|
الانتخابات المقبلة في المغرب الذخيرة المالية في الحرب الانتخابية
أحمد الخمسي
الحوار المتمدن-العدد: 2652 - 2009 / 5 / 20 - 08:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يوم 12 يونيو 2009 تجري انتخابات الجماعات المحلية في المغرب. وتطور التأثير الذي تلعبه الانتخابات في الحياة السياسية، بطيئ لا يرقى لدور سيادة الشعب. بل يبقى في حدود تعددية الواجهة كما تصف ذلك أبحاث مؤسسة كارنيجي عن حق. ومن أوجه العيب في العملية الانتخابية الاستعمال المتوحش للمال لشراء الأصوات. للذخيرة المالية تاريخ مع ساحة الحرب الانتخابية منذ اعتماد الدولة الانتخابات جزءا من ميكانزمات النظام العام السياسي. وقد مرت من مرحلتين اثنتين: مرحلة تستر الدولة على استعمال المال ومرحلة التطبيع بين استعمال المال والماكينة الانتخابية. I مرحلة تستر الدولة على استعمال المال، عندما كان التدبير المادي للانتخابات مؤمما إن صح التعبير. فكانت الدولة تتبنى الحملات الانتخابية لليمين الليبرالي الهجين الخارج مباشرة من تحت معطفها. فكانت حقن التعليمات والإشارات تضع الطاقة الحركية والتعبوية للشيوخ والمقدمين والبوليس السري لإعداد الرأي العام، عبر الإشاعة والدعم عاين باين وثنائية الترهيب والترغيب، بما يدفع تيار المشاركين في الانتخابات نحو ما ترغب الدولة في إرسائه كأغلبية. وكان طابع تأميم الحملة يؤدي إلى اقتسام الريع الانتخابي بالضرورة ما بين أركان السلطة الوصية على الانتخابات، أيام أم الوزارات، أيام الداخلية الأخطبوط المنتشر في عشر قطاعات حكومية علنا والمهيمن على كل القطاعات سرا وابتزازا. وقد أفرزت العملية تحت سقف مراحل العهد السابق أباطرة وبارونات العمال والقياد المعتمدين الشطط في السلطة أسلوبا انتهازيا باسم هيبة الدولة ومنهجية انتفاعية من موقع السلطة قبل المغادرة. وقد التقى التوجه العام للداخلية مع تراجع القطاعات الأخرى وسقوط المرتبطين بها في حفر الكساد والبطالة. مما حول مباريات الاندماج في سلك السلطة فرصة أخيرة للمتفوقين في الدراسة من ظلام البطالة المخيف. وبالتالي، سلك مسؤولوا العهد السابق منطومة مترابطة من السياسات المؤدية كلها إلى ربط ينابيع المال بالسلطة الترابية أولا وبالجماعات المنتخبة ثانيا وبالبرلمان كتتويج ثالثا. أما رابعا فالدائرة تضيق وهي الاستوزار. تلك طوابق عمارة هيئة أركان المال في حرب الانتخابات. II
ثم مرحلة التطبيع بين سلطة المال والماكينة الانتخابية. فقبل 15 سنة، طبّعت الطبقة السياسية المغربية العلاقة بين سلطة المال والعملية الانتخابية. وذلك عندما أقرت الأوساط الرسمية قبول صرف المرشح للبرلمان قيمة 25 مليون سنتم. وهكذا، تم تعميم العلاقة الحيوية العضوية علاقة الحياة أو الموت بين سلطة المال والانتخابات. تعميم شمل الانتخابات السبع المرتبطة بالمؤسسات المنتخبة المحلية والاقليمية والجهوية والغرف المهنية واللجن الثنائية للمأجورين والبرلمان بغرفتيه. وهنا برز بكيفية ملفتة المستثمر المالي في العملية الانتخابية. فانطلقت كيمياء التفاعل السلبي بين المال والانتخابات. فلم تواكب السلطة القضائية استعمال المال في الانتخابات بكيفية مخلة بالتوازن السياسي وبتساوي المترشحين أمام ظروف المنافسة السياسية الانتخابية. بالأحرى بدأ يتجلى ما عرف ب"الحياد السلبي" للإدارة. بحيث تنامى استئساد الأميين في السياسة على مدبري الأحزاب ومناضلي المقرات، بكيد مسبق من أطر الداخلية، الذين أصبح الهم الانتخابي همهم الأول من حيث غايتهم التقنوقراطية، انسجاما مع السياسة العامة للدولة في صنع الخريطة الحزبية داخل المؤسسات المنتخبة وبالتالي "خدمة" الانتخابات. وأصبح التدخل الإداري في الانتخابات معياراً لمردودية أطر الداخلية ولترقيتهم الإدارية في المناصب. وكأنهم أشرفواعلى ضلع أساسي من أضلع سياسة الخوصصة الشاملة بعد انظلاق العولمة المتوحشة في بداية التسعينات من القرن العشرين. بحيث كان الترسيم باستعمال المال في الانتخابات بكيفية مكثفة صيغة إدارية لخوصصة هذا الجزء من العملية السياسية ومن الشأن العام. هذه الانطلاقة العامة أفرزت توابع تفصيلية عبارة عن تنافس جهنمي في كسب الانتخابات عبر اكتساح كل العمليات التعبوية ذات الصبغة السياسية بالمال وتحويلها إلى خدمات وسوق موسمي يساهم في إعادة توزيع المال الخاص كاستثمار في الحملة الانتخابية لاكتساب الوسائل "المؤسساتية" لنهب المال العام بعدما يتمكن الرؤساء المنتخبون ومن لهم تفويض التوقيع من بيع الرخص والصفقات وكل الأوراق الإدارية التي تتبث حقوق الانتفاع والارتفاق والتصرف. III هذا الدور الذي تلعبه الذخيرة في نيران المدفعية الانتخابية في ساحة متوحشة بكل أشكال وأوجه الشراسة، لم يتمكن النظام السياسي منذ 10 سنوات أن يسجل في ترويضه وتأهيله أي نقطة للتقدم. فساحة الانتخابات ما زالت أعشابها مستطيلة بكيفية تبدو معها حالة التوحش المالي يشترك في الملامح المافيوزية مع أكثر الأحياء دموية في صقلية الإيطالية (فيلم كامورا الشهير الذي لجأ مخرجه من إيطاليا إلى القارة الأمريكية بعد تهديد المافيا له). نعم، في فرنسا يساوي المنتخب الواحد من حيث المصاريف ما معدله 60 مليون سنتما، وفي أمريكا يرتفع هذا المتوسط عشر مرات ( أي 600 مليون)، لكن العملية لها أشكال عديدة من العقلنة. ولو تفاقمت أوجه التوحش الانتخابي في أمريكا فلا ننسنى أن الفاصل بيننا وبينهم هو حاجز الحداثة. الحداثة التي تمر بالمؤسسات والظواهر من القانون والحرية والعقلانية والقضاء. بينما التوحش ما قبل الحداثة تردي شامل. هذا الكلام يقتضي التمعن بناء على مقاربات مقارنة بين العلاقة بين المال والانتخابات في الغرب والعلاقة بين المال والانتخابات عندنا.
الخلاصة، العلاقة المتوحشة لدينا بين المال والانتخابات، لا تبيح فقط تبييض أموال المخدرات والتهريب وريع المواقع الادارية، بل تخلق كائنات انتخابية تسوّس العمل الحزبي وتجوفه من صلبه المواطن لترجع بع به نحو الجشع المقرف الذي يفقد صاحبه أبسط أشكال الصواب السياسي، مثل حركة "الاتحاديين الأحرار" والهروب الجماعي من الاتحاد الاشتراكي في الأسبوع الماضي والالتجاء بزاوية التجمع الوطني للاحرار والاعتصام بها حتى يتم تسجيلهم ضمن "العشرة المبشرين" بالبلدية يوم 12 يونيه المقبل والعهدة على الراوي.
#أحمد_الخمسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أجل مقعد في الجماعات المحلية ديناصور اشتراكي يلتحق باللي
...
-
لِمَ الفراغات البرنامجية في الانتخابات؟
-
عطب في صندوق الضمان الاجتماعي
-
ما بعد الحرب على غزة
-
عندما يأتي الحزن من باريس ومدريد
-
فلتهنأ الملكية في التايلاند وأنجلترا
-
وصفة عبد الله العروي
-
حول الأخطاء المطبعية في البيانات السياسية
-
موقعنا في لعبة طوريرو الأمريكية
-
ضباع التنمية وسماسرة الغفلة الطبقية
-
حول -الحكم الذاتي بالريف-
-
هل يكفي؟
-
امتحان -حظوة- المغرب لدى الاتحاد الأوربي
-
الشمال على طاولة العدالة
-
اللحظة الهزلية في مسرحية المشاركة السياسية
-
في الذاكرة المشتركة: لو يتحدث أسيدون باسمي
-
لأي نموذج تنتمي طبقتنا العليا؟
-
ثلاث مداخل لبناء الطبقة الوسطى
-
الطبقة الوسطى بين الحلم الأسفل والتطرف الأعلى
-
مرحلة بنكيران:ضد عالي الهمة أم ضد المجتمع؟
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|