|
اسئلة العام الثالث والعشرون على غياب خالد نزال
ريما كتانة نزال
الحوار المتمدن-العدد: 2672 - 2009 / 6 / 9 - 08:21
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
ثلاثة وعشرون عاما أعد الزمن على ساعة رملية، لا يكاد يوم يمر تفارقني فيه، لدى تكوَر الكتاب على نعاس، رائحة قهوة الشام في صباح باكر، عمق جديد في اخضرار "غيث" سُرق من مقلتيك، سخرية شقية منك خُطفتها "ديمة" ذات حب، قميص كاكي لا يليق الا بمنكبيك، رائحة البارود تتسرب من نشرة الأخبار، وخيط من القمر يغمر الأحلام .. حكايات جديدة تولد، كلام يعوم على الأمعاء، عبث يشحن الذاكرة، أحلام مثخنة تستوطن ونستمتع بممارسة طقوسها الحميمة. فصول الحكاية تصيبنا بالعمى والخرس، ونفقد في الزحمة الدموية ما يجب أن نقوله في ذكرى الشهداء. نتلعثم في بيوت العزاء، تهجر الطيور أعشاشها، حكايات أصيلة تتلاشى لفقد البوصلة اتجاهها، ولمغادرة العقل مكانه. تتفشى الأوبئة، تنطفئ المشاعل، وتغرق المدينة في العتمة، ويصيب القوم علائم الجذام. ذهول التوحد، رأس يستمر بضرب نفسه بالجدار، لسان معقود بقسم كاذب، عرق يتصبب من العيون، حمرة لا تعلو وجوه العار، رقبة تشنق نفسها هربا من العدوى، أفواه تبتلع نصل خنجر، وعيون تتحجر من التعصب، ولا نفاجأ بأن لكل منا أكثر من لسان وحنجرة، والأغلبية الصامتة بمحض ارادتها تختنق، وتغيب في الارصفة كأشباح ثقيلة. وتستمر الحكاية الخرافية، ولا أحد يعبأ سوى بتسجيل فصول الرواية، بكل اللغات والألسنة، باعثة على الضحك حتى تدمع الصخور. وحكاية أخرى مجدولة بحبات الشمس تكبر. حكاية من نعلين، تقذف في اليوم السابع بنعلَيْن من الأحذية في وجه العنصرية المطلة من الجدار والاستيطان. وأخرى في بلعين، حيث يبتلع الاستعراض ذاته، وتعتقل الحياة المتدفقة المخاوف والأوجاع. وفي الأماكن النبيلة، لا تموت صرخات الاستغاثة. فكرة بطلها جماعة وقرار، فكرة سامية في ظاهرها وباطنها، لا يمكن تجييرها لصالح فرسان الخطابات، تفتح ذراعيها دون تحفظ لألوان العلَم، رافضة البيع والشراء، وتغلق قلبها دون تحفظ في وجه وكلاء الشعوذة والأدعية، وتوصد أبوابها للتشدق في المناسبات والمواسم والقطاف. السؤال الثالث والعشرون معلَق على وتر مشدود، لا يصدر عنه الا النعيق، أن نعود معا، لو نعود معا، أن يسامحنا الشهداء، أن نصل بين عالمينا، بين من يعيش فوق السحاب وتحته. الخلاف سيد الموقف، الفراق يلف المكان، الوهن يغطي كل شيء. رام الله وغزة، بيتنا الكبير، الحي المجاور، الشوارع البسيطة، مدن تلعب بغواية، زعماء يستمرئون اللهو بالألغاز، يلعبون بالمعاول، ويتسلون بمكعبات " الليجو"، يجدون لذة بوهيمية في متوالية الهدم والبناء، المرة تلو المرة، لأنهم في اللحظة الخبيثة تجاهلوا وضع الأساس. نضالات تبتلعها الرمال المتحركة، ودماء الضحايا تصب في المستنقع، وغمائم الدخان تسبح في الفضاء. ترتبك لفرط الخيبة أطراف خيام من جنين ورفح، تعوم الكلمات الجوفاء على القلب، محاولات القبض على الحروف والكلمات الصائبة تتلاشى، وفي الساعة اللئيمة نخفق في تحديد وقت إضاعتها، ولدى لمَها من جديد، تضرب صاعقة ملتاعة فضاءنا فتضيع منا الدنيا، ولا تغفر لنا الآلهة. الجواب الثالث والعشرون، أقبض على حلم جميل، أرتدي ملابس العرس، أتعطر بشذى التراب، فيتوهج المكان وتضيء منصة للرقص، ادور حول اصبعي، أصحو على