوب ؟

نجح كتاب "مسلّة أنائيل" الصادر باللغة الفرنسيّة وذلك لأنني كنت حاضراً في الترجمة مع جميع هؤلاء الشعراء الذين ترجموا معي هذه القصائد وكانت إعادة كتابة حقيقية بالمفهوم الذي تحدثت عنه قبل قليل، ولهذا فاز هذا الكتاب بجائزة الشعر العالمي المترجم إلى اللغة الفرنسية لعام 2004 – جائزة ماكس جاكوب.
في الكلمة التي ألقيتها في اتحاد الأدباء الفرنسيين في الاحتفال الذي أقيم لي بمناسبة الفوز بالجائزة أشرت أوّلاً إلى أنني أهدي هذه الجائزة إلى صديقي الشاعر العراقي الراحل الذي مات تحت التعذيب في سجون صدام حسين وهو "خالد الأمين" الذي أهديته يوماً قصيدة تحملُ اسمَه؛
"بين قصر النهاية والناصرية
تحملُ جثتك القادمة
اسمها المستعار.."
وذكرتُ أيضاً أن الشعر هو لغة واحدة في الجوهر ونحن أبناء مغامرة حقيقية عبر اللغة ولهذا فإن الترجمة هي مجرد حوار عبر ستارة شفافة.

* منذ سنوات طويل تشرف على مشروع كتاب في جريدة والذي يعتبر في نظر المثقف العربي واحدا من المشاريع الثقافية المهمة التي عرفت القاريء العربي على الشعراء والادباء العرب بشكل كبير جدا ، كيف تبلورت فكرة هذا المشروع الذي دعمته اليونسكو في حينها وكيف تسير اموره هذه الايام ؟

"كتاب في جريدة" يستحق وقفة خاصّة ولكن بإيجاز فإنه أكبر مشروع ثقافي عربي مشترك نجحت منظمة اليونسكو في إطلاقه في جميع الدول العربية وهو يتواصل بنجاح منذ 12 عاماً ومقرّه بيروت ويعمل برعاية مؤسسة محمد بن عيسى الجابر الذي هو المبعوث الخاص لمدير عام منظمة اليونسكو في العالم العربي وهو شخصيّة عربيّة من بين رجال الأعمال والأثرياء النادرين لأنه يعي فعلاً أهمية ودور الكلمة في بناء الشعوب ولهذا فهو شريك منظمة اليونسكو في أهم مشاريعها ..






شوقي عبد الامير :
ولد في الناصرية 1949
درس الأدب المقارن في السوربون عام 1977.
عمل في جريدة (الحياة) في القسم الثقافي.
عمل في مجال العلاقات الدولية لمنظمة اليونسكو .
أصبح خبيراً في العلاقات الثقافية الدولية بالمنظمة طيلة 10 سنوات.
أصبح المستشار الثقافي العراقي في منظمة UNC بعد سقوط النظام .
أسس مشروع (كتاب في جريدة) وهو اكبر مشروع ثقافي عربي تم تحت رعاية منظمة اليونسكو.

مؤلفات أدبية وشعرية:

حديث لمغني الجزيرة العربية 1967.
أبابيل 1980.
حديث النهر 1986
حجر ما بعد الطوفان 1988.
ديوان المكان 1997.
ديوان الاحتمالات 1998.
الاعمال الشعرية 2000
إمضاءات 2004.
ميلاد النخلة 2004.
مقاطع مطوقة 2005.
خُيـــــــلاء 2005.
أصدر العديد من المؤلفات الشعرية والدواوين باللغة الفرنسية .
حاز على جائزة (ماكس جاكوب) العالمية للشعر بعد صدور ديوانه (مسلة أنائيل) باللغة الفرنسية في باريس.
يعمل حالياً رئيس مؤسسة (كتاب في جريدة) في بيروت.

21 /08 /2009



#هادي_الحسيني (هاشتاغ)       Hadi_-_Alhussaini#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع الشاعر العراقي اديب كمال الدين
- اعدام طير !
- هذا حطامكِ فأحمله !
- كيف لي / الى امير الدراجي
- شاعر وقصيدة /4 عبد الامير جرص وقصائد ضد الريح
- الانفلات الامني الجديد!
- كلاب البرلمان تنهش لحم الآلوسي !
- إعدام كادر قناة الشرقية رسالة لقمع الاعلام !
- الكهرباء ، مشكلة تتعمدها الحكومة !
- مسكين مثال الآلوسي لم يتعض !
- الاغتيالات ، من يقف وراءها ؟!
- كامل شياع وداعاً ايها المثقف النبيل
- لنبكِ على ما جرى وإيانا نسيان ما أنتجته أرواحنا
- المغيبون في سجون الاحزاب الكردية !
- سفرات مسعود البرزاني السرية
- رحيل محمود درويش خسارة كبيرة
- ترحيل نقابة الصحفيين العراقيين الى مثوى الطائفية !
- اسرائيل تنتصر لقتلاها !
- الاكراد في خيارين أحلاهما مّر !!
- 14 تموز الثورة الخالدة في ضمائر العراقيين


المزيد.....




- مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات ...
- الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و ...
- -أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة ...
- الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
- “من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج ...
- المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ ...
- بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف ...
- عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
- إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع ...
- تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هادي الحسيني - حوار مع الشاعر العراقي شوقي عبد الامير