أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود كرم - الإنسانيون ( 3 من 4 )















المزيد.....

الإنسانيون ( 3 من 4 )


محمود كرم

الحوار المتمدن-العدد: 2673 - 2009 / 6 / 10 - 10:07
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الساعون إلى صناعة الحياة المفعمة بالفتنة والدهشة والجمال والألق والبهجة على امتداد الأزمنة ، هم في الأساس إنسانيون في المعنى العميق للإنسانية الخلاقة ، تجمعهم قيم الجمال والإبداع والتطور ، ويجمعهم أبداً ميراث الإنسانية في الأخلاق والحرية والحب والسعادة ، وتدفع بهم إلى اجتراح كل ذلك قيم الحرية الإنسانية ، الحرية التي كانت ولم تزل الأصل الجوهري والفلسفي في تقدم الفكر الإنساني الإبداعي ..

لقد أسَّسَ الإنسانيون للحرية طريقاً يصل بالإنسان إلى مستويات تتخلق بوعي الذات ، تتمثل في فكره وتطلعاته وتعالقاته وأنماط حياته ، ولم تكن الحرية إلا انعكاساً واعياً وعقلانياً لمدى إدراكه لحقيقة أن يكون نفسه ، متماهياً بتصميم وتوثب خلاق ومبدع مع ما يريد أن يكون من خلال ذاته ، ومنسجماً مع ما يفكر ويتمنى ويتطلع أن يكون ، فالإنساني يرى في الحرية مناخاً ، يستدعيه من أعماقهِ ويصنعه في ذاته ، ويستوطنه عميقاً ، مُعززاً به إدراكه المتفرد لماهية وجوده ، ومستنطقاً به جمالاً داخلياً يجده يتجذر في كيانه وعقله وقراره ووعيه وضميره ..

وكان أن دعا الإنسانيون إلى تبني الحرية فكراً أصيلاً ، يوجده الإنسان في كيانه مطلباً ذاتياً ومنطلقاً ثقافياً ، محققاً به وجوده الذاتي الفعلي ، يعكس في أصله الجوهري جمالية ذاته المفكرة والواعية والمبدعة والحرة ، فالأصل أن يكون الإنسان إنساناً حراً ، لا تلتهمه الأدلجات ، ولا تستعبده الأديان ، ولا تتغول عليهِ المعتقدات ، ولا تستبيح وجوده النظريات والشعارات ، ولا تؤطره المرجعيات الثقافية السائدة ، ولا تستبد به الأوهام ، لأنه يعي اشتراطات حريته الداخلية ، الحرية المسؤولة التي تعني في أحد جوانبها الأساسية الوعي بالذات ، مدركاً بها قدراته الذاتية التواصلية في إنجاز ما يريد ، وفي إبداع ما يحققه على مستويات الفعل الأخلاقي والثقافي والمعرفي ..

وانطلاقاً من هذه التأسيسيّة الذاتية الفكرية الواعية للحرية في الذات الإنسانية ، يسعى الإنسانيون نحو التأكيد على قيم الحرية ، كأساس جوهري لصناعة الحياة الواقعية ، الملهمة للإبداع والتألق ، والدافعة للإنجاز والتغيير والتطور ، ومفاهيم الحرية في الفكر الإنساني تعني أن يتمتع الإنسان بدايةً بحرية الاختيار ، وتعتبر هذه الحرية من أقدس حقوقه الإنسانية في الحياة ، بمعنى أن يكون حراً في اختيار ما يناسبه من طريقة في الحياة ، واختيار الأسلوب الذي يريد ، واختيار النمط الحياتي الذي يجد نفسه فيه ، ولا يعني ذلك تشريعاً للهمجية أو العشوائية أو العنف أو العدائية في السلوك والفكر ، فحرية الاختيار لا تعني تبريراً للفوضى والتخريب والعبث واللاأخلاق ، بل تعني أساساً حراً ينطلق منه الإنسان نحو آفاق يجترحها بمحض إرادته ورغبته وميوله ، وفي مقابل ذلك يؤمن الإنسانيون بالتسامح مع اختيارات الآخرين لأنماطهم الحياتية ، ولكن لا يعني ذلك في الوقت نفسه تأييدها أو الدعوة إليها ، فحرية الاختيار هي أيضاً مقدار ما يبديه الإنسان من تسامح مع اختيارات الآخرين ، وليس بالضرروة الاتفاق عليها أو التوافق معها ، أو تأييدها أو الانحياز إليها ..

وإلى ذلك نجد هناك حرية التعبير والفكر في فكر الإنسانيين ، حيث تعتبر تجسيداً فعلياً لجوهر الوجود الإنساني الأعلى ، إنها نزعة الإنسان الأبدية في التأكيد على وجوده الذاتي الإنتاجي في ميادين المعرفة والعلم والفن والثقافة والأدب ، إنه الإنسان الذي يريد أن يقول كثيراً وينتجُ إبداعاً ويعبّرُ عميقاً عن مكنونات ذاته الحرة ، ولا يستطيع أن يجد نفسه واقعاً تحت القمع والاستلاب والقهر ، إنه يسعى حثيثاً ، حيث الحرية في التعبير والفكر هي استجلاء فاتن لحقه الإنساني في التجربة والطموح والإنجاز والتغيير ، ومؤمناً في الوقت نفسه بالتعددية الثقافية والفكرية ، لأنه يجدها أساساً تدعو إليه حرية التعبير والفكر ، فالحياة في نظر الإنسانيين لا يمكن حصرها في اتجاه أحادي ، بل تعني في الأصل التنوع والاختلاف وتقوم على ذلك ، والتسامح مع ما تظهره الحياة من تنوع واختلاف ، ولذلك تبقى مهمة الإنساني أن يدافع عن حق الإنسان في الاختلاف والتنوع ، وحقه في حرية التعبير والفكر ، ولكن في مقابل ذلك يبقى الإنساني مناهضاً للثقافات الهادمة للذات والقامعة للعقل والرافضة للإبداع ، ومناهضاً صلباً للثقافات العدائية والتسلطية والإرهابية والاستلابية والقمعية والعنصرية ..

