مهند صلاحات
الحوار المتمدن-العدد: 823 - 2004 / 5 / 3 - 07:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بدأت الانتخابات الرئاسية الأمريكية بالدخول لباب المواجهة الحقيقية والحسم, ومع بدء ما يسمى استفتاءات الرأي العام الأمريكي تدخل هذه المعركة, معركة المواجهة الانتخابية على الرئاسة الأمريكية مرحلتها شبه الحاسمة. وتستمر المنافسة بين بوش المرشح الجمهوري وجون كيري المرشح الديمقراطي. وتشير استطلاعات الرأي هذه إلى ترجيح كفة المرشح الديمقراطي جون كيري على كفة الرئيس الجمهوري الحالي بوش, لما يتهم الشعب الأمريكي فيه جورج بوش من تقصير بوجباته الداخلية لصالح حروبه الخارجية التي تخدم الشركات الكبرى وإغراق الشعب الأمريكي بالضرائب, وقتل الحريات بعد 11/أيلول وما سيأتي بالطريق سيكون أكثر حين تكشف المحكمة الشبه صورية لجورج بوش لتقصيره في إيقاف هجمات 11/سبتمبر رغم معرفته المسبقة بهذه الهجمات (وربما جهل الشعب الأمريكي بسياسة حكومته هي التي دعته يصدق ما يقال بأن حزب بوش ليس هو المدبر لهذه الهجمات ). إلا أن المهم في هذه الانتخابات هو أن إسرائيل هي أحد العناوين المهمة والرئيسية في حملة الانتخابات الجارية كما هي في كل انتخابات رئاسية أمريكية سابقة, فبوش الابن يظهر انحيازًا كاملا قولاً وفعلاً لسياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين والعرب جميعا ويؤيد شارون ويدعوه بالصديق المخلص لأمريكا ويظهر عداء واضحًا للشعوب العربية. ولا تختلف دعاية كيري عن بوش بالنسبة لهذه المواضع الحساسة.
إن الولايات المتحدة دولة عظمى رأسمالية واحتكارية وهي بعبارة وصف أوضح عبارة عن دولة الشركات, والقانون الذي يحكمها هو قانون الشركات , الشركات إياها التي تدعم الحملات الانتخابية هي التي تستثمر الآن في العراق في منشأة النفط والغاز وغيرها من خيرات العراق ومن أراد أن يكون لها رئيسًا عليه أن يكون رمزًا من رموز الرأسمالية والاحتكار في قطاع النفط والمال والمعلوماتية من ناحية ومن ناحية أخرى أن يكون قد نال رضا كبرى الشركات وأعطاها الأمل والوعد في حصصها القادمة في أي حرب قادمة وان يدعمه حزب كبير مثل الحزب الجمهوري أو الديمقراطي.
هذه أولى مبادئ اللعبة الرئاسية ويبدو أن الغالبية الساحقة للشعب الأمريكي قد أدركت انه لا إمكانية ولا مجال لان يخرج التنافس عن خارج دائرة الحزبين الكبيرين والتقليديين.
إن الحرب ضد العراق التي خاضها بوش الابن بصورة فاجأت العالم لم تكن بقرار حكومي أو قرار مجلس الشيوخ بل كانت قرار شركات بدأت بالضغط على بوش لخوض الحرب التي يذهب يوميا ضحيتها مئات الأبرياء العراقيين والجنود الأمريكان, هذه الشركات التي تؤمن بان راس المال أساس الوجود الأمريكي ومنصة حكمها وسيطرتها المجنونة على العالم لا يهمها من سيموت بالحرب ولا يهمها مشاعر أهل الجندي الأمريكي الذي سيحرق بداخل سيارته كما يحدث بالفالوجة بقدر ما يهمها أن تسرع باستثمار النفط العراقي ثمنا لقيامهم بدعم الرئيس جورج بوش والملايين التي ستدخل رصيده في البنوك ثمنا لوفائه بوعده بخوض الحرب.
إنني من ناحية بالرغم من ما جاءت به نتائج الاستفتاءات السابقة والمظاهرات التي عمت الشارع الأمريكي أرجح كفة بوش للفوز بالانتخابات القادمة على كفة كيري, لأنه للناظر الحقيقي يعلم أن الذي ينجح هو من يستطيع جمع رضا شركات أكثر من رضا الشعوب.
الشعب الأمريكي ليس كما يظن البعض له القدرة على تحديد الرئيس القادم لكن الحدث والوقائع هي التي تحدد, إن ما قام به الحزب الجمهوري من أعمال من تدبيره لمؤامرة 11/سبتمبر وخوضه الحروب لصالح الشركات الحليفة في أفغانستان والعراق ليس عملا مدبرا لفترة حكم تستمر ل 4 سنوات فقط ولكنها مؤامرة مدبرة لتستمر على الأقل ل 8 سنوات حتى تستطيع الشركات الحليفة من إتمام المهمة الكاملة وتثبيت نفسها في العراق والدول المحيطة.
