حسام مطلق
الحوار المتمدن-العدد: 2671 - 2009 / 6 / 8 - 08:42
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الجزء الخامس سيكولوجيا الخوف من الحرية
كنت قد ناقشت في الحلقة السابقة ( النموذج الاجتماعي والانحراف الكبير- http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=174295) الخلل الأخلاقي الذي حصل عقب نقل السيادة الاجتماعية من الطبقة الارستقراطية والمثقفين الى ضباط المخابرات, وهنا أناقش الدافع السيكلوجي خلف هذا السلوك, منبها الى أن الحرص على الا تكون الحلقة الواحدة ممتدة قد يتطلب ان استمر بما هو اكثر من سبع حلقات كما وعدت في البداية, مع التقدير لكل من يتابع.
سيكولوجيا الخوف من الحرية
ربط إيرك فروم في كتابه الخوف من الحرية بين حرية الإنسان والإرتقاء, حيث يميل البشر, وفقا لرأيه, إلى أن خيارين :
الأول- هو التوحد مع العالم عبر الحب والعمل النافع, وهو الخيار الليبرالي, الذي دفع بالحضارة الاوربية الى كل هذه العظمة بعد أن وعيت عواقب الاعتداد القومي من كارثة الحرب العالمية الثانية, فغدا توجهها نحو تقديس الانسان.
الثاني – هو إلغاء الفردية, إي الغاء الحرية, عبر الاندماج مع آخر, سواء أكان جماعة أو قائد. وهو الفكر السياسي في الخيار القومي أو الأصولي, وهذا الاندماج للفرد يقوم على مفهوم مزيج ( سادي ومازوشي ) فالفرد خاضع, اي مازوشي, ورغم ذلك هو يميل لا لتحقيق حريته بل لإخضاع آخرين. هو بإخضاعهم يستعيض عن الاحساس المفقود بالحرية. راقب تعابير مثل " أي كلنا هيك – كلنا صار علينا هاد الشيء – المساواة في الظلم عدالة ... الخ " وكيف تعبر عن مواساة الذات أمام ما تشعر بالاهانة حين تجد في الخارج هناك رجلا حرا يرفض الخضوع المازوشي, ويرفض كل التبريرات المقدمة لتعليل السلوكيات الاستبدادية المنحرفة. ذلك أن استسلام الشخص ذي النزعة المازوشية, كما يفسره ايرك فروم, مصدره الخوف من الحرية, اما السلوك السادية فدافعه, وكما سبق الإشارة في الجزء السابق, احساس عميق بالدونية نتيجة لتمكن الاحساس المازوشي, والمازوشية هي العنصر الثاني في التكوين النفسي لضابط المخابرات, ويبقى الجزء الثالث, الا وهو السيكوباتية, سوف اورد شرحا واسقاطات مناسبة لتبيانه في حينه.
الخوف من الحرية هو ومحور نظرية ايريك فروم عن " السلطة اللاعقلانية " وهي التي يرفضها بالضرورة كل شخص طبيعي يعي جيدا حقه في الحرية. وليس الحر من يرفض كل اشكال الانضباط, بل هو العقلاني الذي لايقبل بالتنازل عن أي جزء من حريته إلا لهيئة قانونية ويرفض بشدة وعناد أن يكون تنازله هذا لأفراد, وحتما, حين يكون التنازل ضبابيا. راقب رواج كلمة " نحنى بنقدر – هنن بيعرفوا – وكلها تعبيرات تستخدم صيغة المجهول للتدليل عن القيادة, وسألت مرة من القيادة لعدد من عناصر المخابرات السورية فلم يكن احدهم يعرف الاجابة . لقد تنازلوا عن حريتهم, لقد سقطوا في المازوشية ".
الوضوح في الرؤيا نقطة يؤكد عليها هيجل ويعتبرها المفتاح في التميز بين الواعي والعادي. هو يجعل التميز بين الخطوط الدقيقة دليل التفوق ومعيار الذهنية الحرة.
