أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - شقاء زوجي (مآذن خرساء 15/48)















المزيد.....


شقاء زوجي (مآذن خرساء 15/48)


حمادي بلخشين

الحوار المتمدن-العدد: 2714 - 2009 / 7 / 21 - 09:21
المحور: الادب والفن
    



ـــ منذ بلغت الخامسة العاشرة قررت عدم الزواج، قدّرت أنه من الظلم أن أكون سببا في ميلاد طفل تلاحقه الشائعات عن ماضي أبيه الملوث. لن أكون سببا في تعذيب انسان. هكذا قررت، ثم كيف يمكن لشخص محطم مثلي أن يكون أبا جيّدا ؟ خصوصا و انا دائم الإكتئاب فاقد للبهجة وحب الحياة ؟ فالضم و التقبيل و البسمة والكلمة الحلوة أشياء لا توجد في مخزني، و ليست قابلة بان توجد في يوم من الأيام، ما دمت أحمل هذا الرأس المليء بالذكريات القاتلة، وهذا الصدرالمشحون بالتوتر والضيق و المرارة. أليس من الإجرام أن أشوه روحا بريئة، و أنقل تشوهاتي النفسية إليها؟ ألم اكن ألوم أبي على جفائه و عدم إبدائه أي نوع من العاطفة تجاهي؟ فكيف أرضى لنفسي معاملة طفلي بما كنت أكره أن يعاملني به أبي؟ هذا بالإضافة الي عدم مقدرتي على النظر في عيني ولدي وثقتي الكاملة في عجزي عن الدفاع عن نفسي، لو بلغته تلك الشائعات في يوم من الأيام ... كان مجرد التفكير في الإضراب عن الزواج كافيا لأن يزيد اكتئابي حدّة، وصدري ضيقا، و يميت في قـلبي كل أمل، و يجعل المستقبل موحشا و مرعبا، كانت الحياة أمامي عبارة عن ليلة شتوية طويلة و باردة وكنت فيها متشردا لا أعرف كيف أمضيها. فالماضي يؤرقني، و الحاضر يعذبني، والمستقبل يذبحني. لم يبق الا الموت منقذا ولكن الموت لم يأت أبدا... كانت الحياة تمضي بطيئة و مزعجة و مثقلة بالآلام و المرارة، عندما بغت السابعة عشر وجدت نفسي أحب فتاة. كان في إمكاني مصارحتها بذلك الحب، لكنني كنت أشد إصرارا على تنفيذ رغبتي في" لا زواج في المستقبل" لأجل ذلك كان ذلك الحب أخرسا بالميلاد ... كمآذن أوسلو الخرساء .
ــ كيف أيقنت انك تحبها ؟
ــ كانت آخر من أفكر فيها قبل النوم، كما كانت صورتها أول من يخطر ببالي عند النهوض. و كنت أصاب بتوتر وقلق شديدين لو مرّ يوم واحد دون أن أراها. لم أتخيلها عارية قط. كان حبا حقيقيا.
وافقت رشيدا في الحال:
ـــ تلك هي أعراض الحب الحقيقي .
ــــ لماذا أحببتها، مالذي أعجبني فيها لست أدري. كانت فتاة عادية لا تشد انتباه أحد . بقيت معذبا طيلة خمس سنوات مدة حبي لها....لم أفكر أبدا بالزواج بها ثم استعمال واقي الذكر لتجنب الحمل لأن في ذلك أنانية لا أرضاها و حرمانا لها من حق الأمومة .
ــ أي ضمير لعين تحمل يا صديقي رشيد, لم يبق له ان يلومك عن ضحايا الحربين العالميتين الأولى و الثانية معا .
ـــ بعد خمس سنوات تبخر ذلك الحب تماما... فجأة كففت عن التفكير فيها قبل و بعد النوم و ما بين اليقظة و النوم. كما لم اعد اهتم رأيتها أو لم أرها. كيف حدث ذلك الله وحده يعلم .. المؤكد عندي أن الحبّ يموت أيضا.

حين كنت في السابع و العشرين استدعاني صديقي كمال الي بيتهم بمناسبة حفلة عرسه، أثناء الزيارة قدم لي أخته سميّة، فتاة في العشرين، جميلة الي حدّ غير معقول. قال لي" هذه فتاة تليق بك ". لما كنت خجولا لم اقل لا، خطبتها دون أن ألغي من ذهني مشروع العزوبة الدائمة...ظللت

