آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 2709 - 2009 / 7 / 16 - 09:19
المحور:
الادب والفن
استيقظت إيكا من نومها بعد منتصف الليل على وقع حركة غريبة. خطت خارجة من باب غرفة النوم متجهة نحوبوابة الدارالمفتوحة جزئياً. لص, هكذا خطرفي بالها. هناك الكثير من اللصوص يريدون دخول بيت والدها لاعتقادهم أنه فارغ في فترة الصيف. لا أستطيع أن أقف في وجه هؤلاء الحمقى في وقت ما بعد منتصف الليل!
مدت خطواتها بحذر, بمنتهى الصمت. تسللت باتجاه غرفة أبيها الواسعة, نحوالسريرالطري تبحث في ثنايا الظلام عن الحزام المربوط في بزتها النظامية, عن المسدس الموجود فيه. بعد برهة قصيرة سمعت وقع خطوات عالية. لا يوجد حرامي غيرمحتاط, لا يمكن أن يدخل البيوت وحيداً, ويمد خطواته بهذا الوضوح دون حذرشديد. أنها تسمع كيف يتحرك ذهاباً ومجيئاً في المطبخ, ينبش في الصناديق. فرضت أنه ياسر! ماذا يريد مرة ثانية؟ أحست بشعورمتناقض يجمع ما بين الارتياح والغضب في هذا الوقت المتأخرمن الليل.
على رؤوس أصابع قدميها الحافية خرجت إيكا من غرفة النوم بأتجاه المطبخ. لمع في ذهنها سؤال. لماذا يعتقد ياسرأنها مسافرة؟ هل أخبرته أنها تفكرأن تأخذ بعضها وتسافر؟ نعم, في الحقيقة صرحت له بذلك من قبل. هذه وقاحة منه, لقد خدعت به خدعة كاملة. الأن يريد أن يسبرردود فعل الشرطة!
قف مكانك! صرخت إيكا وخطت مسرعة داخلة المطبخ وسلاحها مشرع بيدها.
وقعت علبة الحليب التي حملها اللص وفرغت محتوياتها على الأرض الخشبية للغرفة.
ـ عليك أن تلعبي دورالشرطي حتى في لحظات نومك؟ تكلم ثم رفع رأسه ملتفتاً إليه وتنهيدة عميقة تخرج من صدره.
ـ بابا! هل هذا معقول؟ ما هذه المزحة؟ فكرلو أني أطلقت النارعليك؟
ـ أعرف أنك لن تفعلي ذلك. لكن في المرة القادمة إذا أردت أن تطمئني فيما إذا كنت أنا أوأي إنسان أخريريد الدخول إلى البيت بشكل غير طبيعي, ما عليك إلا إغلاق الباب بالمزلاج. هذا أسهل لك ولي. طبعاً, هذا إذا لم يكن بحوزتي الكثيرمن المفاتيح؟ راح يمازحها كما كان يفعل من قبل ولا يكف عن الضحك بالرغم من أنهم لم يروا بعضهم منذ أربعة أشهر.
وضعت إيكا السلاح جانباً ثم التفت ناحية أبيها فاتحة ذراعيها على وسع ثم ضمته إلى صدرها. أحست نفسها في تلك اللحظات, أنها تلك الطفلة الصغيرة ذات العشرة أعوام أوأقل. أخذها في أحضانه, ضمها إلى صدره وراح يربت على ظهرها, يطيب خاطرها, يزرع إحساساً بالأمان في قلبها وروحها.
ـ بابا, تنهدت بعمق. استيقظ ذلك الطفل الصغيرمن غفوته, راح يبكي على صدره بحرقة وحرارة. بابا, هل أنت في البيت! ماذا تفعل في البيت؟ كم رائع ومشوق أنك في البيت! خطت نحو الوراء, حررت نفسها من صدره الواسع, من حضنه الدافئ. بكت بحرقة ومرارة تاركة دموعها تنساب من عينيها بحرية, وهي على يقين أنها معه.
سمع الأب أنين أبنته, صوتها المخنوق وهوعاجزعن فعل شيئ. استجمع قواه قليلاً وراح يتحدث معها, لماذا هو في المطبخ في هذه الساعة المتأخرة من الليل, في الثالثة فجراً, في الوقت الذي يتوجب عليه أن يكون في استراليا يجول حولها على دراجته الهوائية.
ـ تينا, أخذوا الدراجة, هل تفهمين علي؟ لقد سرقوا دراجتي, لم أقفلها من قبل على الأطلاق لأنني اعتقد أنها أكثرأماناً من أي شيئ أخر. هؤلاء المعوزين, الفقراء, لا يفعلون شيئاً, يقدمون القهوة بعض الأحيان, الصابون من أجل الدش. في وسط العاصمة سيدني! اختفت بسرعة! لصوص محترفون, يراقبون الموقف, ينتظرون مدة طويلة إلى أن تحين الفرصة المناسبة, ثم يسرقوا. سعرالدراجة تسعة آلاف كرونة!
ـ والتأمين؟
ـ لم أقفل الدراجة حتى تدفع شركة التأمين! سوزان قالت أن من قام بهذا الفعل هو أحد المحتالين. لقد وافقتها الرأي. لكني تألمت كثيراً, هدني الحزن والألم لهذا قررت العودة إلى البيت. قطعت بطاقة على أول طائرة عائدة إلى الوطن. حالفني الحظ مع أحد الناس, ركبت معه في السيارة إلى المطاروصعدنا على نفس الطائرة من هناك إلى موسكوثم إلى هنا. في الحقيقة, ما حدث شيئ لا يصدق...
