هايل نصر
الحوار المتمدن-العدد: 2682 - 2009 / 6 / 19 - 08:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
انتخبت أوروبا نواب برلمانها. وانتخب اللبنانيون نواب مجلسهم النيابي في 7 حزيران/جوان 2009. ولسنا هنا بصدد المقارنة بين المجلسين ومهامهما وطرق الانتخاب لكل منهما... لا جديد ولا غريب في أن تنتخب أوروبا مؤسساتها ديمقراطيا. ولكن أن تجري انتخابات بشكل ديمقراطي وصحيح (من حيث الشكل والإجراءات دون الإشارة للمضمون, فهذا شأن آخر ويمكن الحديث عنه في مقال أخر) في "بقعة وحيدة في المنطقة العربية " بقعة ضوء", وان يندفع المواطنون إلى صناديق الاقتراع دون اصطدام, وان تعلن النتائج دون اقتتال, وان يعترف الخاسر بخسارته, ويكبت الرابح, إلى حد المستطاع, فرحته لعدم إحراج أو إثارة منافسه, هذا هو الخارج عن مألوف هذه المنطقة وقوانينها واعرفها, وهو الحدث الغريب و غير المصدق في غير تلك البقعة الصغيرة, الاستثناء, النيرة والمستنيرة, في منطقة مترامية الإطراف من المحيط إلى الخليج. وهي بعينها البقعة المراد, وبكل الوسائل, منع أي تسرب لقبس من نورها للجوار القريب والبعيد, جغرافيا وزمنيا, وصولا إلى إيران وتجاربها الانتخابية, وبشكل خاص انتخابات الرئاسة في يومنا هذا.
ما نريد عرضه بهذه المناسبة هو فكرة موجزة عن البرلمان الأوروبي: النشوء, والتنظيم, والاختصاص.
مؤسسة تطورت عبر مراحل مسيرة بناء الاتحاد الأوروبي بعقلانية وواقعية سياسية, وضمن آمال مستقبلية في تعزيز الديمقراطية في الاتحاد ودوله, وخدمة المصالح المشتركة للشعوب الأوروبية. وتقوية الدور الأوروبي في السياسة الخارجية.
واستطرادا نراه هنا مبررا, من حق القارئ العربي التساؤل عن أسباب نجاح الآخرين, وعن فشل توجهات المسيرة المعاكسة, التي عرفتها و تعرفها المنطقة العربية الساعية دولها دون توقف إلى التباعد وتكريس الانقسام بينها, والموصلة, إذا ما استمر قادتها في النهج الاستبدادي الدكتاتوري, إلى تقسيم الدولة الواحدة إلى دويلات, والشعب إلى شعوب متنافرة ومتناحرة, تصل إلى الاقتتال أحيانا. ( الم تدوي, على سبيل المثال, في سماء العراق طيلة عقود طويلة, شعارات داعبت أحلام الملايين من المواطنين العرب, وقُتل الآلاف ممن لم يرددوها, والآلاف ممن رددوها : امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة. وحدة حرية اشتراكية؟ هل سجلت سياسات العراق خطوة واحدة في اتجاه الحرية أو الاشتراكية, أو الوحدة العربية, أو الوحدة الداخلية الحقيقية الرضائية لشعبه, وهل سيستطيع هذا البلد بعد كل شيء الحفاظ على وحدته كدولة ؟).
البرلمان الأوروبي, موضوع السطور التالية, منذ نشأته والى اليوم, مؤسسة, على أهميتها, غير معروفة الدور والاختصاصات بما فيه الكفاية عند عدد كبير من المواطنين الأوروبيين. فحسب تصريح ألان لاماسور النائب في البرلمان المذكور, لا يقوم الإعلام, باستثناء بعض الصحف المكتوبة, بالحديث عنه والتعريف به. فالفرنسيون لا يعرفون جيدا الاتحاد الأوروبي وبرلمانه. وعليه فان التصويت لانتخاب النواب ليست له أهمية كبيرة بالنسبة للمواطن العادي, لأنه لا يراه ماسا بمصالحه المباشرة وتحسينها.
