|
أي لبنان بعد الانتخابات ؟
عبدالله تركماني
الحوار المتمدن-العدد: 2668 - 2009 / 6 / 5 - 02:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يوم 7 يونيو/حزيران الجاري هو اختبار واقعي للجمهورية اللبنانية بكل عناصرها، الشعب والدولة والأمن والسياسة والاجتماع والثقافة. و قد ترتسم في الأفق اللبناني صباح 8 يونيو/حزيران مؤشرات نهاية حقبة سوداء في تاريخ لبنان، لتفسح في المجال لحقبة جديدة يبدأ معها مشروع استعادة ميثاق العيش المشترك في دولة كل مواطنيها. ولكن ما تشهده ساحة الانتخابات من احتقان في الشارع ، نتيجة الخطاب السياسي والانتخابي الملتهب لكل من فريقي الموالاة والمعارضة، لا تبشر بهذا الأفق. إذ يبدو أنّ اللبنانيين ليسوا بصدد المنافسة على اختيار من يدير بلادهم في مصلحة تقدمهم الاجتماعي وأمنهم وتوسيع آفاق المستقبل لطموحاتهم وآمالهم وعيشهم المشترك، بل هم بصدد الاحتفاظ بتوازن القوة بين الجماعات الطائفية وممثليها السياسيين. وإزاء ذلك يكون مشروعا طرح العديد من الأسئلة: أي لبنان سيكون ؟ هل من أمل بجمهورية ثالثة ؟ أم يذهب لبنان، بشرِّ أعمال زعاماته، إلى خيار المراوحة المديدة في سياق توازن قلق، يستظهر العجز الكامن في الطبقة السياسية للقوتين المتنافستين، وفي طبيعتهما ؟ أم يذهب إلى حيث تريده القوى الإقليمية والدولية ؟ يبدو أنّ الجديد في هذه الانتخابات هو شعور قوى دولية وإقليمية أنها ستؤسس لتوازن قوى جديد داخل لبنان في مقدوره أن يقلب معادلة توازن القوى الإقليمية: المبادرة الأولى كانت أمريكية من خلال الزيارة التي قام بها جون بايدن نائب الرئيس الأمريكي لبيروت وإعلانه عقب لقائه مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان أنّ الإدارة الأمريكية " ستقيّم برنامج مساعداتها للبنان بالاستناد إلى تشكيلة الحكومة المقبلة وسياستها ". ثم دخول الرئيس الإيراني أحمدي نجاد على الخط، متوقعا انتصار المعارضة في الانتخابات، ومستنتجا أنّ مثل هذا الانتصار سيؤدي إلى تعزيز خيار المقاومة وتغيير الوضع في المنطقة. وفي هذا السياق يمكن فهم كلام الأمين العام لـ " حزب الله " التصعيدي واعتباره يوم 7 مايو/أيار 2008 " يوما مجيدا للمقاومة "، حين ضرب الخصوم الداخليين بقوة السلاح من أجل تغليب وجهة نظر سياسية، وانطوى أيضا على ضرب أي دور للدولة، ليصبح المسلحون هم الأسياد، سياسيا وأمنيا. وأيضا تأكيده، نيابة عن إيران، استعدادها لتسليح الجيش اللبناني بالطائرات والصواريخ. في حين كان يُفترَض أن تصوغ المعارضة برنامجا وطنيا ديمقراطيا جاذبا وجامعا، يخترق الجمهور المتمترس خلف ولاءات طائفية. لقد صار واضحا، من خلال الخطاب الانتخابي، أنّ هناك هواجس حول مستقبل السلطة السياسية وكيف ستكون مراكز القوى فيها. ولعل أخطر ما يثار الآن هو الحديث عن " جمهورية ثالثة "، وبالتالي تعديلات دستورية تؤدي إلى تعديل الصلاحيات. وفي الواقع أنّ شعار " الجمهورية الثالثة ثابتة "، الذي يرفعه التيار العوني يتطابق مع تصريحات قيادات " حزب الله "، وهو دعوة إلى قلب النظام وتغييره، ويتقاطع مع هذه التصريحات والشعارات كلام السيد نصر الله بأنّ " حزب الله " قادر على " إدارة بلد أكبر بمائة مرة من لبنان ". ولا بد من الإشارة في هذا المجال إلى أنّ الحزب والتيار كانا - منذ البداية - من معارضي " اتفاق الطائف " الذي أنهى الحرب الأهلية، واعتمد المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المراكز الرسمية الرئيسة ووزع مهمات الرئاسات الثلاث بطريقة عادلة نسبيا، وأصبح جزءا رئيسيا من الدستور اللبناني. وربما تأتي النتائج عكس ما يتمناه عون، إن وافق الجميع على بحث هذا الموضوع بصورة جدية، بحيث يكون للوضع الديموغرافي الجديد في لبنان تأثيره، بما يؤدي إلى المثالثة بين السنة والشيعة والمسيحيين بدلا من المناصفة المعمول بها حاليا. وفي المقابل، تحاول