أتحين الفرصة المناسبة، لإيجاد التبرير المقنع لإبطال الخطبة بكيفية لا تجرح صديقي كمال، كلمّا زاد يوم زاد تعلقي بها .
ـــ هل أحببتها أيضا ؟
ـــ لا... لم أحبها.. كانت فقط مجرد شيء جميل. كانت باردة و خالية من الروح كزهرة صناعية.عاملتها بفظاظة كي أحملها على أخذ مبادرة فسخ الخطبة دون أن أقع في حرج مع أخيها . لم أكن اتصوّر أن ذلك القرار سيأتي مستعجلا... حين قررت هي فسخ الخطبة، لم أكن مستعدا لذلك، أصبت بكآبة إضافية ...أدركت بعد سنوات عديدة، أن نفسيتي المشوهة كانت مصابة بالميلاد بمرض اسمه الإضطراب الحدّي، المصاب بهذا المرض يعاني ألما نفسيا مروعا لمجرد التفكير في هجران أحد تعوّد عليه. لقد كنت من صنف ذكره الشاعر حين قال : خلقت ألوفا لو رجعت الي الصبا / لغادرت شيبي موجع القلب باكيا .... عشت أياما رهيبة من التوتر و المرارة. لم أكن استقر في مكان، لم اكن أطيق لا قياما ولا قعودا... حينما فكرت في إمكانية الإقتران بمطلقة عاقر قررت الزواج. سأجد إمراة منكوبة تشاطرني الم الحياة و تؤنس وحدتي المدمّرة. إمرأة لا أمل لها في الإنجاب .إمراة أنقذها من وحدة قاتلة و تنقذني من حياة موحشة، كلفت زوج شقيقتي الذي يعمل ببلدية عنابة بالتنقيب في سجلات مؤسسته عن إمراة طلقت بسبب عقمها، بعد شهر قال لي وجدت لك واحدة لم تـنجب بعد خمس سنوات من الزواج... سألت تلك السيدة التي أصبحت فيما بعد زوجتي: " ألم تستعملي أي وسيلة منع حمل؟" قالت:" أبدا ". لمزيد طمأنتي، أخبرتني أن زوجها السابق كانت له عشيقة أنجب منها طفلا. العيب إذن ليس في زوجها، صدّقتها. كانت جميلة و لكن ليس بمقاييسي لا باس... تزوجنا. بعد شهر واحد اكتشفت انها حامل، و قبل أقل من ثلاثة اشهر من ذكرى زواجي الأول، كانت لي ابنة معاقة، و حياة زوجية أشد إعاقة .. كنت متأكدا من عدم مقدرتي على فراق الزوجة المحتالة، لإصابتي بتلك العاهة الرهيبة التي تجعلني أتعلق بأي شخص عاشرته، حتى لو كان جلادّي.

أردت أن أقول لرشيد أن أبقرنا السلفية المعمّمة، تشكو في حقيقة الأمر نفس عاهتك، فهي لا تريد مفارقة جلاديها مهما بلغ تنكيله بها. غير ان الموقف لم يكن مناسبا فآثرت الصمت:

ـــ تأكدت أيضا من عدم قدرتي على مفارقتها، بعد اكتشاف غيرتي المرضية. لقد كانت حياتها الزوجية السابقة تعذبني فكيف...
استوقفت رشيد:
ـــ ما معني تعذيب حياتها الزوجية لك؟
ـــ حين أتخيل انها شاركت فراش رجل آخر، أصاب بغيرة شديدة يعقبها ألم و خزي رهيبين .
ــ و لكنها كانت متزوجة بطريقة شرعية؟
ــ لم يكن ذلك كافيا للتخفيف من غيرتي، فاذا كان زواجها السابق يعذبني فكيف أحتمل إقترانها برجل غيري. خصوصا و قد صرت أخشي طلب إنفصالها عني. بعد أن أصبح همها في المدة الأخيرة جمع المال، الي حد نسيت معه انها زوجة، فأصبحت تشتغل كامل أيام الأسبوع.و بذلك اكتملت دائرة الشقاء بحياة زوجية لا حب فيها و لا ثقة. حياة أشبه بالموت .
تنهد رشيد ثم أضاف:
ـــ لم تكن زوجتي تستحق اللوم اكثر مما أستحقه أنا، كان عليّ عرضها على طبيبة نساء لأتأكّد من عقمها .. كما كان عليّ أن أحتاط، فاستعمل الواقي. أنا الذي أجرمت في حقّ نفسي و في حق إبنتي... كنت مغفلا و جديرا بالإحتقار..أنا أكبر عدوّ لنفسي، لأجل ذلك أكره هاته النفس المريضة العاجزة، و أترقب اليوم الذي يفصلني الموت عنها.



#حمادي_بلخشين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شقاء زوجي (مآذن خرساء 15/48)
- البهتان (مآذن خرساء 14/48)
- شريف، قصّة فتى ملوّث ( مآذن خرساء 13/48)
- ملامح شخصية الطفل رشيد ( مآذن خرساء 12/48)
- طفولة شقيّة ( مآذن خرساء 11/48)
- مواقف عنصرية (مآذن خرساء 10/48)
- مع الفرنسي بلال ( مآذن خرساء 9/48)
- العمارة اللعينة (مآذن خرساء 8/48)
- مع مبشرة حسناء(مآذن خرساء 7/48)
- دناءة ( مآذن خرساء 6/48)
- لقاء ( رواية مآذن خرساء5/48)
- جولة ليلية (فصل من رواية)
- هروب (فصل من رواية)
- مأساة حارث بتروفيتش فصل من رواية
- مائدة من السّماء !( فصل من رواية)
- إصرار (قصة قصيرة)
- حداد ( قصة قصيرة )
- إستياء ! ( قصة قصيرة جدا)
- مقدمات ( قصة قصيرة جدا)
- لماذا استحق قاضي قضاة فلسطين اللعن (خبر و تعليقان)


المزيد.....




- اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار ...
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - شقاء زوجي (مآذن خرساء 15/48)