|
واقـع المتضرريـن من سـد أولـوز و حماية الحق في التنمية
امال الحسين
كاتب وباحث.
(Lahoucine Amal)
الحوار المتمدن-العدد: 810 - 2004 / 4 / 20 - 07:29
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
كانت الساعة العاشرة صباحا عندما انطلقت بنا سيارة " ترونزيت" من " أولوز" في اتجاه دوار " بوتوكا " بجماعة " تسراس" قيادة "أولوز" إقليـم تارودانـت عنـد النقطة الرابطة بين جبـال الأطلس الصغير و الأطلس الكبير ،و كان كل ما يشد أنظارنا هو تلك البيئة الطبيعية الحية التي تشكل فيها شجرة " أركان" الرمز المعبر عن التحـدي و الصمود في وجـه الغزاة عبر تاريـخ المنطقـة العريق ، وكما يقول أحد المختصين : " إذا كانت شجر "أركان" موجـودا في المغرب ، فلأنـه فـرض احترامه على الإنسان بفضل الخدمات التي يقدمها و لأنه يبرهن على حيوية مدهشة"، و كان آخر الغزاة هو التهامي الكلاوي الذي عبر هذا الطريق من مراكش إلى تالوين مرورا بأولوز في منتصف العقد الثاني من القرن العشرين ، لفتح الباب أمام الاستعمار المباشر لبسط نفوذه في منطقة سوس العليا و فصلها عن سوس السفلى ، لتسهيل القضاء على ثورة الفلاحين الفقراء الذين هبوا لمحاربته ... كانت تجليــات التدخـل الاجنبـي بـارزة: أولا من خـلال انتشار شجـرة "الكالبتوس" وسـط غابة "أركان" مما أضفى عليها لونـا رماديا يشوه جمال البيئـة الطبيعة ذات الخصوصيــات المحليـة ، الشـيء الذي يحيلنا إلى مخلفات سنوات الرصاص التي مست جميع مناحـي الحياة في هــذا الوطن الآبي بمـا في ذلك البيئة الطبيعية ، مما يدل على أن هناك من يحن إلى العهود البائدة لنصــرة قوى الاستغلال الجديـدة خدمة للعولمة الليبرالية المتوحشـة ، و ثانيا من خـلال شق الطريـق الـتي نعـبرهـا و الرابطة بين أولـوز و"أوزيوة" التي تم انحرافها بعد التهجيــر القسري للفلاحــين الفـقراء و استئصال أزيد من 100 ألف شجرة مثمرة ، يشكل الزيتون الغالبية العظمـى منها ، دون تعويضــها بعد بنـاء سـد أولـوز على أنقاض ممتلكـات الفلاحين الفقراء و بتعويضات هزيلة اغتنى منها أحفــاد تحالف الإقطــاع و الاستعمــار ... كان وصولنا إلى دوار"بوتوكا" المناضل في مرتفعات جبال الأطلس نقطة نهاية رحلتنا ذهابا حيث رحب بنا أحد أبناء الفلاحين الفقراء ، و هو مناضل بمجموعة من التنظيمات الذاتية للسكان بالمنطقة و خاصة جمعية "إفغلن" و نقابة فلاحي أولـوز اللتـان تناضـلان مـن أجل إنصـاف الفلاحين الفقـراء المتضررين من سـد أولوز ، و كان دفئ الترحيب و حرارة اللقاء قويين أمام جسامة الأضرار التي لحقت ممتلكات السكان جراء التهجير القسري ، و يبدو ذلك واضحا من خـلال حديثهم عن معاناتـهم أثنـاء التهجير و بعد الاستقرار في تجمعاتهم السكنية التي تفتقد للتجهيزات الأساسية و شروط العيش الكريم ، و التي لا يمكن أن تعوضهم عن فقدانهم لكل ما يربطهم بالجذور التاريخية بالأرض التي افتقدوهـا و إلى الأبد ، من أجل مشروع حوض سـد أولوز الذي يستهدف استغـلال أراضـي الفلاحين الفقـراء بالمعـدر و الفيض و غيرها من الاراضي بحوض سوس من طرف الملاكين العقاريين الكبـار ، الذين أقامـوا ضيعات الحوامض بالأراضي الجماعية للسكان بعد انتزاعـها واستئصال شجرة " أركان" خدمـة لمشاريعهم الاستثمارية في المجال الفلاحي في اتجـاه التصدير. يا لها من مفارقة ... في الوقت الذي يتـم فـيه تهجير الفلاحين الفقراء و استئصـال جذورهـم التاريخية ، بتم تفويت آلاف الهكتارات من الأراضي الخصبة و بسخاء لحفنة من الملاكيـن العقاريين، الذين يطمعون في امتلاك رساميل كبيرة بعد عجزهم في ميـدان الاستثمارات الصناعيـة و المالية بسبب ضغط الرأسمال المركزي في ظل العولمة الليبرالية المتوحشة ، و لم يجدوا إلا أراضي الفلاحين الفقراء ليبتلعوها و يقيموا عليها مشاريعهم ، وحتى ما تبقى من أراضي المتضررين من سد أولوز يجماعة تسراس تتم محاولة الاستيلاء عليها من طرف الرئيس السابق للجماعة كخطوة لطردهم إلى غير رجعة ، لكن إرادتهم قوية أمام هجوم قوى الاستغلال الجديدة عندما قاموا بتأسيس نقابة فلاحـي أولوز المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل إلى جانب جمعية "إفغلن" كتعبير عن قدرتـهم علـى التنظيم ، و عبر حركتهم الاحتجاجية يوم ?