من هنا كان تقديس الليبراليين للحرية, حريتهم, وحرية الآخرين, ومن هنا كان سر مطالبتهم بالانتماء للدولة, الى هيئة, إلى قوانين, لا إلى جماعة أو قطيع أو قيادات. على عكس القوميين والأصوليين اللذين تتميز شخصياتهم بالاختلاط ( السادي المازوشي ) مما يجعلهم مرتبكين أمام الحرية وثمنها فيهربون من عجزهم باحتقار حرية الليبراليين. فالجماعات, كل الجماعات, الدينية منها والقومية, قامت اساسا لتشكل باتحادها قوة توازي قوة ذاك الحر الذي قطع الصحراء منفردا أو ركب البحر وأخطاره أو تسلق الجبال بحثا عن خيار جديد. هو صنع الحضارة حين فتح باب الخيارات البديلة وهم بكل وقاحة عاشوا فيها. إنها قصة المهاجر الأميركي الأول وقصة الكاوبوي وقصة الأعرابي وكل حر رفض قانون الجماعة وتراتبيتها المذلة.
الوضع السوري هنا لا يخرج عن هذه الدائرة, دائرة الخوف من الحرية ودائرة الالتباسات الكبيرة. النهوض السوري يحتاج إلى تنمية الوعي الجمعي وإلا سارت الأمور نحو الكارثة. النظام السوري يهرب إلى الأمام من الاستحقاق الثقافي التوعوي كضرورة لبناء الفرد عبر تمجيد التراث وتقيد المشاعر والانفعالات. ربما هو يفعل ذلك لأنه اساسا موجود لغياب المحاسبة التي هي نتيجة من نتائج الوعي. الكل يستطيع أن يتحدث بالعموميات, الكل يستطيع أن يستخدم الألفاظ والمصطلحات على تنوعها, قلائل هم اللذين يقفون عند التعريفات المحددات كأدوات معرفية لصناعة المستقبل. قلائل هم اللذين يوظفون الألفاظ والمصطلحات على تنوعها لأغراض التوعية الهادفة والنبيلة. في النهاية الفرق بين الوجود والعدم هو الحد, والحد فلسفيا هو سلب يصنع الإيجاد. مالم نسلب الحقيقة, بدقتها, من الميوعة الفكرية فلن يكون بإمكاننا أن نوجد المستقبل. الإنسان صنع الحضارة حين فصل بين الأشياء, بفصله بينها أمكنه أن يسميها, ثم أمكنه أن يتسيدها. كلما كانت الخطوط أدق وأوضح كلما كان الجمهور أكثر قدرة على الانتاج السليم في سيرورة الحياة الاعتيادية والتوجه الصحيح في اللحظات الحرجة. النظام السوري لايقوم على الالتباسات الفكرية فقط في منطلقاته النظرية ولا فقط في لغته السياسية, الكارثة الأكبر هو ذاك الكم الهائل من القوانين والنظم المعمول بها والمتداخلة بما يربك قدرة الفرد العادي, المواطن, على تلمس الطريق. انها الممارسة المتذاكية المعطلة للوعي بقصد الحيازة المطلقة لأدوات التفسير لعمق الاحساس بالعجز. هذه هي تماما الممارسة المباشرة " للسلطة اللاعقلانية ". حيث قدرة التعطيل والإفشال تكتسب أهمية تفوق قدرة الفعل والمبادرة في ذهنية القرار السياسي السوري. هم يعولون على كامل الزمن لانجاز تصورهم في هزيمة التصور الآخر,والآخر ليس بالضرورة الخارجي, ولا حتى النقيض الداخلي, الاخر هو كل صاحب مبادرة, فإدراك الذات " المازوشية السادية " لذاتها يكون وفقا للتراتبية, تراتبية الصعود والهبوط, ومن هنا كان كل هذا الاندهاش من الفرادة والحرية.