من المعلوم أن الجماعة الأوروبية أنشأت, عام 1952 , جمعية عامة مؤلفة من 78 عضوا قادمين من برلمانات ست دول مؤسسة للجماعة الأوروبية للفحم والفولاذ CECA . ومع نشأة الجماعة الاقتصادية الأوروبية CEE عام 1957 أخذت الجمعية البرلمانية الأوروبية اسم, البرلمان الأوروبي, ومنح سلطة استشارية عام 1962 .
ابتداء من عام 1979 أصبح أعضاء البرلمان ينتخبون مباشرة, وبالاقتراع العام, من قبل شعوب دول أعضاء الاتحاد الأوروبي, لمدة 5 سنوات. وقد رفعت معاهدة نيس عام 1994 عدد نواب البرلمان إلى 732. ليرفع هذا العدد إلى 788 عام 2004 .
في أول جانفي/كانون ثاني 2007 تقرر أن يكون عدد نواب البرلمان المذكور 785 يمثلون 27 دولة هي أعضاء الاتحاد.
بين 4 و 7 حزيران/ جوان 2009 انتخب 375 مليون مواطن أوروبي 736 نائبا يمثلون حوالي 500 مليون من سكان الاتحاد, وذلك لولاية تصل إلى عام 2014 .
البرلمان هو المؤسسة الوحيدة في الاتحاد التي ينتخبها المواطنون بالاقتراع العام المباشر.وتنص المادة 14-2 من معاهدة ليشبونة Lisbonne على أن يكون عدد النواب 750 نائبا + الرئيس, عام 2014 . وتمثيل المواطنين فيه يقوم على النسبية.
يترك لكل دولة عضو في الاتحاد حرية اختيار طريقة الانتخابات, ولكن ضمن شروط معينة سلفا. كما يمكن للدول المرشحة لعضوية الاتحاد إرسال مراقبين للبرلمان, ولهؤلاء حق المشاركة في المناقشات دون حق التصويت, ودون حق ممارسة الوظائف الرسمية. وعندما تحصل الدولة المرشحة على العضوية الكاملة يصبح مراقبوها في البرلمان نوابا كغيرهم, إلى حين الانتخابات النيابية القادمة.
عدد المقاعد المخصصة لكل دولة عضو في الفترة الحالية, من 2009 إلى 2014:
المانيا 99 ــ هنغاريا 19
النمسا 18
بريطانيا 78 ــ بلغاريا 18
فرنسا 78 ــ سلوفاكيا 14
ايطاليا 78 ــ الدنمرك 14
اسبانيا 54 ــ فنلندا 14
رومانيا 35 ــ ايرلندا 13
هولندا 27 ــ ليتوانيا 13
بلجيكا 24 ــ سلوفانيا 7
اليونان 24 ـــ استونيا 6
البرتغال 24 ــ قبرص 6
التشيك 24 ــ لكسمبورغ 6
مالتا 5
أما فيما يتعلق بالنظام القانوني statut للنائب الأوروبي, فهو حاليا غير موحد ومختلف, ويعرف فوارق كبيرة من دولة عضو إلى أخرى. وان كانت هذه الفوارق بدأت في التلاشي تدريجيا, لان معاهدة أمستردام ونيس أعطيتا سلطة للبرلمان لتحديد النظام القانوني والشروط العامة لممارسة مهام النائب الأوروبي, بناء على توصية من اللجنة الأوروبية والقبول من المجلس الأوروبي بالأغلبية المطلقة, حسب المادة 190 فقرة 5 TCE . ومع وجود هذا الأساس القانوني فانه, والى اليوم, فيما يتعلق بالمخصصات المالية للنائب الأوروبي, وعدم ملائمة جمع النائب بين النيابة ومهام أخرى, ما زال التباين قائما. فهناك, على سبيل المثال, مخصصات لنائب أوروبي تأتيه من البرلمان الأوروبي وأخرى تأتيه من دولته, تكون عموما مساوية للمخصصات الممنوحة للنائب في دولته الأصل. وتظهر تلك الفوارق القائمة حاليا من المقارنة بين ما يتقاضاه النواب حسب جنسياتهم الأصلية. فعلى سبيل المثال مبالغ مخصصات النائب الأوروبي من جنسية هنغارية تبلغ 760 يورو. في حين تصل هذه إلى 11779 يورو للنائب الايطالي (عام 2004) و 2540 يورو للنائب الاسباني. وبعد سنوات من المناقشات توصل مجلس وزراء الاتحاد والبرلمان للاتفاق على مبدأ تحديد هذه المخصصات بمبلغ إجمالي قدره 7665 يورو شهريا ( صاف قدره 5963 يورو). إضافة إلى 4202 يورو مخصصات للنفقات العامة, و 298 يورو تعويضا يوميا. يضاف إلى ذلك نفقات التنقلات ( مصدر la Croix 6 et 7 juin 2009 ).
