أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد سليمان - غبار وبايب وخسائر















المزيد.....


غبار وبايب وخسائر


أحمد سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 822 - 2004 / 5 / 2 - 10:43
المحور: الادب والفن
    


صياغات التشكل

حسب إفادة الغلاف، أياً كان هذا الغلاف، الذي يحتوي على القبعة، القبعة التي تعتمر جسداً يلبس كحل الليل، عينان تخترقان، قدم تحاور كأساً فارغة، ثمة كرسي صعقة برق خاطف، كرسي وخسوف وتلال، أجساد ومجتزأة ورجل بمنتهى الكياسة.

هو ذاته الذي يحرّك الأشكال، يجلس بحذر وفتنة، ثم يلمح إلينا لمغادرة المشهد!

سيكون من شأنه أيضاً أن يتأمل بحياد مطلق من خارج اللوحة، يمر بصورته المكررة من الخلف، يُبصر أوراق شجيرة تخفي كنوز الشرق. ثم نرى الفضيحة تلبس وشاحاً قرمزياً، فضيحة تكشف زهوراً يانعة برهافة تليق وحالة المتأمل لتوه، ونرى رجالاً ينظمون أعمالاً تتوافق وسلطة الجسد الذي يقبض على الوعي البشري. وعبره ينتجون أعنف الملقنات التي تزدهر فيها لحظة الإبداع العربي بشكله التقليدي الذي لم يتجاوز عصر ما قبل النهضة!

- ليس لصاحبنا الذي تدلى من لوحته أية حكاية، لكن ثمة أمور يُفضل لها أن تموت، وهي فتية، كيف لا، ونحن مجرد غبار وبايب وخسائر؟

لست بوارد مدينة خسرتها، وليس بوسعي أن أسرد ما له علاقة بالحب والمغامرة أو حكايات آخر الليل، عن فردوس جفّ ونحن نلهث خلفه.

ثمة بوارح وما أسميتها المغامرة، مجرد كلام يتنفسني، بعدما الغيرة سحبت ما تبقى من عزلة، وهذي مرآة تلبس شكلي بحرفة وأناقة لم ألحظها من قبل.

لم تكن مرآة فحسب. إنما حقيقة من القسوة أن تُروى، لذا، سأفترض حكاية كما تقتضيها اللحظة من هجس أتوسد أضلاعه الرخوة، إذ يترتب على حكايتي أن تلم شتاتي، روحها مازالت تلبسني.

دليل آخر، يفسر كواتم يزيد عمرها على ثلاثين عاماً قضيتها في حال من التأمل، كمن يودع حياة لا رهبة فيها غير الخدر، صحبة أدوية تحيل الجمل إلى نملة، وهذه الأخيرة تخاف فئران الحقل التي لا تفوتها أبجدية الرسائل والنعاس الذي لا نملك غيره. حياتنا ربما.. التي تصبو إلى آخر جحيم لا يليق وحداثة الإنسان بادنى مستوياته.

يساورني اعتقاد يجيز لي أن أضحك بكل ما أملكه من شراهة قبل أن تعلن مصارف الضحك إفلاسها.

سأحدثكم عن طوني. البارحة كان عندي هذا الكائن، جاري البقال طوني، يحق له ما ليس لغيره، حيث بيننا والناس هوة، فلسنا على وفاق تام، ولغة هذه البلاد كما علب الأدوية التي أتناولها كل صباح..

وهذا ال_طوني.. يفهمني، هذا الطوني.

أشتري من عنده زجاجة ويسكي، وبعد أقل من ساعة يعزم نفسه إلى بيتي!

ما هكذا يا طوني!!

ويغادر، يفهمني من هوة تفصلنا، فلست الذي يعزمه وما يجعلني أبدو شكاكاً ليست زيارته، إنما تلك التي يصطحبها معه.

فذاها المتهدلتان كما عيون طوني…

هي هكذا، لا يحلو لها الجلوس إلا قبالتي، كم أحسده هذا الطوني؟!

يشرب قنينة ويسكي لوحده، كم أموت حين يطلب إلي أن أغادر بيتي!

فهو يشبه رجل "المليتسا" سرغي، على خلاف بسيط، فلهذا الأخير كلب مدلل، ليس كالتي تجلس بكل فخر قبالتي، وكلب سرغي أجمل من التي لا يحلو لها الجلوس إلا قبالتي.

