سعد جميل
الحوار المتمدن-العدد: 2703 - 2009 / 7 / 10 - 10:05
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
عندما بدأت افكاري في فترة العشرينات من عمري تتحول من افكار تعتمد على المسلمات الدينية وبعض الاعراف والتقاليد الاجتماعية الخاطئة الى الافكار والاراء العقلانية, واجهتُ عندها صعوبة في قبول فكرة اعطاء المرأة الحرية الكاملة. حيث إني كنت اؤمن بضرورة اخراج المراة من الحال المزري التي هي عليه واعطائها مساحة واسعة من الحرية ومن حق القبول والرفض وإدلاء الرأي على ان لا تكون هذه الحرية مطلقة بل يجب ان نقيدها ببعض القيود والخطوط الحمر حتى لا تتمادى في سلوكياتها.
كنت بصراحة اعتقد بأن المرأة لو اخذت كامل حريتها فإنها سوف تستغلها في سلوكيات خاطئة وسوف تترك بيتها وزوجها واطفالها لتجري وراء ملذاتها الجنسية, طبعا انا اعتذر من الجميع على هذه العبارات الساذجة لكن هذا بالفعل ما كان يتردد على بالي في تلك الفترة. ولكن وبصراحة ايضا كان هناك شعور في داخلي يقول لي ان هذا الذي تفكر به فيه ظلم واهانة للمرأة, مع هذا لم يرتقي هذا الشعور في ذلك الوقت الى الحد الذي يجعلني ارفض هذه الفكرة بل كنت اجدها صحيحة من اجل مجتمع غير منحل اخلاقيا.
بالرغم من ان افكار اخرى قد تبدو اكبر واعقد استطعت تجاوزها في تلك الفترة كفكرة إن الاديان ما هي إلا اعراف اجتماعية لزمان ومكان معين وإن لا وجود لشيء اسمه الله وإنما هو من صنع مخيلة الانسان, إلا إني لم استطع قبول فكرة اعطاء المرأة مطلق الحرية. وانا اليوم عندما افكر في هذا الامر اعتقد بان كان هناك سببين لرفضي هذه الفكرة. الاول وكما تقول الدكتورة وفاء سلطان انها كانت موجودة في اعماق اللاوعي لذلك فهي تحتاج الى فترة اطول من اجل تغييرها او ازالتها. اما السبب الثاني فهو ان مفهومي لمعنى الحرية كان ناقصا إن لم نقل خاطئا فنحن لم نتربى على ان نكون احرار ولم نتعلم الاهداف السامية لمعنى حرية الفرد وحرية المجتمع لا في البيت ولا في المدرسة. بل بالعكس كانوا دائما يربطون بين الحرية وبين الغرب المنحل اخلاقيا وهي بحد ذاتها مأساة كبيرة تستحق تظافر جميع الجهود ليس من اجل شرح تلك المأساة ولكن من اجل مستقبل افضل للاجيال القادمة وضرورة توعيتهم ومنذ الصغر على ان يكونوا افراد مجتمعات حرة.
هذا الشيء ارّقني كثيرا ولسنين طويلة والسبب في ذلك هو اني كنت اقرأ كثيرا لكتّاب لبراليين وتنويريين وكانوا يدعون الى ضرورة العمل على اعطاء الانسان الحرية الكاملة بغض النظر عن جنسه. لكن لماذا لا تريد هذه الفكرة ان تدخل الى وعيّ هو الذي كان يؤرقني لانه من غير المعقول ان اكون انا على صواب وهؤلاء الكبار الذين لديهم باع طويل في هذا المجال على خطأ.
ونظرا لاني كنت مواظبا على متابعة ما يكتبه التنويريين بدأت افكاري تنضج اكثر واكثر واصبح لمفهوم الحرية عندي معاني كبيرة وجميلة ومهمة بعد ان كنت في السابق قد اختزلت جزءا كبيرا من مفهوم الحرية في الجنس. فالحرية اصبحت بالنسبة لي قوة وطمأنينة وسلام وحياة افضل, فالفرد الحر هو فرد قوي بافكاره واراءه وسلوكياته لانه بكل بساطة هو من اختار هذه الافكار والسلوكيات بعد ان وجد فيها ما يناسبه. والفرد الحر هو انسان مبدع ومنتج لانه بكل بساطة ينتفض بوجه رب العمل اذا ساءت ظروف العمل ولا يجد رب العمل حينها اي حيلة إلا تحسين هذه الظروف وعندها يتحسن الانتاج ويظهر الابداع. والمجتمع الحر هو مجتمع يتقدم بخطوات كبيرة نحو حياة افضل لأن له كامل الحرية في قبوله او رفضه للافكار والسلوكيات والسياسات.
