أحمد عصيد
الحوار المتمدن-العدد: 2690 - 2009 / 6 / 27 - 05:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تتعمق أزمة الثقة بين المواطنين و مؤسسات الدولة بالمغرب، و تزداد التوترات النابعة من الشعور بوجود خلل بنيوي يجعل النسق السياسي في حالة من الفساد التي يصعب معها إصلاح أي قطاع، بما يمكنه من الإشتغال الطبيعي و تحقيق الأهداف التي من أجلها وجد.
و ترجع أزمة الثقة في المؤسسات بالدرجة الأولى إلى الإحباط الذي أصاب مختلف الفاعلين بعد عقود من التطور البطيئ الذي يكاد يبدو في بعض الأحيان جمودا أو عودة إلى الوراء، و هي النتيجة الطبيعية لمرحلة انتقالية تمّ تمطيطها بشكل جعلها تتحول إلى متاهة عبثية.
من جهة أخرى أدّت الوضعية المتردية للسكان من الفئات الفقيرة إلى سحب الثقة من خطاب السلطة حول "محاربة الفقر" و " تقليص نسبة البطالة"، كما أنّ فضيحة انتخابات 2007 عوض أن تؤدّي إلى طرح السؤال الجذري حول أسباب العزوف الصاعق عن المشاركة في اللعبة الإنتخابية، تمّ تشكيل حكومة "الفاسيين" التي يقودها حزب يتحمل مسؤولية تاريخية فيما آلت إليه الأوضاع بالمغرب من تردّي، كما لو أنّ الأمر يتعلق بعقاب لأغلبية الشعب، و هو ما أدّى إلى المزيد من ردود الأفعال السلبية لدى الفئات العريضة من المجتمع، فصورة "الفاسيين" لدى الشعب هي أنهم عائلات مافيوزية من الأرستقراطية الأندلسية الأصل لا تهمها إلا مصالحها الخاصة و لا تحسن إلا تبذير الميزانيات فيما يضمن رفاهيتها دون بقية الشعب، و احتكار مراكز النفوذ و الثروة، و هو ما أكدته العديد من المؤشرات التي من أبرزها استفحال ظاهرة تولي الشخص الواحد من هذه العائلات لعدة مناصب دفعة واحدة، و هو مما فاقم أزمة الثقة في الحكومة و المؤسسات المختلفة، و ضاعف من اليأس العام من كل إصلاح.
ينضاف إلى ما ذكرناه عدم إيلاء الحاكمين الأهمية المطلوبة لموضوع التعديل الدستوري الذي يعدّ أولوية الأولويات، و إصرارهم على الإستمرار في لعبة "السياسة الصغرى" سياسة الصراع من أجل الكراسي و المواقع البئيسة التي أسفرت عن مهازل يندى لها جبين الديمقراطية، و حولت السياسة إلى سمسرة و نصب و أعمال قذرة تراكم الأحقاد المجانية بدون أية مردودية ملموسة.
في هذا المناخ المليئ بالريبة و القلق و الترقب، لا ينتبه الناس إلى بعض المواقع المضيئة داخل المؤسسات، و لا يعيرون اهتماما لقلة قليلة من المخلصين الشرفاء الذين يبذلون في هذا القطاع أو ذلك جهودا جبارة من أجل العمل و الإنتاج، و هو ما يجعل المواطنين لا يصدقون خطابات المسؤولين حتى و لو كانت صحيحة، و لا يأبهون إلى الإحصائيات و المنجزات حتى و لو كانت واقعية و ملموسة، إنها أزمة ثقة حقيقية لا يمكن أن تزول إلا بإصلاح حقيقي يبدأ بالدستور، و ينتهي بتغيير العقليات التي روضها الفساد العام، و هو أمر قد لا يتحقق ـ بعد توفر الإرادة السياسية ـ إلا على امتداد جيل أو جيلين.
#أحمد_عصيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