|
من أجل العدالة والحرية في إيران
رمضان متولي
الحوار المتمدن-العدد: 2689 - 2009 / 6 / 26 - 09:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يترك الاستبداد شعبا دون أن يترك فيه ندوبا وجروحا لا يعلم أحد متى تشفى، وكأنه ورم خبيث في جسد هذا الشعب كلما قطع له رأس ولدت له آلاف الرؤوس حتى ينهك من يحلمون بالحرية والعدالة وكرامة الإنسان.
ويقدم الشعب الإيراني نموذجا لهذا النضال العظيم من أجل الحرية والعدالة، هذا النضال الذي دخل في دوامة من مقارعة أمراض بدت كما لو أنها غير قابلة للشفاء، ربما تعود في تاريخها المعاصر إلى عهد الشاه محمد رضا بهلوي الذي وأد تحولا ديمقراطيا واعدا بمساعدة المخابرات الأمريكية عندما قاد انقلابا على حكومة محمد مصدق في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي.
حكم الشاه شعبا عظيما بالحديد والنار، حاول بطريقة هزلية مثيرة للسخرية أن ينسب نظامه الهزيل الذي يعتمد على مساندة القوى الاستعمارية له إلى سلسلة الأسر الفارسية القديمة التي حكمت امبراطورية الفرس البائدة، بينما كان نظامه عميلا للولايات المتحدة يلعب دور ذراعها اليسرى في منطقة الشرق الأوسط مع إسرائيل التي ظلت وسوف تظل ذراعها اليمنى.
امتلك الشاه جيشا كبيرا، وأهم منه جيشا آخر كان مسلطا على رقاب المعارضين لنظامه في الداخل هو جهاز "السافاك" الذي أسس بمساعدة المخابرات الأمريكية والموساد واستخدم ألوانا من التعذيب والوحشية ضد معارضيه.
لكن الغرور والقمع لم يقض على روح الشعب الإيراني المناضلة، واندلعت شرارة الثورة بين عمال البترول الذين نظموا إضرابا هائلا عام 1978 ضمن موجة من الإضرابات العمالية التي رفعت مطالب الحرية والعدالة وحقوق المرأة ومواجهة الإمبريالية ما لبثت أن تحولت إلى إضراب عام استمر حتى الإطاحة بديكتاتورية الشاه وتكوين مجالس ديمقراطية متنوعة عرفت باسم "الشورى".
ونتيجة لعوامل عديدة، تحققت السيطرة للإسلاميين بزعامة الخوميني الذي تبنى خطابا معاديا للإمبريالية خاصة مع احتلال السفارة الأمريكية واحتجازعشرات الرهائن. ولأن اسم الشاه ونظامه كان مرتبطا بالسجل القذر لسيطرة الإمبريالية الأمريكية في إيران والمنطقة، استطاع الخوميني بهذه الطريقة إضعاف المعارضة ضده وبدأ ترسيخ نظام الملالي وولاية الفقيه. أعادت "الثورة الإسلامية" إنتاج الاستبداد ولكن بعباءة دينية، أسس الخوميني نظاما قمعيا وعمل على تدمير المنظمات الجماهيرية التي نشأت في خضم الثورة وقادت أهم حلقاتها، قام بسلسلة من الهجمات والإعدامات لقادة المنظمات الثورية التي ساهمت أكبر مساهمة في نجاح الثورة ضد الشاه، مثل "فدائيي خلق" و "مجاهدي خلق" وحزب "تودة"، وهاجم المنظمات النسائية التي كانت تطالب بحقوق المرأة وحركات حقوق الأقليات تحت غطاء الخطاب الديني الغامض والمراوغ.
وبعد عقود من الاستبداد، يبدأ الشعب الإيراني من جديد، هذه المرة يكافح أساطير الجمهورية الإسلامية، هذه المرة يحاول البحث عن مخرج من أزمة اقتصادية طاحنة وحصار ظالم وفساد وتفاوت هائل في توزيع الثروة وسلطة الملالي والفقهاء. وهذه المرة أيضا يتم استخدام الجماهير الغاضبة من قبل مجموعة من "الإصلاحيين" المرتبطين بالنظام الإيراني ولا يريدون إلا تعديلات طفيفة على هذا النظام لتحسين العلاقة بالغرب وإسرائيل من أجل احتواء الأزمة والبحث عن فرصة للخروج من الحصار وتعظيم ثروتهم وسلطتهم. وسواء تحقق لهم ما يريدون ام لا فإنهم سيتركون هذه الجماهير لآلة القمع والتعذيب والقتل كما حدث في عام 1999 عندما تعرض الطلاب المؤيدون لخاتمي لموجة من الاعتقالات والقمع على يد الحرس الثوري.
