|
لاأحد يشبه المسيح
سعيد حاشوش
الحوار المتمدن-العدد: 2662 - 2009 / 5 / 30 - 07:38
المحور:
الادب والفن
الحقيقة من البشاعة التي لاتحتمل لذا أظل أحوم حولها كالتائه الكلمات وحدها عاجزة.. حتى الفنون.. أنا يا أسماعيل أشعر بالذنب لأني كنت مصلوبا كالمسيح لأيام خمسة ورأيت الكرد كيف تنتزع أرواحهم.. هل تعتقد ان الروح تشفط بإنبوب أو تلتقط بملقط كجذوة جمر لاسعة.. أو كلابتين أنت لاتعتقد شيئاً وقد لاتصدقني.. ـ لا أحد يشبه المسيح أطرقت صامتاً .. لاأحد يشبه أحداً.. المسيح ثبت بالمسامير أما أنا فبجامعات حديدية يطلقون عليها(اسبانية). الذنب يقتلني يا إسماعيل لهذا السبب وحده ذهبت في صباح هذا اليوم ابحث عن بيت ماموستا نوزاد لأوصل وصيته، قل لأخي آزاد بأني لم أعترف على الجماعة......... مرت عليها بضعة شهور.. أعتقد انها غير مهمة.اعتقد ان غربة العربي ...الجذور..العربي منذ ان تحدث بالقومية يحمل عبوديته للعرق البدوي بل وغربته عن هذا العصر الكرد...ايضا...هل...لكني بحثت عن بيته صباح اليوم مثلما وصف لي العنوان بعض السجناء.. رأيت البيوت متراصة، متراكبة، بدون أسيجة خارجية.. لم يصف لي السجناء هذا التراكب في المنازل.. أعتقد انها بنيت حديثاً.. الذي اشعرني بالذنب هو نباح الكلاب المتواصل.. جسدّ النباح في أعماقي غربة مقيتة.. أنا حقا غريب... إسماعيل لماذا الكلاب تنبح على العرب فقط رجاءاً لاتضحك يا إسماعيل.. هذه الغربة تؤكدها نظرات الكُرد المخاتلة، الالتفاتة المتحدية والمتغطرسة بنظرة لاتحيد.. لعل التاريخ الأسود جعل هذا التحدي صبيانياً ومعلنا بدون تغطية أو تمويه.. بحثت ولم أجد.. قلت لهم ان ماموستا نوزاد استاذ في الجامعة ومن غير المعقول لايعرفه أحد.. بيته قريب من جسر بلاش آوة... بل قلت لهم انه يسكن هذا الزقاق.. الحقيقة طردتني الكلاب .. صحيح ان الكلاب السلوقية المبقعة بالسود والأبيض مربوطة بسلاسل حديدية إلى ثبتات تتوسط الساحات والمجاري.. لو تدري تشب هذه الكلاب وتصل صوت السلاسل لشعرت بالخوف.. لا...لا.. ليس الخوف.. وانما شعرت بيأس ووجعت بخطاي المتثاقلة وعدت إلى الجسر ثمة انهاك مزمن في جسدي.. أشعر بالخفقان وجسدي يرتعش. أعتقد من الجوع أشعر ان جسمي يختض مع خفقان قلبـي الآن.. تلك الكلاب طردتني بنباح متواصل ملّح ومقصود.. أعتقد ان غربة العربي عميقة ومتأصلة في الجذور هذه الحيوانات أدركت المخفي والمضموم في الأعماق... رجاءاً.. اترك شرب " العرق السادة " وانظر إلى هيئتي.. هل تشبه شرطة الأمن وخاصة بسمرتها كأني منحدر من الشرقاط أو الحويجة. إسماعيل رجاءً.. انظر إلى هيئتي.. هل تشبه رجال شرطة الأمن؟.. طيب كيف أقنع الكرد بأني مجرد طالب في كلية الآداب القريبة.. التفت بعصبية إلى إسماعيل وقلت: كانت هيئة ماموستا نوزاد متألمة، متشنجة، كأنها تمارس وجع من تُحرق أطرافه بولاعة سجاير.. هل تعرف أن بيته قريب من هنا.. أريد أن اسمع أغنية قديمة حتى لو كانت لحسن زيرك افضل من حملك جهاز التسجيل صامتاً.. حسن زيرك أو داخل.. منذ شهور لم أسمع موسيقى.. هل تعرف؟.. كان ماموستا نوزاد يحبني.. قال لي قبل أن تصعد روحه.. لا اعرف إلى اين.. أنت طيب كاكه سعيد.. شعرت بفرح طفولي لهذا الإطراء وثمة ابتسامة فاترة رسمتها الشفتين.. هي الشهادة الوحيدة التي أعتز بها الآن.. لقد عانيت كثيراً كي انتزع من فمه هذه الكلمات.. في الصبح ذهبت إلى هذا الجسر وزكمتْ أنفي رائحة فاسدة تحته.. أنا مندهش.. غير مصدق.. لم يكن الماء الذي يرغي ويزبد تحت الجسر مياه ينابيع او شلالات كما كنت أعتقد بل يخور برغوة مياه مجاري ثقيلة.. جلست على حافته الإسمنتية.. ذلك الزقاق ينعرج قليلاً.. ان جلستي على الحافة في تلك الساعة المبكرة تثير التساؤل لدى المارة الذين يرمقونني بنظرات خاطفة وعلى مبعدة يستديرون للخلف أو يستوقفون محدثيهم لا لشيء وإنما ليتأكدوا من وجودي الغريب بينهم.. انا في الحقيقة لم اكن صديقاً لهذا الماموستا وإنما التقيته عدة مرات في نادي الكلية.. ذات مرة كنت جالساً مع صديقتي(ن).. أنت تعرف كيف نلتصق حين نجلس.. بدون حياء .. بل نلتصق في مشيتنا أيضاً .. قلت لها أتمنى أن أنام في مرافق قذرة أفضل من النوم بقرب مخبر أمن حقير..غرقنا بضحك عالٍ اثار نظرات الطلبة المنتشرين على الكراسي الموزعة بانتظام إلا هو.. أمسكته يرمقني بنظرة حاقدة متشمتة أثارت في داخلي الاستصغار رأيته يزم شفتيه احتقارا.. نظراته المستكبرة تخترقني كسيخ حديد مدمر، أسمعه بوضوح يتحدث مع(ن) بكلمات كردية هورمانية ثم قام مغادرا دون أن يوليني أدنى اهتمام.. يا إسماعيل رأيت وجه(ن) تختفي منه الإنشراحة الجميلة ويظل بدون تعابير... هو يغار مني لأني العربي الوحيد الذي أرتبط بصداقة عميقة مع كردية جميلة ..... وكرع إسماعيل من فوهة القنينة وفمه منهمك بتقشير بذور عباد الشمس المملحة... وبيدي اليمنى اختطفت الزجاجة واخترق العرق المستكي بلعومي بحرقة.. أتحسس الحرارة الآن في جوف المعدة... هل هذا تيزاب؟ ... يا أخي افتح جهاز التسجيل... أنا بحاجة لموالٍ.. بأي لغة كانت... طور الموال الحزين هو بحد ذاته.. كنت جالسا وحدي حين سمعت أصواتاً تطأ حديد الجسر... انشدّت عيناي لأمرأة تحمل بين يديها طفلة يشتعل وجهها أحمر ورديا كلما طرقته الشمس وثمة خصلات من شعر أشقر ينسدل كثيفاً... لو تعرف ماذا تحت هذا الشعر؟ انا اقول لك... رأيت وجه طفلة أبيض كالحليب.. عينا الطفلة تستفهمان نظراتي الحمقاء.. كان عنق الأم عاريا.. وبادرني رجل بصوت متقطع بعربية ركيكة: ــ أنت يجلس هنا.. ليش كاكه... وانتصبت واقفاً كأني أستقبل التفاتة ربانية مفاجئة. ــ أنا جئت أبحث عن بيت المرحوم ماموستا نوزاد.. هو يسكن هنا.. في ذلك الزقاق وتأكدت بأنه لم يفهم كلمة زقاق لذا أردفت بكلمة شارع باللغة الكردية لاأعرف ماذا دهاهما... ظلا واجمين.. عيناهما تلتقيان باستغراب.. أردفت: ـ أنا عندي وصية لأخيه الصغر آزاد.. أي كلام قبل أن يموت.. وأردفت بعجالة: يستشهد قال الرجل السمين: ــ من الجبهة؟ ـ أية الجبهة! ولذت بصمت ليس له قرار ورأيت رعشة في شفتي المرأة.. نظرة ذهول.. قد لاتستوعب .. لكن النظرة هي تلك النظرة التي لاتحيد.. رأيت يد الرجل تستحث المرأة على المضي.. يدفعها للأمام.. بعيدا.. بقيت وحدي واقفاً أنتظر.. وعلى مبعدة تحدثا بعصبية.. صوت المرأة يشبه النشيج ويد الرجل تؤمي نحوي بحركات لا إرادية.. ثم خطت المرأة خطوات مرتبكة ويداها تلتفان على الطفلة بقوة.. تأكدت من ذلك حين ارتفع الجسد المختفي تحت أكوام الذهب وغطى العنق الأبيض المضيء بشمس تسلقت قمم صفين وصعدت عالية.. ثمة حبل سري شدني للمرأة والطفلة.. للرجل أيضاً بالرغم من نظراته المحترسة المليئة بالريبة.. أنا متأكد لا يدل أي شيء في هيئتي على اني طالب في هذه الكلية القريبة.. الشك يساورني بين اللحظة والأخرى.. قد اكون مراقباً، من المحتمل من المخبرين الكرد(الجحوش) رغم أن الوقت ضحى لكن الشمس صرعتني بضربة مدوخة كمصاب بالتايفوئيد.. كدت أسقط للأرض ... انتقلت إلى فيء ظلال شجرة انتصبت تحت الأغصان كالتمثال.. إسماعيل.. ماالذي أبرره لهم حين يكتشفون مجيئي لعائلة الأستاذ نوزاد هم لا يقتلونني إلا بعد أن ينتزعوا الاعتراف.. كالعادة.. هي فترة يجب أن أجتازها بنجاح بعد أن أتوسل طلباً للرحمة أصرخ.. أصرخ بكل ما أوتيت من قوة.. في كل مرة يكسروا عظمة الأنف.. أنفي عظمة فوق عظمة ويظل الدم ينزف على شاربي الكث ويتجمد على اللحية لزجا اسود ـ في الحقيقة ـ هم كسروا أنفي بضربة كيبل خاطئة كان ذلك قبل سنتين وحين أتعرض للضرب حتى لوكانت صفعة قوية يظل ينزف وكأنه كُسر توا في كل مرة تنطلق الأكاذيب من أعماقي.. أكاذيب مدروسة بعناية ـ أجترها في كل لحظة وفي كل مرة يشلني الخوف وأنسى توقيت إخراجها.. كي تكون كذابا كبيرا عليك أن تكون مخرجا ولأنك بدون الاخراج يجعلونك فاقد البطولة.. مجرد ضحية تستحق الرأفة... تصبح ذبابة بالنسبة لهم لا..لا الذبابة على رأسها تاج بل يجعلونك لاتستحق البصقة.. صدقني ان الجلادين كائنات غبية... كائنات شبيهة باللآلآت أو الحيوانات.. آلات مبرمجة على التوقف في اللحظة التي توشك فيها على الموت.. ان علوم العراقيين.. أعني الانجازات الرائعة منصبة فقط في هذا التوقيت من التعذيب.. عموما.. ليس هنا المشكلة.. هل تعرف شعرت بالتعاسة والذلة وانا منتصب كالتمثال تحت الشجرة.. بحثت ولم يدلني أحد.. قد لايكون موجوداً بالأصل. قد تكون المهمة التي نذرت نفسي من أجلها لاتستحق هذا العناء. مامعنى ان أنفذ وصية مر عليها بضعة شهور.. وضحكت باستهتار.. أخوك يقول بأنه لم يعترف على الجماعة.. وتحسست ان مثانتي قد امتلأت، نزلت على الصخور وبدأت افتح أزرار بنطالي وسمعت زمجرات كلب غاضب.. التفت لليمين.. تحت السرير اصطدمت نظراتي بعيون جامدة، حاقدة لكلاب تحشرج.. كما ان البول أتحسسه يفتح له مسلكا وسط حرقة شديدة.. حتى الآن لا أستطيع التبول كمن يعاني من حصاة تسد المجرى.. أتبول الحرقة والألم قبل تلك القطرات وباغتني الخوف نفسه حين لا اتمكن من صد قوة مستبدة.. معتدية.. وسرعان مانسيت. أن افرغ مثانتي حين انتصب قبالتي كلب ضخم يكاد من كثر النباح أن يفجر رئتيه وصعدت للأعلى بخطوات خرقاء وبقيت تحت الشمس كحمار تائه ينظر في فراغ.. الحقيقة شعرت بكره غامض للمرحوم نوزاد.. لا أعرف سبباً له.. قد يكون الذنب من عدم تمكني من ايصال الوصية. والسبب يكمن في عدم فهمه حقيقتي.. ذات مرة سألت(ن) لماذا يكرهني كل هذا الكره؟ أجابتني مبتسمة ـ ابتسامتها المخادعة ـ ضبطك مرة: هو يقول لو لم أره لكان أفضل.. خرج سكرانا من بار القلعة في يوم ممطر.. ثمل لايستحق كلمة مرحباً وضحكت (ن) من الاعماق .. هو قال كلمة بصقة.. وأوسعت مابين كتفيها مقلدة طريقة المرحوم في الكلام.. عيب أن يسكر الانسان.. يجب ان يكون مسؤولا عن تصرفاته.. أكدت(ن) بتأثر مفتعل.. حاولت أن أقنعه بأنك أعتقلت مرتين ولأنك تخاف من الأمن.. أعني التعذيب بالضبط.. في الحقيقة هو لم يقتنع بأنك ثوري وانما قال انك ثوروي والأمن هم الذين أعطوك هذه الأهمية.. حاولت (ن) أن تزيح غمامة هَمٍّ خيمتْ على وجهى وهمستْ في اذني.. الكرد حسب المفهوم الميثولوجي وأنت تكثر من دراسة الميثولوجيا.. المعتقل أما أن يُعدم أو أنه صار مع النظام.. كاكه سعيد حين تسكر هل تغني.. هل تعرف أنا أحب شرب الويسكي وأظل أغني بران ... بران... نمنم ترمكرد... حاولت أن تزيح ما اعانيه من ذلة خفية.. حاولت.. لا فائدة.. لكن الانسان يا إسماعيل يبقى انسانا حين يدافع عن سلوكه بضراوة.. قلت لها: الكرد طيبون لكنهم قليلوا الثقافة.. أعني ثقافة علم نفس الثورات.. أنا أكره نوزاد هذا.. اية جماعة هذه التي مات من أجلها تحت التعذيب.. ــ جماعتك ... أشك انه من قادة الظل في الحزب الشيوعي. ــ هذا يعني أنك تعرفه.. ــ وأعرف أن(ن) يضاجعها ضابط الأمن كلما يسكر في فندق زيتونة، اغتصبوها مرة بسبب أخيها الشهيد في الجبل واعترفت لهم واعتادوا على مضاجعتها.. الجبل لايتقبلها.. لايمكنها الهرب للخارج.. أنت الوحيد الذي تحترمها.. نحن الجلاليون نرفض كل ضعيف.. و(ن) يوما ما سأطلق عليها النار.. لماذا أحس بذلة عجيبة حين تسلم نفسها لهم.. كأنهم يغتصبونني.. أنا رشفت جرعة من عرق المستكي.. أسمع ضربات قلبـي تطن في الاذنين وكمن ارتفع ضغط دمه.. أنقطعت أنفاسي.. وأنقلبت كلماتي إلى فحيح.. ماذا لو كنت مراقباً.. وتجسدت في ذهني ضربات الكيبل الكهربائي على باطن القدمين والألم الذي يشيط في مسمار اللحم في راحة قدمي اليمنى.. ألمٌ لايمكن لانسان تحمله.. ألمٌ كريه يتصاعد مع كل ضربة.. إسماعيل.. يجب أن تعذر(ن).. من الغباء أن يتحدى الانسان الألم.. تهور.. يجب أن تعترف حتى لوكانت أكاذيب. المهم أن تعترف وتؤجل ذلك الألم خمس دقائق أخرى.. رجاءً.. لاتقل لي أن " نيتشه " وضع الجمر على راحة يده.. هذا مخبول.. لوكان نيتشة في العراق لاعطائهم عجيزته مثل القرد.. عاودني الرعب.. شبيه بذلك الشعور الذي يستحكم بجميع احساساتي ويجعل ذهني مركزاً على وقع الأحذية المقتربة في ممر الزنازين الانفرادية.. حين يفتح الحارس النافذة الصغيرة في الباب الحديدي ويطل منها متفحصا وجهي الشاحب من الخوف، خاصة في الليل، رعب الأقدام أكبر من ذلك الذي تواجهه تحت التعذيب وهم يجربون آلاتهم الحضارية المختلفة لزيادة الألم.. هذا الخوف مبعثه إنهم يأخذونك للمجهول دون أن يعلم بك أحد ويمارسون معك الوضاعة.. بل أنت الذي تظل تمارس الوضاعة.. تتقبلها لأنك وحيد.. في تلك الوحدة القاتلة تشحذ غرائز تمسكك بالحياة.. في هذه اللحظة سمعت موسيقى.. عزف منفرد على آلة فيغرا وبعدها صدحت حنجرة داريوش فيَ أغني " هزار دو " وادركت. أن اسماعيل فتح جهات التسجيل... اسماعيل لا يأبه للمارة...بل لا يأبه لأحد.. أثارت الموسيقى في أعماقي غليان غامض.. لا احد يسمع داريوش وفيغراه الثائرة ويظل كما هو.. حتى لوكان بلا روح أو هيكل.. مجرد هيكل لم يمتلىء بعد.. وبغتة خرست الموسيقى.. نظرت اليه.. كرع رشفة صغيرة من العرق وظل يبتسم.. على مايبدو يريدني أن أكمل الحكاية وبدون تردد قلت.. لاشيء.. سوى ان الشمس صدعتني في يافوخ الرأس وتحسست حاجة شديدة لشرب الماء والجولس على كرسي او على الأرض.. المهم أن ازيح تعبا استشرى بأعضاء جسدي.. ركبت سيارة أجرة ولم اعين الجهة التي أروم الوصول اليها وانما قاد السائق سيارته صامتاً نحو قلعة أربيل حيث تؤدي كل الطرق اليها وحين دارت السيارة حول القلعة هاجني حنين وتوق للانزواء بهذه الخمارة.. من اين طلعت وجعلتني أهيم في الشوارع أكرع عرق سادة.. ياللحظ الأغبر مازال إسماعيل على ابتسامته حين ناولني القنينة التي تصب في معدة من فراغ وبضع حبات زبيب لا اعرف من أين جاء بهذه المزة أخذت ألوك الزبيب بآلية وبدون لذة.. الآن فقط استطعت ان الملم أطراف الذاكرة، ذاكرتي المترعة بالأسرار التي أخاف ان افشيها أمام نفسي.. ليس هو الجبن أو الضعف انما هو شيء آخر، غامض ومختفي، طفتْ على السطح ذكريات تصحبها مشاعر غامضة ..ذكريات من ازمان مختلفة ..في القاعات ..الزنازين ..يعيش جيش الحقيقة ..كومبارس لايحفل بموتهم احد ..كومبارس الاحزاب ..نحن جنود مجهولون نعيش بضجيج ونموت بصمت ..تتدافع اصواتنا ..تتحاشك خاصة في القاعة الاخيرة ..كرنفال العجائب ..الغريب اني انتعش حين يذكر حزب البعث ..الان وجدت نفسي في قلب الخوف ترتجف العضلات بوجع مزمن .اغور ..اغوص في اعماق كينونتي ..ثمة شئ مخفي في الاعماق يؤجل تصرفات التوجع والتمني لزمن اخر ..اغوص في كتلة البشر ..اندغم في اجساد الاخرين واتأهب مثلهم للاعدام ..لكن المهابة تجعل وحدتي تتكرر مع كل سجن جديد .هذه الغربه تجعلني انفرد في زاويه ما عن الكتله البشريه الهائلة والمتداخلة الاذرع والارجل في القاعات هي وحشة تسكن الاعماق ...تجعلني احذف التاريخ بتطورة وارتقائه واعود مجرد حيوان طويل الاطراف متشبث بالقضبان ...وحشة تجعلني اتناسى الحياة بتصميم وارادة ..استغني عنها ..وحشة الكائن وحيدا امام نفسة ..حين يتحول الكائن الى شبح مشحوم بدسم اسود ورائحة الضربان يفقد الهوية وقد يتساءل من اكون بالضبط ..لا استطيع ان اجيب كما لا تسطيع كتلة البشر ان تجيب ...لا احد يجيب من انا ..حتى الرؤوس التي تطل من كوى ابواب القاعات ...الرؤوس العكشة بشعر اكر التي ماتنفك تمر تحتي ...لا تثير ضمير احد ..المهم ان ابقى معلقا على القضبان كالقرده انظر بثقبين غائرين ومن تحتي في بعض الاحيان تنصب كائنات بوجوة متشمعة وشوارب قوميه مشنقة من 8 شباط او ..اسمع كلمات ..صكوه بالدهن ..قشمر ..علسه .وبالذات جملة ..احترق فيلمه ..وانا على علو بضعه امتار اتحرر دون اعي من القومية واعود الى مواطن مجهول التاريخ ..انا اعني كل الذي يجري هو نسخ الانسان وتعطيل دوره على الارض وحذفه من الوجود من كائن بقائمين الى كائن باربعة قوائم ..قلبي يلبط في الصدر ..هل تعرف يااسماعيل انا لااتذكر (ن)..هو هدف التعذيب في كل مرة حين أخرج للدنيا أدرك انهم وضعوني في بالونة عتيقة سرعان ماتنفجر وتفضحني تلك الأسرار الخبيئة، وسرعان ماتطفو بجلاء على وجهي هي ليست أسراراً وانما وجودى بأكمله قد وضعوه بتصميم في تلك البالونة.حقيقة ان الانسان ـ أي كان ـ حينما يطلق سراحه لم يعد الذي كان وانما شخص آخر.. ويظل فترة طويلة حتى يقتنع هو صار آخر.. كل ذلك أدركه من الحركات العصبية المستجدة لليدين.. الحركات اللاإرادية للعينين والخبل.. خبل مموه في بعض الأحيان.. والهستيريا ... يا إسماعيل.. حين لايفهمك الآخر وأنت تلح على أن يفهمك ويقتنع بآرائك لكن الآخر لايريد أن يفهمك فتحدث بعصبيه كالجنون.. حين يصف الآخر بالتزمت أو الوضاعة تهيج كالثور بل تنفجر ثم تخمد مخذولا لحظتها تدرك بحواسك كلها انهم بذلوا جهودا جبارة كي يجعلوا هذا الآخر يراك منحرفا، انحراف غامض لايمكن تعديله. في تلك اللحظة تتألم لدرجة الجنون.. يداك تنشال وتنحط.. كلماتك لايسمعها محدثك حتى لو صرخت.. أقصد حين يصبح الانسان هزأة، مثيرا للشفقة، وتفقد التأثير وتشعر بالدونية.. الآن فقط تشعر انهم قتلوك بل رموا كيانك كله في القمامة.. لو لم أجدك لذهبت إلى حديقة كلكند وحدثت الأشجار عما جرى.. وأنت يانوزاد كم تمنيت لو لم تمت وأن تعتذر عن تلك الوضاعة التى تصفني بها وأن تدرك فعلا ان النوم في مرافق عامة أفضل من النوم مع وكيل أمن.. إني أكرهك ولو انك أحد قادة الظل.. طيب لماذا لم تشترك في الإضراب.. هل تعرف يا إسماعيل أنا وكاظم رحيم جاسم فقط دفعنا الثمن غاليا ومع ذلك هو الإضراب الوحيد الذي رضخ له صدام كالحمار.. أجبرناه بالقوة.. ــ كاكه سعيد هل سكرت... ـ لا والله كل العرق الذي شربته فشل.. كم أتمنى لو أسكر على الأقل.. هذا هو الاحباط.. ارجوا ان تفهم ان احباطي ليس نتيجة يأس من اسقاط الدكتاتور ..