|
ترانيم
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 2642 - 2009 / 5 / 10 - 09:08
المحور:
الادب والفن
ويقالُ المعجزة ترمي بذرتها في الأرض البعلية :
في سمائها، أيضاً ، إمتلكتُ خرافتي ؛ أينَ تترنمُ أوتارُ المطر الموسميّ ـ كقيثارةٍ نادرة
ها الليل يُباغتنا بنجومه وبروجه ( إضطرابٌ بقرن الثور الكونيّ ؟ ) يا لوعورة ! لأشواك هازئة ، تتقصّف قهقهة ً تحت الأقدام ، المتسربلة بالعتمة ؛ ويا لسؤلات تطنّ في الروح مثل يعسوبٍ مهذار : ـ أين أنواركِ ، المعهودة في السّهل ؛ أنتِ من تغفين في دمقسكِ ؟ ـ ما لليل لا يُضيء فوانيسه ، المُبهمَة ـ كما مصباح بيت الميّت ؟
ملاكي الحاضر قال لي ، أن لا تجزع ! هذا ليسَ آيَة مراوغة ، و لكنه نورٌ حقّ ؛ " ولعلي آتيكم منه بقبس " *
ويقالُ النور إنبهار الخالق بخلقه :
دونما أن يعنينا بشيء صحة إنتسابه ، أو سهام أشعته ؛ تلك التي أتجنبها بترسيَ ، لا تغريني تماهيها بشكل أيادٍ ممتدّة : لي نور ذاتي ! أنظرُ إليّ به، ويراه بي غيري ؛ كما أنّ ليَ روح فكرة فتيّة ، طارئة
يا للأنوار ! للروح منها رهبة ، مُنبهرة ؛ تكللُ بهالة قزحيّة ، إشارتي لكن ، لا : هيَ ذي شجرة ! وكان من ملاكي أن دعاها شجرة الحياة داعياً إيايَ لتذوّق إحدى ثمارها ( وأيّ ثمرة ! ) وكان أن إختفى المشهَد ـ كأيّ شيء عابر لولا أنني سمعتُ ، بأذن اليقين ، صوتََ هاتفٍ " سيخلدُ نوري بنوركَ " *
وقيلَ للطفل ، رماكَ المقدور تحت الزيتونة :
مباركة بين الأغراس ، أنت ! ( السلالة تفرّعت من فروعكِ ) أنتِ المطوّقة بجدار غرفة المونة وبأسئلتنا المخضوضرة ـ كبراعمكِ
وهناً على وهن ، حملتِ سنوات ريما * دونما أن ينطبع على نسغكِ الحيّ طباعُ أهل المنة ( وكان ملاكي قد دعاها شجرة العائلة )
وأنا عنيتُ دوماً بحفظ أنسابي ـ كرابيّ دونما مرارة ألا تبالي بها مدينتي تلك المزهوّة أبداً بأنساب فاتحيها
رقمي الخرقاء دلتني على أبجديّة ما ، غريبةٍ لأتسلق خللها ، حرفاً حرفاً ، درجاتِ السرّ ؛ لأعود ، ذات ظهيرة ، أيتها الحاضرة ! لأعود إليكِ مُسلّحاً بسرّ ، يبتلعُ أسرارَكِ ـ كعصا موسى ؛ لتكون لي أبجديّة ، بغموض أناشيدِ بهاليل تكاياكِ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ريما : لم ينسكِ حيّنا ، رغم عزلة سنواتكِ المائة ، حينما خرج لوداعكِ أحياؤه وأمواته *
وقيل للصبيّ ذكورتك متفتحة في بطن الشجرة :
ثمّة ظهيرة خبازى وزيزان ذهبيّة ، تجولُ على ضفة نهيْرنا ذاكَ ، الأقرب من مرمى ضفدع ؛ أين السماء مهيمنة بإستنادها على كتف السفح أو على رمح تربته النقشبندية ، لكبرى ؛ ثمّة ترقب أخضر ، يجولُ بين سنابل مصفرّة إعتادتْ على إنتظار الحصاد برؤوسها المثقلة ، الخانعة
ولا يعنينا أإنتظرَ الخضرُ كثيراً أو قليلاً ؛ فما من ظلال ، على كلّ حال ، لتكفي كثرتهم في وطأة الهاجرة
للزيتونة المتوحّدة تجويفٌ ـ كعين سيكلوبية ؛ لشفيعها ، البدويّ ، نظرة صوفيّة مبهمَة ؛ للصِبيَة على أغصانها شرائط ملوّنة ـ كما لو أنها تعاويذ راياتٌ نلوّح بها في وجه الغيضة المتكبّرة ؛ ولي رايتي أيضاً ، تتأمّلها سحليّة تخفرُ السور الأيوبيّ ، المتداعي
