نجاح القاضي
الحوار المتمدن-العدد: 828 - 2004 / 5 / 8 - 07:04
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
تزداد هـجرة النساء خارج أرض الوطن يوماً بعد يوم, ولم تعد هذه الهجرة مرتبطة بمكانة المرأة في العائلة ولا بسلطة ذكورية مفروضة من قبل الأب, او الأخ أو الزوج.
ومهما تكن أسباب الهجرة, اقتصادية أم سياسية أم اجتماعية أم أمنية, فالمرأة المهاجرة تشارك بطريقة مباشرة وفي العملية الاقتصادية ـ السياسية العالمية, وهي تقدم من دون ان تدري, النموذج الحي المعاصر لتحرير المرأة الاقتصادي من جهة, وللاستغلال الذي تتعرض له النساء, بشكل خاص, من قبل المؤسسات والشركات الصناعية الكبرى في الدول المتقدمة من جهة أخرى, والتي تستغل الى أقصى حد اليد العاملة الرخيصة والقادمة عامة من البلدان الافريقية والآسيوية والاميركية اللاتينية.
وتدل احصاءات مكتب الهجرة العالمي على أن عدد النساء المهاجرات بلغ أخيراً حوالى خمسين في المئة من المجموع العام للمهاجرين والبالغ 175 مليون مهاجر في العالم. علماً ان نسبة النساء المهاجرات تفوق في بعض المناطق عدد الرجال من المهاجرين.
هكذا في أيام الشح والزمن الرديء الذي تعيشه أكثرية الدول. وفي عصر البطالة وقلة العمل والمكننة والعولمة لم تعد الهجرة بحثاً عن العمل أمراً خاصاً بالرجل, فقد انقلب المفهوم الاجتماعي للهجرة, خصوصاً في البلاد النامية والفقيرة. ومع تطور الصناعة والتقنية الحديثة, لم تعد المؤسسات الصناعية تعتمد على قوة الرجل الجسدية في المعامل والمصانع, فالآلة تقوم بعمل الانسان, لكنها في المقابل تحتاج دائماً الى الأيدي العاملة في قطاع الخدمات العامة. من هنا لم يجد رجال الصناعة يداً عاملة أرخص من الأيدي النسائية. فالمرأة تقبل, كما في بلادها, راتباً أقل من راتب الرجل الى درجة ان الفارق يصل أحياناً حتى النصف, ثم انها تملك الخبرة الكافية في مجال التنظيفات والعمل في المطاعم الخاصة بهذه الشركات, وأيضاً صفة الصبر والجلد على تحمل العمل الروتيني في المصانع الكبرى, كالتعليب والتوضيب والفرز وغيرها.
اليوم تترك المرأة, الأم أو الأخت, بلاد الفقر مصحوبة بموافقة الرجل وتوصياته, وتسافر وحيدة الى بلاد غنية أو أقل فقراً من بلدها, حاملة معها بعض الأمل بحياة أفضل وتحسين وضعها المعيشي والخروج بعائلتها من حال الفقر.
منذ بداية التسعينات, اتخذت الهجرة النسائية أبعاداً مهمة وارتفع عدد النساء المهاجرات الى 50 مليون امرأة كانت تشكل في حينها 40 في المئة من مجموع عدد المهاجرين في العالم, ونجد مثلاً ان الهجرة النسائية في سري لانكا بلغت عام 1986 نحو 33 في المئة من القوة العاملة المهاجرة, لكنها وصلت العام 1999 الى 65 في المئة من اليد العاملة خارج البلاد, بينما تتعدى نسبة الفيليبينيات العاملات في الخارج السبعين في المئة.
