|
قمة «الثمانية» التي لم تعد كذلك
عبدالجليل النعيمي
الحوار المتمدن-العدد: 2710 - 2009 / 7 / 17 - 09:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الجمعة الماضية، 10 يوليو/ تموز ,2009 اختتمت قمة الدول الثمانية الكبار أعمالها التي استمرت ثلاثة أيام في مدينة لاكويلا الإيطالية. كان المخطط أن تعقد القمة في جزيرة مادالين على شواطئ سردينيا. ولأسباب تتعلق بحماية البيئة كواحدة من أهم قضايا جدول أعمال القمة كما سنأتي على ذلك لاحقا، وقع اختيار الحكومة الإيطالية على لاكويلا التي تعرضت لزلازل قوية ضربتها في 6 أبريل/ نيسان الماضي. وقد استحسن المشاركون الاختيار.
وقبل التعرض للقمة الأخيرة نجول بنظرة سريعة في تاريخ هذه المجموعة. بدأت هذه اللقاءات عموما على إثر أزمة الطاقة التي أحدثها إجراء الدول العربية بوقف ضخ النفط إلى الدول التي ساعدت إسرائيل في عدوانها إبان حرب أكتوبر/ تشرين الأول .1973 وقد ضربت أزمة الطاقة بشكل مؤلم اقتصاد أميركا وأوروبا الغربية. ولأول مرة وضعت تلك الأزمة ضرورة إعداد مقاربات ما مشتركة لمواجهة التحديات الجدية التي تفرضها الأسواق الحرة واقتصاد السوق الحر أمام هذه أو غيرها من المجتمعات. في البداية كانت هذه القمم محدودة للغاية. ففي المرة الأولى اجتمع ممثلو خمس دول فقط، ثم توسعت إلى سداسية ، وبعدها ظهرت مجموعة السبع الكبار التي استمرت حتى وصول ميخائيل غورباتشوف إلى رئاسة الاتحاد السوفييتي. في قمة السبعة الكبار للعام 1991 دعيت روسيا لأول مرة كمراقب. وفي العام 1997 انتقلت القمة إلى صيغة الثمانية بمشاركة روسيا كعضو كامل الصلاحيات. وفي الفترة ما بين 15 و17 يوليو/ تموز 2006 انعقد في مدينة بطرس بورغ الروسية قمة الثمانية برئاسة روسيا، وكانت القضايا الرئيسية على جدول أعمالها هي أمن الطاقة، مكافحة الأمراض المعدية، والتعليم. وكما تشكلت المجموعة بسبب أزمة الطاقة أصلا، فبسبب أزمة الطاقة الأخيرة توطد وضع روسيا منذ هذه القمة كعضو مقرر في معظم القضايا التي تناقشها دول المجموعة. لكن ذلك لايزال لا يسري في لقاءات وزراء المال لدول المجموعة.
مجموعة الثمانية تسهم الآن بنصف الصادرات العالمية وأكثر من نصف الإنتاج الصناعي العالمي. ومع ذلك فليس لها تصنيف المؤسسة الدولية، وهي لا تقوم على أساس معاهدة ما، وليست لديها سكرتارية دائمة. ويرأس المجموعة لمدة عام رئيس البلد الذي تنعقد فيه القمة الأخيرة (غالبا في الصيف). وعادة ما تسبق لقاءات كل من قمم الثمانية 60 إلى 80 اجتماعا على مستوى الخبراء والوزراء. كما تجرى لقاءات أخرى لقادة أهم وكالات الأنباء للدول الثمانية وقمم رجال الدين ورجال الأعمال فيها إضافة إلى الثمانية الشبابية . قرارت الثمانية تتخذ بالإجماع عادة ولا تكتسب قوة قانونية، لكنها تشكل دليلا للمجتمع الدولي بالنسبة لقضايا العصر المفتاحية. ومنذ العام 2001 أصبح يدعى إلى القمة قادة الدول الأخرى للاشتراك في مناقشة بعض قضايا الأوضاع العالمية. وفي السنوات الأخيرة، خصوصا مع بدء علائم الأزمة المالية، فالاقتصادية العالمية بدأت تطرح من داخل الثمانية أهمية توسيعها نظرا لأن طبيعة وحجم القضايا العالمية أصبحت تتطلب مشاركة عدد أوسع من دول العالم. ولعل انعقاد قمة لاكويلا بالصيغة الجديدة يعد مؤشرا مهما على مستقبل إطار المجموعة. فقد انخرطت في أعمال القمة عموما وفود كل من الهند، الصين، جمهورية جنوب إفريقيا، المكسيك والبرازيل (مجموعة الدول السريعة النمو الخمس ) وكذلك البلدان الإفريقية وإندونيسيا وأستراليا. وإجمالا تمت دعوة 30 دولة، ما يعد رقما قياسيا في تاريخ قمم الثمانية . في اليوم الأول للقمة زار جميع المشاركين مناطق لاكويلا التي ضربتها الزلازل. وقد عكس البيان الختامي للقمة عزم قادة الثمانية على درء ومكافحة الكوارث الطبيعية العفوية. وقد عرض قادة الدول مساعداتهم في إعادة ترميم الآثار التاريخية في لاكويلا. وانتهى هذا اليوم أيضا باتخاذ قرارات تتعلق أساسا بالوفاء للالتزامات السابقة بالإجراءات من أجل الخروج من الأزمة المالية العالمية وبدعم الاقتصاد وأسواق المال. وعلى وجه الخصوص بحث قادة القمة مقترح الجانب الإيطالي بإعداد معايير عالمية واتفقوا على إنشاء إطار برنامج ليتشه لصياغة مبادئ ومعايير عامة للسلوكيات في الاقتصاد. ليتشة هي مدينة في جنوب إيطاليا انعقد فيها لقاء وزراء اقتصاد الثمانية وصاغوا أسس هذه المبادئ.
