|
العالم الثالث و فن الانتقام
مصطفى العوزي
الحوار المتمدن-العدد: 2707 - 2009 / 7 / 14 - 05:01
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
ليس غريبا أن ينتقم المرء لضيم لحق به في فترة معينة من الزمان ، لكن الغريب في الأمر هو الطرق التي يتم بها الانتقام هذا ، وبما أن الإنسان هو قبل كل شيء كائن مبدع ، فانه يوظف إبداعه هذا في شتى ميادين الحياة سواء الخيرة منها أو الشريرة ، ورغم أن الانتقام واحد ، إلا أن أشكاله متنوعة ، ولعل انتقام الدول التي كانت مستعمرة في فترة ما من التاريخ من طرف قوى امبيريالية خير مثال على هذا الإبداع و التنوع الذي تحدثنا عنه ، أقول هذا و أن متأكد أن هناك من سيقول ، و هل في الانتقام إبداع ؟ ، أقول أنا نعم ، خصوصا إذا ما نظرنا إلى طبيعة هذا الانتقام ، فانتقام الدول الافرقيا من مستعمريها هو انتقام فني رياضي ، و سأذكر هنا مثالا شدتني إليه ذاكرتي وأنا أكتب هذه السطور الشاردة ، في الأسبوع الماضي قدمت قناة الجزيرة الرياضية برنامجا حول اللقاء التاريخي الذي جمع المنتخب الفرنسي مع نظيره السنغالي في نهائيات كأس العالم سنة 2002 ، هذا اللقاء الذي عرف فوزا مستحقا للسنغاليين على الفرنسيين حاملي اللقب ، و مباشرة بعد هذا الفوز عمت الفرحة جل الشوارع السنغالية ، و من بين هؤلاء المحتفلين بالفوز كان هناك شاب يخمل في يديه ديكا ، و عندما اقتربت منه الكاميرة قال لها بصوت مرتفع ، ( هذا الديك هو فرنسا و أنا سأشنقه احتفالا بفوزنا هذا ، كيف لا نحتفل و قد انتصرنا على بلد يما فعله فينا أيام الاستعمار ) ، ففرنسا عندما كانت تجتمع في مئثمرات عديدة أيام توهج الامبريالية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ، لم تكون لتعلم بأن الزمان سيدور عليها و يقهر شعبها لساعات من الزمان أو لربما لأيام ، و ذلك بسبب فوز كروي بسيط لم يكلف السنغال لامئثمرات و لا تسلح و لا دراسات سوسيو لوجية و لا أنثروبولوجيا ، و لأي شيء يسهل لها مهمة استعمار شعب يعيش استقراره أو يعيش و حشيته _كما وصفتهم الدول لاستعمارية_ رغما ما في الكلمة من تعسف ،و قد كان فوز فرنسا هذا سببا مباشرا في في عدم تمكن الديك الفرنسي من بلوغ الدور الثاني للمونديال و خروجه مبكرا من هذا الحدث الكروي العالمي ، إن ساعات القهر أو أيام القهر التي عاشها الفرنسيون بسبب هذه الهزيمة ربما كانت شدتها أقوى من شدة القهر الذي عاشه السنغاليون أيام الاحتلال الفرنسي ، غير إن الفرق كبير بين القهريين ، ففرنسا و كباقي الدول اللمبيريالية كان دخولها للمستعمرات مكلف جدا ، و كانت التكاليف تزداد كلما ازدد طماع الدولة لاستعمارية في قطر ما من العالم ، فاحتلال فرنسا للجزائر لم يتم إلا بعد خوضها لمعارك طاحنة ضد المقاومة الجزائرية بقيادة الأمير عبد القادر الجزائري ، بينما في احتلالها المغرب فرنسا ستكلف نفقات هامة القيام بأبحاث سوسيولوجية تهدف من خلالها الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات حول تنظيم المغرب الداخلي و الشامل لكل الميادين ( سياسية و دينية و اقتصادية ) وذلك بغية تسهيل مأمورية الدخول إلى المغرب بدون صراعات و لا معارك و لا قتال ، أو كما نقول في المثل الشعبي ( فرنسا بغت تزول الشوكة بلا دم ) و لعل أبحاث السوسيولوجين الفرنسيين أمثال ميشو بلير و روبير مونطاني خير مثال على ما نقول. اليوم الاستعمار الفرنسي خرج من المغرب ، لكنه ترك عدة أبناء له منهم من هو شرعي و منهم من هو غير شرعي ، أما الأبناء الشرعيون لفرنسا فهم الشريكات