كذلك إن الأوراق الرابحة التي يلعب بها بوش الابن بحزبه والتي تظهر في كل ساعة بالتأكيد سترجح كفته في الانتخابات القادمة, فمرة إلقاء القبض على صدام حسين الذي هو في يد أمريكا منذ بدايات سقوط بغداد, وكذلك أوراق اللعب ال52 التي تحمل رؤوس قادة البعث هي بالفعل جواكر يستخدمها الحزب الجمهوري في كل لحظة لرفع مكانته إن حاولت الهبوط , كتصفية ابني صدام مثال, وكذلك رفع المكافئة في القبض على الزرقاوي في العراق الذي هو بين يديها منذ زمن , وأيضا إثارة الحرب الطائفية في العراق التي يتحجج الحزب بأنه بحاجة لفترة أطول حتى يتمكن من تهدئة الأوضاع فيها بعد التحرير والتخلص من الإرهابيين الكبار الذين صار مقرهم اليوم العراق بعد أفغانستان كالزرقاوي وعزت إبراهيم الدوري , جميعها أوراق لا يملك مثلها كيري,
لكن وان كان بوش أو كيري فهما بالحقيقة وجهان لعملة واحدة , فالصراع بينهما ليس على من يحقق السلام للعالم ولا لكف يد إسرائيل عن مذابحها , ولكن لمن يحقق أرباح الشركات الرأسمالية .
فما دورنا نحن كعرب ومسلمين في المنطقة وفي داخل أمريكا؟
إن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق العرب والمسلمين في داخل أمريكا أكثر بكثير مما يمكن أن نعمله نحن في خارجها
فإنهم أي العرب والمسلمون في داخل أمريكا وبصورة رئيسية منقسمين إلى قسمين كبيرين, جزء لصالح بوش والأخر لصالح كيري إلا في حالات يكون هناك مرشح ثالث للرئاسة جدي يكون الأقرب لهم ولأهدافهم
فمن أين يمكن أن يأتينا مرشحنا الذي نقبل به ويحقق ربما ما يمكن أن نسميه مصالحنا ؟
ربما طرح اسم مثل المرشح رالف نادر يكون غريبا أو ربما سيقول البعض عنه خياليا لكن إن بحثنا بعمق في هذا الشخص سيجعل لدينا أملا إن لم يكون اليوم فربما مستقبلا أننا كعرب استطعنا إيجاد قرار لنا مستقل عن قرار الشركات في أمريكا. فمن هو رالف نادر هذا!
انه لا يمثل الرأسمالية الأمريكية ولم يكن أبدا رمزًا فمن رموز الاحتكارات النفطية وغيرها. بل انه إنسان مؤمن بمبادئه وذو سمعة طيبة وثقافة عالية وكفاءة علمية. وهو مدافع عنيد عن حقوق الإنسان.
رالف نادر كما يمكن قراءته عبر تاريخه:
إن رالف نادر أمريكي ينحدر من اصل عربي لبناني هاجرت عائلته قبل نحو مئة من الزمان إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
محامي, يعمل ناشطا في عدد من الجمعيات ومنظمات حقوق الإنسان والبيئة وله مؤيدين مؤمنين بعدالته وقدرته على تحقيقها.
دخل الانتخابات الأمريكية سابقا وحصل على 3% فقط من الأصوات لعدم معرفة الناس فيه وحقيقته وعدم قدرة العرب والمسلمين على قراءته بطريقة صحيحة.
إن رالف نادر يدرك صعوبة وخطورة دخوله المنافسة بطبيعة مهنته كمحام وتجربته العملية وهو العارف بالقانون والمواطنة وحقوقها.
لقد شكل نادر ظاهرة لافتة للنظر في الانتخابات السابقة التي حصل فيها على ثلاثة بالمائة من الأصوات. وهو الآن يعاود الكرة في ترشيح نفسه للرئاسة مصرًا على انه لا يقرأ التجربة في إطار الربح والخسارة، أي أن ينتخب رئيسًا أم لا، بل في إطار جعل هذه التجربة والظاهرة أمرا طبيعيًا وعاديًا مع توسيع القاعدة الشعبية لهذا التوجه لكسر احتكار الحزبين الكبيرين (الديمقراطي والجمهوري ).
وهو الطريق الثالث لخطاب سياسي أخر غير الموجود على الساحة الأمريكية التقليدية. لقد كان لخطابه السياسي في الانتخابات السابقة معنى واحتل مساحة ما في خضم الضوضاء والضجيج الأمريكي وتسلط الحزبين الكبيرين، لعل تجربته تتسع وتكبر لتكسر ذلك الاحتكار ويصبح مستقبلا طريقًا ثالثًا له وزنه وثقله وقد يشكل تهديدًا جديًا للحزبين الكبيرين عندما تستفيق غالبية الشعب الأمريكي وتصحو من سباتها السياسي العميق.
* رالف نادر والعداء الصهيوني له:
ونعود قليلاً إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة حين هوجم المرشح للرئاسة آنذاك رالف نادر من قبل الصهيونية ومؤيدي المرشحين، وقد عابوا عليه انه ينحدر من اصل لبناني مهاجر وانه يعرف العربية جيدًا، وقد قال احدهم أن نادر هو "عربي قذر يريد تدمير دولة إسرائيل".