وأنا أيوبيّ ! أيّتها المخلوقة ، الضئيلة ، المتقمّصة أمجاداً لا أحسنُ إرتداءها أو حتى إدعاءها
كلّ رايَة من راياتِ قبائلي ، مهترئة أو أكثر جدّة ، تلوّح لي بأفنان الزيتونة المتهجّدَة : أيْ مهرجان ! تضيء زنابقه ذاكرة أدهى غوراً من سرداب الطفولة في الرزيآنه *
هاهمو الخضرُ ، تقدّموا محتشدين ذريّة واحدة وضبابٌ يتصاعدُ من نشيدهم هناك ؛ أينَ يُطعّم الفضاءُ بالغيوم الإلهيّة غيومه ؛ أين ملاكي قد أشرعَ بين هذه وتلك أجنحته : رأيته وعرفته وكان أن هتفَ بيَ ، إحتجبْ !
متوغلاً خلل أجمَة صديقة، أبصرتُ شجرتي متهاوية راياتها قبيلة قبيلة وكان من ملاكي أن قال ليَ ، أنظرْ !
شعوبٌ تتسلّق شِعاباً تفيضُ وديانها بضحايا حروبٍ لا معنى لها ـ كقرابين متأخرة ؛ خريفٌ حقودٌ يمشط بهبوبه الصحراويّ زيتونتي من راياتها ، المتبقيَة ؛ إفتتانٌ راحَ ، بالمقابل ، يسكبُ على المشهَد ألوانَ ريش مشتعل مكراً ؛ صبيٌ عارفٌ سيهتف أخيراً بغرور الطاووس الإله ، إثرَ نظرة في ألواحه : " أنا من السبعة ! " ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * الرزيآنه : ليزيدٍ محطاتكِ المائيّة ؛ جورَة ناصر ، جورة سيف وجورة شير ؛ وللطفولة أشجارُكِ وصبّارك ومسرابكِ وزيارتك
II
أكان لي إيمانٌ ، يوماً :
جداراتي في الحلم ، الأخفّ من طيف ، ليسَ لها من يقدّرها ؛ وسوءاتي ـ كوشم شرعيّ ، يرصدُها ظلي الحارس
أوفرَ كمالاً، مشاغلي الأقصر ديمومة من كلّ إسراءٍ شغلته نفسي ؛ وخطايَ على الآرض ( المحروثة ، بعيْدَ الطوفان ، بكسل ! ) قليلة على أيّ حال
حيية شؤوني ، سيّدة الجبل ! لا تترفع عن روث حظائركِ ، المتخمة ؛ ودرعي لا تنحني إلا للغيضة ، شجيْرة إثر شجيرة ـ كإستعراض حرس ثمل
عالياً يشتشرف الحَوْرُ رماحَهُ ، بقبضات جذوره الغائصة في الساقيَة وحوريّاتها !
للمياه أسرارها بالرؤيا وحدها وُهِبْتُ مفاتيحَ فجري ؛ والفجرُ جرأتي أن أدعَ جسدي محمولاً على جنحيْه الندييْن ؛ وأن أرفعَ له صخرة برّي هوَ ذا صوتي ، في حضوره ، يرتجف من شِبْه الشرّ ؛ صوتيَ هذا أرفعه إليكِ ! فالروح منسحقٌ ؛ رقمي ـ كببغاء عجوز لا تملّ من حكمتها، السَقِمَة ؛ ورغبَتي العتيقة تجولُ في البريّة، مُتجدّدة بكلّ ثمرة محرّمة *
أكان لي تاريخٌ ، يوماً :
باللصوص الآغواتِ ، سرق الجبلُ يقيني ! وما كان مدوّناً في الألواح من أنسابٍ يعنيني أن تخدش نقوشها أيَّ إعتبار ، سوى الحقيقة
كان أسلافنا ، إذاً ، قادة جيوش شرعيّة ( مرتزقة بالأصح ! ) كانت لهم نيرانهم ليلاً وصخبٌ مبتذلٌ على الشرفاتِ نهاراً لإناثٍ من زركشة كاذبة ، بما أنّ مضاجعهن ، العارية ، في الأسرّة السماويّة ، الناصعة ، منذورة أساساً ( أو من المفترض أنها كذلك ) لأربابٍ يحترمون هيبتهم تماماً
شأن جنسهنّ ، الخاطيء ، شاءتْ الأنوثة تلك أن تلتف بضفائرها ، كما حيّة الفردوس الأول على سواعد الأسلاف أولئك ؛ ثمة، أين كانت الحكمة أول قرابين موقدهم المقدّس !
