|
إيران من الثورة الخمينية إلى الثورة النجادية
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 2710 - 2009 / 7 / 17 - 09:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
-1-
لم يفز الرئيس أحمدي نجاد بادئ ذي بدء بالمقعد الرئاسي الإيراني في رئاسته الأولى عام 2005 ، وكذلك في رئاسته الثانية عام 2009 بطريقة ديمقراطية على الطريقة الغربية. فالديمقراطية الإيرانية ليس كمثلها شيء. وهذا هو سرُّ الخلاف على هذه النقطة بين إيران والغرب. فمن بين أكثر من بين ألف مرشح، وهم الذين سجلوا أنفسهم للترشيح لمنصب الرئاسة، يحصل ثمانية أشخاص فقط على التصديق الرسمي من المرشد الأعلى كشرط للترشح. ويكون المرشحون كلهم من الرجال، بالرغم من أن النساء يمثلن 52.1 بالمائة من مجموع السكان طبقاً لآخر الإحصائيات.
ويقول الباحث السياسي الإيراني أمير طاهري، أنه يمكن للمرشد الأعلى شطب أي اسم أو الاعتراض على القائمة بأكملها. وإذا ما سمح للمرشح بالترشّح في الانتخابات وفاز، فلا يوجد ضمان انه سيتولى منصب الرئاسة، إذ يجب أن يقر ّ المرشد الأعلى نتائج الانتخابات وأن يصادق عليها ، فيما يمكن أيضاً للمرشد الأعلى، الذي يبقى في منصبه مدى الحياة، طرد الرئيس بإصدار فتوى بذلك، باعتبار أن منصب "المرشد الأعلى" وهو المنصب الذي أسسه الراحل آية الله الخميني لديه سلطات دستورية غير محدودة. فبغض النظر من فاز في الانتخابات، فإنه لن يكون سوى عضو ضمن حاشية المرشد الأعلى الواسعة. ورغم هذا يقول مهدي خروبي، وهو واحد من بين اثنين من الملالي الذين كانوا مرشحين في انتخابات الرئاسة 2005: نظامنا مثار حسد الشعوب في جميع أنحاء العالم. ويقول هاشمي رافسنجاني ، المرشح الآخر: جمهوريتنا الإسلامية هي نموذج للإسلام بل للإنسانية.
-2-
مع اعتلاء أحمدي نجاد سدة الرئاسة السادسة 2005 ثم السابعة اليوم، وقيام مظاهرات الاحتجاج التي شملت العالم كله تقريباً احتجاجاً على نتائج هذه الانتخابات، أصبح الشأن الإيراني هو الشأن الشرق أوسطي الأكبر والأهم بالنسبة للعرب والغرب على السواء، إلى الحد الذي طغى فيه الشأن الإيراني على الشأن الفلسطيني. ولذلك كله مبررات كثيرة. ولكن المبرر الأكبر هو أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد جاء ليقود ثورة حقيقية شاملة في إيران، وهو الآن يقود هذه الثورة التي تعتبر برأينا أكبر من الثورة الخمينية 1979، وأعظم أثراً. وقد اعترف بهذه الثورة أحمدي نجاد الذي اعتبر أن النظام الإيراني الحالي ارتد على الثورة الأولى، وانحرف عنها وخانها، من غير أن يمحو روحها، أي سعيها إلى المساواة. حيث يتصدى أحمدي نجاد والباسدران من ورائه، إلى إحياء روح الثورة، والنفخ فيها. وهم ينددون بالانفتاح ، دفاعاً عن روح المساواة، إرث الثورة الأول والثمين. ويُسمّي الرئيس نجاد "إحياء المساواة" بالثورة الإسلامية الثانية.
-3-
ما هي خطوات الثورة النجادية منذ 2005 إلى الآن وحتى 2013؟
1- إذا كانت ثورة الخميني قد حوّلت إيران من نظام إمبراطوري شاهنشاهي إلى جمهورية إسلامية، فإن أحمدي نجاد بدأ بتحويل إيران من جمهورية إسلامية ذات ملامح علمانية في علاقاتها بالعالم وبنظامها المالي إلى دولة خلافة إسلامية، تعيد تاريخ الخلافة الإسلامية التي أسقطها أتاتورك عام 1924. 2- وإذا كانت ثورة الخميني قد هددت بالكلام والشعارات ومن خلال جموع الحجيج الإيراني إلى مكة المكرمة فقط، بتصدير الثورة الإيرانية إلى دول الجوار، فإن ما تفعله الثورة النجادية الآن، هو التهديد الحقيقي الفعال والواقعي بتصدير الثورة الإيرانية إلى دول الجوار عسكرياً ومالياً وسياسياً. وقد تدخلت إيران مباشرة وبشكل واسع في الشأن العراقي، وفي الحضور السياسي الواقعي في العالم العربي ، مروراً بفلسطين والفوز الكاسح لـ "حماس" في الانتخابات التشريعية 2006، وتعهد إيران الضمني والسري لإحلال العملة الإيرانية "التومان" محل اليورو الأوروبي والدولار الأمريكي، مقابل تمسك "حماس" بالمبادئ الخمينية تجاه القضية الفلسطينية المتمثلة بعدم الاعتراف بإسرائيل، ومواصلة السعي لتدميرها، وتحرير كل ذرة تراب من فلسطين التاريخية كما أشار خالد مشعل في خطابه في دمشق 27/1/2006. 3- وإذا كان صدام حسين استطاع أن يُلهي الثورة الخمينية، ويصرفها عن تصدير ثورتها إلى الخارج ودول الخليج خاصة، باختلاق حرب الخليج الأولى (1980-1988) المدمرة، وإشغال إيران بهذه الحرب، وبتمويل ضخم من بعض دول الخليج، بحيث استنـزفت هذه الحرب طاقات إيران المالية والسياسية والإعلامية في هذه الحرب، وكذلك طاقات دول الخليج، فإن إيران بجاد اليوم، في حال أفضل بكثير عما كانت عليه في 1980، يوم بدء حرب الخليج. كما أن إيران في حال أكثر تفضيلاً عما كانت عليه في عام 1988، عام انتهاء الحرب والأعوام التي تلتها. وما لدى الثورة البجادية الآن من إمكانات سياسية ، وتأييد عارم من الشارع الديني/ السياسي الإسلامي في الباكستان وأفغانستان واندونيسيا وماليزيا، لوقوف إيران إلى جانب الإخوان المسلمين في مصر وفلسطين، ودعوة بجاد إلى محو إسرائيل من الخارطة، والقضاء عليها في فلسطين.. الخ. كل هذا يفوق ما كان لدى الثورة الخمينية من إمكانات منذ 1979 وحتى قبل انتخاب بجاد في 2005.