رحم الله ابي ذر ..هل تفهم غربة الثوري حين لايجد ما..... الثورة صحيحة ..لا يعني ابد سقوط السلطة وانما ..المضطهدون ..انا لاالوم احدا حين يحبط وينحدر للمسكرات والشذوذ ..لانهم يعتقدون ان الشرف يتوقف على حراسة المداخل والمخارج المستورة هذا البدوي المهجن ينادي بالشرف القومي ويلج بعضوه اليات الاطفال وخروج النساء بالسجون .يجب ان اقنع نوزاد ..مع ذلك أنا غير خائف منهم.. يجب أن أسكر.. يجب أن أقنع نوزاد ولو انه ميت ان بساطتي ونحافتي ومزاحي هو نوع من المفارقة.. وصحت عاليا.. يانوزاد وضعتني في قنينة عرق فارغة.. ثم إنك اغلقت القنينة ومت.. كلما أتذكرك أضع نفسي في القنينة التي يرجّها أحدهم باستمرار.. في عمق القنينة تصبح الشجاعة أو الكرامة هاجسا غامضا.. مجرد مغامرات مجنونة.. تضرب راسك بالزجاج وترجع دائما وأبدا مخبولا.. إسماعيل.. أشعر اني كبرت عدة سنين وفي أعماقي روح هائمة، قلقة، مذعورة. أعتقد يمكنني أن أشّبه الروح بطلقة منسية في مستنقع هائل من الرطوبة.. هل تعتقد ان روحي ستنفجر ايضاَ حتى لو صدئت.. انا غير متأكد.. هل كانت أعماقي روحا في الأصل.. من المحتمل أنا ميت أمشي على قائمتين. ـ ها.. عرب صمّي.. تكلم نفسك كالمخبول. تعلقت عيناي بحدقتيه، بوجهه الملتحي. جلس على جذع لشجرة قبالتي وكشف وجهه عن ابتسامة. ـ مامعنى عرب صمّي؟ هلل إسماعيل بصوت عالٍ ويداه تشيران بحركة مخمورة لصورة كبيرة بعينين ثعلبيتين.. ضم أصابع كفيه وأخذ يهز قبضته تجاه الصورة العسكرية بحركة لوطية وهو يتعتع: ـ لأن السيد الرئيس القائد كما ينبغي أن.. الذي هو صميمي في العام الماضي التقى مع عائلة عراقية فقال المفروض أن تقول الأم لابنها صُمّي إذا كانت ساقيّ البنت مفتوحتين.. أي منفرجتين وأنت في السجن فأصبح العربي موديل عام 1982 يعرب صمّي. اخترقني الرعب.. التفت لليمين واليسار. قفز كالسعدان منتشيا بنشوة أساسها الخمر والانتصار كمن فاز بجولة لعب صعبة.. تفوهت بصوت بارد مخذول، بدأ الصوت غريباً، صوت لم أتدرب على النطق به من قبل. ـ كاكه إسماعيل*.. بالتأكيد نحن مراقبون.. كل الناس في العراق مراقبون.. لكل منا سجل أنا لا أريد أن أرجع.. للبدو.. وأنت كالطفل.. مازالت بقايا ابتسامة معلقة على شفتيه: ـ خائف.. شيء طبيعي كل من يخرج من سجونهم يظل خائفا.. خائفا حتى من نفسه، أجبته بلهجة قاطعة: ـ هذا ليس خوفا.. انه الحرص.. كل عراقي مجرم إلى أن تثبت براءته وأنت تلعب بالنار كالطفل.. صحيح أنت أحد رجال الإضراب، لكن كل عراقي هو مشروع للاعتقال.. للإعدام.. حقيقة ان الذي جرعته من عرق المستكي تبخر سريعا واحسست بضيق غامض.. مشيت وحيدا.. محبطا.. فشلت حتى في نشوة الخمر.. لا أعرف ما أفعله سوى ان أهيم في الطرقات... أدمدم مع نفسي.. الحرب جعلتنا في الغربال.. يغربل ويغربل.. توقفت التفت ثانية إلى إسماعيل.. رأيته مازال يتلفت ويبحث من صورة أخرى.. عبر الشارع رأى صورة كبيرة للرئيس وهو يبتسم بفم أعوج وبعينين ماكرتين فما كان منه إلا أن يضم أصابعه ويهزها مرات متتالية بحركة جنسية لوطية ويردفها بكلمة صمّي... واندهشت حين نتر قميصي من الكتف وصاح بصوت عالٍ: كاكه سعيد.. غسلو دماغك بالتايت والصابون. أصابني نكد بائس وتمنيت انني لم أدخل البار.. سرت متثاقلا.. صامتا.. هو الآخر لاذ بصمت مقهور. عاودتني رغبة التيه في شوارع مهجورة رغم حرارة شمس الظهيرة فيما الجوع ينتابني للحظات ويتبدد.. طفتْ على السطح ذكريات تصحبها مشاعر غامضة.. ذكريات من أزمان مختلفة.. هل تعرف يا إسماعيل أنا أتذكر (ن) رغم إني كنت في سجن انفرادي.. توقف إسماعيل فجأة في منتصف الشارع وعيناه مطرقتان للأسفل.. جاءني صوته حنونا: ـ أعبر الشارع.. ألا ترى انك توقفت كالحمار في منتصف الطريق والسيارات مسرعة.. مشيت بضع خطوات وأنا اثرثر لوحدي: الذاكرة تشوشت في الانفرادي رغم اني عمليا مضطجع وعيناي معلقتان في سقف الزنزانة العالي وليس لي عمل إلا التذكر والتفكير.. الذي يخيم على عقلي هو نوزاد... ناولني قنينة العرق وأردف: أشرب كاكه سعيد.. لقد دفعت ثمنها من جيبـي.. يجب أن نحتفل بخروجك من السجن.. تعال نرقص مثل زوربا... أو بالأحرى ندبك أنا وأنت والأشجار.. الناس الذين شملهم العفو قالوا عنك: أنت بطل عظيم.. الآن.. كل الشباب في أربيل يعرفون انك عربي وبقيت معلقا خمسة أيام على باب السجن ولم تعترف.. بذمتك ألا تستحق هذه رقصة رائعة.. أنا وأنت وكل الشرفاء.. ثمة الحاح في داخلي على تغطية الحقيقة.. أنا لم أكن بطلا يوما ما بل لم أشعر بالبطولة.. أنا مجرد ضحية بائسة تستحق الرأفة. ـ صدقني يا إسماعيل أنا لم افهم ماهي البطولة.. كل شيء يعتمد على الأدلة.. في قرارة نفسك إذا وجدت منفذا فأنك تتمسك به وتصير بطلا أما إذا طوقتك الأدلة فأنهم يضربونك حتى الموت.. سواء اعترفت أو لم تعترف.. تارة يعترف الانسان من أول صفعة ويعطيهم أسماء الموتى والذين هربوا للخارج أو في الجبل.. هو ليس جبانا.. هناك كل سجين ينسى جلاديه ويظل يتذكر نفسه..يواجهها.. لماذا البطولة في التحدي الأرعن.. أنا عربي من البصرة وأعرف أن البدوي يكره الذلة ويعشق حد الجنون من يواجهه بصلابة أقصد بغباء.. الذكاء هو أن تصرخ كلما اقتربوا منك.. حين يعتقد الجلاد بأنك ضعيف يتركك في الحال أما أن تواجهه مثل ماموستا نوزاد وبغباء وغطرسه ودون أن تعترف بكذبه على ألملأ فإنك بعينيك المفتوحتين ستمارس اقبح مايتعرض له الانسان من ظلم وذلة.. ينكحونك أولا... أنا لست معلقا في الحقيقة.. ولا أشبه المسيح.. المسيح هوالذي قاد نفسه إلى الصلب.. أما أنا... وتوقفت في اللحظة التي أدركت فيها ان إسماعيل يريد استدراجي كي أبوح مارأيته هناك.. رمقته بنظرة خاطفة فوجدته يطالعني بصبر نافذ وبيده آلة التسجيل السوداء وجرعت رشفة صغيرة وهاجت في بلعومي حرارة العرق السادة وبدون ثلج واكتشفت ان الانسان من الممكن أن يشرب المستكي تحت شمس لاهبة وهو يجوب الطرقات... ثمة نشوة جعلتني أعب المزيد برشفات صغيرة متلاحقة. ـ حدثني عن حسن ياسين وعبدالقادر. ـ أحدثك عن نوزاد كيف مات وظلت يده مرفوعة بالاحتجاج... وظل إسماعيل ينتظر.. حاول أن يدفعني للكلام لكني كنت أنكفىء في كل مرة إلى أعماقي المظلمة.. وأظل هناك.. ثمة شعور يخالجني.. لا أحد يفهمني ان تكلمت الحقيقة.. وقد لايصدقني أحد. مشينا صامتين مسافة طويلة وحين طالعتنا أشجار شارع ستين صُعقت مذهولا.. لقد عدت إلى نفس المكان الذي كنت فيه، في الصباح الباكر، ذلك هو الجسر، وبالتأكيد هناك يسكن ماموستا نوزاد.. جلست على السياج الحديدي الواطىء للجزرة الوسطية في الشارع تحت أغصان شجرة توت وارفة وعيناي تحاولان ان تستكشفا الزقاق.. دخنت سيجارة سومر ونفخت الدخان بحرقة وغشتني تجليات الذاكرة وجرعت آخر رشفة من ذلك السائل الذي بلالون ورميت القنينة في الساقية.. إسماعيل هو الآخر جلس جنبـي صامتا وعيناه ابتعدتا إلى الغبش المتنشر فوق سلسلة جبال صفين. وبدون أن ألتفت اليه خرج صوتي باردا متلعثما... ــ أنا لم أكن بطلا.. صحيح انهم علقوني خمسة أيام لكنه لم يكن تعليقا... وحين لم تبدر منه حركة أو استفهام... بادرت: ـ أنت ترى جسمي موغلا في النحافة ولم أكن أعلم اني الوحيد الذي رفعوه عاليا لأن عينيّ معصوبتان في الأعلى على تلك القضبان الحديدية الافقية وضعوا كل يد بجامعة حديدية وتركوني متدليا واكتشفت ان من الممكن سحب الجامعة فوق القضيب ووجدت ثقبا كبيرا يطلقون عليه بالوردة وتمكنت من دس عجيزتي في ذلك الثقب كما أن عكسي الساعدين حشرتا في الزخارف.. تعشقت بذلك الباب المشبك بالزخارف.. الجوع الذي تعرضت له ونحافتي غير المعقولة.. النحافة هي التي أنقذتني.. كنت جالسا في الباب وليس معلقا.. هل رايت انسانا واحدا أنحف مني في العراق.. أي جوع أحمل في أعماقي أية وراثة للظلم والاستبداد.. ان نحافتي مفخرة لأن أهلي فقراء.. أنا متأكد ان الضابط يعي كل شيء.. قد تكون التفاتة لأن الله قد يحب آناسا غير متدينين.... زخارف حديدية مثل هذه التي نجلس عليها وفي الأسفل ثقوب على شكل مثلثات أضع فيها القدمين.. كنت بعيداً عن الأرض.. باب كبير بعرض عشرة أمتار وعلوه مايقارب العشرة أيضاً.. هو الباب الداخلي لمديرية الأمن العامة في أربيل. وشعرت بدوخة وان رأسي يدور حينما اتابع السيارات المارقة بسرعة وثمة ضيف غامض شبيه بالربو.. زايلتني نشوة العرق وعاودني الألم نفسه.. ألمٌ يتفجر في النفس والأحشاء.. انكسار مظلم في أعماق الذات.. في البداية وضعوني في زنزانة عرضها متر وطولها متر.. في الحقيقة فرحت لأني كنت أتوقع ان تُعصب عيناى ويداي تشدان للخلف مثلما فعلوا بي في الشعبة الخاصة لثمان شهور.. شعرت بحرية أكبر وكنت بأمس الحاجة إلى سيجارة أو عقب سيجارة، لم أتوقع ان التبغ له هذا السلطان على دماغي.. في الأيام الاولى لم افكر بشيء محدد وانما أتلوى في عمق الزنزانة كحية تنضو الجراب عن جلدها وحين تترامى إلى اذني وقع أقدام في الممر أنتفض واقفا على أهبة الاستعداد.. لا اعرف لماذا أستعد.. قد يكون الخوف وثمة أمل أن يفتح الباب بمستوى الراس من تلك الكوة ويطل منه وجه ما.. كنت أأمل أن استجدي انفاسا من أية سيجارة.. لكن الأقدام تجتاز بوابتي دائما.. هل تصدق ذلك.. كنت أتصور ان سيجارة واحدة تنقذني من هذه البؤرة وقد احلق عاليا في حلم يقظة... حلت على رأسي دوخة شديدة وصداع نصفي يمنعني من التفكير أو حتى الحلم بأي شيء وشعرت باليأس وانتابني كآبة عميقة تمنعني حتى من التحدث مع نفسي.. انه الاحباط..