اصبح اذا السؤال عن “هل يمكن ان نعطي المراة كامل الحرية” في غير محله لأننا كمن يقف بوجه المراة في اختيارها لحياة افضل. ثم لماذا نسمح اصلا لانفسنا نحن الرجال ان نطرح هذا التساؤل ومن الذي خولنا بذلك. اليس من المفروض ان يكون العكس هو الصحيح اي ان المراة هي التي تسأل هذا السؤال للرجل اذا وافقنا جدلا على الربط بين الانحلال الاخلاقي والحرية الشخصية. فأنا برأيّ إن الانحراف نحو الممارسات الخاطئة تكون اسرع عند الذكور منه عند الاناث لسببين رئيسيين:
اولهما ان النضوج العقلي عند الاناث يبدأ في مرحلة مبكرة من عمر المراهقة ويحتاج الى سنين قليلة حتى يكتمل والسبب في ذلك هو لكي تكون الانثى مهيئة لتحمل اعباء ومتطلبات المولود الجديد في حالة حصول هذا الشيء. اما النضوج العقلي عند الذكر فيحصل في مرحلة لاحقة ويستلزم فترة اطول وذلك لان الطبيعة لم تحمله مسؤلية كبيرة كالتي حمّلتها للانثى ولذلك اخذ عقل الذكر راحته إن جاز التعبير ولم يستعجل النضوج. وعلى هذا الاساس فمن غير المعقول ان ينجرف اصحاب العقول الناضجة الى الانحلال الجنسي والاخلاقي اسرع من اصحاب العقول الاقل نضجا.
والسبب الثاني هو ان الذكر اكثر ميال الى ممارسة الجنس من الانثى, وإن السياق الطبيعي التاريخي للانسان والممتد لملايين السنين يخبرنا بأن الطبيعة قد اعطت الذكر مهمة رئيسية واحدة وهي ممارسة الجنس من اجل الحفاظ على النوع من الانقراض. ومن اجل هذه المهمة كان الذكر يضاجع اكبر عدد ممكن من الاناث من اجل توزيع جيناته في اكثر من مكان وبالتالي تكون احتمالية بقاء النوع اكبر. طبعا انا هنا اتكلم من الناحية العلمية الطبيعية لحياة وسلوكيات الانسان الذي عاش في العصور القديمة جدا والذي كان يشبه الى حد كبير ما كانت تقوم به الحيوانات الاخرى.
في العصر الحاضر اصبح الانسان يملك عقلا مفكرا وقابل للتطور مع الزمن ويعيش في مجتمعات مدنية, ولكن مع الاسف مازالت ترسبات الماضي موجودة فينا ولازال الرجال يلهثون وراء النساء (الكلام هنا بشكل عام طبعا) وبطرق مختلفة كتعدد الزوجات والمتعة والمسيار وايضا بطرق اخرى غير اخلاقية وهي برأي كلها اوجه مختلفة لعملة واحدة. كل هذا بالرغم من اننا ما عدنا نحتاج اليوم لأن يوزع الرجل جيناته من اجل الحفاظ على النوع من الانقراض. فنحن نعيش في القرن الواحد والعشرين ومن المفروض ان يحصل الطفل على الرعاية الصحية التي تحميه ضد الامراض الفتاكة وبذلك تكون المخاوف من انقراض الانسان غير واردة تماما. لكننا نجد في بعض الاحيان عكس هذا تماما حيث ان بعض الرجال يتمادى في ممارساته الجنسية إن سمحت له امكانياته المادية والصحية.