يتجمع النواب في كتل سياسية trans-nationaux منظمة بمقتضى التجانس السياسي. فمثلا, ينتسب النواب من الحزب الاشتراكي الفرنسي لكتلة الحزب الاشتراكي الأوروبي, ونواب الاتحاد من اجل الحركة الشعبية ينتمون إلى كتلة الحزب الشعبي الأوروبي .. غير أن النظام التأديبي في هذه الكتل اقل صرامة من النظام التأديبي للأحزاب الوطنية القادمين منها, إذ يمكن للنائب الأوروبي أن يصوت في مواضيع معينة ضد خط حزبه أو تجمعه.
يتمتع النائب الأوروبي بحصانة مماثلة للحصانة التي يتمتع بها النائب في دولته الأم. ويمكن رفع الحصانة من قبل البرلمان الأوروبي عن النائب بالطرق البرلمانية, بناء على دعوى من دولة عضو.
تنظيم البرلمان:
يعقد البرلمان دورة سنوية, تبدأ في شهر مارس (المادة 196 TCE), ويجتمع طيلة السنة دوريا, أسبوعا في الشهر, مع إمكانية عقد جلسات استثنائية, مخصصة للميزانية, بطلب من غالبية أعضائه ومجلس الوزراء واللجنة الأوروبية. وللبرلمان مكتب, منتخب لمدة عامين ونصف, مكون من رئيس يمثل البرلمان أمام المؤسسات البرلمانية الأخرى, وفي الخارج, و 14 نائب رئيس و5 مراقبين questeurs وهو مختص بكل المسائل المتعلقة بالأعمال الداخلية للبرلمان.
تقوم لدى البرلمان 20 لجنة برلمانية, و لجنتين مساعدتين, يتراوح عدد الأعضاء فيها بين 28 إلى 86 عضوا, ولكل منها رئيس ومكتب وأمانة سر:
ـ لحنة الشؤون الخارجية. ـ لجنة التنمية. ـ لجنة التجارة الدولية. ـ اللجنة المالية. ـ لحنة المراقبة المالية. ـ لجنة العمل والشؤون الاجتماعية. ـ لجنة الشؤون الاقتصادية والمالية. ـ لجنة البيئة والصحة العامة, والأمن الغذائي. ـ لجنة الصناعة والبحث عن الطاقة. ـ لجنة السوق الداخلي وحماية المستهلكين. ـ لجنة النقل والسياحة. ـ لجنة التنمية المناطقية. ـ لجنة الزراعة والتنمية الزراعية. ـ لجنة الصيد البحري. ـ لحنة الثقافة والتربية. ـ لحنة الشؤون القانونية. ـ لجنة الحريات المدنية, والقضاء, و الشؤون الداخلية. ـ لجنة الشؤون الدستورية. ـ نيابة لجنة حقوق الإنسان. ـ نيابة لجنة الأمن والدفاع.
وبمقتضى المادة 199 فقرة 1 من TCE , للبرلمان سلطة تنظيم ذاتي, يقر بموجبها نظامه الداخلي, ويحدد جداول أعماله, وينظم شؤون موظفيه الإداريين البالغ عددهم حوالي 0500 موظف أوروبي.