يتعبني طوني…

لذا، سأتحدث عن موضوع آخر.

زميلي رفيق أيام زمان.. يُعدّ برنامجاً عن الدين والعنف السياسي.

هو ذات الصديق الذي يرفع كأسه بصحة الوطن والثورة المطفأة!

لا يختلف عن رجل "المليتسّا" في روسيا.ز هو ذاته صاحب السوبرماركت، طوني.. ثوري متأصل، ينحدر من جذور سنديانة في "عين الدلب" هجر "لبعا" بعدما خطف فصيلة ديوك حبش وصيصان ومدرعة من بط وغنم، لم يكن اسمه طوني.

أعتقد أنه فريدي الذي دفن نفسه ب_دير الصليب.

فريدي سحب منجنزرة من كفر فالوس إلى عين الحلوة!

لم تكن تلك العين حلوة بالتمام والكمال، لكنهم قالوا إنها مرعبة وخصوصاً هذه الأيام، بعدما خمدت قيادة الثورة وتفرغ الأشبال لأفلام رامبو وبروك شيلدز ومسلسلات ماريا مرسيدس وأنطونيلا.. ودالاس، لم يكن خارج اللعبة.

العين لم تكن حلوة، تُبصر امرأة تحمل برج إيفل إلى مرسيليا.

عينها تسكن المرأة أمامي، تمرر جسد الضوء على وجهي بأناقة ودقة تتجول حولي، كلامها الذي أفترضه لم يكن سوى "رأس مال" مدجج في علبة حبوب على قدّ الحال (…).

حيث الأصدقاء الوطنيون، كما الحلم المنكسر، وكلام الندم ما أكثره في هذه الأيام يا دومي!؟

هنا أربع وخمسون محطة متلفزة، تتوزع بين أنقرة واستامبول، جميعها تتحدث عن امرأة واحدة… وأسأل إن كان ثمة من يقرأ عليّ خاتمتي في أنقرة.

وأقرأ عن زيارات ذات شأن عالمي فتقرأنا المتاريس وعلب الليل في جونية.. زيارات وأحوال.. أحاديث (عنا) ونحن أبعد ما نكون عن العالم!!!

أكثر من رهبة حروف أهدرها وفق ما تقتضيها سجية الحظة، إذ كان عليّ غير ذلك، فلم أتكلم عن امرأة بما يروي غليلي، حينما قرأت فاتحة الوقت عليّ.

مع ذلك زارني ماغريت.. أظنكم تعرفونه.. ماغريت.. كما أنكم تذكرون السيد دالي.. كثيراً ما احتفى بشاربيه هذا الكائن دالي.. عكازته المتمايلة، كما جسده ويده التي تلوح من شاشة التلفاز…

ما هكذا يا دالي!

ويقفز على شاربيه…

لم يرسمني وفق ما أريد لأنه أصرّ أن تكون أئمة ليوناردو دافنشي بشارب معكوف إلى الأعلى.

لذا، نجد من البداهة أن يطلق بول دلفو أجساداً مضاءة من لوحة تجاورني.. كيف لا ونحن نطل على خاتمة قرن يحتفي بصياغة عالم أفلس من ذخائره، عالم يشي بنفسه..

تماماً كما نرى إلى صياغة أعمال تقتل التهمة التي تلبسها المغامرة الآن.

ولأن الأجساد تنبت، أو أنها تشير إلى بدء الخلق، بدء يدل على حكمة، أو أنها ترمز إلى أزل قادم، أزل لا بد له أن يعقب الزوال، لذا كانت اللوحة تتماثل وأحداث عالمنا المعاصر، بدءاً من مركزة السلطة ب_عقل (أَبنْوِي) صارخ مروراً بدالي الذي أتعبني بمزاجه الحاد.

هذا الأخير - سأبرر فعلته لأنه رسم وحشية الحرب الأهلية وفق ذائقة أسست لكثير من التجارب اللاحقة. فنجد أسبانيا ملهاته عبر صياغة أشكال تخاطب جهة أخرى من العالم. في حين كانت البشرية آنذاك تودع آخر رهان لها قبيل نشوب حربها الثانية.