وشأن كلّ طردٍ ، أو إنتقام إلهيّ ، هيَ ذي قافلتنا تمضي بالنسل العاصي في معابر ما ، غامضة ، أفضتْ لأرض سمراء لا تخلو من أباطرتها ؛ وعلى الأخصّ مآثرها غير الآبهة بجوار شرعيين أو مرتزقة !
فلتشتعل ، ما شاءَ الأوارُ ، بخمورنا القويّة هذه المساءاتُ الماجنة ، غير المبالية أيضاً بالنظرات العابسة للزيقورات المدّنسَة
ولكن ، فلنكفّ الآن ! فاللعنة الحقة أن نغدوَ شعباً خاملاً وقاسياً ـ كالصوّان سواءً بسواء ؛ أن تنسى أمجاداً ( لا يُعترف بها ، على أيّ حال ) رقشتْ خارطة الهلال الخصيب بألواننا الحميمة ؛ ألا أنتظر من قومي ( بإزدرائهم لكلّ كتاب ) إعترافاً ما بألواحي *
أكان لي حلم ، يوماً :
تجرّدَ الجمالُ هولة ًعلى صخرة اللغز في الطريق إلى طيبة حلمي ، ورأيته في ذاتي جوهراً وكنتُ له مرآة ذاته ؛ أو صورة من ليلةٍ بالغة البعد ، ما أسرع أن تلاشتْ في يقظةٍ أقرب منالاً
آه ، من إسراءات الحلم هذه ! هيَ أسمى من إسارات واقع يُسلّمنا ـ كعبيدٍ لأسواق الحقيقة ، الفاضحة ؛ أين الغريب لا يريد نسيان مدينته الأولى هوَ غير المتجرّع بعد ثمالة قدح عشقها هوَ من سيرقد في التراب بلا أيّ حلم *
أكان لي جبل ، يوماً :
عشقنا ، سيّدتي ، يُشعل كهف الروح ؛ هوَ قبسٌ من نار تتوّج كلّ نوروز قمّة الغار في جبلكِ
كانت الرؤيا وهماُ ، لو أنّ الجمر لم يلسع يديّ ؛ لولا أنّ بقيّة من رماده ما فتأت في المنقل النحاسيّ الذي يحرسُ رقادَ جدّتي ، الأبديّ
صاح لأسمّيكِ إلهاً حاميَاً ، دونَ أن أضيّعَ في مورد المنام العذبِ ، وردي ؛ ثمّة أين يورقُ هواكِ فيّ ـ كشجرة من ذهبٍ للجبل ناركِ النيروزية برداً وسلاماً لا تثملُ زبانيته إلا بقدح جمالكِ النقيّ ؛ هناك ، أين ترفرف روحي ـ كما طائر الدِمشّق ، في آلاء سفحك الأزليّ *
أكان لي نبع ، يوماً :
الخمرة سرّ ؛ براهينه نشوة متفتحة ـ كسوسن في قدحي ، الموشاة بتصاوير ضفائر مذهّبة لسلالتها العنبيّة للغريب ، أيضاً ، ضفيرة الطفولة ( المجدولة بتعاويذ عينيّ أمّه )
نشوانٌ ، سيّدة النبع ! أقتفي أثرَ ملاحتكِ في كلّ الجهات ـ كما النهر المتوغلُ أرضاً غريبة بحثاً عن عينه الأولى
النهرُ صديقٌ تغريكَ صحبته ـ وتدهشكَ بالأخصّ في أرض ، إفتقد قاموسها الأمويّ مفردة ما فإجتهدَ فقهاؤها بتأويل ، محنك، يُناسبُ تجارتها
