|
يوم اشتريت جارية
ابراهيم علاء الدين
الحوار المتمدن-العدد: 2710 - 2009 / 7 / 17 - 09:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تطرقت في مقالات سابقة الى قضية بيع النساء في العديد من الاقطار الافريقية، واشرت في بعضها الى انني شخصيا قمت بشراء جاريتين ودفعت ثمنهما ولكني لم آخذهما من اهلهما ليقمن بخدمتي كما هو معروف، وتحدثت احيانا عن شروط بيع الجارية في مدينة تانغا التي تقع في الاراضي التنزانية المتاخمة لمدينة مومباسا الكينية، لكني اجد اليوم ضرورة لربط هذه الشذرات بعضها ببعض بعد ان كان موضوع الرق والجواري مثار حديث مع بعض الزملاء والاصدقاء قبل يومين اثر نشر تقرير بين ان تجارة الحريم (الجواري) ما زالت قائمة في موريتانيا، ولم يصدق البعض ما ورد في تقرير لاحدى وكالات حقوق الانسان العالمية. واستغرب الجميع تقريبا ان بامكان اي منهم ان يشتري اي عدد من الجواري من مدينة تانغا او ممباسا او الكثير من القرى او المدن الافريقية الصغيرة . وحتى لا اطيل الشرح في تبرير ما دعاني لكتابة مقال اليوم باستثناء الاشارة الى ما يخالفني فيه الصديق العزيز الاستاذ مختار مسلماوي حول دور الاقتصاد في التطور الفكري والثقافي الانساني، حيث ما زلت اعتقد واؤكد على مقولة " الاقتصاد هو المحرك الرئيسي للتاريخ البشري والانساني. وبدأت قصة شراء الجواري في منزل السيدة "ماما فاطمة" عضوة مجلس الشعب التنزاني عن جزيرة زنجبار (والتي سرقتني لاحقا بالتآمر مع عشيقها جورج مدير شركة السكر الوحيدة بتزانيا بالاضافة الى شريك ثالث كان وزير سابقا في الحكومة الاتحادية بدار السلام). وللعلم فقد كنت استاجرت منزل ماما فاطمة في دار السلام اثناء اقامتي هناك لفترة من الزمن .. ويمكن ان اكتب لاحقا حول ما كان يجري في المنزل الفخم الذي تمتلكه ماما فاطمة لكشف بعض طرق المحسوبية والاختلاس والسرقة التي تتم في الدول المتخلفة بل وعرض بعض تفاصيل الحياة الماجنة لمن ينتخبهم الشعب هناك لكونوا ممثلين عنه ومعبرين عن امالهم ومصالحهم . فعندما أبديت اعجابي بابنتها الصبية التي كانت تحضر الطعام من المطبخ وتضعه على طاولة السفرة وقلت ان ملامحها عربية رغم لون بشرتها الداكن .. قالت ماما فاطمة انها ليست ابنتي بل هي خادمتي. قلت انك تعرفين اذن طريقة الحصول على خادمات جميلات فاعطني اياها واحضري غيرها .. فيبدو ان عندكم في زنجبار خادمات جميلات فيما في دار السلام على الاقل الخادمات اللواتي يعملن بمنزل دار السلام كلهن عجائز و"يسدون النفس حتى عن الاكل" (طبعا كل ذلك كان على سبيل المزاح). قالت : لا لا استطيع ان اعطيك اياها فقد اشتريتها للتو منذ اسبوعين تقريبا قلت : لم اسمعك جيدا هل قلت انك اشتريتها..؟؟ قالت نعم نعم ودون الدخول في تفاصيل ما دار من حوار بعد ذلك علمت انها اشترتها من مدينة في شمال تنزانيا تدعى تانغا فقررت الذهاب الى هناك للتاكد مباشرة مما سمعت. وفعلا قادني ناصر التنزاني من اصول عمانية الى تانغا واستغرقت الرحلة بالسيارة خمس ساعات تقريبا .. واستقبلنا عند صاحب ما يشبه البقالة استقبال غير عادي حين التف حولنا جمع غفير من البشر ، ثم تحركنا مع صاحب البقالة الى منزل في داخل المدينة التي يغلب على مساكنها الطابع الريفي الافريقي مع بعض المنازل الحديثة على الاطراف وشارعها الرئيسي. ودون اي مقدمات قال الرجل صاحب البقالة ان (المزنجو) ومعناها الابيض مشيرا الي يريد شراء فتاتين وطلب من المرأة صاحبة المنزل ان تاتيه بسرعة بمجموعة من الفتيات كي اختار منهن اثنتين. وخلال اقل من نصف ساعة كان هناك طابورا طويلا يحيطه جمع غفير من النساء نصف العاريات والاطفال صبيانا وبنات على باب المنزل المكشوف .. وقال لي ناصر الذي كان يترجم ما تقوله صاحبة المنزل ان الاسعار هي كالتالي: من عمر 15 الى 18 وان تكون عذراء فسعرها 250 دولارا من عمر 18 الى 22 وان تكون عذراء سعرها 200 دولار من 22 الى 30 سعرها 150 دولار اما اذا كانت غير عذراء او مطلقة فسعرها 150 دولارا اي كان عمرها وبدأت السيدة صاحبة المنزل تدعو الفتيات الواحدة تلو الاخرى كي اتفحصهن (بالنظر طبعا) حتى اتمكن من الاختيار. ولكن ولما كان هدفي الحقيقي ليس شراء جارية وانما معرفة الحقيقة فقد كنت اوجه لامهات البنات بعض الاسئلة منها: انت تعرفي انني ساشتري ابنتك واخذها معي الى موطني وقد لا ترينها ابدا فترد الام اعرف ذلك وتضيف يبدو انك رجل طيب وسوف تهتم بها وسالت اخرى نفس السؤال فقالت .. اعرف ذلك لكن اذا حدث يوم واعدتها لنا وكان لديها اطفال فلن نقبلهم وسنعيدهم لك وسالت ثالثة نفس السؤال .. فقالت لا يهمني اين تكون ابنتي لكن ارجوك لا تجوعها وفر لها طعاما كافيا ولا تبخل عليها. وسالت رابعة سؤالا مفاده .. لماذا تبيعين ابنتك الا تحبينها .. فقالت انني احبها كثيرا ولكن ما فائدة الحب اذا لم اكن استطيع اطعامها او توفير الملابس المناسبة لها . وسالت خامسة .. هل تحبين الذهاب والسفر مع ابنتك الى موطني ..؟ فقالت .. لا لا فعندي بنات غيرها يجب ان اتدبر امرهن . وسالت سادسة .. هل تعرفي ان قيامك ببيع ابنتك يعاقب عليه القانون وان الحكومة قد تضعك بالسجن ..؟ فقالت لا لا ما عندنا حكومة .. نحن عندنا شيوخ وهم لا يعارضون ما نقوم به (الشيخ هنا يمثل شيخ القبيلة او المختار ) اما السابعة فسالتها ان كانت ستعطي ابنتها شيئا من المال الذي ستقبضه ثمنا لها .. فاصفر وجهها واخضر وقالت لا طبعا انت المسؤول عنها انا لن اعطيها شيء ولن اتعرف عليها بشيء بعد ان تشتريها. ثم سالت بعض الصبايا عددا من الاسئلة منها : هل تعرفي انني ساخذك الى بلاد اخرى لغة اهلها غير لغتك ولا تفهمي عليهم فلم تجبني بل وضعت راسها بين كفيها مندهشة. فيما قالت اخرى انها تعرف صديقات لها اشتراهن غرباء ولم يعدن الى تانغا .. وقالت ثالثة انا اعرف انه باليمن يتحدثون غير لغتنا . وسالت رابعة فيما اذا كان لديها جواز سفر كي تستطيع السفر وهل تعلم انها سوف تركب الطائرة للانتقال الى بلاد اخرى فاستغربت ولم تفهم ما معنى جواز السفر .. اما الطائرة فقالت انها ستكون مسرورة لو ركبتها. وقد قابلت خلال 3 ساعات تقريبا حوالي 120 فتاة وازف الوقت للاختيار والا فسوف يكون وضعي حرجا فها انا تفحصت معظم صبايا المدينة ولا يجوز ان ارفض الشراء .. فاخترت اثنتين استغرق وقت التعرف عليهن وقتا اضافيا اقترب من الساعة تقريبا ودفعت لوالديتهن المبلغ المقرر على ان اعود في اليوم التالي لاصطحابهن الى دار السلام ومن هناك الى بلادي. طبعا لم اعد لاستلام البضاعة وغادرت الفندق الوحيد في المدينة وملكيته تعود للحكومة التي كانت اشتراكية الى ما قبل قليل من انهيار الاتحاد السوفياتي وكانت عاصمتها دار السلام تحتضن اكبر سفارة للاتحاد السوفياتي في افريقيا كلها، غادرت الى مومباسا في كينيا للتعرف على مدينة اخرى كان العرب العمانيون يحكمونها لمئات السنين. وللعلم فان معظم سكان تانغا من اصول يمينة وعمانية ولكن اختلاطهم باهل البلاد الاصليين اضفى عليهم لومنا داكنا نسبيا لكن باقي ملامحهم كالعيون والانف والطول ما زال عربيا . وللحقيقة لا بد من القول انني حظيت باحترام قل نظيره في الليلة التي قضيتها في تانغا حيث دعيت الى منزل احد شيوخهم وحضر جمع غفير من الناس واستغربت انه ليس لديهم تحفظ كبير على الاختلاط بين النساء والرجال .. لكن العباءة اليمنية كانت تغطي معظمهن باستثناء قليل من النساء كن يلبسن اللباس