أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اليمين أمير - النهر الجارف.. ( قصة قصيرة )














المزيد.....

النهر الجارف.. ( قصة قصيرة )


اليمين أمير

الحوار المتمدن-العدد: 2713 - 2009 / 7 / 20 - 04:00
المحور: الادب والفن
    


الشارع يمتد طويلا كالنهر الجارف، ورؤوس المارين كأنها أسماك تطفو فوق سطحه.. لست أتذكر جيدا أين قرأت هذه الجملة، ربما في رواية.. أو ربما في جريدة ما.. لكن الماء قد طغى فعلا وبعض الرؤوس كأنها حقا أسماك تطفو فوق سطحه، كان لا بد لي أن أسبح إلى الجهة الأخرى لعلي أستطيع التشبث بشيء ما، ربما يقودني إلى حبل النجاة الذي صار يبدو الوصول إليه شبه مستحيل. النهر صار جارفا حقا وراح الماء يرتفع ويغرق كل شيء يقابله. كان لا بد لي أن أسبح وإلا سيلتهمني الغرق بعد دقائق. الماء يضرب بعنف شديد وكأنه مارد استحوذ عليه الهيجان فجأة، فأصبح يتطاير شرره في كل اتجاه دون وعي، كل شيء سيغرق لا محالة إلا إذا أقلعت السماء وغيض الماء واستوت بقربنا السفينة، سفينة نوح هل تراها ربما ستمر بالقرب منا حقا.. فلا عاصم اليوم من أمر الله.. الشارع ممتد كالنهر الجارف، أين قرأتها لست أذكر.. ولكنني قد أغرق في أي لحظة. لا زلت أرنو إلى حبل النجاة، لكن الوصول إليه يحتاج إلى جهد وشجاعة كبيرة. بل يحتاج إلى قدرة قادر، إلى معجزة تحدث فجأة.. إلى سفينة نوح ربما.. فكيف لي أن أقفز وقد يفلت الحبل مني وأجدني عمق الماء، فالنهر يلتهم كل شيء. لم أر في حياتي شيئا هائجا وعنيفا مثل هذا النهر الجارف وبعض الرؤوس كأنها حقا أسماك تطفو فوق سطحه.. هل كل أصحابها غرقى.. هل قضوا جميعا نحبهم أم هناك من ينتظر. أن تموت عشقا أو تموت غرقا، لا بد أنك شهيد حقا.. فما يحدث في هذه اللحظات لن يقابله شيء إلا الشهادة.. العشق يسكنني والماء يحتويني فأين المفر.. الموج يرتفع كالطود، ثم يهبط كتلة واحدة تحطم الأشياء وتدكها دكا.. الهلع والرعب في كل مكان.. ملني الخوف لما استوطن عناصري التي تكونني، كما استوطنني العشق الموغل بداخلي حد الثمالة.. وإن من العشق لما يغرق حقا.. السماء تنفخ عاصفتها الهوجاء بقوة وشراسة.. جذوع النخل تمر خاوية، يتقاذفها الماء في تسارع مدهش.. السيارات قوارب محطمة.. لا مفر اليوم من العشق، لا مفر من الغرق من الموت.. لا زلت عالقا والحبل يختفي تحت الأعماق ثم يظهر فجأة وأنا متشبث بكل ما أوتيت من قوة بطرف القضبان الحديدية، والماء يلطمني بقسوة كالسياط يمزق ثيابي، بل و يمزق جسدي كل ممزق حتى أشعر أنني ستنشطر أجزائي عني. لا مجاز للتعبير المجازي هنا، فكل شيء تحت رحمة العشق والماء، كل شيء يتآكل وينهار أمام جبروت النهر الجارف.. السفينة لم تمر بعد من هنا، لكأن أحدا قد أخذها غصبا أو خرقها وأغرق أهلها، العشق صار هو الآخر نهر جارف.. كل شيء يذكر بالشارع الممتد طويلا، ولا أذكر غيره، ولا أذكر في أي صفحة كنت قد قرأت تلك الجملة التي لا تبرح مخيلتي، لكأنما طغى على أرجاءها الماء والعشق ومنظر الرؤوس الطافية كالأسماك.. كل شيء يوحي بالموت ويؤدي إلى الغرق. والناس كأن بهم قد سكروا يتقاذفهم الموج العاتي في كل اتجاه، الكل هارب ولا أحد ينتظر أحدا، فالموت محيط بنا من كل الجهات ولا مجال للبطولة ولا وقت ولا قدرة لأحد عليها.. لا زلت أفكر أن ربما قد يصلني الحبل وقد أنجو بقدرة قادر، ولكن الموج يحول بيني وبين حتى تفكيري، فعبثا أحاول ألا أفقد الأمل في النجاة.. أحاول أن أتخيلني أقفز صوب الماء وأسبح.. أسبح مثلما لم أفعل من قبل.. لكنني تصدمني الحقيقة وأجدني تحت رحمة الموج الغاضب حد الرعب، وأجدني لم أتعلم السباحة من قبل قط ولا أعرف عن أسرارها أي شيء قد يساعدني اللحظة.. لا زلت عالقا بين العشق والماء، وقضبان النافذة توشك أن يقتلعها الموج من أعماقها بل يوشك أن ينهار ما تبقى من جدار البناية، فالمدينة بأسرها قد تمزقت كل ممزق وهي تغرق تحت الماء الهائج وشوارعها أنهار جارفة.. ما الذي جاء بي إلى هاته المدينة، هل تراه العشق قادني زحفا فوق الرمال ليغرقني في أول موعد. صحراؤنا لم تعد جنة المأوى، وسمراء المدينة والنخل هل تراها غارقة تحت الماء اللحظة كغرقها المشتهى في بحر العشق، هل تراها صارت حورية من حوريات البحر وستنتشلني قبل الغرق.. هل تراها.. وهل تراها..
الفيضانات في كل مكان، الشوارع والأزقة والبنايات كلها حتما ستغرق بعد دقائق إلا إذا أقلعت السماء وغيض الماء واستوت بقربنا السفينة.. الشارع يمتد طويلا كالنهر الجارف، ورؤوس المارين كأنها أسماك تطفو فوق سطحه.. لست أتذكر جيدا أين قرأت هذه الجملة، ربما في رواية.. أو ربما في جريدة ما.. ولكن الموقف يستحضرها اللحظة، لكأن صاحبها كان يعرف جيدا هذه المدينة وشوارعها الطويلة..



#اليمين_أمير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هجرة إلى السماء.. ( قصة قصيرة )
- خواطر النسيان.. ( ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟)2
- القميص الأزرق.. ( قصة قصيرة )
- الرحيل.. قصة قصيرة
- خواطر النسيان.. ( صغيرهم الذي علمهم الشعر )
- خواطر النسيان.. ( للذكرى )
- النافذة.. قصة قصيرة
- خواطر النسيان.. ( ما لم تقله شهرزاد )
- الفكرة الضائعة.. ( قصة قصيرة )
- حالة ضياع.. قصة قصيرة
- مجرد دخان.. قصة قصيرة
- النرجيلة.. قصة قصيرة


المزيد.....




- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اليمين أمير - النهر الجارف.. ( قصة قصيرة )