ويعمل الإنسانيون دائماً على تبني الحداثة الفكرية التي تعني الامتزاج الثقافي الكوني ، انطلاقاً جوهرياً من حق الإنسان في حرية التعبير والفكر ، فبقدر ما يكون الإنسان حراً في التعبير والرأي والفكر ، يكون مساهماً فعالاً في ترسيخ قيم الثقافة الكونية ، إنه يجد نفسه في الآخر ، الآخر الذي يشاركه ويتشارك معه في صناعة الحياة الحرة والنظيفة والفاتنة ..

ومن الحريات التي يبقى الإنسانيون يدافعون عنها تأكيداً وتثبيتاً لحق الإنسان في الفعل الحياتي والوجودي والابتكاري ، هي حرية التفكير التساؤلي ، إنها بعبارة أخرى الاستخدام الحر للعقل كما عبر عنها الفيلسوف الإنساني كانط في الدفاع عن حق الإنسان الأصيل في التفكير باستخدام عقله الحر ، والذي يعني في الأساس استخداماً يستنهض فيه قدراته الذاتية للتخلص من هيمنة الوصايات الثقافية المسبقة والذهنيات الجاهزة والمنقولات المعلبة واليقينيات الاطلاقية والمألوفات التفسيرية السائدة ، ويؤكد الإنسانيون في الاتجاه نفسه على الواقعية التفكيرية سبيلاً نقدياً وتساؤلياً للتحرر من ثقافة الغيبيات والماورائيات ، تلك التي تسلب العقل الإنساني حريته وحيويته وفاعليته واندفاعاته ومغامراته في البحث والتفكير والسؤال والنقد والتقصي ، إنها الحرية التي تدفع بالإنساني إلى رفض الأدلجة والثقافة الغيبية المعيقة للتفكير الحر وحرية التفكير ، إنها الحرية التي تعلي من شأن الذات المفكرة احتراماً لانتهاجها قانون التفكير والتساؤل والنقد ..

ويؤمن الإنسانيون دائماً بأن الإنسان عليه أن يكون صانعاً لكيانه ووجوده وفعله الثقافي والإبداعي ، ولا يتوفر ذلك إلا من خلال التأسيس لحرية الإرادة ، والتي تعني في الأساس مواجهة كافة أشكال القهر والاستلاب والجبر ، وتعني التحرر من الاعتقادات والهيمنات الأيديولوجية الدينية والقومية والماضوية ، وتعني أيضاً حق الإنسان الذاتي في صناعة قراره ، إنه الحق الذي يخلقه إنساناً حراً في إرادته ، مستوعباً لفعله الإرادي الذاتي ، إنه في هذه الحالة ينتصر لعقله الإرادي ولإرادته العاقلة في تحقيق رغباته الذاتية ، وصناعة تفكيره الحر ، دفاعاً عن حقه الإنساني في الحرية ..





#محمود_كرم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسانيون ( 2 من 4 )
- الإنسانيون ( 1 4 )
- القناعات وَهْم البدايات
- تلك اللذة العليا
- ثقافات بلا منطق
- زرقة الغياب
- بحث في بنية العقل الديني
- الحوار الحر ينتصر للإنسان
- الإنسان .. من الغيبية إلى العقلانية
- الجمال والحرية .. فلسفتان في البياض الشفيف
- حينما يأتي الربيع في أوبسالا
- الأساس الفلسفي للأفكار الحرة
- الانتماءات وهْم .. الحقيقة أنا وأنت
- الخلق والتطور في الفكر الحر
- الإنسان ... فراغ مطلق
- حينما تصبح الأيديولوجيا بديلاً عن الإنسان
- ثقافة السؤال في الفكر الإنساني
- الإنسان حيوان يقيني
- الحياة عُرفت بالتنوع وثقافة الاختلاف
- حلميَ الموشّى بزهر الندى


المزيد.....




- بعد أكثر من سبعين عامًا.. مطعم بحريني يجذب المشاهير بمأكولات ...
- بعد قرار ترامب.. رئيس هارفارد يرفض -الإملاءات- وجماعة كولومب ...
- مسؤول بحماس يكشف عن موقف الحركة من مقترح إسرائيل بنزع سلاحها ...
- دراسات: البيض خيار مثالي لأحد العناصر المهمة لصحة الدماغ
- مؤتمر دولي في لندن لمناقشة الأزمة الإنسانية في السودان ولا ...
- هل انتهى شهر العسل؟.. خلاف علني -آخر- بين كييف وواشنطن مع اق ...
- الشيباني عبر -إكس: -الرئيس الشرع يزور الدولة التي وقفت مع ال ...
- الحرس الثوري: قدراتنا الدفاعية خط أحمر ولا مجال للتفاوض عليه ...
- -بسبب ملابسه المثيرة للجدل-.. محمد رمضان يوجه رسالة لإسرائيل ...
- زيلينسكي يؤجل الانتخابات 90 يوما أخرى


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود كرم - الإنسانيون ( 3 من 4 )