وبرغم كل ما تقود اليه الاحداث وتداعياتها الى تآكل في القدرة السورية يصر السوريون وبشكل مفرط على اتباع سياسة الدفاع السلبي بكل حذافيرها وفي كل نواح الحياة. الزمن لديهم أقرب إلى المكان يمكن دائما الرجوع اليه, أنه في الوعي السياسي السوري جزء من " أصالة الموقف " هو غير خاضع لقانون حركة الطبيعة بقدر ما هو خاضع لقانون " التذاكي ". خذ على سبيل المثال ما اعلنه مدير هيئة الاستثمار السورية أن سوريا بحاجة إلى 40 بليون دولار خلال خمس سنوات كي تتمكن من تحديث بنيتها التحتية, مع التذكير أن مجمل الاستثمارات الأجنبية في سوريا خلال العام 2008 سواء ما كان منها في البنى التحتية أو التوظيف الرأسمالي السريع لم يتجاوز الـ (800) مليون دولار. لذا من حقنا أن نسأل : من أين سوف يتأمن 39 بليون دولار خلال خمس سنوات وهذه الممارسة, التذاكي والاعاقة, ممتدة الى كل نواح الفعل السلطوي مع ما تؤدي في محصلتها الى كل هذا الفشل البنيوي سواء في وعي الانسان او بنى الوطن التحتية؟.
المجتمع في النهاية يتحرك وفقا لمجموعة متكاملة من القوانين والاساليب والعادات, هي شبكة مترابطة قد لايجد المتأمل العادي أي رابط منطقي بينها ولكننا بالتحليل السيكلوجي نجد اليد الخفية الفاعلة, سواء اقداما أو تراجعا, فالعلاقات الاجتماعية ينفذ احدها إلى الآخر بطريقة ما, ولذا ربط هيجل بين رقي الفن والتفوق الحضاري, ذاك ان قوة الفن تتطلب تحقق الفردية والتحرر الذهني والنفسي, ولكن مع كل تلك السيطرة لذهنية الاعاقة في الفعل السياسي السوري لا يبقى من للفعل الحضاري أي قوة وليس فقط على صعيد الفن ولكن على صعيد الادب والبحث العلمي وتاليا التقدم الاقتصادي.
الابداع في العموم ليس ذا هدف شعوري, هو ليس قياس ميتافيزيقي, كما تفهمه الذهنية المخاباراتية السورية, فالشعوري يدفع بالضرورة نحو تدمير الغاية الكامنة من التحرر الابداعي, الا وهي الجمال المطلق, الجمال المجرد, الفكر المطلق الفكر المجرد. التوظيف يأتي لاحقا, وكل التجارب التي جعلت الفكر موظفا للشعور انتهت الى كارثة لا تقل عن كارثة النازية او الشيوعية في العهد القريب, ولن تكون الحالة السورية استثناء, ذلك ان الصراع القادم بين الدول لن يكون بالحروب التقليدية ولا بالوسائل التي عرفها الانسان الى اليوم في الصراع بين الدول. الحرب بين الدول سوف تكون حرب تفوق فكري, وهذا يعني التفوق في كل الصعد, الاقتصاد والجمال والفن. لان الوصول الى الغاية النهائية, اي التوظيف الامثل يتطلب ان يتحقق بداية التحرر الأمثل, والتحرر الأمثل يستلزم قبل كل شيء تحرير للعواطف والانفعالات وخصوصا للمبدعين واخراجها من تراتبية ( المازوشية السادية ) التي يتقوقع النظام السوري خلفها. بكلمة واحدة : مالم تتحرروا من الخوف من الحرية فأنتم ساقطون في بضع سنوات لا أكثر.
في الحلقة القادمة أتطرق الى النظرية الامنية المتبعة في سوريا, اساسها الفكري, ونماذج عن تطبيقاتها
#حسام_مطلق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