ـ وسوزان؟
بقيت هناك, ستأتي بعد أسبوعان أوثلاثة أسابيع. قالت أن رحلتها في استراليا لم تنته بعد!
ـ لكنكم على خيرما يرام؟
ـ لم نكن أفضل مما نحن عليه الأن.
ـ وأخيراً عثرت على المرأة الحقيقية.
عضت إيكا على لسانها. لم تكف إطلاقاً عن تركه وشأنه. بالرغم من أن والدها لا يتحمل السبب في البحث عن امرأة أخرى. مع هذا, لم تدعه وشأنه.
ـ هل تريدين المشاجرة مع والدك العجوزفي هذا الوقت المتأخرمن الليل؟ أي فتاة أنت؟ ماذا أفعل معك؟ يبدوإنك حزينة إلى حد ما.
يبدو أن إيكا راغبة في السهرووالدها في حالة نشاط وحيوية. خرجا في نزهة, راحت تروي له أنها كانت تفكرأن تتصل به أو ترسل له رسالة عبرالبريد الالكتروني حتى تأخذ منه بعض النصائح والمشورة. بهدوء وموضوعية فرشت إيكا لوالدها على مائدة الحديث, وضع ياسر, والده, أمه, كذبه. عن كل ما يتعلق به من البداية مروراً بعينيه الزرق وشعره الأشقر.
ـ وأنت مستغربة لأنه تكتم عليك, أغلق على نفسه مثل المحارة؟ لا تنسي إنك شرطية. من الطبيعي أن لا يفتح لك قلبه وعقله وأسراره.
ـ ألم يكذب من قبل؟
ـ لا أعرف أيتها العجوزكيف يحس قلبك, أنت تعرفين؟
ـ توقف يا بابا. أنه خطائك أن أفعل هكذا. مشاعري متأججة دائماً, لم تستطع كلية الشرطة أن تزيلها من داخلي.
ـ لا, لأنك قمت بذلك سابقاً. هذه مسألة وراثية.
ـ بابا! لا أعرف كيف تفسرذلك. لديكَ مقدرة كبيرة على معرفة الناس, بماذا يحسوا, كيف يفكروا, يحلموا, كيف يشعروا ويعيشوا. أنا لا أريد ذلك. أنا أتعامل مع حقائق, مع تقارير, كيف سيكون شكل هذا التقريرومطابقته مع الواقع. شعرت بوضوح أن هناك فجوات حقيقية في أقواله لهذا أطلقت سراحه! أعرب هنري عن رغبته في تولي المسألة.
ـ هنري رجل أحمق.
ـ أنه شرطي جيد. ربما هكذا ينبغي أن يكون المرء.
لا يؤمن أبو إيكا بهذا الشيئ, وإيكا في الواقع تعتقد مثلما يعتقد والدها أيضاً.
تتمنى بكل سرور أن تكون مخطئة. جاء والدها ليقول لها أنها في الطريق الصواب.
ـ ماذا علي أن أفعل يا والدي؟ كل شيئ حوله مأساوي ومفجع. أنه ليس على ما يرام.
ـ أبحثي عنه. لديك عنوانه, أبحثي عنه لكن ليس كشرطية. أنت في إجازة هذه الأيام. أبحثي عنه كصديق.
ـ أنه ليس هناك. لا يرغب أن يذهب إلى البيت. لا يرغب في الذهاب إلى البيت إذا كان عمه سعيد هناك. ما يزال عمه سعيد موجوداً في البيت.
ـ غداً.. أعني, إذا نمنا بضعة ساعات يمكننا أن نذهب إليه. يمكننا أن نراقب الوضع من بعيد.
ـ أنه يكرهني.
ـ وو؟ هذا رأي مسبق. على الأغلب أنت مخطئة في هذا الجانب, عليك أن تتأكدي من معرفة ما تريدين أن تصلي إليه, هذا أمرفي غاية الاهمية.
هل قررهيكي أن يفكربالنيابة عنها مثل السابق؟ هل سمحت لوالدها أن يتولى المسؤولية عنها مرة ثانية؟ هل هناك صعوبة كبيرة أن يتولى شخص راشد مسؤولية نفسه؟ في وسط حالة الإعياء التي وجدت نفسها فيه, أرادت أن تحتج, أن تعترض, أن تخرج من حالة الصمت التي هي فيه, لكنها لم تستطع, لم تسعفها نفسها:
ـ هذا ما تريديه حقيقية. أريد أن أقول بالنبرة العالية, هذا هوما تريديه, أن يقررأبوك عنك. هذا ما يجول في أعماق أعماقك, في أعماق أفكارك. على الأقل هذا ما أعرفه عن نفسي.
هذا أكيد, لا تأخذ المسألة أكثرمن ذلك, لأنهم يقرأون أفكار بعضهم. التي سبق أن قاموا بها.
أنها تريد أن تعرف, أن تتأكد من حقيقة نفسها, تريد إجابة, ردود شافية. لكن قبل هذا وذاك عليها أن تكون هادئة.
يتبع ـ
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