تلك المرحلة المتآكلة انحازت إلى صخب الواقع بالتصفيات والجثث، إذ لم تعنِ له ما كان يرسمه أحمق مفتون يُدعى دالي. ولأن دالي تجاوز الواقع إياه سنجده يرسم العكاز والأجساد ذات الأدراج والزرافة المشتعلة بينما العالم في حينها كان مطفأ!

يمتد ذلك التساؤل إلى الآن عن حرب كونية غير مفترضة، نعيش آخر أشواطها خلافاً للحروب السابقة، حيث كانت أسلحة الدمار أقل فتكاً وحيوية ربما.

كما نرى إليها من ذات المرآة التي تلبس فتوحات متمثلة بالصرامة والقسوة.

هي لحظة تزدهر بولادات مشوهة

تشرد - قتل - جوع - بطالة

عالم يكرر سماته إلى ما هنالك

من ظواهر تلوث الحياة والأمانة

هذا ما سوف نجده جلياً بإفادة يقدمها ال_كولاج. حيث القبعة التي تعتمر جسداً يلبس كحل الليل، القدم تحاور الكأس، ثم نرى كرسياً صعقه برق خاطف يليه خسوف التلال والأجساد المجتزأة بعد أن نلحظ عينين تخترقان القبعة سيكون من شأن رجل بمنتهى الكياسة أن يحرك الأشكال، بينما يجلس بخدر وفتنة كي يطلب غلينا مغادرة المشهد، نجده محقاً بإمرته لأن به روحاً تمسك رماد اللحظة، إذ يترتب علينا أن نكون خارج كل شيء، ليتسنى لنا أن نمازج المنطق والافتراض في حين أن التاريخ لم يرمز من قبل بأية إشارة حول تناغم مذهبين متناقضين إلى حد ما.

فالأول كان سوريالياً تعتمد مادته على صدمة الواقع. والثاني أقرب برسومه إلى الفوتوغراف التشكيلي، يدعى إيغون شيلي، فيما ينطوي عليه هذا التلاقح يكشفه لنا ماغريت بأحد أعماله عندما يصدمنا برجل يتأمل قفاه بواسطة مرآة تحذرنا من استخدام عناصر لا تؤمن بوقع الصدمة.

مرة تحدث غلينا ال_سلفادور دالي بأنه سيوحي بريع أعماله الفنية وأملاكه لاسبانيا إذ لم يضع في الحسبان أن ثمة لوحات مقلدة طبقاً لمقتنيات متحفي "شاتوريفونبيل" ب_فرنسا و "جاني" في ألمانيا.

يبقى السؤال معلقاً حول دقة الاستنتساخ الذي شاطر ملاك السوريالية، في حين أن الثروة الحقيقية لم يمسها أي طائل حسب تصريحات الصديق الشخصي ل_دالي السيد بير آرغلي، الذي يدير متحف السوريالية بفرنسا.

لم تكن ملهمته "غالا" لتحظى بوعلها السوريالي الذي أفلسه الموت من سجية المتعة، وإن ماتت "غالا" قبله. سنجد قبر دالي جاثياً في متحف "فيغراس" خاصته الذي قدمه هبة لأسبانيا.

ما حدث بمثابة لعنة إله منكسر، بل نقمة شاعر خسر مادته… لم تكن روحه تيبس ذلك هو بول إيلوار حين ترك "غالا" لصديقه الزائر دالي، أخذ الملعون حبيبة إيلوار لتعيش معه ملهمة لأكثر من خمسين عاماً لتموت قبله بسنوات. بذلك سيكون دالي بدأ جنوناً حقيقياً حين طلب إلى أطباء المستشفى إدخال أجهزة تبث ما يحدث حول وضعه الصحي.

قد يكون أحدنا في حال مشابهة، كنت بقلب هجير أشعلت شبيهة "غالا" سرها مع صديق فاز بها خلسة، وهكذا جثوت برهبة تهدم كل منامي.

- لا أدري إن كانت تعسفنا نزعة عالمنا القادم حين يكون أكثر حيوية باعتماده عناصر الصدفة.