الفرنسية المستثمرة في المغرب و التي لازالت تستغله إلى حد كبير و تنقل ثمرات استغلالها إلى بلدها الأم فرنسا ، و أما الأبناء الغير شرعيون فهم أولائك الذين يدعون المعرفة المطلقة و يتربعون على كراسي الجامعات و المعاهد العلي و الوزارات و المؤسسات العليا بالبلد و الذين يرفضون الكلام مع المغربي القح لسبب واحد هو انه لايجيد اللغة الفرنسية ، كما إن جل الوثائق التي يخطنها بأيدهم لاتكتب إلا بلغة موليير ، هؤلاء هم من يسرون على أن يظل التعليم في المغرب مفرنسا ،و حجتهم هو إن اللغة الفرنسية لغة العلوم ، لكن الحقيقة عكس ذلك ، فالفرنسية هي لغة الشعر و الرواية و القصة ، وهما يكون فان تدريس العلوم بلغة أهل البلد هو أفضل بكثير من تدريسها بلغة يجهلها معظم سكان بلد نسبته في الأمية عالية بشكل ملحوظ ، كما أن التدريس بلغة أهل البلد كفيل بالحصول على مرد ودية هامة ، و المثال السودان و التي تدرس جل موادها باللغة العربية و تعد من أوائل الدول العربية التي تمتز بمستوى تعليمي جيد. الآن و بعد كل هذا من حقنا أن نتساءل، السنغال انتقمت من فرنسا البلد المستعمر، ونحن في المغرب ماذا فعلنا ؟ هنا أقول أننا نحن بدورنا انتقمنا من فرنسا ولو أن انتقمنا كان أقل وزنا، لكن كيف؟ لقد انتقمت أنا و انتقمت أنت و أنت (بكسر التاء) و انتقمنا جميعا بمجرد فرحتنا و قولنا مع السنغالين( كوووووووووووول).
#مصطفى_العوزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العربية ... اللغة و العصر
-
لماذا تقدم الغرب و تاخر الشرق
-
سيجارة مارلبورو
-
الحلوة دي في قفص العولمة
-
هل نحن مجتمع قارئ ؟
-
المرأة : الضحية الاولى للعولمة
-
ستظل الخطيبي في الذاكرة موشوما
-
لصوص دون كيشوت و انتهاكات حقوق الانسان
-
رحلة
-
كسكس شبابي
-
التسول فيه و فيه
-
في مفهوم السلطة
-
نصف قرن على مرور الثورة الكوبية ... فمتى تأتي الثورة العربية
-
معبر مسدود
-
غارة و مات الحراس
-
احتفالات بألوان الدم و الجزن
-
هبة من أصيلة
-
يا الرايح
-
يوميات مهاجر سري : الهجرة بعيون من عاشوها
-
سجارة مارلبورو
المزيد.....
-
متحدثة البيت الأبيض: أوقفنا مساعدات بـ50 مليون دولار لغزة اس
...
-
مصدر لـCNN: مبعوث ترامب للشرق الأوسط يلتقي نتنياهو الأربعاء
...
-
عناصر شركات خاصة قطرية ومصرية وأمريكية يفتشون مركبات العائدي
...
-
بعد إبلاغها بقرار سيد البيت الأبيض.. إسرائيل تعلق على عزم تر
...
-
أكسيوس: أمريكا ترسل دفعة من صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا
-
ميزات جديدة لآيفون مع تحديث iOS 18.4
-
موقع عبري يكشف شروط إسرائيل لسحب قواتها من الأراضي السورية ب
...
-
مصر.. -زاحف- غريب يثير فزعا بالبلاد ووزيرة البيئة تتدخل
-
تسعى أوروبا الغربية منذ سنوات عديدة إلى العثور على رجال ونسا
...
-
رئيس الوزراء الإسرائيلي: ترامب وجه لي دعوة لزيارة البيت الأب
...
المزيد.....
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
/ مازن كم الماز
-
روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي
/ فاروق الصيّاحي
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
/ محمد علي مقلد
-
حرب التحرير في البانيا
/ محمد شيخو
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
/ خالد الكزولي
-
عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر
/ أحمد القصير
-
الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي
/ معز الراجحي
-
البلشفية وقضايا الثورة الصينية
/ ستالين
المزيد.....
|