|
مضطر أحلم لنفسى
حسن أحمد عمر
(Hassan Ahmed Omar)
الحوار المتمدن-العدد: 2630 - 2009 / 4 / 28 - 07:30
المحور:
المجتمع المدني
هل تسخر منى ؟ هل تستخف بأحلامى ؟ هل تستكثر علىّ بعض الأمنيات ؟ ما العيب فى أحلامى ؟ هل لأنها مستحيلة أو شبه مستحيلة ؟ هل لأنها غريبة على دنيا الناس الممتلئين طمعاً وجشعاً وحقداً دفيناً ؟ أم لأنها كالوردة الجميلة وسط ركام من الدماء والآهات والدموع والشقاء ؟ دماء الأبرياء فى كل بقاع الأرض الذين يقتلون بإسم الدين والإيمان ؟ أم دماء الذين تحصدهم حروب الطمع وملاحم الكراهية والأنانية البغيضة ؟ ودموع الثكالى فى شتى الأماكن ؟ دموع الأمهات الباكيات فلذات أكبادهن ما بين ضياع وخطف واغتصاب وتشرد ؟ أم دموع الآباء المحاصرين بين غلاء المعيشة وذل الحاجة وطلبات الدنيا المجنونة ؟ أم دموع الشباب المتسكع لا يجد عملاً ولا تقديراً ولا تدبيراً ولا إهتماماً فيتفجر من داخله على شكل قنابل متطرفة تتمسح بعباءة الدين ؟
هل تسخر من أحلامى وتستخف بها لأنها جرعة ماء رطب فى جوف ملتهب جراء ألم الغربة ، غربة الوطن وغربة الفكرة وغربة الرأى ؟ أم لأنها يد حانية تمتد تشفى جراح المقهورين فى كل مكان ؟ أم لأنها صدر رحب طيب يقبل الآخر ويقدره ويقدر حريته ورأيه وتوجهه ، ولا يصنع من نفسه إلهاً يحاسب الناس فى دنيا عزّ فيها الحب وتبعثرت كرامة المخلصين ؟ أم لأن أحلامى تريد إعادة بناء جسور الحب والسلام بين بنى الإنسان مهما اختلفوا فى دينهم ولونهم وجنسهم ووطنهم ؟ أم لأن أحلامى تلملم جراح المساكين الذين يبيتون فى العراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ؟ بلا مأوى يحميهم من ذل الإنكسار وجبروت العوز وبشاعة الإضمحلال ؟ أم لأن أحلامى كبيرة على قلوب الغدارين من شياطين الإنس ؟ أم لأن أحلامى لا يحدها مكان ولا زمان ؟
نعم سوف أحلم ، حتى آخر لحظة من عمرى ، سأرى نفسى فى بلد يحب الناس بعضهم ، وتختفى فيه الجريمة ، وتعم الإبتسامة كل الوجوه ، سأحلم ببلد ينتشر فيه العدل والمساواة والأمن ، سأحلم بمجتمع يؤمن بضعفه الإنسانى ويعرف أن لهذا الكون إلهاً قديراً يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، إله قادر على محاسبة مخلوقاته ونصرة ضعيفهم ومحاسبة مجرمهم ، فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ، سأحلم بمجتمع يحاسب فيه الفرد نفسه على تقصيرها ولا يحاسب غيره ، يعنف ذاته لأنه لم يصل إلى أعلى المستويات العلمية والإقتصادية والفكرية ، ولا يجعل من نفسه قيماً على الآخرين ، سأحلم بمجتمع تسود فيه الألفة وعدم التفرقة يحكمه قانون عادل لا يفرق بين قوى وضعيف ولا بين غنى وفقير ، ولا بين ذى منصب وخفير ، مجتمع له دستور شامل يطبق على الجميع بلا استثناء ، مرن يساير كل العصور ، كامل يغطى كل مستلزمات الحياة فى شتى فروعها ، فمن وجهة نظرى أن الأمم التى يقال عنها أنها راقية – وهى فعلاً كذلك – لم ترتق إلا بدستور قيم وقانون يطبق على الجميع بلا استثناءات أو محسوبيات ، ولذلك إرتقت وعلت وصارت فى مقدمة العالم .
