|
لا شرقية ولا غربية
حمدي هرملاني
الحوار المتمدن-العدد: 814 - 2004 / 4 / 24 - 11:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دمشق / سوريا في فصول حياتنا المتتالية نمر ببعض الأوقات الحرجة فكرياً ، يكون ذلك عندما نجد أنفسنا أمام حوادث كبيرة بمعناها الثقافي أو الإنساني أو السياسي ، ويكون أعقدها الحوادث السياسية ، بل أعقدها على الإطلاق تلك الحوادث التي تحمل المعاني الثلاث معاً .سأستشهد بحادثتين وجدت نفسي أمامهما بأزمة ، نعم أزمة ، لأن الموقف الذي يجب عليّ اتخاذه ( أمام نفسي أولاً ) يكون مأزوماً ، معقداً جداً ، إن اتخاذ موقف ( واضح ، محدد ، صريح ) صعب جداً في هذه الحالات التي تبتلع معان متناقضة بالنسبة لنا ، وخاصة إذا كان فكرنا مأزوماً من الأساس ، ومنحوتاً من الأساس ، ومقولب من الأساس بقوالب مقدسة . لقد تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية في 11 أيلول 2001 لحادثة اعتبرها البعض أضخم وأسوأ هجوم تعرضت له أمريكا على أرضها في تاريخها كله ، لقد اصطدمت طائرتان ( عن قصد ) ببرجي التجارة العالمي بنيويورك ، قضى نتيجة هذا العمل أكثر من ألفي بريء . لقد ضربت أمريكا في عقر دارها . بصراحة لقد فرحت أولاً ، هذا كان أول المشاعر ، وبعد قليل ذهلت ، وبعد ذلك صعقت . تصور ألا تفرح ، وألا تشمت بأمريكا تلك الجبارة التي نحملها مسؤولية هزائمنا المعاصرة وهي تصفع. وبعد قليل تصور ألا تذهل وأنت ترى الجبروت يرتبك ، ويعرى من ملابسه الحديدية ولو قليلاً. وبعد قليل تصور أن لا تصعق وأنت ترى الضحايا الأبرياء يقفزون من النوافذ ليتخلصوا من لهيب النيران ، ومن ثم يسقط المبنيان والحصيلة أكثر من ألفي إنسان لقوا حتفهم ، آباء وأمهات شاهدوا أطفالهم لآخر مرة ذلك الصباح ، وشاهدهم أطفالهم لآخر مرة وهم يهوون قتلى من الأعالي . وبعد هذا كله ، قل لي ، هل ذهبت فرحتك بأمريكا وهي تصفع ، لا ، إنك ما زلت فرحاً. وهل زال ذهولك بأن قوة كهذه ممكن أن تضرب ، لا ، إنك ما زلت ذهولاً . وهل تلاشت حرقة قلبك لسقوط هؤلاء الضحايا الأبرياء ، لا ، لن تكون إنساناً إن لم تحزن. وبعد هذا كله ، قل لي ، هل دفعك فرحك لتؤيد ما حصل ، أم هل دفعك حزنك لتستنكر ما حصل بأعلى صوتك كأنها مأساة تخص عائلتك وبدون كلمة ( ولكن ) التي تلي الاستنكار . بالله عليك ، قل لي ، ما موقفك . صمــــــتّ أنت صمتّ ، ولكن غيرك بكى ، وناح ، وأغمي عليه . أنت صمتّ ، ولكن غيرك رقص ، وهلل ، واستبشر . أنت لم تستطع البكاء على أمريكا ولم تستطع الفرح والرقص ، فصمتّ ، صمتّ وأنت تشعر وتدرك مستقبلاً قاتماً بعد تلك الحادثة. وبعد أكثر من سنتين يلقى القبض على طاغية من طغاة هذا الزمان ، رجل قتل الألوف ، وشرد الألوف ، وسجن الألوف ، يلقى القبض عليه ، ولكن من هو ، إنه رئيس لدولة عربية تحبها وتعشقها ، ومن ألقى القبض عليه ، إنه عدوك ، إنه من ساهم بإذلال بعض من شعبك وقتلهم وتشريدهم أيضاً. لقد فرحت لأن جباراً وظالماً وطاغوتاً من طواغيت هذا العصر قد لقي مصيراً كنت دائماً تتمناه له ولأمثاله . وبعد قليل ذهلت ، تصور من كنت تراه جباراً عنيداً قوياً يسقط ، وبضعفٍ شديد . وبعد قليل حزنت ، لقد شعرت بالإهانة ، إنني أكرهه وأتمنى ذله ، ولكنني شعرت بالمذلة من خلاله. وبعد ذلك كله قل لي ، هل ذهب فرحك بمصير صدام الذي كنت دائماً تتمناه له . قل لي ، هل ذهب ذهولك بسقوط ذلك الجبار العنيد. قل لي ، هل ذهب اختناقك جراء الشعور بالمذلة من خلاله . لقد عدت فصمـــتّ. أنت صمتّ ، ولكن غيرك بكى ، وناح ، وصرخ . أنت صمت ، ولكن غيرك رقص ، وهلل ، واستبشر . أنت لم تستطع البكاء عليه ، ولم تستطع الشماتة بذله ، فصمتّ . صمتّ ، وأنت تشعر وتدرك مستقبلاً قاتماً بعد تلك الحادثة . عندما تكون إنساناً وبنفس الوقت مظلوماً ، لا تستطيع بمثل تلك الأوقات إلا أن تصمـــت.
#حمدي_هرملاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زاخاروفا: محاولة اغتيال ترامب مظهر ديمقراطي حسب منطق الخارجي
...
-
مدفيديف: روسيا أصبحت أكثر استعدادا للصراع مع الغرب مما كانت
...
-
ليبيا ترفع القيد الإجرائي عن 13 متهما في محاولة اغتيال مستشا
...
-
ترامب لا يستبعد رفع العقوبات عن روسيا ضمن صفقة حول أوكرانيا
...
-
لافروف يجتمع بنظيره السويسري في نيويورك
-
مدفيديف: أي محاولات من قبل الناتو لتهديد حدودنا ستواجه ردا ح
...
-
بعد أشهر من توقف الهجمات... مسيرتان تستهدفان -عين الأسد- بال
...
-
بايدن يتعهد بمواصلة السباق الرئاسي ويهاجم ترامب
-
داعش يعلن مسؤوليته عن هجوم على مسجد للشيعة في عمان
-
بايدن يتعهد بمواصلة السباق الرئاسي وينتقد سياسات ترامب
المزيد.....
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
المزيد.....
|