في اليوم الثاني جرت لقاءات موسعة. في البدء الثمانية ، الخماسية ومصر ناقشوا قضايا المصادر الجديدة للنمو. وبعدها عقد ما يسمى بمنتدى الاقتصادات الرائدة الذي يضم الثمانية ، الخماسية ، استراليا، إندونيسيا وجمهورية كوريا الجنوبية. وقد بحث المنتدى المسائل المتعلقة بالتجارة (باشتراك منظمة التجارة العالمية)، القضايا المناخية (بمشاركة الأمم المتحدة والدنمرك). وقد اتفقت وجهات نظر المشاركين بشأن جميع القضايا الأخرى، بما في ذلك الإعلانات التي أصدرتها قمة الثمانية حول إجراءات مواجهة الأزمة العالمية وإعادة إنهاض الاقتصاد العالمي.
واحدة من الموضوعات التي واجهت القمة في يومها الأخير هي تحقيق أهداف الألفية للتنمية التي صيغت العام .2000 وهي تفترض إحداث ارتفاع ملحوظ في مستويات الحياة وخفض عدد الفقراء في العالم إلى النصف حتى العام .2015 غير أن الغالبية الساحقة من البلدان الإفريقية لا تزال بعيدة عن إمكان تحقيق أهداف الألفية حسبما يشير ممثلو الأمم المتحدة. والسبب الرئيسي هو أن هذه البلدان لا تحصل على الدعم الكافي من قبل المجتمع الدولي. فمن بين 25 مليار دولار كان قد قررت مجموعة الثمانية الكبار تخصيصها لتنمية إفريقيا على مدى خمس سنوات لم يصل إلى المستهلك النهائي منها سوى 3 مليارات دولار فقط.
يبدو أن من المحق تسمية قمة الثمانية 2009 بالقمة المضادة للأزمة . لكن الثمانية الكبار بدأوا الاعتراف تدريجيا بأنهم أصغر كثيرا من أن يتصدوا لمشكلات العالم التي كانت غالبيتهم السبب الرئيسي في تفاقمها. ولذلك فلعل أهم قرار اتخذ في الواقع هو تحويل إطار الأربعة عشر إلى تشكيلة دائمة .
#عبدالجليل_النعيمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة تتقدم.. المجتمع يتعافى
-
ما بعد لندن
-
قمة العشرين على صفيح ساخن
-
فرنسا.. ابن الناتو «الضال»؟
-
قمة تحويل التهديدات إلى فرص
-
خاتم خاتمي وعجائب الانتخابات الإيرانية
-
الثورة الإيرانية بعد ثلاثين عاماً وقبل الانتخابات المقبلة
-
من الرأسمالية إلى رأسمالية الدولة.. وماذا بعد؟
-
سيناريو أوسيتيا الجنوبية وتغيرات دولية ودولتية
-
ثمن ضعف الإمبراطوريات
-
أحمد الذوادي .. حقك باق
-
إرهاصات التغيير في انتخابات الكويت 2008
-
في عامها السادس.. انعكاسات حرب العراق أميركياً
-
حليب 2008
-
يسار العالم وتحديات القرن
-
كي لا يضيع شريعتمداري بوصلتنا
-
إيران.. من يمين إلى وسط المحافظين
-
11 سبتمبر.. كل عام وأنتم بخطر
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|