دعونا نتمنى أن تتجاوز الحركة الحالية سيطرة فصائل النظام الإيراني المنقسمة على ذاتها سواء المحافظين أو الإصلاحيين بأن ينضم إليها عمال إيران رافعين مطالبهم الخاصة من أجل مزيد من الحرية والعدالة إذا كان لهذه الحركة أن تنتشل إيران من ربقة الاستبداد وانقسامات الطبقة الحاكمة التي تستخدم كل فصائلها المؤامرات الخارجية ضد النظام. ولكن يبدو أن خطاب وسياسات أحمدي نجاد الشعبوية والتأييد الواسع الذي يحظى به في صفوف البازار وفقراء المدن والريف سوف يساعد النظام على تجاوز هذه الأزمة ولو مؤقتا، خاصة وأن تطورات الأحداث الإقليمية جعلت منه رمزا لمواجهة الإمبريالية في بلد يعاني مرارة تاريخ طويل من التدخل الإمبريالي ضد مصالحه وطموحاته.
قصة الاستبداد لم تنته بعد في إيران، ولكنها لن تنتهي على أيدي مجموعة من الإصلاحيين الليبراليين الذين يرتبطون بمصالح مع النظام القائم ومع قوى الإمبريالية الأمريكية والغربية، فهؤلاء لا يريدون إلا توسيع مكاسبهم وسلطاتهم داخل النظام، ومحاولة الخروج من الأزمة الاقتصادية والسياسية من خلال التحالف مع الغرب ورفع الحصار والعزلة التي تعاني منها "الجمهورية الإسلامية". لكنهم لا يحملون أي هدايا لفقراء وعمال إيران ولا لهذه الجموع الواسعة من الشباب الغاضب الذي يحلم بحرية، فرصتها الوحيدة أن يطرح هؤلاء الغاضبون مشروعهم الخاص للقضاء على امتيازات الطبقة الحاكمة من أصحاب الثروة والنفوذ.
#رمضان_متولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زيارة أوباما ولي النعم
-
عندما ترقص الأفيال
-
نكبة 1948 ونكبة أوسلو
-
صفقة القمح والجريمة الكاملة
-
حكومة رجال الأعمال تكشف أنيابها في زمن الأزمة
-
إنها دعوة وأمل أو أمنية
-
دفاعا عن -إبداع-
-
المشروع والممنوع في دعم المقاومة
-
هكذا يفكر دون كيشوت
-
الوجه الحقيقي لديمقراطية رأس المال
-
سيكولوجية القطيع
-
عفة زائفة ودعارة مقدسة
-
تحضير أرواح الموتي … هل يصلح ما أفسده الجشع؟
-
أمامنا مستقبل لنكسبه
-
الخروج من الأسر
-
واقعية سياسية أم استسلام للأمر الواقع
-
آلام المخاض لأجمل أطفال العالم
-
انتهاز فرصة الأزمة للانقضاض على الدعم
-
اقتصاد السوق وخرافة الكفاءة
-
الفقراء لا يستفيدون من الرخاء ويدفعون ثمن الأزمة
المزيد.....
-
أشرف عبدالباقي وابنته زينة من العرض الخاص لفيلمها -مين يصدق-
...
-
لبنان.. ما هو القرار 1701 ودوره بوقف إطلاق النار بين الجيش ا
...
-
ملابسات انتحار أسطول والملجأ الأخير إلى أكبر قاعدة بحرية عرب
...
-
شي: سنواصل العمل مع المجتمع الدولي لوقف القتال في غزة
-
لبنان.. بدء إزالة آثار القصف الإسرائيلي وعودة الأهالي إلى أم
...
-
السعودية تحذر مواطنيها من -أمطار وسيول- وتدعو للبقاء في -أما
...
-
الحكومة الألمانية توافق على مبيعات أسلحة لإسرائيل بـ131 مليو
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. مقتدى الصدر يصدر 4 أوامر لـ-سراي
...
-
ماسك يعلق على طلب بايدن تخصيص أموال إضافية لكييف
-
لافروف: التصعيد المستمر في الشرق الأوسط ناجم عن نهج إسرائيل
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|