أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سليم سوزه - المقدس وخطر انهيار المعنى














المزيد.....


المقدس وخطر انهيار المعنى


سليم سوزه

الحوار المتمدن-العدد: 2699 - 2009 / 7 / 6 - 06:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"المقدس" تلك هي المفردة التي تعاملت معها الفلسفات المختلفة عبر تاريخ تكوين البشرية ومراحل تطورها، فكرّست لها جهوداً مضنية من اجل الوصول إلى أعماق هذه الكلمة ودلالاتها اللغوية والنفسية والاجتماعية على المجتمع .. لكنها ظلت بدءاً من الفلسفة الإغريقية وانتهاءاً بعصر ما بعد الحداثة (التفكيك والاختلاف) مروراً بالوجودية والبنيوية تعاني صراعاً شديداً لفهم ماهية هذا الأقنيم لما تمثله من ميكانزم خفي يدفع لكل ما هو غير محسوس، حتى إنها وجدت نفسها لم تقدم شيئاً لتفسير هذه الكلمة سوى نظريات طوباوية طافت على شواطئها دون أعماقها.

فتارة ً العقل هو المقدس، وأخرى الروح أو الله أو الطبيعة أو الكلمة أو الإنسان وهكذا دواليك. كل حقبة تحاول أن تخلق لها مقدساً يُستوحى من واقعها المحسوس والمنظور ومن ثم تُمارس عملية أسطرة قسرية على هذا المعنى، لتحوّله من لا شيء لشيء، ومن منتهي للامنتهي، ومن محسوس للامحسوس, لتتشكل بعدها المنظومة العقائدية للإنسان وتتهيأ الذات لاستقبال كل هذه المعاني دون أدنى اعتراض أو سؤال مَن هم هؤلاء؟ ومَن أعطاهم القدسية؟ وهل فعلاً هم مقدّسون؟ وما هي تركيبة المقدس؟ هل تختلف عنا في شيء؟

أعوذ بالله, لست أنا من يسأل ذلك، بل شيطاني يفعل أو قل غريزتي أو كلماتي أو طبيعتي أو الإنسان عموماً، وهنا انتقلت هذه الأسماء من سنخ التقديس إلى سنخ التدنيس، فلم تعد مقدسة بعد الآن.

فبعد أن كان العقل مقدساً لدى الفلاسفة القدامى، أصبحت الروح كذلك عند الباطنيين، والطبيعة بعدها عند الماديين، ثم الإنسان عند الوجوديين، فالكلمة عند البنيويين، والله عند المؤمنين (اليهود والنصارى والمسلمين)، حتى بنا نصل إلى نظرية لا شيء مقدس عند الحداثويين، وهنا تكمن الخطورة فكل شيء مباح طالما لا يوجد مقدس وكل شيء للإنسان وفي الإنسان وعلى الإنسان ولا غير ذلك.

هذا ما يُسمّى بعملية انحراف المعنى عن الذات، وسبب ذلك التراكمات الأخلاقية والاجتماعية التي أنتجها المقدس في المجتمع أو الفهم الخاطئ لهذا المقدس .. مما جعل بعضهم يحاول تفكيك كل ما هو مقدس ويتجرأ الغور في أسباره لكشف المسكوت عنه أو الغائب عن النص فيه , فمثلاً محاولة المفكر المصري نصر حامد أبو زيد التعامل مع القرآن الكريم على انه نص تاريخي وتراثي فقط، أي حادثة تاريخية في حياة هذه الأمة، تأتي في هذا السياق حيث لا يمكن لأبي زيد أن ينتقد أي فقرة من فقرات القرآن ما لم يتم نزع الهالة القدسية عنه أولا ً ومن ثم جرأة التجريح والتعديل والنقد لأنه لم يعد مقدساً بعد، مثله مثل أي نص شعري تركه لنا شاعر عربي عبر التاريخ ليكون بمقدورنا نقده وتفسيره على ما نريد وكيفما نحب.

ليس فقط أبو زيد وحده في هذا الميدان من المفكرين العرب، بل هناك مَن يشاطره في ذلك كمحمد عابد الجابري ومحمد آرغون وغيرهم ممّن لم يصرحوا علناً بذلك، ودعوا إلى إعادة قراءة النصوص المقدسة بما فيها النصوص الإسلامية وفق المنهج الابستملوجي الحديث الخاضع إلى الجرأة والنقد، إلاّ إن طروحاتهم لم تكن فيها المباشرية، بل كانت خجولة وضبابية خوفاً من الإرهاب الأصولي الذي لا يرحم إطلاقاً حينما تتعلق المسألة بالثالوث الأقدس (الدين, السياسة, الجنس).