وقف نادر موقفًا شجاعًا من الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وقال إن الولايات المتحدة تأخذ موقفًا منحازًا لجهة واحدة وهي إسرائيل، وهي بذات الوقت تريد التوسط وهذا مستحيل لان مصلحة الأحزاب الأمريكية مرتبطة وشركاتها مع وجود إسرائيل ككيان فيما أسمته بالشرق الأوسط.
دعا نادر إلى تعليق المساعدات الأمريكية لإسرائيل وإقامة الدولة الفلسطينية.
لقد كان رالف نادر مرشح الرئاسة الأول في أمريكا الذي قام بجرأة على انتقاد إسرائيل والمساعدات الأمريكية العمياء للكيان الصهيوني.
ومع ذلك رأينا بأن العرب والمسلمين قد كوّنوا كتلة انتخابية واحدة واحتضنوا جورج بوش الابن في انتخابات الرئاسة عام 2000، فقام الرئيس بوش وكافئ العرب والمسلمين في ولاية فلوريدا الذين أفسحوا له الطريق ليدخل إلى البيت الأبيض وضمنوا له أكثر من أربعة وستين آلف صوت في تلك الولاية بان يقوم باحتلال بلاد المسلمين والعرب في أفغانستان والعراق وتهديد سوريا والتدخل الحقير في كل الدول العربية دون استثناء وإطلاق يد المجرم شارون في ذبح الفلسطينيين واعتباره صديقا حميما وتبني كل مواقفه في مجلس الأمن والأمم المتحدة.
إن أهمية أصوات المسلمين في الولايات المتحدة بلغت بالأرقام نحو 2,5 مليون صوت لبوش. أما اهتمامهم في أمريكا لحلبة المنافسة على أصوات الرئاسة فهي تنبع من حرصهم على الاهتمام الرئاسي بأوطانهم ونحو القدس والأراضي المقدسة والقضية الفلسطينية واليوم يضاف لها العراق وأفغانستان كبلاد عربية و إسلامية دخلها بوش حليفهم السابق،
أراد المسلمون والعرب معاقبة آل غور لالتصاقه بإسرائيل ووعوده لها وتنكره للحقوق الفلسطينية فوقعوا في فخ كبير لا يرجى إعادة تكراره
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو! هل يقع المسلمون والعرب في فخ بوش مرة أخرى كالذي وقعوا فيه في المرة السابقة!
تشير الاستطلاعات إلى أن نحو خمسين بالمائة من العرب قالوا أنهم سيصوتون للمرشح الديمقراطي جون كيري بينما ثلاثون بالمائة لصالح المرشح رالف نادر.وعشرين بالمائة لصالح بوش .
إن لدى المسلمين والعرب في الولايات المتحدة الآن خِياراً واحداً ومهمة واحدة وهي دعم المرشح رالف نادر. عليهم أن يبتعدوا عن الدعم التقليدي للحزبين ومرشحيهما اللذين يحملان نفس سمات سياسات أمريكا الرأسمالية التقليدية تجاه المسلمين والعرب، فلا تكرروا أخطاءكم. فهل يستفيق وينتبه المسلمون والعرب لهذا الأمر هذه المرة؟
إن الوجهين للعملة إياها في بوش وكيري يجب أن يوقنها عرب ومسلمو أمريكا اليوم أكثر من أي يوم أخر وهي مسؤوليتهم اليوم وهم مطالبون فيها أكثر من أي يوم مضى.
أما دورنا نحن كعرب في الوطن العربي والبلدان الإسلامية ان نحاول على الأقل أن نظهر تعاطفنا مع المرشح رالف نادر بالرغم من أننا لا نستطيع التدخل في هذه الانتخابات إلا أننا على الأقل يمكننا أن نضم صوتنا ونشد على يد من يصوت لهذا المرشح الذي يبدو بين ثناياه بصيص آمل وحتى ونحن على يقين أن دولة الشركات الرأسمالية لن تسمح حتى لو اضطرت لتزوير نتائج الانتخابات من صعوده للرئاسة إلا أننا على الأقل لن نكون شركاء في صعود مجرم أخر إلى كرسي الرئاسة في أمريكا الرأسمالية التي تأكل أجسادنا بدباباتها كل يوم ونوصل رسالة عبر مندوبينا من عرب ومسلمين في أمريكا أننا قادرين أن نقول لا في ظل وجود حاملات الطائرات والصواريخ العابرة للقارات.
إنها مهمة يجب أن نلتفت لها ونعلنها بأعلى صوت على عرب ومسلمي أمريكا أن يصوتوا ويلتفوا حول رالف نادر حتى لا نعطي كيري أو بوش هدية شكر دخوله بلدا عربيا آخر.
بقلم : مهند صلاحات
طلوزة / نابلس
فلسطين المحتلة
www.talluza.jeeran.com
#مهند_صلاحات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