يناير 2003 في الوقفة الاحتجاجية أمام مقر الجماعـة احتجاجـا علـى الهجـوم على ممتلكاتــهم و عـدم إنصافـهم أمــام العـدالة ضـد رئيـس الجماعة ، و احتجـاجا على أوضاعـهم الإقتصادية و الاجتماعية و الثقافية المزرية ، تلك الوقفة التي واحهـها قائد أولوز بالعنف حين أقدم على الاعتداء على الفلاح " أرخيــس هـمـو" و احتجازه بمقر الجماعة ، و تم تقديم شكاية في الموضوع في حينه للوكيل العام بمحكمة الاستئناف باكادير الذي أمر يإجراء تحقيق في الموضوغ تتم الاستماع للمشتكي يوم 29 مارس 2003 من طرف قاضي التحقيق . كان ما أقـدم عليـه قائـد أولـوز كافيا للتعبير عن العقلية المخزنية التي تريـد الإبقـاء على ممارسات العهـود الغابرة خدمة لـوكـلاء العولمة الليبرالية المتوحشـة ، الذين لا يرون في البوادي إلا مجـالا لتمويـل مشاريعهم الاستثمارية في ظل قانون التطور اللامتكافيء الذي يميز نمط الإنتاج الرأسمالي خاصة في البلدان التابعة ، و الذي يعمل على تكريس الفوارق الطبقية و الاجتماعية بين المناطق المختلفة بالبلاد حيث تحظى المناطق الغنية باهتمام كبير بينما يتم تهميش البوادي ، و يرجع ذلك إلى الدور الذي لعبه الفلاحون الفقراء في مواجهة الاستعمار المباشر . إن ما يعيشه الفلاحون الفقراء بمنطقة سوس عامة و بالمناطق المجـاورة لسـد أولــوز بصفة خاصة ، ليـس إلا استمرار للسياسـة الكولونياليـة التي تستهـدف الموارد الطبيعية و ضرب الحق في التنمية للفلاحين الفقراء كحق من حقوق الإنسان تضمنه المواثيق الدولية التــي صادقت عليها الدولة المغربية ، لكن رد فعل هؤلاء كان قويا بفعل صمـودهم أمــام الهجـوم الممنهج خاصة خلال سنوات الرصاص التي لم تستطع منعهم من الدفاع عن حقوقهم ، بدءا بالمطالبة بتعويضات معقولة برفع شكاياتهم إلى الجهات المسؤولة وانتهـاء برفع الدعوة القضائية ـ أكـثر من 2400 ملف ـ أمام المحكمة الإدارية باكادير ، وعلى الرغم من أن الأحكام الصادرة في صالحهم بعد أكثر من عقد من الزمن إلا انهم ما زالوا يتعرضون للتسويف و الابتزاز في استلام تعويصاتهم من طرف عـدة جهات ، تـرى في التلاعب بمستحقاتهم الشوط الأخير من الهجوم على حقوقهم المشروعة فهل من متدخل يعد صيحاتهم العابرة بدون آذان صاغية ؟ و هم عازمون على مواصلة النضال دفاعا عن حقوقهم المشروعة .
تارودانـــت في : 17 أبريــل 2004
#امال_الحسين (هاشتاغ)
Lahoucine_Amal#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العمل التنموي بالبوادي والأحياء الشعبية وحماية الحق في التنم
...
-
آفاق الحماية والنهوض في المرحلة الراهنة
-
القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج في التكوينات الاجتماعية التناح
...
-
الأمازيغية و النضال الديمقراطي الجذري
المزيد.....
-
الصحة الفلسطينية تكشف موعد إعادة فتح معبر رفح لإجلاء المرضى
...
-
إسبانيا: القبض على -عصابة إجرامية- سرقت 10 ملايين يورو من من
...
-
العثور على الصندوق الأسود لطائرة الخطوط الجوية الأمريكية الم
...
-
ابتكار لفحص الهرمونات بالهاتف المحمول
-
لبنان.. شخص يقتحم موكب تشييع قتيل في -حزب الله- ويصدم عددا م
...
-
المغرب يعلن رفضه دعم إيران للحوثيين
-
رئيسة الوزراء الدنماركية: ما زلنا لا نعرف من أين سنحصل على ا
...
-
مصادر أوروبية: سيسمح لـ50 جريحا فلسطينيا بمغادرة غزة في السا
...
-
التساقط الكثيف للشعر قد يكون مؤشرا لأمراض مزمنة
-
أردوغان: تركيا متمسّكة بالقضاء على جميع التنظيمات الإرهابية
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|