بردى صديقٌ ، إذاً وكلانا غريبٌ ، على تلك الأرض ؛ أرضنا ، المتاجرة حتى بظلالها *
أكان لي جذور ، يوماً :
الحكمة طاووسٌ ؛ ألوانها مبهرة وغرورها مضجرٌ ـ حكمة السلالة ، القاسيَة كشريعة وثنيين ؛ كما شجرة أنسابهم المتوّجة بثمار زيتون أخضر ، لم تشخ بعدُ جذوري ، سيّدتي ، غضة ومتألقة بمياهكِ غير المرئية ؛ أنا الغصنُ، الأبعد من سماءٍ تظلّ بستاناً شاحباً ؛ أين النمل عشيرة أيضاً ورفيق لجذع الزيتونة ، العسر ـ كمجدور
الغريبُ غصنٌ يبوسه بإنتظار فأسكِ ؛ فأس ربانيّة بقبضةٍ من أصل خشبيّ منسيّ ( أصل الجوزة ، الذبيح ؟ )
الحكمة تضجرني ؛ أنّ غصني كان سيحيا نضراً لو طعّمَ ببرعم الأنثى ، المُبهر بعريه أو كسوته ـ كما سيفٍ دمشقيّ
النار لديكِ ، سيّدتي ! فاحرقيني ، كما يجدرُ بغصن مهمل ضيّعه أهله
III
المدينة حلم ، والجبلُ وسادته :
أيّ مساءٍ أستجلبُ لعينيكِ، أكثر مما ترخيه الأهدابُ الساجيَة لظلال غوطتك ؛ أيّ من الأحلام ، لو أعلمُ ، تستضيفينها مكرهة أو أقلّ رضا مما إعتدناه من صعوبة طبعك
بلا مودّة ، يزحفُ القمرُ على جنبه ـ كما سرطان مذعور ؛ والنجمُ بدوره يستدفيءُ بمصباح نافذتي الساهرة ، كان صديقاً مذ ذاك الليل الأقدم من سوركِ المزدوَج
أيّ نجم أبعد مني إليك !
( هوَ ذا خريفٌ آخر بلا خطو الغريب على أفاريزكِ بلا أجنحته تداعب مرمرَ صدركِ بلا إخضرار عينيه وعينيّ غوطتكِ )
أبوابكِ أعرفها ، جميعاً أحتفظ على صفحة القلب بنقوشها مغافلة قسوة حراسكِ ، عبرَتْ أحلامي ، سرباً سرباً ، أبوابَ حلمها تلك
( نقوش الفاتحين الغرباء ، هيَ ذي ، باقيّة فيما طفلكِ ضائعٌ في الأرض ـ كغريب )
والأمسُ كان لي ، لأستجلي كلّ موضع للسرّ في فتنتك ؛ لتريني مدلّهة ما لم يرَه رحالة في العصور الغابرة ـ العابرة أحجاركِ
كم من ألوان تشغلين ، منفردة ! كم من خطوطٍ رقيقة لقسماتكِ ، كي أبقى أنا الرقيقُ ، المُعتقُ لتوّه ، بلا حلم سوى حظوة عبوديّتكِ !
تجيئين للمنام متأخرة ؛ كيما يُتاح لأطيافي مهلة المغادرة ـ فلا مكان حتى للآلهة في حضوركِ ؛ ولا عطر في أيّ إمرأة إنتشلني من دوّار أنفاسكِ
الحريرُ رقادكِ ؛ خطايَ تطوي دروب الدنيا ، أن تهتديَ للسرير الحبيب *
المدينة فجر ، والجبلُ عرّابه :
أما من إغفاءةٍ أطول باعاً للصبيّ الحالم يا فجراً بلا مهادنةٍ ـ كثارات الكرد التي تصحو على أزيز خرطوشاتها اليوميّة !