معجزة، أملك الدنيا لفرط ترنحي، وتطل من أعماقي شعلة الطفولة، وتضيء عيوني بفرح العيد الملون. وفي الحقيقة أراوح في المكان، لا ابرح مزاولة مهنة التعالي على الحقيقة، ولا أبالي بصفع السراب، لا شيء يثنيني عن استمرار البحث عن محطة تريح عيوني الشاردة، وعن انتظار عزف أغنية قديمة ذبلت من جفاف البعد، تردعني عن الايغال في الغرق بالعتمة، وتعوض علي مشاعرا تزخر بالخيبة والفقدان. في السنة الثالثة والعشرين، أنت الشهيد الأنيق تنظر مزدريا شاهقا، تدير ظهرك لغينا وللغونا، وتنكث بعهد العودة لنكوصنا عنه قبلك. وفي ابتعادك، أصرخ بك أن طالت غيبتك، وأناديك لتعيدني الى الارض، وأن ترمم الجسور، وأن تحضر لنا حبل نجاة.. وألحق بك لتسمع ندائي، وأجهد لتفهم رطني، وأن تصدق ما أقوله من جنون. الشهداء ينظرون لنا من علياتهم، ولا يبدوا بأنهم يفهمون ما نقصد، أو أنهم يؤثرون الحياد إزاء دماء لا تدري بأي مجرى تذهب، أو يفضلون الصمت من هول الصدمة، وربما غير مبالون بحال مُزر وصلنا اليه بأرجلنا، وبكامل حلتنا السوداء. بدوري، أتأهب لمغادرة العام الثالث والعشرين لصدمة رحيلك، بالعودة الى ممارسة عاداتي في تسوق الملل، وشراء بضائع الفضائيات والاذاعات، وأسدد أثمانها من تجاعيد زمني الضائع. في حزيرانك الثالث والعشرين، غير متأكدة من أشياء كثيرة، الا من احتراف حمل حبي على كتفي، وسأكتفي بأن أفهم رسالة صمتك، وشحن ذاكرتي المتلاشية، وأكتفي من الحياة بالقبض على حلم فضي، وبالبحث عن حل لغز الكلمات المتقاطعة
#ريما_كتانة_نزال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مؤتمر الاتحاد للمرأة الفلسطينية وممكنات التجديد والتطوير
-
المؤتمر العام الخامس للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية-اعادة ا
...
-
جولة حول الورشة الاقليمية لقانون الاحوال الشخصية
-
حول مصادقة الرئيس الفلسطيني على -السيداو-
-
الخلاف الفلسطيني والسلم الأهلي
-
أسئلة الثامن من آذار الفلسطينية
-
رسالة مفتوحة الى بان كي مون
-
ثمانية أعوام على قرار مجلس الأمن 1325
-
أم كامل: ملصق للقدس عاصمة الثقافة 2009
-
بدائل النساء في دول الصراع المسلح
-
المرشحة الجمهورية سارة بيلن
-
الأب فيلومينوس شاهد وشهيد
-
ام سعيد العتبة تتحرر
-
ماذا فعل الشاعر بنا
-
أي قانون للأسرة الفلسطينية نريد؟
-
من نابلس مع التحية..
-
في الذكرى الثانية والعشرين لرحيل خالد نزال-انت ونحن
-
صديقتي نهاية الجيوسي وتورابورا
-
من هموم عضوات مجالس الحكم المحلي
-
جماهيرية الحركة النسائية الفلسطينية
المزيد.....
-
حق الإضراب مكسب تاريخي للطبقة العاملة فوق الحسابات
-
تمرير مشروع القانون التكبيلي للإضراب في ظل اختلال موازين الق
...
-
مصر تتجه لإلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية على البورصة.. ومصدر
...
-
الخلفيات النيوليبرالية للقانون التنظيمي للإضراب
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تعبر عن اعتزازها
...
-
فرنسا: هل انهار تحالف اليسار؟
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 590
-
علماء: النحل يستطيع العد من اليسار إلى اليمين مثل البشر
-
محتجون في بنغلاديش يحرقون منزل والد رئيسة الوزراء السابقة
-
الشيوعي العراقي يدين مخطط التهجير والتطهير العرقي في قطاع غز
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|