سأحلم بمجتمع لايكون الفرد فيه نائباً عن الله فى الأرض يحاسب هذا ويعنف ذاك ، ويقيم المحاكم لمن يخالفه ويصدر ضده الأحكام الجزافية وهو ينسى أنه بذلك يضيع بإشراكه نفسه مع الله العلى القدير ، أحلم بمجتمع يخلو من التطرف بكل أنواعه سواء كان تطرفاً دينيأ أو سياسياً أو علمياً أو غيره ، سأحلم بمجتمع يبنى الحضارات ويعمر الأرض ويسير فيها ليقرأ سيرة السابقين فتكون له عبرة وعظة ومنبع علم ومشكاة نور ، سأحلم بمجتمع يكون العلم والتكنولوجيا وسباق الرقى نحو أفضل حياة هى سمة من أهم سماته ، سأحلم بمجتمع تأخذ فيه المرأة كافة حقوقها العلمية والسياسية والإنسانية ، ويخلو من أطفال الشوارع المشردين ، ويخلو من الشباب المعطل ويخلو من الفاسدين من مروجى المخدرات التى تفتك بعقول الناس ، مجتمع يخلو من أبناء الأكابر والمحسوبيات ووارثى الوظائف الكبرى من قضاء إلى شرطة إلى اساتذة جامعات إلى رؤساء جمهوريات . مجتمع يتحول فيه التعليم إلى مكان لتخريج العلماء والمثقفين والشعراء والمهذبين ، وليس مكاناً لتفريخ التطرف وتصنيع المتطرفين من خلال مناهج عجيبة تحتاج لوقفة كبيرة من كل علماء الأمة ومثقفيها من أجل تطهيرها وتنقيحها وتنقيتها ، تعليم ينبت مفكرين وعلماء ورواد فضاء وذرة وأعظم أنواع تكنولوجيا العلوم المختلفة ، مدارس وجامعات تركز على قيمة الإنسان وتعلى من شأنه من أجل بناء وطن عظيم يسمو شامخاً بين الأمم ، جامعات يكون فيها الأولوية للمتفوقين النابغين وليس لأبناء فلان وعلان المحاسيب ، جامعات تبنى فى قلوب إبنائها الحب والإخاء وإحترام الآخر المختلف ، جامعات تركز على الإبتكار والإبداع والإختراع ، لا على التلقين والحفظ الإنصياع ، مدارس وجامعات توضع لها شروط وقوانين ومناهج يكون هدفها الرئيسى بناء فرد صالح من أجل إقامة مجتمع صالح ترفرف فوق ارضه أعلام الحرية والمساواة والعدل بكل أنواعهم ، حرية تغمر كل فئاته ومساواة يشعر بها ويعيشها كل إنسان على أرضها ، وعدل يتحقق على أرض الواقع .
مجتمع يأخذ من كل فئات الشعب ضرائب أو زكاة ( سمها ما شئت ) تتلائم مع دخولهم وممتلكاتهم بغير خوف منهم أو تفريق بينهم ، تؤخذ منهم لإصلاح أحوال البلاد والعباد ، من بناء مستشفيات إلى معاهد ومدارس وجامعات ، إلى طرق ممهدة وخدمات اساسية تيسر الحياة وتملؤها رفاهية وسعادة , مجتمع يكون فيه التقدير والإحترام للمجتهدين والمكافحين والساهرين لرفعة الوطن وخدمته وإعلاء شأنه ، مجتمع يقدر المواهب والعقول النابهة ويحرص على تنميتها وتكبيرها ليعظم شأنها وشأنه ، مجتمع يقضى على الفوارق الطبقية ويحترم عرق الإنسان ويدفع له أجراً يكفيه ويفيض عليه وعلى أبنائه ويكفيه شر الحاجة والعوز ، مجمتع يؤمن صحة أفراده فلا يتركهم لهوى تجار المستشفيات الخاصة ، ولا لجشع بعض الأطباء والصيادلة الذين لا يهمهم سوى الإثراء بأى شكل أو لون .
هذه هى بعض أحلامى ، فلماذا تسخر منها يا صديقى ؟؟ وأقولها لك صراحة ... إذا لم تشاركنى أحلامى فأنا ... مضطر أحلم لوحدى .
#حسن_أحمد_عمر (هاشتاغ)
Hassan_Ahmed_Omar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات فى الإيمان والكفر
-
ثقافة ( لوى البوز) و( عقد الحاجبين ) و ( تقطيب الجبهة) و( تو
...
-
فضيحة جديدة من فضائح الكفيل السعودى ضد طبيب مصرى
-
لقطات من الحياة
-
من حقك أن تلحد ومن حقى أن أؤمن .. أليس كذلك ؟؟
-
فن الإعتذار
-
تأملات فى قصة إبنى آدم كما جاءت فى القرآن الكريم
-
الأستاذ سين وحكايته مع التدخين ( قصة قصيرة)
-
الصورة الصحيحة للتدين من وجهة نظرى
-
نعم أنا حر طالما لا أضر أحداً
-
رسالة إلى إرهابى
-
هل هجر المسلمون القرآن فعلاً؟
-
صفحات من الذاكرة .. خارج نطاق المألوف
-
صفحات من الذاكرة 3 ... وسقطت فى بئر النفط
-
صفحات من الذاكرة 2 ... ميت على أى حال
-
صفحات من الذاكرة
-
ألفترة البرزخية و24 ساعة موت
-
الطيب والخبيث
-
لون حقيقى فى لوحة مزيفة ( قصة قصيرة )
-
إستنباط معنى كلمة ( فتنة ) من القرآن الكريم
المزيد.....
-
الأمم المتحدة ترد بقوة على تصريحات ترامب بشأن غوانتانامو
-
كيف ينظر الداخل الإسرائيلي لعملية تبادل الأسرى مع المقاومة ا
...
-
الامم المتحدة: إخراج سكان غزة من أرضهم تطهير عرقي
-
روسيا تسعى لتثبيت نفوذها في سوريا واعتقال مسؤول بارز في نظام
...
-
مسؤول كبير في إدارة ترامب يتوجه لفنزويلا لإجراء محادثات بشأن
...
-
عاجل | رئيس حركة حماس في غزة خليل الحية: نرى اليوم الأسرى ال
...
-
-شارك في قمع الاحتجاجات بقوة-.. اعتقال عاطف نجيب ابن خالة بش
...
-
الأمم المتحدة تؤكد مواصلة الأونروا عملها داخل فلسطين المحتلة
...
-
بريطانيا وألمانيا وفرنسا يصدرون بيانا بشأن حظر إسرائيل وكالة
...
-
آخر مستجدات عملية تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|