بذا، يسعني القول لقراءة فكتور رونار على نحو آخر من السرد يشدنا مثالاً إلى ذلك القُبّعة التي تلبس جسد امرأة نرى أنها تحقق غرضها لأنه ما من فعل يحد من نشاط الغرب لكونه خارج موقع الدعاية لأنه تجاوزها، تالياً نرى إلى هذا الغرب الذي أسس جسد الفضيحة وكان مفصل بنائها.

ولأن الفضيحة في الشرق لها وقع آخر يقدر لها صياغات عدة، سيكون بول دلفو السبّاق، ولهذا طُبِعت أغلب أعماله المتماثلة مع هذا الشرق. بل جسد الشرق بمرآة الغرب. بذلك تؤدي الصدفة غرضها وتعلن بأنه ما من عصر يحيا خارج مائها وبها سيكون وقع الشارع الحي بل قلبه النابض أبداً.

لم تكن الصياغة الجديدة (صياغة الكولاج) متكئة على عناصر الصدفة. لأنه ثمة من أجاز وصاغها دون المساس بعفتها، حين جعل من أحد المقاطع رجلاً يتأمل أشكالاً مجتزأة من أعمال مماثلة فكان ذلك تتمة لأحد أعمال ماغريت حيث يرسم شخصاً ينظر إلى المرآة بعد أن وجد بقفاه انسجاماً ومادة "الصدمة" فهل الصدمة تتوافق ورجل يتأمل شروره كل قواه؟؟

ألهذا دُعيت سوريالية الواقع؟ أتبين ما هو على غرارها بنصوص كتبتها بين دول الكومنولث واستامبول بعد أن تفحصتها بدقة تعادل الحالة التي يمكنني أن أسميها ب_صياغة اللحظة. لعلها تتكامل بحياد مطلق وتشعل كنوز الشرق بجسد الفضيحة، فضيحة تلبس وشاحاً قرمزياً. وهذا الشرق سنجده ينبع زهوراً يانعة برهافة تليق وحالة المتأمل لتوه بينما الآخرون.. آخرون، وهم ليسوا قلة، ينظمون أعمالاً تتوافق وسلطة تسكن أرواحاً ميتة، ينتجون ملقنات تزدهر فيها لحظة الإبداع قاطبة.

- لم يكن بوسع إيغون شيلي أن يشرح لنا ما تدله تلك النتوءات التي يبرزها بصور الفوتوغراف، بل شبيهة الفوتوغراف لكنه يؤدي دوره كمعد للمشهد، يجعلنا بحال من التأمل، كما لو أنني سأكون بحال مشابهة أصبو صبابة دهشة، أجلس مكانه بذات الكياسة والنتوءات المندلقة ب_خدر السهو، أقول "خدر" أولاً بعد أن سهوت زمناً كاد أن يعبر عن حالتي برمتها.

هو الذي لا يصلني بأحد، أناور على فطنة حروف، أكتشف مرارة من لا يمر بها، يوازي الذي ينسى حراسة ويتلذذ بفاكهة نوم ولم يصلْ.

مَنْ يكون مقوداً لطابور أفلس ذخيرة نسوة ندبن حيرة نهر نحيل؟

الدقة أن تحدد ما ترتب من صمت على غرار لغة خسرت غيرك، عند مسارب تنفر هواء، وغربان تُبصر زولاً من أعلى.

ليس بي ما عَهدْت عني، شهدت عروة فخ لا يفضيه وتد، كأنني… لكننا… من حياة مدمرة إلى مسارب لغة تفك زئبقها، تشاطر أقاليم وما بنا غيرها.

لم يكن تاجها الموضوع، التاج الذي خلعته، لكن الزهور الزهور، ذابت الزهور والمدينة تنهض.

قلت لعرافتي بعد اعتكاف مرير عن جسد فلة، قلبت فنجاني ونامت الأشياء حولي.

لم تكن في الثلاثين، لم تكن في أربعين الثلاثين.

قلت، كيف لي أن أكون وعيني مغمضة في الثلاثين الثلاثين.. فُكّي العُصابة في الأربعين (الأربعون الآن في مرسيليا).

