|
ذاكرة سلمان ناطور في رحلة الصحراء تأريخ للمأساة وسخرية من الواقع
جميل السلحوت
روائي
(Jamil Salhut)
الحوار المتمدن-العدد: 2662 - 2009 / 5 / 30 - 08:49
المحور:
الادب والفن
تأريخ للمأساة وسخرية من الواقع عن منشورات دار الشروق للنشر والتوزيع صدرت في نيسان 2009 ثلاثية الأديب سلمان ناطور " الذاكرة .. سفر على سفر .. انتظار ..ستون عاما – رحلة الصحراء " ، وتقع في 456 صفحة من الحجم المتوسط والكتاب الأول " ذاكرة " صدر عن مركز " بديل " في بيت لحم عام 2006 والكتاب الثاني " سفر على سفر " صدر عن مؤسسة تامر في رام الله عام 2008 ، وهاهي الكتب الثلاثة تصدر مجتمعة عن دار الشروق . سلمان ناطور :
ولد في دالية الكرمل جنوبي مدينة حيفا عام 1949. أنهى الثانوية في حيفا وواصل دراسته الجامعية في القدس ثم في حيفا. درس الفلسفة العامة وعمل في الصحافة منذ العام 1968 وحتى 1990 حيث حرر الملحق الثقافي لجريدة "الاتحاد" الحيفاوية ومجلة "الجديد" الثقافية، ومجلة "قضايا اسرائيلية" الصادرة في رام الله، وكتب في النقد الأدبي والفني المسرحي والسينمائي والتشكيلي يحاضر في مواضيع الثقافة الفلسطينية. منسق شبكة التاريخ الشفهي الفلسطيني في مناطق 1948 ومن مؤسسي مؤتمر حق العودة والسلام العادل، شارك في تأسيس وادارة عدد من المؤسسات العربية: اتحاد الكتاب العرب، لجنة "الجديد" للسينما الفلسطينية في حيفا التي أنتجت أول فيلمين فلسطينيين في الداخل، "يافا مدينة على الشاطيء" و "الناصرة 1984" جمعية تطوير الموسيقى العربية، مركز اعلام للمجتمع الفلسطيني في اسرائيل، لجنة المبدعين الفلسطينيين والاسرائيليين ضد الاحتلال ومن أجل السلام العادل جمعية "عدالة"، مدير معهد اميل توما للدراسات الفلسطينية والاسرائيلية في حيفا (2002 – 2008) . شارك في العديد من المؤتمرات حول الثقافة العربية والفلسطينية، حق العودة والتاريخ الشفهي، الصراع في الشرق الأوسط وآفاق تطوره. كتب ورقة الثقافة الفلسطينية للتصور المستقبلي الصادر عن لجنة المتابعة العليا وصاغ المسودة الأولى لوثيقة حيفا والمسودة الأولى للمشروع الوطني لأدب الطفل الفلسطيني.
- الانتاج الادبي والفكري
1 – آراء ودراسات في الفكر والفلسفة، القدس 1971 مقالات 2 – ما وراء الكلمات، القدس 1972 قصص قصيرة 3 _ أنت القاتل يا شيخ، القدس 1976 رواية 4 - الشجرة التي تمتد جذورها الى صدري 1978 الأسوار عكا قصص قصيرة 5 – أبو العبد في قلعة زئيف 1980 بيروت دار المصير مقالات ساخرة 6 – ساعة واحدة وألف معسكر 1981 حيفا دار اليسار مقالات ساخرة 7 - وما نسينا 1983 دار الجديد حيفا قصص تسجيلية عن النكبة 8 – كاتب غضب 1985 الاتحاد حيفا مقالات ساخرة 9 – حكاية لم تنته بعد 1986 دار العماد حيفا مقالات ساخرة 10 – خمارة البلد 1987 الاتحاد حيفا قصص ساخرة 11 – يمشون على الريح 1992 مركز يافا كتابة تسجيلية (صدر باللغة العبرية أيضا) 12 – فقسوسة 1995 قصة للأطفال 13 – دكدوك 1995 قصة للأطفال 14 – شرقشند 1995 قصة للأطفال 15 – شيكي بيكي 1995 قصة للأطفال (وزارة الثقافة الفلسطينية أعادت طباعة القصص الأربع ووزعت على المدارس الفلسطينية عام 2004) 16 – طائفة في بيت النار 1995 مقالات 17 – من هناك حتى ثورة النعناع 1995 حوارات مع الكتاب الاسرائيليين 18 – ثقافة لذاتها، ثقافة في ذاتها 1995 مقالات عن الثقافة الفلسطينية 19 – دائرة الطباشير الفلسطينية 1995 مقالات سياسية 20 – هل قتلتم أحدا هناك ؟ نص من وعن الذاكرة 2000 بيت الشعر رام الله 21 – أريحا ..رحلة يوم وعشرة آلاف عام 2000 مؤسسة تامر رام الله. تسجيلي 22 – فلسطيني على الطريق 2000 مؤسسة تامر رام الله. تسجيلي 23 – الاعلام الاسرائيلي والانتفاضة 20001 (دراسة) مركز قانون، القدس. 24- ذاكرة 2006 مركز بديل – بيت لحم ، ترجم إلى اللغة الايطالية 2008 25 – سفر على سفر ، مؤسسة تامر، رام الله 2008 26 – ستون عاما/ رحلة الصحراء، دار الشروق عمان 2009
مسرحيات: 1 – المستنقع. الناصرة 1982 اخراج رياض مصاروة 2 – موال . الناصرة، 1990 اخراج راضي شحادة 3 – هزة الغربال . الناصرة ، 1992 اخراج سليم ضو 4 – هبوط اضطراري القدس – الحكواتي 1999 اخراج مازن غطاس (بالعبرية مسرح السرايا في يافا اخراج غاي كوهين 2004) 5 – ذاكرة. مسرح يافا 2003 اخراج أديب جهشان
اعداد وترجمة عن العبرية: 1 – الزمن الأصفر دافيد غروسمان 1976 2 – أحاديث في العلم والقيم يشعياهو لايبوفيتش 1995 3 – عادة للريح قصص لسبعة كتاب عبريين 1990 4 – لمن ترسم الحدود قصص اسرائيلية 1996 5 – من بياليك الى عميحاي قصائد اسرائيلية 2000 6 - اسرائيل/ فلسطين الواقع وراء الأسطورة ميخائيل هرسيغور دراسة ناريخية 7 – قصص اسرائيلية صدرت عن مركز مدار رام الله 2004 8 – ما أروع هذه الحرب كتاب دان ياهف عن العسكرة في المجتمع الاسرائيلي صدر عن مدار 2004 9 – جدلية المنفى والوطن ، ايلان غور زئيف، مدار 2006 10 – المسرح الاسرائيلي ، شمعون ليفي، مدار 2006 11 – مسرحية "الخليل"، مركز أوغاريت، رام الله 2007 ترجمة واعداد مسرحيات: 12 – المتاهة عن رواية سامي ميخائيل انتاج بيت الكرمة 13 – الحارس مسرحية هارولد بنتر المسرح البلدي حيفا 14 – طريق الآلام مسرحية ديفيد هير مسرح الكاميري تل أبيب
وسلمان ناطور الذي عرفناه من خلال كتاباته أديبا فلسطينيا عربيا ملتزما بقضايا شعبه وأمته من مواليد 1949 في دالية الكرمل في حيفا ، وثلاثيته هذه صدرت في الذكرى الستين لميلاده ، وانتهى من كتابتها في الذكرى الستين لنكبة شعبه ووطنه ، وأديبنا مولود بعد النكبة بعام في قريته دالية الكرمل ، ونما وترعرع في وطنه المنكوب ، فهو ابن النكبة ورضع من لبانها، وشب على عذابات أبناء شعبه سواء من شردوا منهم الى أرض اللجوء، أو من عضّوا بالنواجذ على تراب وطنهم ، وأصبحوا بقدرة قادر أقلية في هذا الوطن ، يعانون من الاضطهاد القومي والاجتماعي والاقتصادي ، فقدوا أرضهم وعوملوا في وطنهم كغرباء ، وبعضهم شرد في هذا الوطن وأصبح لاجئا فيه ، بعد أن فقد أرضه وبيته وقريته ومكان مولده وسكناه ، وجميعهم يعانون معاناة تكاد تكون فريدة في العالم جميعه ، ولا شبيه لها في التاريخ الحديث ، وهذه المعاناة ارتسمت في ذاكرة أديبنا، لذا فإننا نجد صدارة نتاجه الأدبي الذي نحن بصدده تقول : " ولدت بعد حرب 1948 دخلت المدرسة في حرب حزيران تزوجت في حرب اكتوبر ولد الأول في حرب لبنان ، ومات أبي في حرب الخليج حفيدتي سلمى ولدت في الحرب التي ما زالت مشتعلة ." ص5 وكأنني بالكاتب يقول بأنه جزء من نكبة شعبه المستمرة ، وأن الحروب تطارده كما تطارد شعبه ، وأن حروب الشرق الاوسط في العقود الستة الماضية تستهدف الشعب الفلسطيني ، بل ان نكبة الشعب الفلسطيني هي سبب الصراعات والحروب في المنطقة ، وكأنني به يتساءل ايضا : أما آن لهذه الحروب أن تنتهي ؟؟ فهل هذه الستون عاما كانت بمثابة رحلة في صحراء التيه ؟؟. وأديبنا في كتابه الاول " الذاكرة " من هذه الثلاثية يعتمد على الرواية الشفوية للشيخ المشقق الوجه ، وفي تقديري أنها امتداد لكتابه " وما نسينا " الذي صدر قبل اكثر من ربع قرن ، وذاكرة سلمان ناطور هي من ذاكرة شعبه ، فرغم الحروب ، ورغم النكبة والعذاب ، فإن ذاكرة الشعب الفلسطيني لا يمكن ان تنسى وطنها وفردوسها المفقود ، واذا ما راهن البعض على أن الزمن كفيل بأن يمحو ذاكرة الفلسطينيين فإنه واهم بذلك ، فأديبنا لم يكن مولودا عندما حصلت نكبة الشعب الفلسطيني في العام 1948 ، لكنه مع ذلك ينبش الذاكرة الفلسطينية ،ويتقصى ما جرى في النكبة من ويلات ومجازر ومصائب ، ينبش ويتفحص أسماء شهداء سقطوا وهم يتشبثون ببيوتهم ومدنهم وقراهم وأرضهم ، ويتقصى أسماء قرى دمرت تدميرا كاملا ، وتم محوها عن الخريطة ، أو استبدالها بأسماء جديدة غريبة أعجمية ، بعد تشريد من نجا من القتل من مواطنيها . وذاكرة سلمان ناطور مسكونة بالمكان ، هذا المكان الذي تغيرت ملامحه ان لم تطمس نهائيا ، كما تغير ساكنوه ، لذا فهو يجوب هذا المكان واصفا موقعه والطرق الموصله اليه ، وحاراته ووهاده وجباله ومن شردوا من أطفال وشباب وشيوخ ونساء قتلن أو اغتصبن ، وكيف قتلوا ؟ وكيف شردوا؟ ، وأيّ الطرق سلكوا ، ومستذكرا بطولات فريدة وعفوية ، ومؤامرات حيكت ، يستذكر كل ذلك بمرارة يكاد حبر ورقها ينزف دما . يستذكر قرى دُمّرت ومُحيت بالكامل مثل: خربة ابو حرب ، عين حوض ، عين غزال ، أمّ الزينات ، البروة، ميعار ، معلول ، جبع ، صفورية ، اكزم ، المجيدل ، اقرث ، كفر برعم ، المزار ، الطنطورة ، كفر لام ، الشيخ براق ، سيريس ، خربة أمّ الدرج ، خبيزة ، حدثا ، مسحة ، عولم ، سيرين ، معذر ، سمخ ، هوشة ، الكساير ، عيلوط ، عيلبون ، رميش ، علما الشعب ، الكفرين ، الجلمة ، صيدا ، زيتا ، عتيل ، سلمة ، الخيرية ، العباسية ، الساقية، بيت دجن ، يازور ، صرفند ، سيدنا علي ، سدود ، والطابية . كما يستذكر مدنا وقرى لا تزال قائمة، ولا يزال مواطنوها أو بعض منهم فيها مثل: حيفا ، الناصرة ، أمّ الفحم ، يافا ، عارة ، بئر السبع ، والرملة التي قتل المئات من ابنائها بدم بارد بعد أن احتموا بالمسجد ، لكن المدن " المختلطة " لم تبق كما كانت " حيفا لم تمسح من خريطة هذا الوطن ، لكن معالمها تتغير وتتبدل ، حيفا عتيقة وحيفا جديدة ، واحدة نعرفها نحن ، وواحدة لا يعرفها الا اولئك الذين تمر في ذاكرتهم ايام البوابة الشرقية ، وسوق الشوام ، وبندر التجار ، والقشلي كما مرت من السنوات الطويلة " ص71 واذا كان اديبنا يؤرخ للذاكرة الفلسطينية ، وللرواية الشفوية الفلسطينية ، فإن اللاجئين أيضا لهم ذاكرتهم الحية ، فأبو محمد اللاجئ في مخيم جنين ، وابن خربة أبو حرب ، عاد بعد حرب العام 1967 ، ووقوع الضفة الغربية تحت الاحتلال ، عاد الى بيت أحد اصدقائه من مواطني دالية الكرمل ، عاد حاملا " كوشان " ارضه وهو يردد : "قلت آتي الى الارض وأفلحها أنا حتى أموت فيها فمن يعلم : بتروح حكومات وبتيجي حكومات بتموت ناس ، وبتحيا ناس ، وهالارض بتظلها ارض بترابها وحجارها وصوانها ، وأنا سأدفن نفسي في هذه الارض كي اظل ثابتا لا أتغير .... مثلي مثل هالتراب " ص 15 وبينما كان الشيخ مشقق الوجه يصف حدود عين حوض جاء على لسان السارد " كانت الشمس تشرف على السقوط في بحر " عتليت " خلف القلعة المحصنة من ايام " قلب الأسد " والغزو الصليبي البائد ، وان كانوا بنوا هذه القلاع ليوهموا الناس انهم باقون الى الأبد ، فإن ما تبقى منها لا يقنع الناس الا بأن الغزاة بناة القلاع ذاهبون حتما الى حيث لا رجعة ". ص 39 ولا يلبث الكاتب ان يعود في الصفحة 156 الى ذاتيته وذكرياته الخاصة مع ابناء جيله فيتساءل تحت عنوان " ولدنا في الخطيئة " لماذا ولدت بعد حرب ما زالت مستمرة الى ما لا نهاية ، وفيها منتصر ومهزوم ، ويريدونني أن أكون دائما أنا المهزوم ؟؟ ويتساءل بمرارة : لماذا ولدت في وطن يتآكل يوما بعد يوم ، ويأكل أهله ساعة بعد ساعة " ص 156 ومع ان كاتبنا عاش وأبناء جيله من أبناء شعبه حياة معذبة الا انه يرفض القفز على براءة الطفولة فيقول : " ولكن لماذا لا نذكر طفولة بريئة بدائية كنا نصنع فيها فرحنا على بيادر القمح ، ونمارس حريتنا في الحقول الممتدة الى ما لا نهاية ...كان النبع وكان البئر وكان تراب رملي يلسع اقدامنا الحافية وكنا سعداء " ص 159 ويتساءل الكاتب سؤالا استذكاريا : هل نحن جيل بلا ذاكرة ؟" ص159 ويجيب بأنه يعرف يوم وشهر وسنة ميلاده مع انه لا يذكرهما ، أمّا ميلاده الثاني " فهو يوم سقطت عن سلم خشبي كان ارتفاعه ثلاثة امتار ، ولم أمت ولم تكسر جمجمتي ولا أضلاعي " ص160 أمّا ميلاده الثالث فكان نجاته من الغرق في بحر حيفا وهو في الرابعة عشرة من عمره ، ومع هذا فإنه لا يحتفل بيوم ميلاده وله أسبابه ، والتي تتمثل في نكبة شعبه في حرب " مستمرة الى ما لا نهاية وفيها منتصر ومهزوم ، ويريدونني أن اكون دائما أنا المهزوم .....في وطن يتآكل يوما بعد يوم ، ويأكل اهله ساعة بعد ساعة " ص 162 وقد توقفت كثيرا عند حكاية عبد الحسن الذي كان مطلوبا للانجليز ، فجمعوا رجالات القرية في ساحة ليتعرفوا عليه ، فاتفقوا ان لا يُعرّفوا عليه تحت كل الضغوط، الى ان جاءت والدته العجوز تحمل له الطعام والماء ، ولما سألها الضابط الانجليزي عن اسم ابنها قالت انه عبد الحسن القبضاي ، فتعرفوا عليه وقتلوه ،" قسم كبير من الناس صرخ في وجهها وقال : انت السبب في قتل ابنك ، انت قتلتيه ، وهي صارت تشهق وتصيح : هذا ابني حبيبي ، جبت له أسقيه.. عطشت يمّا ... جُعت يمّا ؟ وأمضت ما تبقى من حياتها حاملة صرة فيها ثياب عبد الحسن وقربة ماء وهي تلف من بلد الى بلد لا تنطق الا بجملة واحدة : يمّا يا حبيبي ، مين قتل عبد الحسن" ؟ ص 164 فهل جاء الكاتب بهذه الحكاية ليؤكد تساؤلاته في ص 156 لماذا ولدت في وطن يتآكل يوما بعد يوم ، ويأكل اهله ساعة بعد ساعة " ؟ أم للتدليل على المظالم التي اوقعها المستعمرون البريطانيون على الشعب الفلسطيني ؟ وتعود الذاكرة في الصفحة 169 بأديبنا عندما التقى في العام 1980 بزيتونة فلسطين الشاعر الراحل عبد الكريم الكرمي " أبو سلمى " هذا الشاعر الذي ترك حيفا مرغما في النكبة ،وبقى حتى آخر لحظة من حياته محتفظا بمفتاحي بيته ومكتبه ، ويتذكر أبا محمد من بيت غزال الذي تشرد في نكبة العام 1948 الى مخيم جنين ، وعاد بعد هزيمة 1967 ليتفقد خزانة وضعها عند صديقه الذي يبدو انه جدّ الكاتب ، وفتح الخزانة التي بقيت مغلقة " سحب عقدا من الفضة وورقة كبيرة ، هذا العقد لأمّ محمد وهذا كوشان الارض سآخذهما وأترك لكما الخزانة " ص 176 ومفتاح " أبي سلمى " حرر أديبنا من عقدة مفاتيح زنازين الاعتقال " ليس بيني وبين المفاتيح علاقة عشق ، وقد جاء مفتاح أبي سلمى ليحررني من حقد على المفاتيح كان اشتد في نفسي في ليلة من ليالي ايلول عام 1977 " ص 180 وفي تلك الليلة تعرض اديبنا الى الاعتقال . " سفر على سفر " يمهد الكاتب لهذا الكتاب فيقول عنه بأنه " ليس سيرة وليس مسيرة وليس رواية وليس أدب الرحلة والترحال " ص 187 اذا ما هو ؟؟ " هو المكان الفلسطيني بلا حدود ، والزمان الفلسطيني لا بداية ولا نهاية ..... هو نفي مطلق وهو فكرة مجردة وهو لا شيء " ص 187 في هذا الكتاب يسيح الكاتب في روما وباريس ولندن ، كما يسيح في اجزاء من وطنه ، هذه السياحة ليست سياحة استجمام ، وراحة ، بمقدار ما كانت سياحة مع الذاكرة التاريخية ، في مدن جميلة اخرى خارج الوطن ، أهلها يعيشون حياة أخرى ، وثقافات أخرى ، وتاريخا آخر ، فتساعد الكاتب على نبش ذاكرته ، يستذكر الشاعر العذابات التي يلاقيها الفلسطيني في تفتيشه عند مدخل مطار بن غوريون ، وفي داخل المطار ، اثناء الخروج واثناء الدخول... يلتقي في باريس فدوى حبيب الشاعرة والفنانة التشكيلية ، التي تعرض رسوماتها في باريس وهي مولودة في بيسان ، عندما هجرت منها في النكبة كانت في السادسة عشرة من عمرها ، تحن الى مسقط رأسها ، تطرح ذكراياتها عن المكان ، وتسأل الكاتب عما جد في هذا المكان . وفي لندن يلتقي بفلسطيني مولود في نابلس ، وترعرع في عمان في كنف عائلة ثرية ، وتعلم في لندن ادارة الاعمال والتجارة ، ويدير هناك اعمال عائلته " ص 230 وهناك يريه هذا الفلسطيني صورة لقريته دالية الكرمل ، كان قد التقطها سائح انجليزي للقرية قبل سنوات طويلة . ويتجول الكاتب في ربوع وطنه ، ويستذكر حضارات سادت ثم بادت ، لكنها آثارها باقية . انتظار: يفتتح أديبنا كتابه بقوله الى " أمّ سميح " على صفحة كاملة ، فمن هي أمّ سميح هذه ؟؟ وهل هذا الكتاب هدية لها من الكاتب أم ماذا ؟؟ وهذا الكتاب عبارة عن مقالات فيها حكايات باستثناء احمد بن رابعة فهو حكاية طويلة جاءت على شكل روائي. المقالة في هذا الكتاب والمعنونة " انتظار في ساحة باريس " اذار 1980 وتتحدث عن العمال العرب في ثماني ساعات يومية تبدأ من الخامسة صباحا وحتى الواحدة ظهرا وهم يبحثون دون جدوى عن عمل ، فالعامل العربي يستيقظ في الخامسة ليسعى باحثا عن رغيف الخبز المرّ في سوق العمل الاسود ، احيانا يجد عملا بأجرة أقلّ من أجرة نظرائه اليهود ، وغالبية أيامه لا يجد ، تطارده الشرطة ، ولا يعطيه مكتب العمل عملا ، المقاولون يختارون العمال " كما تختار زوجتك البندورة في سوق الخضار " ص 290 ومن بين العمال العرب أطفال جار عليهم الزمن ، وتركوا مقاعد الدراسة ليعيلوا أسرهم ، ويعملون بأجرة تقل عن ربع أجرة البالغين : "يحرث على الولد طول النهار ... احيانا يطردهم دون ان يدفع لهم الاجرة ... هؤلاء الأطفال يعملون في العتالة ، في الباطون ، في ورش العمار ... انظر الى هذا الطفل " رفع القشة " ويحمل شوال الاسمنت على ظهره " ص 292 ومع ذلك فإن ضريبة الدخل تطارد العمال العرب ، وتفرض عليهم غرامات تصل الى عشرات اضعاف مداخيلهم ، واحيانا تعتقلهم وتستجوبهم. الحكاية الثانية : " بيت من نايلون – كانون الاول 1982 " وموضوع الحكاية حول العمال العرب في مزارع المستوطنات ، وهم يعملون في ظروف مأساوية وبأجرة قليلة احيانا ينامون في براكيات حظائر الحيوانات ، وبعضهم ينام في هياكل باصات قديمة ، كل عشرة في باص بدون نوافذ ، فيضطرون الى تغليف هذه الباصات بالنايلون لتقيهم من الامطار التي تتسرب اليهم ، وبعضهم اطفال في سن الدراسة ، غاليتهم يعودون الى بيوتهم مرة كل اسبوعين . الحكاية الثالثة : " حكاية شيخ فلسطيني – تموز 2000 " وهذا الشيخ من قرية بيت جبرين ، لاجئ في غزة ، في تشرين 1948 كان عمره تسعة عشر عاما ، وعندما دخل الجنود بيتهم حاول حماية والدته وأخيه الرضيع ، واختطف الجنود والده الذي لم يعد حتى الآن – وعندما حاول اللحاق بوالده " أوقفه الجندي بضربة على رأسه ، سقط فاقدا الوعي " ص 310 وفقد بعدها القدرة على النطق ، ورفض ان يتزوج مع انه كان خاطبا ، وبقي ينظر في وجوه المارة لعله يرى والده " ولا يزال ينتظر والده ، وينتظر العودة الى بيت جبرين " الحكاية الرابعة : "يوم حزيراني على حاجز ملتهب صيف 2002" وفيها يصف الكاتب مروره عبر حاجز قلنديا بين القدس ورام الله ، وكيف يعيق الجنود حركة السير ، بل يوقفونها ، ويطلقون الرصاص ، ومع ذلك فالبلادة هي سيدة الموقف ، فهناك سائق يقرأ الصحيفة ، وهناك ركاب سيارة يصغون الى اغنية ويطربون عليها ، وهذه البلادة اقنعت الكاتب بأن يكون بليدا حتى يتحمل الموقف ، :" اقنعت نفسي ان البلادة هي سلاح الضعفاء ، ولأن رجولتي شرقية لا تجيز لي الاعتراف بالضعف ، فقد اقنعت نفسي ان البلادة هي سلاح الأقوياء " ص 319 والجنود ايضا مصابون ببلادة الموقف .... الجنديان على التلة يواصلان العبث وتمضية الوقت هما ايضا مصابان ببلادة حاجز قلنديا فلا يبدو عليهما التوتر ولا الانفعال ولا التأثر " وفي هذه الحكاية احتجاج واضح على وجود الحواجز ، وعلى قبول هذه الحواجز . احمد بن رابعة : وقد اخذت مساحة طويلة ما بين الصفحات 325 و440 وفيها خلط عجيب من الحكي والقص والروي ، فصاحبنا يجول بنا ما بين القرية وحيفا ، يعمل في البناء ويقع ضحية لنصاب في شركة التأمين ، يثرثر مع الصبايا والعجائز في محطات الباصات... وينتظر الطلبة الذين لا يقفون لمن هم اكبر منهم سنا في الباص ، بل ولا يعيرونهم اهتماما . يبحث عن عمل ، ويتقدم بطلب عمل على الهاتف بناء على اعلان في الصحيفة