ولكنها أكثر سماحة هذه النسمة المرتقبة وداع الصيف ، الآفل بمياهٍ عذبة تدهِشُ الغرباءَ
حديقتنا ، هيَ ذي ؛ مرآة لحوريّة النهر المتناعسَة : الغوطة ! للأزهار فيها صخبُ العصافير ، ونكاتها البذيئة ؛ وما من عبَق بُعيْدَ الفجر الرقراق إلا في تماسِهِ بيَدَ أبي ( أيّ دربٍ ، عبّده أثرُ النمل العامل ، لم يفتقد خطوكَ ! )
صلاتنا ، لا تفقهها الأزهارُ في خشوعها المُرائي لكلّ نسمةٍ ، عابرة ؛ ولا حجلات أخيكَ في صمتها ، المطوّق بحضور بازه ومامن سرب حمام ليجرؤ على إنتهاكه ؛ ذاكَ الإقطاع السماويّ لعينه اليقظة ـ كعين إله
تلك الثمار ، هناك ، ليست أبناء سِفاح شجرتيْ الرمان ، بل كواكب ثملة خلّفها الليلُ جزاءَ إفراطها بخمر القمر
أيّ نشيدٍ ، فجرُنا ! هوَ جوقة أفنان في غبطة كونها كورالاً مُعتبَراً لسوناتة عصافير ، عاشقة
مجدكِ ، هذا الفجر ! هوَ المُتآلف بقوس أرتميسيّة ؛ بإنطلاقةٍ مباغتة لسهم شعاعكِ ( سهم كيوبيدوس ، خبرناه طويلاً ! )
كلّ رمانةٍ ثمّة ، حجامٌ للفجر في إفتقاده لطبيب القلوب : البلبل !
سهامكِ إلهيّة ؛ بلسمٌ ناجعٌ ـ كملاطفة البعل الليليةٍ ، إثرَ نكدٍ صباحيّ ! *
المدينة معبد ، والجبلُ برجه :
الدرجات الصخريّة ، هيَ ذي ؛ بلا تناسق ـ كنوتة ممزقة
ليسَ أقلّ وعورة ، سلّم حلم الصبيّ إلى برجه ذاك ؛ الأربعين : من يسند سقفَ الحاضرة بعموده الكورنثيّ ، ويقرع في فضائها أجراسه برنين أناتِ الطوى تلك المُكابرة ؛ ثمة في كهف الجوعيّة ، أينَ النسمة المُضاهية ساعي البريد بخفتها ولا مبالاتها
الأنينُ أسطورة له همّة الصِبا بقوسها المزخرف ؛ له أيضاً سهمُ البطولة ، المُجنح بخيالاتٍ من خبز ؛ طالما المعبد محطة خيبةٍ ، لن تقوده هناك عظمَة حقيقية لأبعد من حرير أخضر ، يُجلل إندثاراً مكوّماً رميماً رميماً في البئر
أنين وأجنحة عاجزة وعصورٌ وثنية ، هائمة على وجهها ؛ ورممٌ ما برحَتْ متراكمة في بئر الذاكرة *
المدينة ليل ، والجبلُ عرافه :
ضفافٌ هيَ الأرصفة ، راسمة خارطة النهر وظلكَ بدوائر ملوّنة للسوسن المغطي سطحَ الماء والفاتح للأعماق عيونَ ساحرات . ضجراً ، يُهرّب النهرُ عبْرَ خطوكَ مجراهُ ، تطاركما أشباحُ مدخنةٍ لحاضرة لاهثة خلفَ تفاهاتها . ثمّ غروبٌ يُعدّ للقمر لوازمَ مائدته والمحلّة البيزنطيّة منطويَة ـ كبنفسج معتق على أحلامها ؛ هيَ المتخشعة لرنين أجراس محلّقة . ثمة ، كان ركنكَ في قصر البللور ؛ أين الضفادع المُتبّلة أقلّ موتاً من السور ؛ من الأطياف المهوّمة خلل الباب المفتوح أبداً ـ كعين توما ، المثقوبة بنبلة بدويّة ، طائشة ، وواعيَة للغنائم المقبلة ؛ من نهر يُعابثكَ بلسانه الطحلبيّ ؛ من مساء فضةٍ لعرَق وسمكٍ ، كان يحرسُ تهويماتنا من صحو متربّص على رصيفنا المُقابل :
هوَ ذا أبو وليم ، هائمٌ ومتسوّل !