مثل بواب عمارة معدمة، راقصة الباليه، بخدرها، وعضلة الممسك أقرب إلى بناء واهم بينما أطلب أن تبعد الورقة عن وجهها، لتضع مرآة تقابلها، ثم توازي المستطيل واللوحة ذات الوجه المصفوع والحمالات المُنهكة، كان ذلك كي تقرأني كما أفعل الآن وما سأكتبه مرسوماً على قفا هذه الصفحة، حينها ستعرف أن ما عنيته ليس المعنى تماماً، ربما لم يكن عنها، لأن خدر أصابعي جعل فمي مقطباً، وها أنا الآن أترك الورقة كلها.

تاهت عيوني والحكاية دون راوٍ، حكاية كتلك، على طاولة ليست إلى قربي، أنتِ خلفها، تقرأين عزلة هذا النص وروحي ترتجف.

أنا الآن في انتظاري، تقودني امرأة إلى صوتي، لم يكن صوتي ممدداً كما حسبته - امرأة تقوده إلى الصوت الذي أسَرَهُ، تقودني وما من جدار الغيم، اطلقت النوم فيما مضى، فما حييت أحيلني إليها ولا أجدني!!!

دوخني.. لم يكن البارفان سماً، دوخني السم الذي تغتسلين به، سكبت الماء، الماء نظيف، مثل جلدي.. لكن بالوعة الحمام هي التي لا تعمل.

حمَام.. حمَام، ولا حمامة هنا… حملتني بهدوء، دثرتني بلحاف سميك، مثل هذا القميص، وعندما نويت عليك، نام التخت علينا.

لم أكن أَدري عن فعلته شيئاً، لكنني فهمت أنه أحرق كل شيء، حرق الصمت والأحجية والرغبة المتبقية، ولم نعد نسمع صوته اللحوح، وظلالنا مازالت عالقة بالقرب من هناك، تحاول الإصغاء لكاتب لم تلده أم، لتائب تنصلت منه خطاه.

- ما أوردته لم ينحُ وفق تسلسله السردي الذي تضمنه الكتاب، إذ لا يحق لنا الحوار مع ذلك العقل الصريح.. أجد من البداهة أن يحدث أمر كهذا لأن ثمة "خدراً" أحدثه "السهو".

يحق لي أن ألوذ بمفهوم آخر للمغامرة التي أدّت غرضاً تجاوزاً، سأعود إلى ما أوردته عن رجل بمنتهى الكياسة الذي يحاول من خارج المشهد، يتحكم بالنظام العام للوحة، ومنها نرى خسوف تلال وبصيص نور يتوزع على شكل بقع ملطخة ونكتشف أيضاً أن الضوء يسيطر على المدينة من خلال أجساد مضاءة لتشع بفضائح اللحظة لحظة أعاد صياغتها إيغون شيلي شبيهي في العام ذاك.

من جهة أخرى: الأرض سوداء، الرجل الذي يتأمل قفاه، المرسوم داخل لوحة - المتأمل قفاه هو ذاته على الكرسي، نجده بوجه آخر بعينيين ثاقبتين للقبّعة، هي ذاتها قبّعة الاستبداد، ومن ثم نرى قدماً تنظر إلى الأعلى… قدماً تخفي تفاصيلها في خواء ما.

القدم التي تطل مثل رأس يتوسل كأساً فارغة، الكأس على مقربة من حفرة تبتلع السماء… حفرة وجسد في رحم يحتوي على اغتيال.

المتأمل قفاه لا يُبصر سوى أجساد في غير موضعها.. أجساد مقطعة تخرج من فتحة تخفي قاعة مؤتمر، وقبعة تخترقها عين طوني صديقي الذي يفهمني زميلي الذي يعد برنامجاً عن الدين والعنف السياسي.

المتأمل قفاه لا يُبصر سوى أجساد في غير موضعها.. أجساد هشيمة تخرج، وفريدي أنزل المتأمل قفاه إلى زاوية اللوحة من جهة اليمين وراح يتحدث عن الديمقراطية ومن ثم يسحب البساط من تحتنا!.

طوني هو فريدي، هو إيغون - دالي بمزاجه الحاد - دومي شينارد - لوركا - بول دلفو - هو ماغريت الذي سمح لي بأن أصيغ عالمه وفق شكل يريحه ويذبحني.

ماغريت الذي استبدله ب_إيف تانغي وبول دلفو.

وطوني.. ما أقساك طوني؟

يتحدث عن العنف ويمارس الدين بعد حبّة قضامة.

اظنه يُفضل الاسبرين بعد رزمة فاليوم.