لاني محيط لذا لا اتخوف من نهايتي _لم تعد يهمني الى اين انتهي وهذا هو (المخيف في الحياة _كيف انتصر الطغاة وسلبوا الذات مني واصبحت مجرد خروف في قطيع ..لاني محبط في الأيام الاولى أسمع حسن ياسين يناديني.. زنزانته تواجه زنزانتي.. أنا أسمع صوته كأنه آت مخترقا عدة جدران.. آخره الليل..حين يهبط الظلام من ثنايا الزمن القديم ...الظلام الذي ابيد فيه الثوريون ولم يبق الا القتله والذين هربوا للخارج وسمسروا بجثث المعدومين من دعوة وشيوعيين ...وتبجحوا بمعرفة فلان وعلان وانهم تعرضوا ...انت تعرف من اجل شحذ بعض الاوراق الماليه وبصفة لاجئ .....الجميع فقد الطريق الصحيح للثورة ....انتم تمارسون الاستمناء الثوري ....ستحدودب الظهور يوما ما ...لان الثوار اغلبهم تحت التراب او في السجون والبعض عافت جثثهم الغربان وبنات اوى في الجبال والاهوار ولم يبق ...وانت ادرى ان الثورة حين تنتصر اول ماتأكل أبناءها ..اعني الذين لم يفهموا السياسة وانما الثوره ..كل من دخل السجون يميز بين الثوار والسياسين الذي يقطفون الثمار ويفتحون محال لهم تبيع الثورة في سوريا ..والمانيا و.....محكوم علينا ان نذهب للعدم ...من الظلام الذي جئنا منه ,كل الذي بذلته ...لاشئ ..صفر ...سوى عودة اخرى للنقطة التي انطلقت منها ...انا مجرد جرذ كبير لا استيقظ الا في الليل ...الليل المظلم بالجلادين والكلاب ,الرأس المفلطح الذي يطل من الكوة ...يأتيني الصوت كالصدى.. صوت شبحي في مدن مهجورة.. كنت كالجثة المتفسخة التي يمر عليها الهواء كالصدى أهمهم كلمات لامعنى لها.. كنت أحارب الوحشة.. السياسيون كالسحابه حين تمر اما ان تمطر او تأخذها الريح للسويد ...المانيا ....انا من يبقى اسير هذا الواقع ...انا لااتوقف ذاكرتي هي تنزف ...تنزف... حين سُلبت مني الكرامة تشبشت اصابعي بالقضبان انظر للابواب لتلك الكوة من منتصف الباب ,لاشئ سوى الانتظار ..لم تتخل روحي عن احساساتها ..جسدي النحيف هو الذي يرتعش ...اسمع ثرثرة بشر ..ثغاء اغنام ..وضجيج لايتفاهم به الا الموتى ..لا احد يفهم احدا ...كل الكلمات مبتورة ...تبصقها الافواه المفغورة ...في بعض الاحيان وانا معلق في الاعالي اعتقدت انها ابتسامات مستنسخه على كل فم ثم اكتشفت ان الافواه تُفتح من الذهول ..افواه قرَدة تتثائب في الاقفاص ..تصهل ..تنهق ..تنبح مثل الكلاب ..هي لاتنبح كي تعض وانما طلبا لكوب ماء ..او نسمة هواء ..قد تكون الاصوات مجرد شخير ..شهيق وزفير ..الكائن يزفر بفم كائن .اخر وهذا الاخر يحتج على نتانة الهواء المنبعث من اعماق الانسان ...الانسان يلوث البيئة برائحة فاسدة تخرج من فمه وليس من الأحشاء ..لااحد يضرط في الزنازين لاننا لم نأكل شيئا يستحق ان تخرط من اجله اعتقد اننا كنا ...لانشتم الرائحة ولانسمع الصوت ..ماالذي يضحكك في بعض الاحيان اشك بوجودي ..انسان معلق بالقضبان واتحدث بصوت عال عن أي شي حتى اسمع نفسي وقد ابتسم او اكثر لا فرق ...هم يريدون سلب وجودي وانا مصر الى حد الجنون ان ابقى على تفردي واتعلق بالقضبان ..يعتقدون بأني سأنظم للقطيع واسلمهم ذاتي ملفوفة بورق نظيف ...واطلقت ضحكة عاليه ..انتبه المارة ,توقف احدهم ,ثغوت بصوت خفيف :- اريد الالتصاق بروحي ..بذاتي ..بنفسي ..انا لااميز بين هذه المصطلحات ,انا التصق بانا أي بالقضبان واتحسس باستمرار اعضائي كي لاافقد عضوا ما لان القاعة الكبيرة فيها مجانين ..بعضهم بدون يد ,احدهم يحجل على رجل واحدة ,وهذا الرجل الذي دائما يمر من تحتي بدون انف وانما حفرتان غائرتان في اعلى الوجه تتجوفان على وجهي ...لماذا تبتسم يااسماعيل ..نعم ..اصغي بكل حواسي فيأتيني صوت حسن: كاكه سعيد.. اشرب الماء من حنفية المرافق.. وباغتني إسماعيل: ــ ليش تشربون الماء من حنفية المر......... استيقظت من تجلياتي.. هو تحسس ذلك ورأيته يشعر بالندم: هل هذا يهمك.. نحمد الله ان هناك ماء نشربه.. المشكله انهم يأتوننا بشوربة مالحة تعد بخمسة ملاعق دون خبز أو صمون.. أما في الغداء.. ماعون صغير من الأمنيوم فيه خبز مثرود يقدر بنصف رغيف منقوع بماء أو مرق فيه حبات فاصولياء مملحة بمرارة لاتطاق.. يثير الملح في أعماقي الريبة.. ويصيبني وجع في اعلى المعدة.. الملح نذير شؤم.. هذا معناه الليلة يأخذونني للتعذيب.. في تلك الليلة.. استبد الجوع في معدتي.. يا أخي أتطير شرا من الملح وبقيت بدون عشاء.. الجوع ظالم والبداة أظلم.. لا أستطيع النوم.. الجوع والخوف يفترسان دماغي.. كلب جائع محبوس في قفص.. أتكوم على نفسي وأغفو.. في المخيلة أقتفي آثار الأقدام.. صوتها حين تطأ الأسمنت.. في جوف هذا الليل أحدق توقيتها في الكوة المظلمة.. أحدق وأنا نائم.. في ساعة أقدّر توقيتها في الفجر.. جاء ذلك التوقيت من الساعات الطويلة من الظلمة، الهدوء الغريب في الممر والقاعات الكبرى للسجناء الذين انتهى تعذيبهم والذين ينتظرون الصعود إلى محكمة الثورة حين جاءني صوت حسن شبيه بالحبل السري الذي يعيدني إلى الحياة... الحقيقة.. انقذني من وحشة كريهة تشبه وحشة القبور لو كنت حيا وأنا تحت التراب المظلم.. أعادني للوجود.. أجبت على نداءه بصوت مرتفع.. تحدثنا قال لي: هناك قرب المرافق زنزانة ماموستا رغم انه مريض بالديزنتري لكنهم يضربونه كل ليلة.. ألد أعداءهم الشيوعيين.. ولكن عيب أن يعترف الرجل تحت الضرب كالطفل وإلا كيف ينتصب فحل الرجل ويضاجع المرأة.. كاكه سعيد.. لاتثق بـ(ن) فهي التي جعلتنا في السجن هل تسمعني.. كاكه سعيد.. أجبته: بلى.. بلى.. أنا متأكد ان (ن) بريئة.. وسمعت خطوات الحارس تتوقف في الممر.. خيم الصمت ثوانٍ.. الثواني تتمدد وتطول وأخيرا فتح الحارس الفتحة الصغيرة وظل ينظر بوجهي بعينين مملوءتين كره مزمن.. رأيت عينيه محمرتين على ضوء الزنزانة العالي والمخنفس: أنت اللي تهرج مع مَنْ.. وبدون أن ينتظر الجواب فتح الباب.. كان قزما مربوعا ويلف وجهه بيشماغ أحمر كي لايتعرف عليه السجناء وبكل ذلك الكره الدفين أو المنبثق من عينيه انهال على جسدي بكيبل يحمله لهذه المهمة.. الكيبل لايعرف أين يسقط.. على الأنف أو الرأس أو مرفق العِكس.. الكيبل أعمى.. ألوذ من ضرباته بالساعدين: أراد أن يعرف مع من كنت أتحدث وحين اجبته أتحدث مع نفسي.. هنا لا أحد يفهم عربي بصق على وجهي وقال: تكذب يا ولّ.. وظل يبصق ويرعد غاضباً.. أنتم أهل البصرة لاتعرفون الله.. أما شيعي أو شيوعي.. الواحد منكم ينكح امه.. كلكم خونة لايران تريدون الجيش الأيراني يحتل البصرة كي ينكح اخواتكم على صدوركم.. أردت يا إسماعيل ان اوقف كتلة الحقد والكره... أجبته متحديا.. ان أخي الأكبر شهيد والأصغر منه معوق حرب والآخر اسير.. وأنت تدري يا إسماعيل كأن القادسية قادسية " حاشوش ".. لكن الأوغاد اعتادوا ان لايسمعوننا حين نتكلم.. انهم لايسمعون إلا أنفسهم.. لأنهم في الصحراء لايسمعون إلا عواء الذئاب وعاود الضرب وكان ينفلت مني صرير مكتوم وصرخات مبتورة لدى وقع كل لطمة.. احدى الضربات كادت تفجر رأسي واخرى خلفت انتفاخا في منتصف الجبهة وفي نهاية البروز تساقطت قطرات دماء بطيئة.. وتوقف الجلاد لاهثا حين على صوت الرب من المآذن لصلاة الفجر.. توعدني بالرجوع حال الانتهاء من صلاته الذي آلمني، وبشدة، انهم يصلون لإلهنا نفسه. ـ أنا عندي معلومات عن(ن) وما تفعله المخابرات بها في فندق زيتونة..أعتقد انها وكيلة أمن... وجدوها ضعيفة.. هم يفعلون مع كل طالبة عليها شائبة.. حتى لوكانت استاذة.. تعرف استاذة علم الاجتماع الجغرافي... هل صحيح أن (ن) باتت معك ليلة..؟ كان وجه إسماعيل خال من التعابير.. جامد القسمات.. أسمع زفيره في اذني.. وتحسست أيضاً ان الذي عانيته لايعنيه وانما مجرد نزوة خمر واستهلاك للوقت. اجبته بدون أن أجهد في التذكر: ــ صدقني ان(ن) بريئة.. هي حدثتني عن كل شيء.. قالت انهم اغتصبوها من الخلف مرة واحدة لأنها لم تعترف على أصدقاء أخيها.. وأنا الذي اشترى لها الويسكي من الأروزدي باك.. الكثيرات يشربن مثلنا وخاصة المسيحيات... كان ذلك قبل سنة.. هي التي استأجرت الغرفة التي أسكنها الآن من أقاربها وجلبت لي الفراش والمدفأة.. تلك الليلة كنت خجولا لأني لم أنفرد بأية طالبة من قبل.. صحيح انها نامت على بطنها والقليل من فخذها عاريا.. وصدرها.. أنت أعرف حين تنحني ترى حلمتيه الحمراوين.. كانت تقول لي: أنت الوحيد الذي أحدثه عن كل شيء حتى لوكان عيبا دون أن أندم بعد ذلك.. رأيت في وجهها ضحكة مكتومة وعيناها تبحلقان بلمعة ولذة لكني بقيت أشرح لها ما أعرفه عن كتاب رأس المال لكارل ماركس.. بقيت أشرح حتى غفت وفي الصباح هي التي أيقظتني ضاحكة بصوت عال ضحكة مجلجلة.. أنت تعرف ضحكتها.. ذبحتني.. القيمة والفائدة.. أنت أكبر حمار عرب صادقته في حياتي.. أنا لا أعرف لماذا أحترمها وأحبها بجنون... وباغتني إسماعيل حين فتح شدقيه واستغرق بضحك جنوني أثار استغرابي.. ثم وقف مموج الظهر.. قبالتي ووضع وجهه بالقرب.. حتى كاد يمس أنفي والرذاذ يتطاير من فمه.. والله أنت حمار.. ثم اردف.. حمار وابن حمار.. وكاد يشرق ويغص من ضحكه الهستيري.. في تلك اللحظة أردفت.. هي تثق بي وأنا شديد الامتنان لتلك الثقة والله لو قبلت بي لتزوجتها.. كل الناس مناضلون.. كل بطريقته الخاصة.. وشعرت بازدراء عميق لنفسي لأني وصفت(ن) بشكل غير لائق ماالذي يجبرني على البوح باسرار خطرة.. ما أسم هذه الغريزة المتسلطة التي تجعلني أتقيأ أعماقي وأظل اثرثر هنا وهناك.. تهديد أمني صريح: أمتنع عن الثرثرة.. لا أعتقد انها غريزة وانما عقدة نسجتها عناكب النظام.. هم وضعوني في بالونة، لاتستريح الأعماق إلا بفتح ثقب صغير أتقيأ منه الهواء المحبوس بالسموم والحياة الوضيعة.. مامعنى ذلك؟ يعتقلونني بضعة شهور وبعدها يخرجونني للعالم كالمجنون.. أثاروا الشكوك حولي.. ـ اسماعيل.. هل يشك الكرد بأنك خائن أو وكيل أمن مثلا. توقف إسماعيل عن سخريته وعيناه تحدقان في أغصان الشجرة الوارفة الظلال. ــ الكرد جعلوك أسطورة.. وخاصة أنت من البصرة.. النظام يقول إذا كان رأس الأفعى في السليمانية فأن الذيل في البصرة.. يجب أن تترك الخمور نهائيا.. أنت ملك للحركة الوطنية الآن.. أنت وكاظم رحيم جاسم جعلتموننا نحترم العرب.. لاتنسى اننا في ليلة وضحاها أما نجعل من الفرد أسطورة أو نرميه للدرك الأسفل.. النظام جعلنا تحت المطرقة أما أن يعوج المسمار أو ينبت في الخشبة. خرجت من فمي دمدمة غير واضحة.. المطرقة والمسمار.. مسمار معوج وآخر انكسر اثناء الضرب على رأسه.. ياترى الذي يُضرب على رأسه أما أن يموت أو ينبت في الأرض.. لكني لست مسمارا على الاطلاق وانما سلك معدني يطوى ويمد.. المهم اني بقيت سلكا لايفصمونه أبدا.. وارتفع صوتي عاليا.. ــ في ذلك اليوم انتبهت بالصدفة ان سبب الحساسية الشديدة في جسدي كله نمل أبيض وعلى رأسه بقعة سوداء وحين لويت كفة البنطال اندهشت من هذه الحشرات التي تدب بهمة ونشاط.. تصور ذلك.. لو أستطع النوم في الليل والنهار وعلى ضوء المصباح المعلق في سقف الزنزانة العالي، بعلو ثمانية أمتار أو عشرة.. زنزانة أشبه بعلبة مستطيلة وأنا متصاغر فيها كجرذ كبير.. أعتقد ان هذا القمل خاص بالجرذان المشعرة.. بعض القملات انتفخت بطونها بالدماء كالقراد.. نزعت ملابسي كلها.. تعريت عدة ساعات وأنا أقصع القمل على قفا أظافري وأدعسه على ارضية الاسمنت.. يتراءى لي وأنا عاريا ورائحة الرطوبة والعتمة والشعر الكثيفة بأني أحد القوارض المتوحشة المختفية في قعر العلبة.. في ذلك اليوم عدة وجوه أطلت على عورتي من فتحة الكوة الصغيرة.. وجوه غريبة بنظرات مشبعة بلؤم وكره وحقد لو لم يكن الباب مقفلا من الخارج لاقتحمتني النظرات وابتلعتني.. قطعة.. قطعة... إسماعيل هل تفهم كيف تريد أن تأكلك النظرات.. على الاطلاق لايثير هيكلي العلوي أية دهشة أنا الآخر فارقني الحياء.. في قعر العلبة فارقتني أشياء كثيرة.. هناك عالم يختلف تماما عن عالمنا هذا.. تصور ذلك.. انكمش عضوي واختفى تحت شعر العانة الأكر.. كنت أتناول حبات الفاصولياء المالحة كمن يكرز بفستق حين فتحت الكوة وأطل منها وجه ضخم أسود.. وجه منفوخ.. وبعد صمت متبادل ومتفق عليه قال الوجه: ــ أنت.. جاءت معلوماتك من قضاء الزيبر واتضح ان فيلمك محترق بالكامل والذي يراك يقول عنك مسكيناً.. حضر روحك.. ورأيت فم إسماعيل يفتح بدهشة واسعة.. قلت له لم أر انسانا اسود وبهذا الوجه المنفوخ.. الضخم في أربيل ابدا.. وأكد إسماعيل ملحا على صفاته الأخرى.. قلت لك لم أر إلا وجهه.. على مايبدو انه أحد الجلادين السجناء دون علمهم.. هو السجين الحقيقي.. الأبدي.. لأننا مهما طال الزمن سنخرج يوما سواء أحياء أم أموات.. أما هو..يا إسماعيل لم أتمكن من ازدراد الفاصولياء وشعرت بكآبة منقبضة غلفت كياني كله.. كآبة تشبه مخالب عظيمة.. قلبـي تمسكه يد ضخمة.. قلبـي كفرخ طائر.. تعصره اليد.. اختنق هناك..في قعر العلبة.. لم افكر بشيء.. لم أتذكر شيئاً.. كلما يمر الوقت تنزف ذاكرتي كل ماتحتويه.. لم أتوقف عند وجه ماكان الخوف يشل ارادتي تماما.. حتى الموت بدا لي شيئا غامضا.. أي أني أصير مجرد جثة متفسخة ومنسية.. أتمنى لو تمارس شعور من يُنسى.. هكذا الموت.. الموت هو أن تصبح منسيا بكآبة أبدية.. أنا أخاف من التعذيب فقط.. الالحاح على ذلك الألم والوضاعة.. لاتندهش.. كل من عُذب مسبقا يظل لايخاف إلا من التعذيب بآلية لا ارادية.. ليست ألبسة داخلية ملوثة بسخام أسود.. لسجناء سابقين سكنوا هذه الزنزانة.. قطع ممزقة تعود.. كنت ألم هذه المزق وألفها كالصرة وأضعها تحت رأسي ولها رائحة الضربان وقد تكون رائحتي لأنني لم أغتسل منذ شهور.. بل فقدت حاسة الشم لأن أبطي الكثيف الشعر ليس فيه رائحة والمشكلة اني أرى شعرات الابط قد اصفرت.. في تلك العلبة يتحول الانسان يتحول ضربانا لأنه لايشم رائحته.. انه يعيش معها.. وفي اعماقي رغبة عجيبة أن أشرب كوبا من الماء فيه برودة حين فتح الباب داهمني رجال بسواعد خشنة وفي أقل من الثانية شُدت عيناي وسحلني الرجال للمجهول.. في الممر.. لم ارتكز على ساقي وانما خيم على هيكلي نحول عام.. ترتجف الركبتين.. ساقي لم تستطع حمل جسدي النحيف وانما تحملني القبضات الضخمة.. وشعرت بضوء ساطع بل تشممت هذا الضوء بأنفي لسطوعه.. تحت الضوء تمكنت من الوقوف.. القبضات الحديدية لم تترك جسدي يقف وحيدا.. الرعب مبعثه الظلمة الدامسة التي تتركها العصّابة المشدودة.. صمت.. لم اسمع حتى شهيق أو زفير انسان وكنت أدرك ان عدة عيون تتفرس بوجهي.. هيكلي.. يبحثون عن نقاط الضعف كالكلاب ولم يقطع هذا الصمت إلا خربشة قلم وحيد على الورق.. وباغتني أحدهم برفسة تحت العصعص وسحق الخصية.. انقطع تنفسي وانحنيت أحتضن خصيتي وثمة ايد تحاول أن تجعلني منتصبا وارتطمت بوجهي قبضة صلبة جعلتني أصرخ مذعورا من الرعب وانفلتت صرخة متوجعة والدماء أتحسسها تسيل من أنفي.. لم اشعر بألم الضربة التي فصلت عظمتي الأنف المتراكبتين من كسر سابق وانما الرعب من عالم مظلم لاتعرف فيه من أي الجات ستهاجم.. الرعب وأنت تدرك العد التنازلي قد بدأ.. وحين يدرك الانسان بأنه مجرد حيوان محصور في قفص.. ثمة نزيف في غريزة الابقاء على الحياة، تمسك عجيب.. قوة خفية تجعل الانسان ينوء بثقل جبال من الألم دون أن يسلم لهم الروح على ماعون نظيف.. اعترف.. اعترف.. أحدهم مسك بيده شعرات يافوخ الرأس وانهال على صفحة وجهي اليسرى بصفعات موجهة بدقة.. تصفر اذني بعد كل صفعة.. تُسد.. هذا الجلاد ينادونه أبو كف. ــ هل أنت شيوعي أم شيعي تتخفى بشرب العرق.. ـ لا والله.. أنا أشرب العرق فقط.. ــ لماذا تساير الأكراد الذين عليهم علامات استفهام؟ ــ من أجل أن يشتروا لي العرق.. ليس أكثر.. وعاد أبو كف يوجه صفعاته بشدة كادت تفقدني وعي.. قلت: ــ استاذ.. أرجوو أن تفهمني.. المسالة أخلاقية.. من العيب أن يشتروا لي العرق.. العرق.. والله ذبحتنا.. لم أكن أتصور ان صوته مخيفا أكثر من الضربات.. ولادراكي العميق بأنهم عصبة من الأغبياء لذا ألححت على الخمور.. أسمع لهاثهم وأشم أنفاسهم الكريهة من شرب البيرة وأنا كسلك معدني يطوى يطوى ويمد ثم يدعك.. يد بحجم وجهي تمسكني من الشارب وظل يقتلع الشعرات كمن يهلس ريش طائر.. كانوا كالكلاب التي تبحث عن مواطن الضعف في الفريسة.. يا إسماعيل.. أنا لا أعرف كيف هم يتحدثون عن الطالبات والعاهرات وأحدهم يكسر فستق أو بندق بين أسنانه وفي نفس الوقت يعذبونني بشدة.. جاءني صوت بعيد.. أقصد على بعد عدة أمتار.. ــ على أساس أنت صلف يا.. و.. لُ.. مادام أنت بصراوي العب لنا هيوا.. أعتقد أنك بالع ألف... البصرة آخ البصرة.. أحيا وأموت على البصرة.. اسمعه يصفق بيديه وثمة صوت عطوف يأتيني من الأمام. ــ هل تعرف نوزاد ــ لا ــ نوزاد أحمد أسود ــ طالب معي في نفس المرحلة.. ليس أكثر.. أما الذين يأتون اليه هم اخوته.. ــ زين.. ومحمد أحمد رسول... وشعرت أن احد الجلادين يريد أن يجز اذني اليسرى.. كاد المقص أن يلثم الاذن وثمة قناعة في أعماقي ومادام التحقيق مثلما توقعت.. أي ليس ذلك التعذيب الذي يختار فيه الانسان الحياة أو الموت لذا صممت على اجاباتي لأني متأكد من تجارب سابقة.. ليس الاعتراف مهما.. ـ نحن نسميه حمة رسول... هذا الحمار وقبل أن يجيبني أحد أردفت ــ لايهمني إلا العرق وكتابة الشعر من أجل البنات.. لأنه قصير القامة.. وبتر المقص ثلمة صغيرة من اذني. وباغتني إسماعيل حين وضع وجهه أمام وجهي متفحصا اذني الجهة الثانية وبادرته: أنا متأكد ان الضابط انسان شريف.. لأن خرقة القماش التي عصبوا بها العينين قد تزحزحت للأعلى وصارت سيقانهم في مرمى النظر.. رأيت الذي يحدثني من الأمام يركل الجلاد ذو الكف الكبيرة.. بل حتى قدمه كانت كبيرة.. أعتقد انه الرجل الأسود لأني أشم صنانه.. الحقيقة انه عبد أسود.. ركله بقوة في اللحظة التي أراد أن يقطع فيها أذني. سمعت الضابط يقهقه جعلنا على اذنك علامة حتى لاتضيع بين السجناء وجاءني صوت أجش إستطعت أن أراه من تحت العصابة.. عاودني الخوف حين رأيت أربعة رجال يجلسون على كنبة خشبية ويخيم على وجوههم السمينة والحليقة صمت وتساؤل وفي لحظة متناهية الصغر وجدت نفسي معلقا من يديّ المشدودتين للخلف وانهال الجلاد ذو القدمين المنتفختين بكيبل ومن تلك الضربات تفجرت الدماء والألم البغيض.. المتصاعد.. كنت أصرخ بكل ما أوتيت من قوة... انهم يبحثون عن رجل ــ يا إسماعيل ـ كلما يضربونه يتحداهم أكثر.. أنا متأكد انهم وفي أوج حفلتهم هذه.. في الذروة يقتلون الانسان دون أن يشعروا بذلك.. أنا كنت مجرد مازة يتلذذون بها.. مثل زبيبك هذا.. اصرخ.. حين يصفر الكيبل مارا بالقرب من اذني.. لا..لا.. ليس أمام الجلادين عيبا.. أنا.. وهم أزلنا الحاجز الانساني.. كنت مستعدا أن أفعل أي شيء يبعصونني دون أن أحتج.. هذا الأسود صاحب الأصابع الضخمة أتحسس اصبعه في الداخل يصطدم بعظمة أو(جفطة).. لا أعرف.. لأنهم يغتصبونني الواحد بعد الآخر لو عرفوا اني أحتج.. لاتضحك.. ليس هذا انهزام أو جبن.. كلما أظهرت أنك تتألم وتتشبت بخيط أخير من الحياة يتوقفون عن الضرب.. هم دائما يتوقفون في اللحظة المناسبة ومن الحماقة أن تظهر رجولة على انك تتحدى الألم.. لأنهم سيجبرنك على الاعتراف.. قد تفقد الحياة.. يجب أن تتوسل وتطلب الرحمة هؤلاء البدو يحتقرون من يتوسل لهم.. يستصغرونه ويتركونه.. ليست طيبة.. هم بلا قلوب.. عقلية البدوي هي هكذا.. سمعت أحدهم يسأل: ــ هل تنامون مع الطالبات في الجامعة.. أجبته وأنا ابكي.. كنت حقيقية أبكي والدموع تبلل الوجه كله ــ هن ينمن في بناية ونحن ننام في القسم.. وبعضهم يؤجر غرفا.. أجابني كمن يكلم نفسه: ــ معقولة.. انسان يرى مثل هذه النساء ولايضاجعهن الكرديات والبغداديات.. اللهم إلا إذا كنتم خصيان. انجزوا كلهم في ضحك متواصل.. على مايبدوان هذه النكتة راقت لهم.. اتفقت مع أمزجتهم.. اعطهم متعة ومال وقل لهم وداعا.. وداعا للبدو الجدد.. إسماعيل.. هم لم يسألونني عن (ن) أبدا.. انهالت على وجهي ضربة كيبل رهيبة كادت أن تقلع عيني اليسرى من محجرها ألا ترى حاجبـي الأيسر واجابني إسماعيل: نعم فيه ضربة.. وابتسمت وأنا اقول يسمع بالكاد.. بسبب هذه الضربة افلت ريحا مسموعة ولم أشعر بالحياء.. لأني أدور ببطء.. لا أعرف بماذا علقوني.. أليتي المشعرة والناتئة العظام تدور ببطء قرب انوفهم.. أعتقد انهم فقدوا الحياء في الشوارع أو الصحاري وهم يسوقون الأغنام إلى آبار المياه.. سمعت أحدهم يقول بعد ان ابتعدوا عن جثتي المعلقة.. يحتج ابن الكلب.. ورأيت الكيبل يرتفع وعرفت انه الكلب الأسود من الرائحة التي انبعثت من تحت ابطه... رائحة كلب ميت.. ورأيت يد الضابط تمسك يد الجلاد.. جائني صوت الضابط عطوفا.. مكتوب في بطاقتك الشخصية بأن لقبك العلوان.. هل يوجد ألبو علوان في البصرة قلت له نعم .. .. سمعت صوته ثانية.. هل هم سنة أم شيعة.. أجبت بسرعة.. هم شيعة لكنهم يقولون ان أصلهم شمرّ عبدى.. أي عوابد وعليهم المثل المعروف.. انحدر حدرة البو علوان ضحك الضابط عدة ضحكات سمعتها بوضوح.. وإذا الضابط يقول: أنت ولد عمي ياول... كنت أعرف ان الضابط عطوفا.. تحسست ذلك من غنة صوته.. الصوت وحدة قادر على الكشف عن هوية انسان. عاد الصوت الأجش إلى أسئلته.. ـ هل تعرف بخاري عبدالله خضر.. أنت كثير الذهاب ومعك عرب إلى شقلاوة.. أكيد أنت شيوعي لاتعرف.. حسنا.. علقوه على الباب أما أن يموت كالمسيح أو يعترف.. أنزلوني.. رائحة جيفة وصنان نفاذة.. زنخة العبد المخمور.. جميعهم كائنات لها رائحة جيفة.. لامست قدماي الأرض وتمكنت من التنفس بعد ضيق شبيه بالربو.. العبد يرفعني بيد واحدة عن الأرض.. أولجو ساقي في سروال كبير كان ملقى على الأرض وألبسوني فانيلا بيضاء نظيفة سرعان ماتلونت ببقع زاهية.. وثمة تشنج في كتفي ودوخة شديدة جراء النزيف من الأنف والأذن.. تحسست ان الأرض دارت بي حين رأيت جثث ملقاة على الاسمنت بلا حراك.. وظللت الأرض تدور بسبب ظلام القطعة المشدودة على العينين ورائحة الكلب بعد ان تعرق وهو يلهث.. كدت أتقيأ من رائحة الجلاد وحين تركوني لكي أقف سقطت على الأرض وسمعت الضابط يوبخ الجلاد.. كم مرة قلت لك لاتشرب العرق وأنت في العمل كسرت أنفه وكدت تخلع عينه ألا تراه هيكلاً عظيماً.. أجاب الجلاد بصوت واثق: ــ سيدي هذا شروقي.. حشرة ضارة.. ولم يجبه الضابط..وضعو جثتي على بطانية لزجة الدماء وحملوني وأنا بين الحلم واليقظة وثمة فرح غامر اكتنفني حين أدركت أن التعذيب انتهى، وانهم لم يستطعوا تدمير أجوبتي الجاهزة.. صعقت حين رأيت الكلب الأسود يسير خلف جثتي حاملاً كيبلا غليظا أسود.. وهناك على الباب وقبل أن يعلقونني كجثة حيوان في مجزرة انهال الأسود بكيبله على الركبتين بضربة عنيفة ولم يتح لي الوقت الكافي لكي اصرخ وانما اختنقت بصرخة مبتورة ـ كثغاء الأغنام ـ وكمن كسرت عظامه عنوة رأيت وثغ الساق ينتفخ بورم سريع فيما اخضرت صابونة الركبة الاخرى وحملقت عيناي بوجه الأسود.. عيناه محمرتان كعيني كلب وتحسست وضاعته الشنيعة وأنا.. يا إسماعيل.. حين اقول عبدا لا أعني لونه الأسود وانما عبوديته للأسياد.. أعني وضاعته.. أدركت أن الوضيع فقط يجعلك أكثر وضاعة منه كي يتوازن ويشعر انه انسانا سويا.. وتحرك برأسه الكبير كمن تذكر شيئاً.. رأيته ينهال على رجل كردي مشدود إلى الباب الحديدي ويقعي على الأرض.. بلا حول أو قوة.. كانت ساقا الرجل عاريتين بعد ان رفع السروال عنهما حتى الركبتين وظل الكلب الأسود ينهال بكيبله باقصى مايملك من قوة على الساقين الممدوتين.. رأيت الدمامل تنفجر بقيح وردي.. وانسلاخات فوق عظمة الساق.. تظل تلك الانسلاخات بيضاء كعظام قشط الجلد عنهما.. يا إسماعيل.. راعني ذلك المنظر.. لم تكن هناك دماء تسقي البقع البيض.. كما ان الكردي لم يكلف نفسه بسحب ساقيه.. وظل الجلاد يهوي بكيبله وهو يلهث بحثا عن صرخة أو على الأقل أن ألم.. وكمن لدغتُ فجأة حين اصطدمت عيناي بالوجه المرتجف للسجين.. لقد كان ماموستا نوزاد نفسه.. وعاد إلى الجلاد مسرعا حين رأني أحملق في وجهه.. أنا يا إسماعيل.. لم أكره انسانا مثلما كرهت هذا العبد.. توغلت نظراتي في أعماقه.. رأيت ذلته.. جبنه الشنيع وهو يحاول أن يرضى اسياده.. يجعلك ترتعش حين تراه.. الكيبل أعمى .. لاأحد يعرف أين يهوي ولماذا أصيب الأسود بالسعار التفت الى وراءه وصاح بصوت غاضب: ـ لاتنظر من الأبواب.. اخفي وجهك.. وكان الأسود يأمر السجناء في القاعات الكبيرة وأصابتني رجفة اهتزت معها الأعماق.. كيف انفلت الصراخ وهذه العيون تنظرنا بصمت... في هذه اللحظة جاء رجل أمن بملابس نظامية رصاصية حاملا عصى الفلقة الشبيهة بآلة النداف، وضعوا قدمي بين الحبل والعصى وظل العبد يلوي العصى وانهال بضرب مبرح على باطن القدمين.. هاج الألم في مسمار اللحم المتسع في باطن قدمي اليمنى وتناسيت نفسي وعدت للصراخ.. صراخ عال يصم الآذان وانتابني تشنج وتصلب في العضل.. وفي لحظة لاأعرف مداها وكم من القوة استجمعت خلالها حين سحبت ساقي اليمنى وتعلقت بالباب رغم الألم المتزايد في عظام المعصم.. انكسرت العصى وسمعت الأسود يدمدم بشفتيه الغليظتين وأنفة المفلطح.. صِلّ مسموم.. صِلّ ابن الزنى.. وأردف وهو يهز رأسه الكبيرة.. أصير قوادا على أمي إذا ماطلعت أنت شيوعي كافر.. وامتدت يده في الجيب الكبير لقمصلته التي يلبسها الرفاق وأعضاء الفرق الحزبية وانتشل انبوبة صفراء صغيرة كتلك التي تستعمل لنقل الدم ومط سروالي وأمسك عضوي وسحبه بقوة كأنه عضو من المطاط وظل يضرب على العضو المسحوب والمشدود.. لم