** مهاجرات جامعيات
عرفت كندا والولايات المتحدة وأوروبا الغربية هجرة نسائية لا سابق لها في السنوات الأخيرة, لكنها هجرة من نوع آخر, حيث ان مصدرها بلدان أوروبا الشرقية. والمهاجرات هنا لا يبحثن عن العمل اليدوي البسيط اذ انهن يحملن شهادات جامعية عالية في مختلف المجالات, اضافة الى خبرة في العمل المتخصص. وعلى رغم هذا, لم يفتح فعلاً سوق العمل في بلاد الهجرة أبوابه أمام المهاجرات. اما المرأة المهاجرة التي تجد عملا في اختصاصها, خصوصاً في مجال الطب والابحاث, فهي تعاني من تمييز كبير في نوعية العمل والدوام والراتب. واضطرت مهاجرات كثيرات من حاملات شهادات الهندسة والمحاماة والاقتصاد والتجارة, للعمل كخادمات في المطاعم والملاهي الأوروبية الغربية والاميركية بشكل خاص, للحصول على مال قليل يقيهن الحاجة بانتظار ايجاد فرصة عمل أخرى. وفي معظم الأحيان تعمل المهاجرة في سوق العمل السوداء أي من دون أوراق عمل رسمية أو عقد عمل قانوني. ومع توسع الاتحاد الأوروبي وفتح الحدود وحرية التنقل بين البلاد الأوروبية, ومع الأزمة الاقتصادية بسبب الحروب والنزاعات وتغيير الأنظمة, استغل تجار الجنس سهولة ادخال مهاجرات للعمل في تجارة الجنس التي تزدهر يوماً بعد يوم.
اما المهاجرات القادمات من آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية فيحتجن الى وكلاء محليين أو مكاتب خاصة بتأمين السفر والعمل في مقابل نسبة من الراتب. وغالباً ما يكون هذا المكتب صلتهن الوحيدة مع الوطن والأهل, وهو الذي يرسل قسماً من الراتب الشهري للعائلة, واحياناً يحتفظ بجواز السفر (خصوصاً مع المهاجرات من آسيا). وأحياناً يتبخر الأمل بعمل جيد بمجرد وصول المهاجرة الى بلد الهجرة, حيث ينتظرها عمل آخر لا علاقة له بالاتفاق السابق, وهكذا تجد أمامها استغلالاً وتمييزاً وانتهاكاً للتعهد, وغالباً ما يكون المسؤول مواطناً من بلدها. وهي في هجرتها تجهل كلياً حقوقها فتقبل بالعمل المعروض عليها كي تفي ديون السفر وتكاليف الاقامة وتأشيرة الدخول والمبلغ الذي قدمه المكتب سلفاً للأب أو الزوج.
وأظهرت دراسة احصائية ان هناك 33 في المئة من اطفال العائلات في عدد من الدول الخليجية ينامون بشكل مستمر مع الخادمة التي تقوم بدور الأم والحاضنة, وان هناك 49 في المئة ينامون مع الخادمة غالباً. ونتيجة لهذا الاهمام بالطفل في هذا النوع من العائلات نادراً ما تتعرض الخادمة لظلم او اعمال عنف. ويبلغ عدد المهاجرين من الايدي العاملة في الدول العربية الشرق الأوسطية اكثر من عشرة ملايين غالبيتهم من النساء العاملات في قطاع الخدمة في المنازل.
ان الهجرة بحد ذاتها لا تحل مشاكل المرأة ولا تقدم لها فعلاً الاحترام والمساواة بديلاً عن العنف والاضطهاد والغبن الذي تعيشه في بلادها, فهناك ضغوط كثيرة تواجهها في بلد الهجرة تكون احياناً اشد قسوة من الاضطهاد, خصوصاً اذا حطت رحالها في بلد يجهل واقع ما تعانيه المهاجرة ولا يرى فيها سوى يد عاملة رخيصة يرمي بها خارجاً بمجرد انتهاء العمل.
صحيح ان البلدان الغربية تطلق صيحات الاحتجاج والاتهام عالياً وتعتبر ان استغلال اليد العاملة المهاجرة خصوصاً في قطاع الخدمات هو عمل غير انساني اذا لم يعط الحق الكامل بالراتب وساعات العمل. لكن الغرب يطلق الصوت عالياً ولا يقدم الحلول.
#نجاح_القاضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