وأنا كما حشرتني امرأة الباليه دومي.. داخل بايب أعد الخسائر.

وحده ال_طوني هذا.

يوزع تصاريح تخص دالي.. يثير ماغريت الذي يسخر منه دالي.

إثنان يتأملان أخدوداً، دهش من رؤيته غارسيا لوركا.

ما هكذا يا فيدريكو.

ألاّ تموت في مقبرة، أن تنام مثلنا، مثلك نوم التفاح.

مصارع الثيران في مرثية وأقرأك، بعد أن تقطف الأزهار والصمت والغيوم التي تمسكها امرأة الباليه.

تقطفني من وزرة روحي وأبتهج، القمر ما اكتمل وجهه، ما أبصرك القمر بعينه الوحيدة كما أبصرك.

- تمنى غارسيا لوركا أن لا تكون المقبرة ساحة للإعدام، وأن يكون القمر مغمضاً عينه الواسعة.

المقبرة لأنه يرى فيها مكاناً للصمت والأزهار.

القمر لأنه فضّل الموت كي لا يراه بأصابع متيبسة.

انطفأ القمر هكذا، وقتل الشاعر كما وصف نفسه، في مسقط رأسه قتل الشاعر، بذات المقبرة التي تمنى ألا يُعدم فيها.. أراد أن تكون الغجرية المقطوعة النهدين رمزاً لغرناطة - غجرية تحمل نهديها على طبق من فضة كما نرى إلى حالات مشابهة حينما الغياب يؤسس حياة مرّة.

لا كلام يسعفني لأفصح عزائي، كما لو أنني قمت بخيانة العالم لمرات دونت ما لا يصلح للشعر.

كما لو أن الجيوش التي جيرتها على ورقي التائب كان سهواً.

ورق ورصاص تراشقته، من علب منوم، وما برحت مرآتي.

لست سوى ضليل.

ما رممت نهاري المنكسر.

صورتي تلبس ملاكاً يتضرع.. في حين أن النهار والزمن أفلس ذخائره.

ما رأيت قطعة شمس إلى جواري_بعدما الهجير وزعني في البعيد ثمة عيون من بياض، داخل قبعة لن أدعوها بغير المنام.

- كل يقود مغامرته كيفما يشاء، لم يكن لفرانكو أن يبدأ العنف وحده. ثمة من شاطره.

وحده أشعل غرناطة، غرناطة البعيدة، كانت الذرة في طور نشأتها آنذاك.

ما كانت الذرة إلا جنيناً، لكنما الآن من قذف النابالم وأضرم حرائق أقليات وأديان؟_!

نشبه زهور النار في غرناطة البعيدة، منذ زمن بعيد نشبه غرناطة.

أمكنة بمداها الواسع.

مدن مستنسخة تمتلىء جنوداً ويتامى (…).

كيف لي أن أحدثكم والمغامرة حدودي الأخيرة؟

ثمة حياة تغادرني، روحي تنطفىء وما امرأة ترطب جفاف العزلة.

سوى التجوال وما شدني الماء في مرسيليا.

ثم النيام النيام دومي

ما أكثرهم حولي.



إشارات

كولاج 95. إشارة إلى مجموعة رسوم لكل من إيغون شيلي وفكتور برونار وايف تانغي.

قمعت بجمعها وإعادة صياغتها بشكل مجتزأ.

ذلك حين كنت في الشطر الغربي من مدينة استامبول، ما جعلني أعيش مناخات هذا العمل بكل تفاصيله وتجلياته وهو امتداد لعمل آخر أنجزته في دول الكومنولث.

إن مثل هذه النصوص تنوب عن ترجمة حقيقية وقول ما تغفله القصيدة، بمعنى آخر، هو رد اعتبار لكتابي "خدر السهو" وإن تصدر لوحة الكولاج عينها.

ونجدها أيضاً على غلاف العدد الرابع من "مجلة كراس" المجلة التي آثرت أن تتحول إلى ذكريات بيضاء عبر صداقاتها الممكنة في زمنين الأول يحتضر والآخر يستحيل. أحمد سليمان



#أحمد_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوارات استشرافية د. ميشيل كيلو في مراجعة المفاهيم والمحددا ...


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد سليمان - غبار وبايب وخسائر