الموالاة تصويب مسار الدولة بالعودة إلى " اتفاق الطائف "، بحيث تحكم الغالبية النيابية وتتولى الأقلية مراقبة أعمال الحكومة ومحاسبتها في المجلس النيابي، بينما تنادي المعارضة بالديموقراطية التوافقية التي تكرس حكم الطوائف وتدفع البلاد نحو الفيديرالية، وتتمسك بالمشاركة في الحكومة المقبلة والحصول على الثلث المعطل فيها في ما لو بقيت في موقع الأقلية، الأمر الذي قد يؤدي إلى أزمة سياسية حادة. ويبدو أنّ صورة المجلس النيابي القادم قد تكونت، وارتسمت ملامح الكتل النيابية بعناصرها وشعاراتها، فلا مكان لأي تيار سياسي خارج الشرعية الطائفية، حتى لو فاز بعض المستقلين مثل العروبي – الديمقراطي الوزير والنائب السابق بشارة مرهج. وبالتالي ليس هناك إمكانيات فعلية لتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية جدية، وليس مهما ما تدعيه القوى عن نفسها فهي لم تنجح باختراق كل التشكيلة الطائفية، بل سعت عمدا إلى الاستثمار على جغرافيتها وديموغرافيتها الطائفية، فذاك يرمي إلى احتواء الدولة في مشروعه الإقليمي وضمن علاقاته الدولية، وذلك يرغب في إبقاء الدولة عند حدود إقطاعته وإمارته ودائرة نفوذه. وإذا كان الرئيس سليمان يشكو من الوضع الشاذ الذي لا تزال تعيش فيه البلاد، فإنه يأمل في أن يتخلص من هذا الوضع بعد الانتخابات، بحيث تأخذ اللعبة الديموقراطية مجراها الطبيعي ويعود الاحتكام إلى الدستور وإلى المؤسسات لحسم الخلافات. وما يقال من أنّ الرئيس " منسق التوازنات في البلد "، هو افتراء على الجمهورية اللبنانية واعتداء على الدستور واحتقار معلن لمبدأ التوازن نفسه. فهو لا يدير التوازنات في بلد شديد الاختلال، ودولة مقهورة، وإنما هو يمثل التوازن الوطني، كما يرى مصلحة وطن العيش المشترك لكل اللبنانيين، وسط هذه التجاذبات العاصفة. لقد كانت السنة الأولى من العهد كافية ليستخلص الرئيس اللبناني، من التمرين الذي خاضه خلالها، على الدور السياسي الذي يمكنه استعادته للرئاسة في إدارة التوازنات السياسية وصوغ التسويات بين فريقي الصراع، لذلك لم يكن صدفة قوله " المطلوب من رئيس الجمهورية التوافقي، ليس إدارة التوازنات إنما بلورة الحلول المتوازنة و " فرض" هذه التوازنات وضمان قيامها، و" الحسم" دائما وأبدا لمصلحة الوطن...". وفي كل الأحوال سيكون المشهد الانتخابي مثيرا لأسباب تتعلق بالخصوصية اللبنانية، التي تبدأ بطريقة لانتخابات القائمة على محاصصة طائفية متجذرة، وتنتهي بأنها تسمح لقوة مدججة بالسلاح تتجاوز على فكرة الدولة بخوض الانتخابات. وهكذا، لن يكون في نتائج الانتخابات سوى تنازل آخر عن فكرة الدولة لصالح الميليشيا فيها.
#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليمن ليس سعيداً
-
جدل العلاقة بين التنمية والديمقراطية
-
انتصار الأنموذج الديمقراطي الكويتي
-
زمن حقيقة العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية
-
العرب والحاجة إلى التنمية الشاملة
-
الصحراء الغربية على طريق إجراءات الثقة
-
إنجازات رجل مثابر
-
الديمقراطية والمسألة الاجتماعية في سورية
-
المجتمع المدني في العالم العربي - الواقع والمعوّقات والآفاق
-
سؤال الهوية في دول الخليج العربي ؟
-
معوّقات الحداثة في العالم العربي
-
الإطار الاستراتيجي للعلاقات الأمريكية - الروسية
-
مؤشرات الانتخابات البلدية في تركيا
-
تساؤلات بشأن التحول الديمقراطي في العالم العربي ؟
-
الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (6)
-
الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (5)
-
الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (4)
-
الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (3)
-
أسئلة ما بعد - انتصار - حماس
-
الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (2)
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|