شلالُ أضواءٍ غمرَ نعاس الأغنية الفيروزية المرافقة خطونا ـ كحارس برج الروس ؛ هناك ، تتأمل بوَجدٍ نقوش الكنيسة ، مثل ذاكَ الميّت المارق تابوته تحت قوسها ، ترافقه دموع قربينة *
بلا مبالاة تخطرُ في الأزقة العتيقة ـ متفكراً بالآلهة وكيفَ تعبر ، دونما عثرة ، أنجمَها المتزاحمَة ! ؛ تعبر مشفقا الحجارة الوثنيّة المجلودة من لدن ملائكة مرتدّة ؛ والأسوار التي ترمي أيضاً ظلال الرحمة على شواهد مقبرة الغرباء ، المتغرّبة ـ كموتاها سواءً بسواء ؛ متأففة إذاً ، تطوي خطاكَ دروبَ عالم سفليّ لرفضة وقرويين ويهود ولاجئين صوبَ المنعطف المفتوح على الأسواق ؛ أين المنارات الساهرة ومخمور مدمىً راحَ يُردد لكلّ عابر لازمته : أنا إبن شمدين آغا ، سرقني أولاد الحرام !
هوَ ذا رفيقُ دربنا ؛ إلى الحارَة ، إذاً ، أيّها السائق المتناعس كصلاة هذا الفجر ! ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * قربينة : صبيّ الجنازات الدمشقية ، الأكثر معرفة بشؤون وأحوال الموتى ، من منكر ونكير
* المدينة كنز ، والجبلُ حارسه :
النهارُ ، مراهقة كسلى ؛ إستحث عريَها لإغفاءةٍ أطول ، أيّها الحرير ! لا تأبه لإلحاح حقيبتها المدرسيّة
الباعة ينفضونَ عن ثمار البطيخ ، حلمَ نجاةٍ ليليّ
الصبّارُ هلِعاً يُباغَتُ بأشعّة الشمس ـ كسكين ؛ أعزل ، يا قلبي ، حتى من درعه الشوكيّ !
دع السماءَ تتفقدُ يقظة صغيراتها الغيمات ، وبكرها ؛ الأربعين :
هوَ كعبة ، والأفاقون حجّاجٌ جبلٌ لا يُثقب بالمعول ، لا فجرَ له ولا صبرَ لحارَتنا عن العيون الأرغوسيّة لطاووسها ، المنفيّ إلى جبعدين ؛ ولا لأحلام طفولتنا الطائرة بكنوز ، تترقب منقبيها
كم من أوراق صفر للمخطوط ؛ كم من منحنيات وجبب وغرف موتٍ ، صخريّة كلها
ثمة ، وراء الجبل سيكون لنا كنزنا ؛ فنبني بحجارة منحوتة جيّداً ، قصرَ الحلم !
للجبل طفولتنا للمبكرين صباحاً ، يتبعون سهمَ الطيش ؛ للمتأخرين مساءً ، تلهب جلدَهم سياط الخيبة :
أيّ كنز تبقى عدا تراب الوهم ، في ذاك الخلاء المقفر من الصِبا وأترابه ؟
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأسبار
-
الصفعة في السينما المصرية
-
فيلم حين ميسرة : أكشن العالم الأسفل
-
منزل المنفى
-
دمشق ، قامشلي .. وربيعٌ آخر
-
قلبُ لبنان
-
الصراع على الجزيرة : مداخلة تاريخية في جدل مستحيل
-
حوار حشاشين
-
نفديكَ يا أردوغان !
-
فضائيات مقاومة
-
عمارة يعقوبيان : موضوع الجنس المحرّم في السينما
-
ربحنا حماس وخسرنا فلسطين
-
جائزة نوبل للإرهاب
-
عامان على إعدام الطاغية
-
بشارة !
-
طفل طهران وأطفال فلسطين
-
سماحة السيّد وسيّده
-
النصّ والدراما : إنحدارُ المسلسلات السوريّة
-
ثمرَة الشرّ : القِبلة ، القلب
-
السّهلة ، المُمتنع 4
المزيد.....
-
الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا
...
-
طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با
...
-
الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
-
فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب
...
-
افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو
...
-
محمد الأثري.. فارس اللغة
-
الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة -
...
-
فنانو وكتاب سوريا يتوافدون على وطنهم.. الناطور ورضوان معا في
...
-
” إنقاذ غازي ” عرض مسلسل عثمان الحلقة 178 كاملة ومترجمة بالع
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|