اما المرأة فهي تمارس الجنس مع زوجها او مع من تحبه لا غير, وتعتبر الممارسة مع اكثر من رجل هي ممارسة حيوانية مشمئزة (والكلام دائما بشكل عام). والجنس لا ياتي عندها في المقام الاول بل الامومة وحضانة الطفل واعطاءه الحب والحنان هي من اهم اولوياتها. فلماذا لا يكون الرجل ايضا هكذا ولماذا لا يعلّم نفسه السلوكيات الصحيحة المفيدة التي ستنعكس بالنفع على اطفاله, ولماذا لايكون قنوع بإمرأة واحدة, رغم يقيني بأن الغالبية لهم امرأة واحدة اذا استثنينا العلاقات الخاطئة خارج نطاق الزواج. لكن هذا لا يكفي لان الغالبية الساحقة من الرجال يؤمنون بان لهم الحق في ان “يمتلكوا” اكثر من واحدة, وهذا فيه اهانة للمراة. واي اهانة لاي مكون من مكونات المجتمع ينعكس بصورة سلبية على تقدم ذلك المجتمع.
في الدول الغربية الحرة المتقدمة ومنذ ان بدأت المراة بالحصول على الحرية بمعناها الصحيح بدأت مجتمعاتهم تخطو خطوات صحيحة نحو الامام بفضل انتفاضة المراة ضد الممارسات الذكورية الخاطئة. ساعدتها في انتفاضتها هذه جمعيات حقوق الانسان اضافة الى اعتماد الحكومات هناك على ذوي الاختصاص في تشريع القوانين وفي كل المجالات ومنها الاجتماعية وفي مجال حقوق المراة والطفل, ولم يعتمدوا في تشريعاتهم على رجال الدين والذين يناصرون ابناء جلدتهم من الذكور على طول الخط.
كانت الانتفاضة الاولى الكبيرة هي ضد العنف الذي كان يمارس بحقها من قبل الرجل واجبرت المجتمع ان يسن قوانين تردع الرجل اذا اعتدى على امراته. وعندما قل العنف في البيت قل العنف بين الاطفال لان العنف يولد العنف, وظهرت اجيال جديدة ومن ثم مجتمعات كاملة لا تعرف من العنف الا القليل. وهذا ما نلاحظه اليوم في سلوكياتهم وفي تعاملهم مع بعضهم والتي تخلو تقريبا من اي عنف على عكس مجتمعاتنا التي لا نلاحظ فيها الا العنف.
نعم هذا مثال واحد على ما استطاعت ان تفعله المراة عندما اخذت حريتها حيث استطاعت ان تقضي على سلوك ذكوري خاطئ متفشي في المجتمع ولم يكن هذا ليتحقق لولا حريتها وارادتها على انجاز الافضل. هذه الحرية التي اكتسبتها المراة لم تستغلها لأهوائها الجنسية كما كان يظن كاتب المقال في وقت من الاوقات, بل استغلتها لخدمة المجتمع والذي يشكل فيه اطفالها الجزء الاكبر.
إن حقوق الانسان وحقوق المراة بالذات وحريتها ستدخل بلادنا شئنا ام أبينا. ولأن هذه الحقوق هي ليست بضاعة نستوردها وانما هو فكر يترسخ في عقول الناس لذا فإن هذا الامر يستلزم وقتا ليس بالقصير قبل ان تظهر نتائجه بين ابناء المجتمع. لذا يجب على كل من يؤمن بأهمية ان يكون الانسان حرا ان يبدأ من الان في توعية من حوله من اجل ترسيخ هذه المفاهيم والافكار في المجتمع. وستلعب المرأة الدور الاساسي في هذه المهمة من خلال دورها في تربية الاطفال على مبادئ سامية مثل المساواة بين الاطفال وعدم التمييز بحجة ان هذا ولد وهذه بنت. وستقع عليك يا ايتها المرأة مسؤلية اخرى وهي تربية حبيبك او زوجك ولا عيب او مشكلة في ذلك فانت المربية الوحيدة في هذه الحياة ولجميع الاجيال. نعم فانت من تستطيعين ان تغيري من سلوكياته وان تنفضي عنه الافكار الخاطئة. ومَن غيرك يملك النضج والكمال حتى يستطيع ان يقوم بهذا الدور, فما عليك الا ان تأخذيه من يده وتريه الطريق الصحيح وتعلميه الحب والحنان من اجل مجتمع افضل, ولك التوفيق سيدتي.
#سعد_جميل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