أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز العرباوي - الوصول إلى الحقيقة : قصة قصيرة














المزيد.....

الوصول إلى الحقيقة : قصة قصيرة


عزيز العرباوي

الحوار المتمدن-العدد: 2638 - 2009 / 5 / 6 - 05:29
المحور: الادب والفن
    



نظر مليا من حوله فوجد نفسه غريبا بين مئات الرؤوس البشرية يتصرف بالمثل على غير عادة الناس ... ماسحي أحذية يطلون وجوه زبنائهم بمسحوق أسود . نادل يسكب الطلبات على رؤوس زبائن المقهى . أطفال مستلقون
على حافة الطروطوار . توقف قليلا . مرت بخاطره أفكار شتى كانت تنثال عليه كندف الثلج باردة قاسية . حاول أن يفهم ما يجري . أهو في كابوس يستولي عليه في عز النهار ؟ زادت أشعة الشمس المحرقة في حيرته ولم ينبس ببنت شفة . رغم وجود الحافز الذي يحمل كل ذي عقل على استفسار ما يقع لغيره إذا كان يظن أنه يتصرف تصرفات الحمقى ...

على بعد أمتار منه ، شاهد حشدا من الناس متجمهرين على شكل حلقة ، كأنه يعيد أيام جامع الفنا مرة ثانية ، يوم زارها في ريعان شبابه . اقترب فليلا ، قليلا حتى وصل إلى ذاك الحشد . انسل بين المتجمهرين حتى أخذ له مكانا يسمح له بمشاهدة ما يجري داخل الحلقة . كل الناس صامتون على غير ما كان يرى في الحلقات التي كانت تقام في الأسواق الأسبوعية في بلدته . الصمت والسكون كانا سيدا الموقف هناك . لم يكن هناك أي ممثل أو "حلايقي" يفرج على الحاضرين . كان وسط الحلقة خاليا والكل صامت . زاد هذا المشهد من حيرته . أحس بحزن شديد يستولي عليه ، ثم ببردات خوف تغمر قلبه وبدأ يهتز في مكانه . لم يسبق له أن عاش هكذا تجربة لذا استولى الخوف عليه سريعا لما تيقن أنه وحيد بين مئات الحمقى المجانين ، وهو الذي اعتاد هذا النوع من البشر قليلا جدا ، وغالبا ما يزج بهم داخل مستشفيات خاصة بهم . فإذا به ينقلب السحر على الساحر . هذا ما رآه بعينيه وأحسه بقلبه .

كانت عيون أولئك المتجمهرين مسمرة على الفراغ والوهم . هدفها وسط الحلقة الفارغ . غادر بوشعيب الحلقة بحذر شديد وكأنه يفر من الوغى . مانحا رجليه كل الحرية في مزاولة الهروب البطيء دون أن يأخذ أحد باله منه . على بعد أمتار منه تجمع للطاكسيات - سيارات الأجرة الصغيرة - فكر مليا إلى أين يذهب له في الوصول إلى حل مقنع . مشى قليلا بطيئا . انزوى إلى ركن أحد البنايات العمومية . رجال الأمن في هذه اليام لا يمرون بالشارع بعدما تبين لهم أن كل الناس قد جنوا وأن لا خوف منهم لإثارة الفوضى أو الشغب . قرر أن يقصد مقرهم ليستفسر عن هذا التغير المفاجيء الذي طرأ على الناس جميعا . اقترب من باب المقر . قصد رجل أمن يحمل بين يديه سلاحا كالذي يباع عند بائعي اللعب أيام عاشوراء . لم يهتم للأمر كثيرا . كان هندام الشرطي وسحنته وملامحه تدل على أنه إنسان غير طبيعي . اقترب منه أكثر وبادره بالسؤال :

_ أيمكنني ، يا سيدي ، أن أقابل السيد العميد ؟ .