4- وإذا كانت ثورة الخميني قد أطلقت على أمريكا فقط "الشيطان الأكبر"، فإن الثورة النجادية تطلق الآن على الغرب كلهً "الشيطان الأكبر"، خاصة بعد أن وصل الملف النووي الإيراني إلى أعتاب مجلس الأمن. واتهام بريطانيا وأمريكا بتحريض المتظاهرين من أعوان مير حسين موسوي في انتخابات 2009، وتخفيض التمثيل الدبلوماسي الإيراني في لندن.
5- وإذا كانت الثورة الخمينية لم تفلح في سيطرة المحافظين تماماً وبالمطلق على الدولة الإيرانية منذ 1979 وحتى قبل وصول نجاد إلى الحكم 2005، فإن وصول نجاد إلى الحكم قد أكمل وأقفل دائرة سيطرة المحافظين الإسلاميين تماماً على الدولة الإيرانية، بعدما فشل الليبراليون بقيادة محمد خاتمي بإقامة ما سمّاه "المجتمع المدني الإسلامي"، و"الديمقراطية الإسلامية" ، و "الحوار بين الحضارات". ولكنه وجد نفسه في النهاية محبطاً ومحاصراً من قبل خصومه المحافظين الذين كان يقودهم خامنئي ، ويقودهم الآن إلى جانبه الرئيس نجاد. وبعد فشل مير حسين موسوي في الانتخابات الأخيرة 2009 والقضاء على الفرصة الأخيرة للإصلاحيين. 6- وإذا كانت الثورة الخمينية تحسب حساباً للتوازنات الإقليمية والدولية، فإن الثورة النجادية الآن لا تحسب مثل هذا الحساب. فها هو أحمدي نجاد يقف في مواجهة أمريكا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل وهم القوة الفاعلة الرئيسية في العالم، دون أي حساب. وهو يخاطب ساسة العالم بنفس الطريقة التي كان يخاطب بها المقاولين في بلدية طهران أيام كان عمدتها. وهو لا يعرف اللون الرمادي في السياسة. ولا يعرف غير اللونين الأبيض والأسود. 7- وأخيراً، إذا كانت السن المتقدمة للخميني وقدرته السياسية المحدودة، لم تمكنه من مواصلة قيادة الثورة التي أعلنها 1979، فإن أحمدي نجاد لديه القدرة الثورية على تفعيل ثورته الجديدة وهو ابن الحداد الفقير، الذي ما زال يدفع الأقساط الشهرية لقرض شراء منـزله المتواضع وسيارته "البيجو"، وهو الذي يوصف بأنه من علماء الهندسة، ومن أساتذة الجامعة ذوي العقول العلمية المنظمة، ومن مؤلفي الكتب العلمية، وجنرال الباسدران، كما أنه أول رئيس للجمهورية الإسلامية من خلفية عسكرية.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إيران.. الثورة تريد خبزاً
-
الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي أمام تحديات السلام
-
لماذا رحَّبت وفرحت إسرائيل بنجاح نجاد ؟
-
هل أصبحت أمريكا الدولة الإسلامية الخامسة والأربعين؟
-
ما حال الإسلام لو لم تظهر السلفية الجهادية؟
-
فلسطين بين فكي الأصولية الإسلامية واليهودية
-
هؤلاء القراصنة: نظرة مغايرة
-
قمة العشرين.. هل هي نظام عالمي جديد؟
-
تركيا: نافذة أوباما على العالم الإسلامي
-
التحالف الإيراني – الإسرائيلي الخفي
-
قطوف الديمقراطية العراقية الدانية
-
الدولة العربية الحديثة وحاجتها الماسة إلى الدين
-
العراق: من ديكتاتورية البعث إلى ديكتاتورية الطوائف
-
أزمة التيار الديني في التركيز على القشور وإهمال اللُبَاب
-
من هو المثقف الليبرالي وما هي مهمته؟
-
العراق بين الإحلال الأمريكي والاحتلال الإيراني
-
سيطرة ثقافة الحرب والخوف من السلام
-
اضاءات فكرية لدواخل الخطاب السياسي الديني
-
ما هي أسباب بروز -الإسلام السياسي- بهذه القوة؟
-
الانتخابات العراقية.. درس آخر في التطبيق الديمقراطي
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|