الافريقي التقليدي .. وبعضهن اللباس الافريقي القروي حيث يبدو نصف الصدر مكشوفا وعندما يجلسن يرتفع ثوبهن الى ما فوق الركبة واحيانا الى منتصف الفخذين. وشاهدت كيف ان معظم منازل المدينة لا يوجد فيها كهرباء .. ولا وجود للطرق المعبدة .. وما زالت النساء ينقلن الماء من الابار على رؤسهن .. والحيوانات الاليفة كالدجاج على الاقل لا يخلو منها منزل ، فيما (تكرموا ) الحمار ما زال وسيلة النقل الرئيسية داخل المدينة ( فيما وجدت في مناطق اخرى من تنزانيا ان النساء يقمن بدور وسيلة النقل الرئيسية حيث ابلغتني محافظ مدينة شمالية على حدود اوغندا ان حملة قامت بها الحكومة لاقناع الناس هناك لاستخدام الحمير في النقل وفشلت ولذى ترى النساء هناك يحملن كومة ضخمة من الاغصان الجافة فوق رؤوسهن من الغابات القريبة لاستخدامه الطبخ وامور اخرى. المهم غادرت تانغا دون الجواري ووصلت الى مشارف مومباسا فا ذبي على مشارف مدينة عصرية حديثة علمت لاحقا انها تستقبل نحو مليون سائح سنويا ويوجد فيها نحو 200 فندق على امتداد شواطئها على المحيط الهندي. وللعلم ايضا ان كينيا كان يحكمها نظام راسمالي حليف للولايات المتحدة الامريكية والغرب، فيما تنزانيا يحكمها نظام اشتراكي حليف للاتحاد السوفياتي ... وكم كان الفرق هائلا بين نيروبي عاصمة كينيا وبين دار السلام عاصمة تنزانيا ففي نيروبي تجد كل ما هو موجود في مدينة اوربية حديثة فيما دار السلام ما زالت اشبه بمدن العصور الوسطى في الشرق العربي. وكما يعلم الجميع ان الرئيس الامريكي اوباما يرجع اصله من طرف والده الى احدى القرى او المدن الكينية الصغيرة. وهكذا ايها الاصدقاء والصديقات الزملاء والزميلات يمكن ان يكون فيما تقدم بعض العبر من اهمها ان الفقر وقسوته ما زال يدفع بعض الامهات لبيع بناتهن كجواري لمن يمتلك المال، وان المجتمع شبه الرعوي البدائي لا يمكن ان يستطيع الانتقال الى مصاف التحضر والحضارة .. وان بلاد ما زالت تدار بشيوخ القبيلة لن تتقدم مطلقا .. وان الاشتراكية الوهمية كانت اقرب الى تطبيق الشراكة بين اركان الحكومات لسرقة خيرات الاوطان والبلدان .. واخيرا فان كل من يعتقد بان عصر الجواري قد انتهى ان يقوم بزيارة لتانغا ..وغيرها من مدن وقرى كثيرة في افريقيا. ملاحظة : ارجوا لا يعتبر بعض الاخوة الافارقة ان احط من قدر الافارقة فمنهم رجال كثر عظام اكن لهم كل تقدير واحترام .. واساسا فانا ارفض اي نوع من التمييز اي كانت مبرراته.
#ابراهيم_علاء_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انتبهوا ايها الليبراليون فانتم كفرة وقد حلت دمائكم
-
الشربيني ليست -شهيدة حجاب ولا ما يحزنون-
-
اوهام الشيوعيين الفلسطينيين والجبهة الديمقراطية
-
سوزان .. ليتني قطعت اصبعي قبل التصويت لحماس ( ايهما المسؤول
...
-
الخطاب الاسلامي متغلغل وراسخ في الخطاب اليساري ..؟؟؟ الرعاع
...
-
مرة اخرى مسؤولية الشعوب عن تخلفها
-
الحكومات العربية وشعوبها من منها اكثر تخلفا
-
عينة من نساء العرب
-
جاء الوقت لتصبح طهران تحت مرمى النيران
-
الشيخ اللص الكذاب
-
المسلمة في فرنسا .. انتفت العلة التي فرضت الحجاب ...
-
يوم القيامة على الحدود الاماراتية السعودية
-
حلاق بيروتي .. ليك يا عمي بدنا دولة وبس ..!!
-
المسيح غير الدجال ظهر في الامارات
-
سقوط دولة -الاسلام السياسي-
-
لماذا اعترض الشيوعيون الفلسطينيون على حكومة سلام فياض..؟
-
ماذا تعني هزيمة الاسلام السياسي في الكويت
-
المرأة الكويتية فازت رغم الفتاوي الرجعية
-
سلام فياض ليس -اخواني- حتى يشكل الوزارة ..؟؟
-
بابا الفاتيكان يحيي ذكرى النكبة في الناصرة
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|