|
قلق الرحيل
زكية خيرهم الشنقيطي
الحوار المتمدن-العدد: 2651 - 2009 / 5 / 19 - 10:54
المحور:
الادب والفن
تبقى منها. تتطلع إلى الأرض حيث حمامة تلتقط فضلات المارة على ذلك الرصيف. لم تنزل عيناها ع وسط ذلك الحشد الغفير من المارة، كانت تجلس على شفير الحزن وقلق الرحيل مرتبك على محياها يمزق ما ن تلك الحمامة إلى أن طارت فجأة، فطار عقلي معها بذكريات ذلك الماضي الذي كنا فيه زوج حمام نطير بهدوء عكس السراب. في تلك السماء الصافية زرقة، كنا نطفئ شوقنا المحرق وسط ذلك الضباب الندي، نتقاسم الافراح ونتبادل أحزان غربتنا التي تبعثرت تحت اقدام الوطن. سالت دموع حزني المحطم على أيام ركضنا فيها نحو المستحيل، وبسطنا فيها خيمة جنوننا واحلامنا. فجأة يأتي عقاب ضخم نحونا ونحن في غفلة نلون قوس قزح بشفتينا ونسبح على صدر ذلك الفضاء ونرتمي على ذراعي الشمس، نجتذب اطراف دفئها الذي عرى شبق روحينا التواقة فقط الى اجتذاب الندى في ذلك الأفق اللاهث. سنون كانت غير كل السنين. سنوات متكتمة على سر أحداثها، تطاردها خطوات العقاب الذي مازال يحوم متربصا في ذلك الفضاء وعيناه كالسهم، تخترق روحينا اللتان لم تكونتا إلا هائمتين لاستنشاق هذيان الريحان.
يقترب العقاب ونحن في ذلك الحالق، ويحول بيني وبين سعادتي، وأنا أركض وحدي مبتعدا أجهش لفتنة ذلك الكائن المضطرب الذي يستجمع شرور كل العالم، وبيدي أمسك سعادتي معي، أتعثر معها في ذلك الحالق، كمن يتعلم التحليق ونحن تحت رحمة ذلك العقاب. دمعت عيني على حبي المنكسر، فحجبت الدموع الرؤيا عن أنفاسي المتجمدة . ورغم ذلك مازلت أراها ممتثلة على ذلك المقعد، تنظر الى نفس المكان الذي كانت فيه تلك الحمامة تقتات أكلها. هل أذهب إليها وأجتذب ذلك الماضي الذي احترق؟ وكيف لي بعد أن نهش العقاب روحينا، فلم يبق إلا فراغ محفور في الليل والضلوع.
ذهب ذلك الجنون اللذيذ، كما فرت كل الأزمنة، ولم يبق الا نشيج التنهدات الملوثة بالتأوه. حزن الأنين على الألم وبكى الألم على الجراح وتألمت الجراح من مخالب ذلك العقاب الذي أسكت روحين كانتا ترقصان على عزف تراتيل تشدو بجنون أرق الكلمات. فأصبح الصمت بيننا يمزق السكوت والسكون يبكي تنهدات الصخب الأصم. ذهب بحلمنا وخطف سعادتنا ...
مرّت اعوام وكانت كلما خطرت على بالي اكتظ حزني وسالت دموعي حارقة كل الأمنيات، وكلما ذكرتها شعرت بأنفاسها التي لا زالت تسكنني ليلة باتت عندى. طيفها يعبر في أوردتي كل ثانية، أراها كلما حاولت رؤية نفسي بين حروف كلماتي. كنّا قد ثملنا في مطعم وعدنا الى البيت نصغي لرذاذ صوتنا، نتأمل هطول المطرعلى أجنحة النافدة، وننتشي احتراق المكان المجنون على خلسة. وتحادثنا وووجدنا أنفسنا نحلم على مرآى سكون ذلك الليل الهادئ في اشتياق وابتهاج يلهث باحتفاء واشتهاء. لا شيء أجمل من صفاء تلك اللحظات. صحوت ليلا وأنفاسها تدفء وجهي، تسري في كل خلاياي تدخل أعماق قلبي. كانت نائمة في عالم احلامها، وكنت أتمنى لو منحني الله معجزة الهبوط الى عالم احلامها لألتقي بها هناك كأننا في يقظة. نظرت اليها في ذلك الليل البهيم فرأيت نفسي تتحسس دقات قلبها. كانت تلك آخر ليلة ذكرتها بعد ابتعاد السنين ...
اختفت كما ذرة من ضوء مغموس في وجه الشمس، كما حبة من رمل وسط كثبان رملية. وهاهي الآن مازالت تبحث حتى بين بقايا تلك الفضلات على الأرض في محطة القطار. لم يبق شيء بين تلك الفضلات بعد قيل وبهتان مزعوم ملغوم بحروف من نار، تحرق الحرّ بمتاهاتها على طول المسافات. تحوم بين علامات الاستفهام حينا والتعجب حينا آخر، تتوكأ على ركود الزمن الذي توقف على كذب "اتيكتي" منمق بفحيح من سم، من لغم من عضة كلب مسعور تأبى الشفاء.
حسد مكتظ بغيرة ارتشف خلسة سعادتنا. وتفجرت الشوارع بنباح كلماته الخاوية، المريضة من جوع في نفسه يأبى سعادة الآخرين. نباح يختلط أحيانا بالعويل وأحيانا يتحول الى أنين أنيق، وأحيانا أخرى إلى دموع تمساح أو نقيق ضفدع عجوز ينعي الحروب ويقدّس الحب. لكنّ كيف لمن يفتقد الحبّ في حياته أن يسعد لحب الآخرين. عقاب يترجرج على عكاز أجنحته، تهتز مفاصله أينما حطّ بلونه المزركش بالزيف، ينزع الى الخبث وثرثرة الغيرة الحسود التي أفسدت رباط روحينا، وعرقلت طيف ذلك الحب بدسيسة أوقفت مسيرة عشق تلطخ بوحل مخالب ذلك العقاب. هكذا جبل البشر في علاقاتهم على مدى التاريخ. كنت أعرف أنّ هناك من يشك في صمتي الذي أبى أن يتورط من جديد لظرف معين يتعلق بها. كان عليّ أن اتكتّم هذا الحبّ الكبير. وأخشى أن يشعر ذلك العقاب. لم أكن أفهم سبب غيرته التي جعلته يبعدني عن زهرتي بهمسات الكلام وإشارات العين وسموم الكلمات. فمرة نقلوا إليّ أنها أساءت إليّ. ومرّةً أخرى سمعت أنها تسخرُ منّي. لا أعرف مدى صواب ما نقلوا اليّ. لكني مع ذلك كنت دائما أنظر إليها، لا بالقلب، وأسمع كلماتها، لا بالعين. بل كنت أفكر بقلبي نحوها وأنظر بالبصيرة إليها. فأنا أعرف مدى نبلها وأخلاقها الراقية.
Zakia Khairhoum www.zakianna.se [email protected]
#زكية_خيرهم_الشنقيطي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصحراء الغربية مغربية الهوية
-
سيرة ذاتية عن حياة ابسن
-
قصة قصيرة: اعتذار
-
اما الكل وإما فلا
-
وردة غير كل الورود
-
مظاهرات للتضامن أم فوضى للاستنكار
-
أمل
-
قصة فصيرة
-
كنوت سيرجع
-
ثقافات بدون حدود
-
الروائية النرويجية سيغريد أوندست
-
مغربية في لبنان
-
كريستيانيا
-
بكاء ملك
-
ثالثة الثلاثية الشعرية
المزيد.....
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|