أشعر بالخجل.. الألم.. يا إسماعيل.. جعلني أفقد صوابي ولاأعرف هل كنت أبكي أم أستغيث ولم أستطع التركيز على كلماته.. بهذا العضو كم مرة نكحت الطالبات وأراد أن يتذكر واحدة منهن ولم يستطع.. ظل يتعتع ومناخيره أتسعت لتعب الهواء وأنا أصابني خدر وتنمل في جسدي كله وظل يضرب في العصب الخدر وحده يشل جسدي وفقدت الاحساس بالألم واختنقت بصياحي المذعور أو شرقت ولم أستطع التنفس.. لم أستح من صراخي أمام السجناء وثمة أحساس في داخلي ان الألم.. الخوف شعور إنساني.. الكائنات التي تفقد صوابها من الخوف هي أكثر إنسانية.. أكثر حبا للحياة.. بل أن كل مجنون لتعذيب ما يهرول الآن في الشوارع وتقذفه الأطفال بالصحى هو أكثر بشرية منا... هل تعرف قبل أن أغص بتلك الشرقة شعرت إننا بؤساء.. مسلوبوا القوة والبطولة.. مساكين ونستحق الرأفة والبكاء.. إسماعيل.. نحن لانريد ان نكون مجرد ضحايا لكنهم جعلونا كالخراف. شاهدت فتى وأنا بين الحلم واليقظة يقف قبالتي ويرمق العبد الأسود بنظرة متأملة.. كف الأسود عن الكلام والحركة ثم أزاح عن عيني قطعة القماش التي التفت حول الجبهة.. ورفعني الفتى إلى أعلى وحشر اليتي في دائرة فارغة يقال لها الوردة في الزخارف الحديدية.. كنت أسمع وأرى كل شئء.. صلصلة الحديد والصوت الحنون للضابط وبدون أن أميز الكلمات.. لقد غفوت أو ذهبت في غيبوبة.. أعتقد اني فقدت الوعي.. أيقظتني طرقات حديدية على الباب وفاجأتني جثة هائلة لرجل كردي ضخم معلق من يديه فيما بقيت ساقاه تتدليان في الفراغ.. ورأيت الجلاد يفك قيود رجل أسمر طويل القامة من الزخارف التي تحت قدمي.. كان الأسمر يلبس ملابسي.. حتى ان الجلاد اعتقد انه أنا وأنا صرت الكردي.. في وجهي بعض ملامح الكرد السمر.. اعتقد ذلك لأنه سأله عن اسمه أجاب جهان كبير.. أنا كردي من شقلاوة وليس عربيا.. اقتادوه لجهة ما.. مازال الرجل السمين المعلق يئن أنينا موجعأ متواصلا فيما تورمت كفاه بشكل مرعب وملفت للنظر وثمة حارس مربوع القامة يلف وجهه بيشماغ أحمر خلف الباب ـ من الخارج ـ يخزٌ الكردي المتوجع بحربة البندقية.. يأمره بالصمت ولكن الرجل وتحت طغيان الألم لم يأبه بالأوامر.. صرت أنا أشبه المسيح.. أم ان المسيح لايشبهه أحد..كل من يعلق عاليا ,اعلى من غيره من بني الانسان يصاب بداء السمو ...حين يجد نفسه قربيا من السماء ..للحرية..فيما يخوض بنو البشر في العالم السفلي بوجههم الملتحية في بركة الوضاعة ..حين تعلق فوق تتمنى ان تموت منشيا ان تتحرر من عضو حزب البعث الذي يلج كل مهبل ضيق في وجودنا كبشر ..بعد ان اصبحنا لانميز ضمير احد ..في القاعة ..تحتي تدب حركه مثابرة على المشي .. اباغت بوجوه متشبعه تحملق بوجهي ..اشعر بسمو صوتي او ثوري حين تحررت من العالم المظلم ..انت لاتكترث لانك موجود وغير معلق في السماء ..يجب ان تدرك ان الانسان هو الكاثن الوحيد غير المرغم ان يعيش بحياة غير مقبوله ..انتزاع اللذة من الحياة ..اعني اللذة ..التحرر من الخوف وقمع الفكر والرغبة للوصول لهدف اسمى ..ثمة اهمية للوجود الانساني ..لابد ان له معنى ..له حيز في الخطة الكونيه ..هوس ..لكن الموت ليس عبثيا وانما جزء من الخطة الكونية ..صحيح انا مجرد فرد ومصير الكائن الفرد ولايعني شيئا قد يعني لي غياب الاحساس فقط ..كل الحكايات الموحشة والمخفيه التي تحكيها العجائز او السجناء تثبت صحتها في العراق ..لامبالاتي ..الفوضى التي اعيش فيها هدف عظيم لايمكن الوصول اليه ..يعوق قدراتي كانسان تحت التعذيب ..الفوضى تنتمي للوحدة الكلية للوجود ..اكيد لايفقه الماموستا هذا الكلام ..يااسماعيل من الذي ميز ماكان ملقى في كتله مختلطة غير مميزة على الارض ..الكتله الهائلة المزيج ..مزيج لايخترق، الذي ميزني كانسان يجب ان يكون مسؤولا عن الصلب ومثرمه اللحم الهائلة ..كل شي يخضع لتنظيم الكون العظيم فمن غير المعقول ان نتمرد ذاتيا بالفوضى البناءة والمدروسه على هذا المعقول والمنظم .وانا عبثي منظم ..وكل قلقي يكمن ليس في الموت وانما في التعذيب ..الفزع من التعذيب وانت تحت التعذيب هو الشئ المخيف ..لايعني لي البقاء او الخلود شيئا ..انا جئت من طين واعود للطين ..انا نفس صغيرة تحمل جثة او بالعكس ..اراد ان يصفق اسماعيل لكنه ابتسم قائلا ..انت عرب يتكلم يوناني وانا اعتقد لو تروح تلبخ طين احسن ..لم اعره اهتماما فاكملت ..لاأعرف ياإسماعيل كم من الساعات مرت.. أرى ظلاما دامسا من تلك الفتحة التي تتوسط القاعة الكبيرة المخصصة لساحبة الهواء.. قد نكون في أول الليل.. منتصف.. وبين اللحظة والأخرى أرى وجوها ملتحية تطل من فتحات أبواب قاعات السجن تتأملنا الوجوه ثم تغيب.. في تلك اللحظة رأيت حسن ياسين كطفل صغير مختف في قعر البطانية التي يحملها جلادان مرا تحتي.. كان حسن ياسين أشبه بطفل أتعبه البكاء على رضاعة حليب.. لحظات تمر.. شعرت بعطش شديد آلام تتفتق في كل أنحاء جسدي.. على مايبدو ان الأجساد تخفي آلمها لأول وهلة ثم تمجها بنفثة واحدة بعد ساعات.. تعشق جسدي بالزخارف الحديدية.. أعتقد اني صرت جزءاً من الزخارف.. العطش يقتلني.. طلبت كوبا من الماء تسلق الحارس المربوع القامة زخارف الباب وقال لي: أتريد ماء.. خذ.. وفاجئني ببصقة مكونة من لعاب وعلكة التصقت بثنايا شعر لحيتي وظلت أياما طويلة.. لم أتذكر شيئا ولم أستطع التفكير بشيء معين.. السجن عالم كامل مهما تغور فيه ترى الأشياء تنقلب رأسا على عقب.. تتنازعني الرغبات.. العطش أيبس الشفتين.. تارة أحس بالانتصار لأن جسدي تعشق بالزخارف.. كأني جالس.. أنظر للجميع من عل.. لايجلس هذه الجلسة إلا الآلهة والأنبياء.. أتمنى أن لاتشرق الشمس ويأتي الصباح وينتبه الجلادون إلى جسدي المحشور في الثقوب وتارة اخرى يقتحمني شعور كريه حتى أكره ان أشرحه لك يا إسماعيل.. كنت أن يذل ماموستا نوزاد ويعلق مثلنا كي يعتذر لي ويفهم لماذا أفضل النوم في مرافق عامة ولاأرقد بقرب مخبر أمن أو أي بعثي.. كبرياء الماموستا الفارغة.. الذين يتحدون الطغاة بهذا الشكل يعيشون في عالم مفترض.. في الكتب وليس في الواقع.. لاتقل لي سلام عادل تحداهم حتى الموت.. انتبهت إلى نوزاد.. مازال رأسه يهتز مع نبضات قلبه.. ثمة قلب ينبض ورأس يجيب صداه.. وحين ابتعد الحارس القميء وفتح بوابة الحديد الخارجية حاولت ان أحث الكردي المعلق على يساري على الكلام وحين اكدت له ان الحارس ولى نظر الكردي بوجهي.. كان وجهه كمن صفع توه وتحسست ألمه فظيعا.. تمنيت في سري أن يعترف هذا الرجل وينهي ألمه المتزايد الذي لايمكن لانسان تحمله.. وجدت الفرصة سانحة أن أسأل: كيف جاءوا بك هنا.. كاكه عرب أنا بريء.. لست سياسيا. كنت نازلا من صفين أحمل طماطم.. في الشق خرج لي الفرسان سألته هل هو طالباني أم برزاني. لكنه ظل ينظر بوجهي لايجيب.. بقيت ألح عليه أن يعترف حتى ولو بمعلومات كاذبة.. المهم أن يعترف حتى يتحسس الجلادون آلامنا وينزلوننا للأرض قال الكردي: ـ كاكة عرب.. لماذا تريد أن تؤذينى.. أنا بريء.. أجبته بعصبية.. لماذا تعتقد أنا في الأمن.. ألا ترى بأني معلق مثلك.. لماذا تعتقد أن الكرد وحدهم شرفاء ومناضلون لوكنت في الجنوب لرأيت كيف يثرمون هؤلاء البدو حزب الدعوة والشيوعي بمفرمة اللحم.. لكن الكردي ظل ينظر بوجهي والألم يعتصره بمحنة لا أستطيع شرحها لك يا إسماعيل بالكلمات.. حتى الروح رأيتها تشفط من أعماق شاب برزاني في الليلة الأخرى.. رأيتهم يمدون انبوباً معدنيا في فمه والجلاد يمص الانبوب ويبصق الدماء واكتشفت ان الفتى قد مات.. شفطوا روحه في معدتهم.. إسماعيل.. لا أعرف لماذا ألحّ على هذا الكردي المعلق.. فقلت له: ــ كاكة إذا بقيت هكذا حتى الصباح فمن المحتمل أن تموت كفاك.. أو.. وبعد لحظات أجابني بصوت يملؤه الضيق وقلة الصبر بأن الألم في ساقيه وليس في يديه لأن اليدين أصابهما الشلل. ويئست من محاولاتي البائسة في دفعه للأعتراف وملتُ على الجانب الآخر حين سمعت بقبقات غائط يندفع للخارج وتذكرت اسهال الديزنتري الذي كلمني عنه حسن ياسين والذي اصيب به ماموستا نوزاد.. رأيت عينيه مغمضتين ورأسه يرتعش بانتظام.. جمدت نظراتي على سرواله الملون بالدماء.. ناديته.. ماموستا.. ماموستا.. شعرت بأسى حقيقي.. حزن كمد على صدري كصخرة.. أي وضاعة جعلت هذا الانسان البهي والجميل الطلعة ان ينتهي إلى هذا الحضيض.. انتبه ماموستا نوزاد وكأنه لايفقه مايجري له.. ــ كاكه سعيد.. انت طيب.. عربي طيب.. البصرة طيبة.. وقبل أن يكمل الكلام فاجأته نوبة تشنجية، رأيت فكه العلوي يعوج ويرتعش بارتجافات عنيفة.. عيناه مفتوحتان تنظران في فراغ هائل.. أدركت انه يحتضر ومن المحتمل ان ساقيه ميتتان أو مشلولتان.. تتعلق عيناي بوجهه المرتعش.. جسده المتشنج بصعقة كهرباء.. يختض وهو مشدود بأكمله من الخلف بالزخارف... وحين زايلته النوبة عاد رأسه يرتعش مع نبضات قلبه الذي يخفق باجهاد.. الرجل الآخر صار توجعه أنينا متقطعا.. ولم أستطع أن أميز بين التوجع والبكاء. وجاءني صوت نوزاد خفيضا شبيه من يتجلى آلامه وحيدا.. ـ أتمنى أن نخرج من هنا.. أي منا يخرج ويرى الشمس عليه أن يطمئن عائلة الآخر.. أتمنى أن أرى ابنتي دلسوس.. اخبر أخي الأصغر آزاد بأني لم أعترف على الجماعة مهما كان الثمن.. البطولة يجب أن تحتضنها بين يديك.. وفاجئته.. أية جماعة؟ ولم يجبني.. كأنه لم يسمعني.. أعتقد انه سرح في ذكرياته. ـ أشعر ببرود شديد.. شديد.. كاكه سعيد.. رأيت شفته العليا تُزم للخارج، يحاول أن يفتح فكيه ويتنفس.. يحاول ويحاول ثم مد رقبته للأمام.. مطها حتى اني رأيت الرقبة تمددت وفتح فكيه على اتساعهما وعاد مخذولا.. وبعد ثوان، وفي محاولة أخيرة ويائسة فتح فكيه وصمم على التنفس وظل يلوذ بوجهه والفم مفتوح على إتساعه.. رأيت الاحباط في وجهه واللون الأبيض يخيم على عينيه وصفرة كريهة تلون الوجه.. ظل جثة هامدة وعيناه مفتوحتان على ظلام دامس وهائل.. ياإسماعيل.. مهما أقص عليك لا أعتقد اني أتمكن من رسم الصورة في ذهنك لأنه لايوجد هواء في رئتي بعد ..هل تعرف ان الانسان بعد لحظات من موته تتبخر تجعدات الالام من وجهه ويعود طفلا منشرح الاسارير ..بدون عقد او تشنجات قوميه او طبقية ..يعود للبراءة ..تحاصرني عيون المخبرين... هل تعرف كم شعرت بالغربة والوحشة حين توفي ماموستا نوزاد.. إذا قلت لك ان غربتي بحجم السماء.. ليس لها حدود.. قد لاتصدقني.. أنا في الحقيقة.. عاجز عن التعبير.. أضطرب حتى باللغة.. لأني أحدثك بلغة ويجب أن أكتب بلغة أخرى.. أنا مثل نوزاد الآن أنظر ولا أرى.. إسماعيل ان طعم الحرية ألذ من.. من.. كل شيء ولكن ــ فقط ــ عندما تُعذب بوضاعة.. حينها يعود الانسان حيوانا لايفهم الموت وأنما يخاف فقط من هذا التعذيب.. صحيح ان نوزاد أثار في أعماقي الشفقة.. عندي.. وعند الله.. سيكون متدينا ولكن بدون اسلام.. أنا لا أريد أن أتذكر شيئاً الآن.. لأني أتعذب.. لا اريد الالتفات للوراء أو التذكر.. سأقفل طريق العودة.. العودة تعني الألم.. كل همي أن أطوع من الجبن وأصبح ضمن القطيع.. ان نوزاد يشبه المسيح.. لأنه قاد نفسه وبتصميم إلى هذا الموت.. هل تعرف؟ أنا بدون وعيَ ناديت على الحارس.. صرخت.. ماموستا نوزاد.. مات.. مات.. وأندفع عدد من الحراس البوابة الخارجية.. وأنا أشير لهم بوجهي ان هذا الرجل قد مات.. توقفوا برهة ثم ركله الحارس آخر قائلاً.. الآن صرت نجساً.. عليك ان تسبح لأنك مسسته بقدمك.. وبدون وعيَ صرخت.. الله أكبر.. الله أكبر... أتعرف لماذا ياإسماعيل.. لأن الله لنا نحن المعذبون على الأرض.. الله ليس للجلادين الذين يصلون له أمام الزنزانات.. يا إسماعيل.. منذ هذه اللحظة يمثل الله لي الحق.. يمثل ضمير الانسان.. وأرفض أن أكون مسلما مثل هؤلاء.. أنا يا إسماعيل.. لم أتحمل أن يركل الانسان وهو ميت ككلب نجس.. ضربونا الحراس بكعوب بنادقهم.. بكينا.. أنا والكردي المعلق.. بصوت عال.. بكاء حار.. ولم يسبق لي أن بكيت بهذا الالحاح وهذه الدموع من قبل.. بهذا الحزن والاحباط.. انتصب إسماعيل قبالتي واجما.. قنوطا.. ـ هل أنت متأكد ان الاستاذ مات على الباب.. وأنا أمسح دمعة سالت على وجهي أمأت له برأسي.. قال إسماعيل: ـ هل تعرف بأنهم جلبوا جثمانه إلى أهله بتابوت ملفوف بالعلم العراقي وقالوا أن نوزاد وهو في السجن استعاد كرامته الوطنية وتطوع على الخطوط الأمامية وقد استشهد في كرده مند. أنا الآخر وقفت تحت شمس مدوخة.. وظل أحدنا يتأمل الآخر.. يلفنا صمت عميق الجذور.. لقد مسكنا النظام وهو يكذب بشناعة بل بغباء واستهتار.. ـ يجب ان نقول لأهله الحقيقة. ـ وما الذي يعنيهم من الحقيقة الآن.. الكرد يعرفون كيف يستشهد أبنائهم.. المهم ان اوصل الأمانة لأخيه آزاد.. سبقني إسماعيل وقفز السياج الحديدي وعبر الشارع.. اضطررت أن أسير وراءه صامتا.. كان يمشي وآلة التسجيل تبعث أنينا خافتا من آلة فغيرا.. هل تعلم يا إسماعيل حين جاء المتعهد بقزان الشوربة في الصباح وجاء ذلك الرجل الأسود وفتح الجامعات الحديدية من حول معصمينا.. انسدحنا على الأرض.. لانري شيئا.. هالني مرأى ساقي الكردي المتورمتين بشكل ضاعت فيه الملامح من عرقوب وأصابع كان ورما وشيكا على الانفجار بقيح أو دماء.. رفض الرجل أن يقتادوه إلى التبول.. ذهبت أنا متثاقلا لاأستطيع السير.. أتمايل من وجع وشلل.. وهناك في المرافق حاولت التبول ولم أستطع وشعرت أن ثمة سائل يفتح له فجوة داخل المسلك البولي.. حرقة شديدة.. تساقطت من عضوي قطرات دماء ولم أستطع أن اغسل وجهي جراء أورامه المرعبة على الأنف والعينين.. الدماء لزجة وكثيفة في بطون شعر اللحية.. وعندما عرجت عائدا فوجئت برجلين يحملان ماموستا نوزاد وهو بجلسته المتشنجة وهناك قرب البوابة وبعيدا عن عيون السجناء وضعاه على الأرض.. ظل نوزاد على الأسمنت جالسا وكأنه لم يمت واحتار العبد السود كيف يضعه على البطانية.. أراد أن يعوج ظهره بيديه.. لم يتمكن مما جعله يكبّ الجثة على وجهها ويصعد بحذائه فوق ظهر الماموستا ويقفز عدة مرات.. لكن الجثة تعود لوضعها السابق.. وأدركت أنه البطل الوحيد الذي لم ينثن حتى في الموت كما يريدون.. البدو.. تمكنوا من كسر احدى يديه لكن اليد ظلت مرفوعة باحتجاج.. يد منفرجة الاصابع.. كأنها تقول لهم.. لاللوضاعة.. وحينما رأى الكردي المسجى على الاسمنت مايفعله الجلادون صرخ محتجا أو مذعورا من هذا الاثم.. حرام.. ماتخاف عرب من الله.. يهود.. حتى اليهود يخاف الله.. وانهالت على جسده المتهالك على الأرض ضربات الكيبل.. لايحزر أين تقع.. لايعرف مصدرها.. عندما يضرب على ساقيه يحفر الكيبل اخدودا سرعان مايعود للتورم.. كان الكردي يلوذ بجسده.. يتقلب على الأرض لأنه لايستطع أن يتق الكيبل بساعديه المشلولتين من التعليق.. حتى الصراخ ظل محبوسا في فمه.. أرى فمه يفتح بدون صوت.. عرفت انه فقد الوعي هل تعرف يا إسماعيل أنا أشعر بالذنب.. بل الخزي والجبن لأني سرقت بطولة الكُرد.. أنا الوحيد الذي ظل معلقا وأنت تدري أنا محشور في الزخارف.. لست معلقا.. بطولتي الزائفة جعلت مني بطلا في عيون السجناء.. أنا قلت لهم هذه الحقيقة.. لم يصدقني أحد.. جهان كير المسكين في الليلة الثانية اعتقده الحراس الجدد بأنه أنا.. العربي شبع ضربا بالكيبل على ركبتيه.. ـ كاكه سعيد هذا بيت المرحوم.. وحين طرق إسماعيل الباب.. أوقف آلة التسجيل وأعطاني شريط الكاسيت.. لاأعرف لماذا.. كان يطرق الباب بعصبية وحين خرجوا.. كأنهم ينتظروننا.. تصارعوا على عتبة الباب.. أحدهم يلهث.. يوجه اتهاما لاأدركه وأيديهم تشير نحوي.. حاول إسماعيل أن يعلمهم الحقيقة.. لاأحد يريد أن يسمع.. جلبة وصياح والعيون منصبة على وجهي.. تفترسني النظرات بحقد دفين ومزمن.. لاأحد يريد أن يسمع الحقيقة.. حتى لو ضرب الدفوف في اذنيه لأن النظام مسح كل الحقائق ووضع في سجلاته بدلا عنها الأكاذيب.. انبرت امرأة تحمل طفلة لها وجه كالحليب: ـ كاك.. عرب.. حرام.. حتى التقاعد تريدون سلبه من فم هذه الطفلة.. وشعرت اني أنتمي إلى عالم آخر.. إلى مجرة أخرى.. استدرت للخلف.. عرجت في الأزقة لا ألوي على شيء.. ترافقني الكلاب وبعيون حمراء جامدة لتؤكد غربتي العميقة الجذور عن هذا العالم.
* جهان كير: كان السروال لرجل كردي فقد وعيه من التعذيب اسمه جهان كير من شقلاوة/ يتبع الحزب الشيوعي العراقي وله سمرة العربي.. وهو الأسمر الوحيد في شقلاوة.. صار هو العربي وأنا الكردي. * اسمه ماموستا جمال أكد لي حسن ياسين بأنه ينتمي لحزب زحمتكيشان (الكادحين) وقد أعدم بعد التعليق باسبوع وأنا اعتقد بانه مات في الصباح. * كُتبت الرواية اعتماداُ على أشرطة التسجيل التي سجلها اسماعيل لحديثنا بهدف المزاح.. ولم أغير جملة واحدة إلا ما تطلبته الحبكة القصصية.
#سعيد_حاشوش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أدباء بصريون.... ناصر قوطي .. العمق المنفرد
-
ادباء بصريون...عبد الحسين العامر في مرزوك ...الإيقاعات الضائ
...
-
أدباء بصريون...حارس المزرعة لنبيل جميل .... عبثية الإنسان ال
...
-
أنفلونزا الصمت..للقطراني قصص قصيرة جدا
-
أدباء بصريون ... لعنة ماركيز لضياء الجبيلي .. رواية عجائبية
-
أدباء بصريون... قراءة في رواية - علي عباس خفيف - (عندما خرجت
...
-
أدباء بصريون .... محمد خضير بين التشيؤ والمثيولوجيا
-
مكنسة الجنة لمرتضى ﮔزار...رواية ذاتية التوالد
-
رصد مدفعي
-
مذكرات بائع جوال في إحدى صباحات الدولفين
-
اضغط على الزر واشعر بالقوة
-
صورتي الرائعة
-
الوجهاء
-
قوس قزح أبيض...قصة قصيرة
-
نحن الحطب بعد شتاء أكلتنا الأرضة
-
اليحامير
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|