فيقبلوه على اعتبار انه يهودي اسمه " حايمو فيتش " وخدم في الجيش وعندما عرفوا انه عربي رفضوه ، مع ان العمل هو سفرجي في فندق على شاطئ طبريا " ودار على مكاتب العمل بحثا عن عمل ، وأصبح يكره ساعي البريد بعد ان كان يحبه وهو طفل ، فهر الآن لا يأتيه الا برسائل رسمية من الضرائب المختلفة كضريبة الدخل وضريبة المسقفات " الارنونا " واستقبل زميلا يهوديا له ايام الجامعة ، عمل في الاخراج السينمائي بعد ان كان جنديا في فرقة " جولاني التي احتلت جنين" ، عام 1967 واتصل باحمد بن رابعة يريد مساعدته في تصوير فيلم عن العرب ، واأصر على تصوير امرأة قروية تخبز على الصاج فنهرتة ، في حين رفض تصوير الفرن ، وحاول تصوير عربي مع حمار ففشل ،... وتعرض احمد ابن رابعة لمخالفة سير ، وعندما ذهب الى المحكمة كي ينصفه القاضي حكم عليه بضعف الغرامة ، واشتغل فراشا في المجلس المحلي ، وكان الرئيس وزملاؤه يسرقون ، وحاول ان يتهم احمد ابن رابعة بالسرقة.... وهكذا عاش حياة فقر في فقر ، وما ان يخرج من مشكلة حتى يدخل في اخرى . اللغة والاسلوب : خلط الكاتب ثلاثيته بلغة عجيبة بين الفصحى والعامية ، وعندما لجأ للعامية فإنه اكد بذلك الرواية الشفوية - كما يرويها ضحاياها - للنكبة وللمأساة وللجحيم الذي يعيشه الفلسطيني اللاجئ ، أو المشرد في وطنه ، والمقيم في مسقط رأسه ، وقد كان موفقا في ذلك ، ولو لجأ الى الفصحى في تقديري لأفسد المعنى المراد . أمّا بالنسبة للاسلوب ، فواضح اننا امام ملحمة فيها خلط من القصة والحكاية ، والمقالة والخاطرة والرواية ، والسرد التاريخي والجغرافي ، والبعد الفلسفي والسياسي وأدب الرحلات وادب الحنين ، ورثاء المدن والقرى ، والبكاء على الاطلاال . وهذا الدمج فييه نبرة لاذعة ، وأمل واضح ، ومرارة قاسية وكلها مغلفة بسخرية سلمان ناطور الذي عرفناها في مختلف كتاباته ، وهذه السخرية الفطرية في اسلوبه هي الأقرب الى ذهنية المتلقي سواء كان قارئا أو مستمعا ، ووصلت سخريته التي تكاد تطغى على الكتاب برمته الى درجة " شر البلية ما يضحك " أو على رأي الشاعر علي الخليلي " الضحك من رجوم الدمامة ". يبقى ان نقول أن هذا العمل الابداعي يشكل اضافة نوعية للمكتبة الفلسطينية والعربية.
#جميل_السلحوت (هاشتاغ)
Jamil_Salhut#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دولة تحارب شعبها
-
هل سيسمع اوباما -لا- العربية
-
مجموعة -اكليل من شوك- القصصية والتميز شكلا ومضمونا
-
في ذكرى نكبة فلسطين
-
التعذيب في العراق وغيره
-
وقفة مع الاول من ايار
-
قراءة في ديوان الشاعر تميم البرغوثي
-
سرّ الرائحة قصة أطفال تدعو للحفاظ على البيئة
-
اسرائيل دولة يهودية وللفلسطينيين التيه
-
القدس مدينة التعددية الثقافية
-
الثقافة المحلية ليست بالحسبان
-
-السنجاب الخائن- حكايات على شكل قصص
-
ثقافة - العصرنة -
-
القدس العاصمة الأبدية للثقافة العربية
-
السحر - حكاية شعبية
-
أخلاقيات الحروب وجرائمها
-
في انتظار فارس الأحلام
-
حكاية -أبناء السلطان- فيها حكمة كبيرة
-
القدس من قبل ومن بعد
-
رواية -التبر- لابراهيم الكوني والأصالة
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|