اختصاصات البرلمان الأوروبي:
حول السؤال ما الذي يجعل الدول الأعضاء في الاتحاد تتخلى عن جزء من امتيازاتها لفائدة البرلمان الأوروبي؟. الجدل القانوني والسياسي حول ذلك واسع جدا, ويتبع النظريات القانونية في السيادة ومفهومها. وكذلك النظريات والتيارات السياسية بمختلف ألوانها وتنظيماتها. ويمكن بهذا الصدد تأشير جوابين رئيسين: الأول يقول بعدم وجود أي سبب أو حاجة لتتخلى الدولة عن جزء من سيادتها مهما كان ضئيلا . الجواب الثاني انه في كل مرة يصدر عن البرلمان تصرف فمعنى ذلك أن الدول الأعضاء مجتمعة هي التي قررت.
بقي الاختصاص الأساسي المعترف به للبرلمان ولفترة طويلة متعلق بالمجال المالي. ولكن دوره بدأ في التوسع تدريجيا مع انتخاب نوابه مباشرة من قبل شعوب الدول الأعضاء, ابتداء من عام 1979, ولم يعد اختصاص البرلمان استشاري فقط. فقد توسع ليشمل اليوم 3 ميادين:
ـ اختصاص في المواد التشريعية: يشارك البرلمان إلى جانب مجلس الاتحاد الأوروبي في صياغة وتبني قرارات الجماعة من خلال إجراءات معينة : تطبيق إجراءات الرأي العادي simple. حيث يمنع المجلس الاتحادي التقرير دون الحصول المسبق على رأي البرلمان. وفي إطار إجراءات الرأي المطابق avis conforme على المجلس الاتحادي, ليس فقط استشارة البرلمان, وإنما كذلك أن يتطابق مع الوضع المعبر عنه من قبل البرلمان الأوروبي. وهذا الإجراء يتطبق بشكل خاص على اتفاقات انضمام أعضاء جدد, واتفاقات العلاقات مع الغير من الدول. ويقرر البرلمان حسب المجالات المعنية, وحسب إجراءات مختلفة : القرارات المشتركة codécision , والتعاون, والاستشارة, والرأي المطابق, والرأي الاستشاري الإجباري. ويمكن للبرلمان الطلب من المجلس إخضاع مشاريع النصوص له إذا ما بدا له ذلك ضروريا.
ـ اختصاص مالي: يتم إعداد مشروع الميزانية من قبل مجلس الاتحاد, بناء على اقتراح من اللجنة الأوروبية, ويخضع لموافقة البرلمان. ولهذا الأخير الكلمة الأخيرة فيما يتعلق بالنفقات غير الإجبارية.
ـ اختصاصات رقابة على الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي. فهو يملك وسيلة للرقابة تمكنه من حجب الثقة عن اللجنة الاتحادية التي عليها, في هذه الحالة, أن تستقيل. كما أن اختيار رئيس وأعضاء هذه اللجنة يخضع لموافقة البرلمان. ويستطيع أعضاؤه طرح أسئلة مكتوبة أو شفهية على مجلس الاتحاد وعلى أعضاء اللجنة, وعلى المفوضين الأوروبيين. ( بلغ عدد الأسئلة المطروحة عام 2007 في الساعات المخصصة للأسئلة 6790 سؤالا. مصدر Olivier Blin, Institutions européennes, p.62) واستلام العرائض, وإنشاء لجان مؤقتة للتحقيق. وله حق اللجوء لمحكمة العدل الأوروبية للحفاظ على امتيازاته في مواجهة المجلس واللجنة.
وقد جاءت معاهدة ليشبونة لتعميم ما يسمى الإجراءات التشريعية العادية, وتوسيع حق البرلمان في الإجراءات المتعلقة بالنفقات. وإلغاء التمييز بين النفقات الإلزامية والأخرى غير الإلزامية. فللبرلمان الكلمة الخيرة في هذه المسائل. والاعتراف له بسلطة تقديرية في مجالات لم يكن له حق التدخل فيها, مثل التوجيهات المتعلقة بالحماية الدبلوماسية والقنصلية.
البرلمان الأوروبي, كالمؤسسات الأخرى, مشروع بناء أوروبي غير منته , دائم التطور بدينامكية تفرضها تطور أوضاع الدول الأعضاء, ومصالح شعوبها. وهو يسعى للحصول على المزيد من الاختصاصات التي يمكنها زيادة تعزز البناء الديمقراطي والممارسة الديمقراطية في الاتحاد, وفي دوله السبعة والعشرين.
#هايل_نصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