لم يجبه الشرطي . ولم يعمل جهدا حتى ليرى في وجهه . أحس بوشعيب كأن العالم كله قد جن ، وقد أصابته جمرة خبيثة من الجنون والحمق . صمت . تراجع قليلا . هبط أدراج المبنى . التفت يمنة ويسرة . ولما لم يحس بأي عين تراقبه ، أشار بيده لسيارة أجرة كانت تمر بالشارع . دون أن يحدد المكان الذي سيقصده ، قال في نفسه وهو يركب السيارة : والله ، إنه الجنون.

لم يطلب من سائق الطاكسي أي شيء ، وهو أيضا لم يسأله عن وجهته . خاف بوشعيب أن يكون ممسوسا بالجنون . صمت . ترك السيارة تتجه به أينما أرادت ، وأينما فرض الجنون على السائق الذهاب . وبعد قليل ، وبعد أن قطعت السيارة بعض الكيلومترات والتهمت بعض الشوارع ، توقفت فجأة أمام بناية ضخمة جديدة ، لم يسبق له أن رآها من قبل . قال في نفسه : هل بنيت من جديد ؟ هل أصلحت فقط ، وجهزتها الدولة لتخصصها لإدارة عمومية ما ؟. لم يكذب في الخبر . نزل من السيارة . توجه إلى بابها . لم يصدق نفسه . فوجيء بالعبارة المكتوبة على البوابة والتي تقول : هذا مستشفى الأصحاء. الآن فقط اكتملت كل الحلقة التي ابتدأت بالجنون وانتهت بالعقل . أحس بوشعيب بدوار ثم بغفيان . ثم أغمي عليه ...

نهض بوشعيب جالسا . قام بنظرة محيطة على مكونات المكان الذي يتواجد به . ثم صرخ قائلا : أين أنا ؟ ماذا وقع لي ؟ .

انتبه على صوت شخص يفتح باب الغرفة ، كان طبيب المستشفى ، توجه إليه ، بدأ يربت على كتفيه ويهديء من روعه :

- لا تخف ، أنت داخل مستشفى الأصحاء ....




عزيز العرباوي

كاتب من المغرب

[email protected]



#عزيز_العرباوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما يكون بعض مثقفينا أبواقا للظلم :
- ثلاثة وجوه : قصص قصيرة جدا
- لحظات حزن لداء القلب
- تجديد الفكر العربي من بعض الشوائب :
- الحياة رخيصة : قصة قصيرة :
- وهم رجل زير نساء
- الإعلام العربي والنفاق الواضح :
- بداية : قصة قصيرة :
- عندما يصبح ما هو ثقافي يتيما وحقيرا :
- مدارات في الثقافة والأدب : رؤية تحليلية :
- تفاصيل غبية : قصة قصيرة :
- شخصية المؤرخ والتعقيدات المنهجية في عملية التأريخ :
- عالم من فراغ :
- المؤتمر القومي العربي : الاستمرارية في خطر :
- الفكر العربي من الفكر الزراعي إلى الفكر العلمي :
- استغراب : قصة قصيرة جدا :
- قصائد جريئة :
- الانفتاح على دول آسيا وضرورة التبادل الثقافي :
- الكبار لا يموتون : قصة قصيرة
- شيء اسمه الوجود


المزيد.....




- صورة طفل فلسطيني بترت ذراعاه تفوز بجائزة وورلد برس فوتو
- موجة من الغضب والانتقادات بعد قرار فصل سلاف فواخرجي من نقابة ...
- فيلم -فانون- :هل قاطعته دور السينما لأنه يتناول الاستعمار ال ...
- فصل سلاف فواخرجي من نقابة فناني سوريا
- -بيت مال القدس- تقارب موضوع ترسيخ المعرفة بعناصر الثقافة الم ...
- الكوميدي الأميركي نيت بارغاتزي يقدم حفل توزيع جوائز إيمي
- نقابة الفنانين السوريين تشطب سلاف فواخرجي بسبب بشار الاسد!! ...
- -قصص تروى وتروى-.. مهرجان -أفلام السعودية- بدورته الـ11
- مناظرة افتراضية تكشف ما يحرّك حياتنا... الطباعة أم GPS؟
- معرض مسقط للكتاب يراهن على شغف القراءة في مواجهة ارتفاع الحر ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز العرباوي - الوصول إلى الحقيقة : قصة قصيرة