لست هنا في معرض الحديث عن الموروث الإسلامي والديني أو عن المقدس بمعنى الخالق عز وجل، بقدر ما أريد أن أسلط الضوء على المقدس كرمز وحقيقة وكيف انزلق معنى الكلمة من بين أصابعنا ليتحوّل من شيء جميل وشيء راقي كان يمثل هدفاً للوجود الإنساني السامي وصورة لتكامله الأمثل كما أجمعت على ذلك كل الفلسفات التي ذكرناها، إلى شيء مخيف ومرعب يسحق كل من خالفه ويدمر كل من لا يرتضي له رأياً أو يسمع له قولاً.

المقدس الموجود في كل زمان ومكان وفي كل الملل والنحل الذي يعرف كل شيء ويفهم كل شيء ويستوعب كل شيء ويُنظّر لكل شيء، ولا يمكن لك أن تخالفه لأنك لامحالة سوف تفقد رأسك بداعي التمرّد والكفر، وسيُبدع وعي المجتمع الجمعي في أيجاد ما هو مناسب من التهم كي يلبسك إياها.

أرأيتم كم خطورة أن ينهار معنى المقدس في المنظور الأخلاقي والاجتماعي وما يسببه من تأثير سلبي على المجتمع برمته.

كيف لهذا المجتمع ان يحترم مقدساً يذبح بيده ويقتل الأبرياء وينهب الأموال وهو المفروض أن يكون أسوة ً لهم.

اما الأخطر من وجهة نظر المجتمع فهو انهيار ذلك المقدس دينياً، حيث ستتزعزع الثقة بكل مقدس بما في ذلك الخالق عز وجل، حينها لا تكون هناك أي قيمة للقدسية نتيجة التصرفات اللامسؤولة التي تنسب إليه عبر مَن نصّبوا أنفسهم اولياءاً له من فقهاء الضلالة وأئمة التكفير الذين ما انفكوا يحاولون تفخيخ العقل العربي بعبوات جهلهم اللامحدود.




#سليم_سوزه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اين حريتي
- ليست ولاية الفقيه في مأزق تاريخي بل الحوار المتمدن
- هل فشل الاسلام في ايران؟
- النظام الاسلامي في ايران والثورة الخضراء
- الى دولة رئيس الوزراء ووزير المُهجّرين المحترمين
- وَحدَه أدونيس يُلهمني
- الى الحركة الشعبية لاجتثاث البعث، البعثي بعثي ولو طوّقته بال ...
- معسكر اشرف يُطيح برأس الربيعي
- بعيداً عن السياسة وقليلاً من الفكاهة، هادي ابو رجل الخضرة
- امتيازات اعضاء مجلس النواب العراقي
- محكمة الفيليين ام محكمة سامية عزيز؟
- الدويتو، ظاهرة جديدة في عالم الكتابة
- صراع اتحاد كرة القدم، الى اين!!!
- ايرانيون وان لم ننتم
- ثقافة الاستقالة ودورها في تأصيل المجتمعات المسؤولة
- حزب الدعوة يُشهر كارته الاصفر بوجه المجلس الاعلى
- وجهة نظر في المُعترك الانتخابي القائم
- -مدنيون- في مدينة الصدر
- انبثاق الاتحاد العراقي لاساتذة الجامعات والكفاءات المستقل
- (قندرة) تصنع بطلاً قومياً جديداً


المزيد.....




- جوائز غرامي الـ67.. قائمة بأبرز الفائزين
- الشرع يغادر المملكة العربية السعودية.. ماذا دار في حديثه مع ...
- تصعيد عسكري في جنين ومجموع القتلى بغزة يصل 61 ألفا ونتنياهو ...
- مهرجان -بامبلونادا ريمنسي- يحاكي سباق الثيران الإسباني في لي ...
- إجلاء أطفال مرضى من غزة بعد إعادة فتح معبر رفح
- مذيعة سورية تجهش بالبكاء وتناشد الشرع المساعدة في الكشف عن م ...
- القوات الروسية تواصل تقدمها وتكبّد قوات كييف خسائر فادحة
- قادة الاتحاد الأوروبي يجتمعون مع ستارمر وروته لبحث تحديات ال ...
- بيسكوف: الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته فلاديمير زيلينسكي ...
- السعودية.. تنفيذ حكم القتل تعزيرا في مواطن بتهمة -تهريب المخ ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سليم سوزه - المقدس وخطر انهيار المعنى