|
قصة من الأدب النرويجي الحديث الجماجم
علي سالم
الحوار المتمدن-العدد: 2626 - 2009 / 4 / 24 - 06:08
المحور:
الادب والفن
الجماجم بقلم الكاتب النرويجي INGVAR AMBJØRSEN انگفار آمبيورسن ترجمة علي سالم نبذة عن الكاتب : ولد الكاتب الذي يُعد أحد أكثر الكتاب شعبية في الأدب النرويجي في خمسينيات القرن الماضي . وتتميز كتبة بأوصاف واقعية ذات مرجعية عالية فيما يخص الجانب الأكثر بشاعة من العالم . أبطالة على الدوام غرباء ولامنتمون ، ويقدمهم لنا باستبطان يحمل في طياتة الكثير من التعاطف والدفء . منذ ذياع صيتة ككاتب ، نشر آمبيورسن ستة عشر رواية وثلاث مجاميع قصصية وعدة كتب للأطفال والبالغين الشباب . حقق شهرتة في كتابة HVITE NIGGERE القمامة البيضاء . رشحت أحد الافلام المستوحاة عن احد رواياتة لنيل جائزة الاوسكار عام 2001 . نال عدة جوائز أدبية منها جائزة BRAGE PRIZE الجماجم في يوم ما ، قبل عدة أصياف ، كان على وشك ان يهشم رأسها على لوحة أجهزة قياس السيارة . كانا منحشران في طابور سيارات خارج مدينة تولوز تماماً . وكان الهواء يتماوج كالسراب في الجو القائظ ، وكانا قد أنزلا جميع النوافذ ؛ وكانت هي تجلس في السيارة ممسكة بالمقود بيد وفي الأخرى سيجارة . كانت تشعر بالضيق ونفاذ الصبر ؛ لأنة كان مايزال يعتقد بأن لديهما متسع من الوقت . فضلاً عن ذلك ، كان يعتقد بأن الإستعجال لن يوصلهما الى الفندق باسرع من الوقت المطلوب . لذلك ، وضع يدة على كتفيها وشرع يداعب بأناملة عنقها ، لكي يهدئها وليتجنب الكلام ، لأنة حدس بأن الكلمات قد تكون خطرة ، خصوصاً في هذة اللحظة . ظل يداعبها هكذا حتى تراخت وسقط راسها على يدة مثل صخرة كبيرة دافئة . وأبتسمت مدركة أنة كان يفهمها مثل ماتفهمة . لكنة لم يكن يفهم نفسة . وقد أدهشة تماماً حجم الدافع الذي كان يدعوة بقوة الى أزاحة راسها بعيداً عنة . ورأى في لمحة خاطفة جميع الدماء أمام ناظرية ، ونظرة الاستنكار في عينيها ، وسمعها تصرخ . فسحب يدة . وشاهد ذلك الغشاء الشفاف الذي يفصل بين كل شيء وبين العدم . وقد خلفت هذة التجربة في نفسة أثراً ، أي أثر لم يكن يدري . تمدد على سريرة ، وراح يدخن . كان باب الحمام مفتوحاً جزئياً ، وكان يراها تقف أمام المرآة ، تضع أحمر الشفاه . أحمر شفاة وردي شاحب كان يجعلة يفكر دائماً بفترة الستينات ، بالشقراوات ذوات التسريحات الشبيهة ببيوت النحل والبدلات المقصبة عديمة الياقات ، عديمة اللون . وضعت أصبع أحمر الشفاة في حقيبتها وزمت شفتيها أمام المرآة وقالت " هل انتهيت ؟ " نعم لقد انتهى . غرفة الفطور كانت خالية تقريباً . وكانت الساعة العاشرة الا عشرة دقائق وكانا آخر الناس . بيضة مقلية واحدة كانت تطفو على بركة من شحم الخنزير في صحن أبيض ، والعصير كان دافئاً والقهوة التي أُعدت في جهاز تقطير القهوة غير صالحة للشرب ، لكنة شربها على أي حال وهويراقب بامتعاض وتقزز حركات يدها وهي تقطع بالسكين مح البيضة الذي ساح وأختلط بشحم الخنزير . وراقبها وهي تغمس كل شيء بقطعة من الخبز وتضعها كلها بين شفتيها الورديتين . وأنتابتة رعدة وهو يرى لسانها يتحرك يميناً لجمع فتات الخبز من الجهة اليمنى لفمها . قالت وهي تمضغ " حاول أن تضع شيئاً في معدتك " . وبدأت السكين والشوكة الآن تعالجان شريحة الخنزير . رخوة ، مغطاة بالشحم ، ومملحة جيداً . أشعل سيجارة جديدة ، السيجارة الثالثة ، وقال " لاتفتحي هذا الموضوع ثانية . سآكل عندما أستلم ايعازاً من معدتي بذلك . انها ترسل لي الآن تحذيراً شديداً بعدم الأكل " ألقى برأسة الى الخلف وقال " علاقتي بمعدتي اليوم لاتبدو على مايرام . لكني لو لم أتمكن من وضع شيء في جوفي ... يألهي ماذا كانت مشروبات الأمس تحتوي ؟ " " ويسكي وثلج في كأسي . واعتقد ان كاسك كان خليطاً من مشروبات عدة " كانت ليلة أمس متشحة بغلالة من اللاواقعية . لقد استغرق السفر من جنوب أسكتلندا الى شمالها اسبوعاً كاملاً تقريباً ، بعدها ركبا العبارة من تورسو الى جزر أوركني ووصلا الى كيركوول بعد الظهر مبكرين ، و تناولا سمك القد المسلوق والاسقلوب في مطعم سمك صغير وارادا تمضية الليل في بار الفندق . كانا قد شارفا على نهاية رحلتهما ، وهي جزيرة خضراء وسط البحر شمال أسكتاندا ، كانت مرتعأ لقبائل البكت والنبلاء النرويجيين . كانا يشعران بالإرهاق . وعلما في نفس يوم وصولهما الجزيرة ، بأن السكان ، أو ربما مدير الفندق العديم الخيال ، قد قرروا مسبقاً تنظيم " ليلة بيرمودا " داخل الحانة . وتدفق عشرات من شباب كيركوول بقمصان هاواي وسراويل قصيرة من بيرمودا . من قلب الريح العاصفة والمطر قدموا الى الحانة ، المليئة بالسياح الذين كانوا يحتسون الجعة باطمئنان ، غير قادرين على تصديق ماتراة عيونهم . وأتخمها شاب مخمور بدمل بحجم بيضة طائر الدُّجّ على واحد من خدية بشراب بحري أخضر ، ثم أبتدأ السباق . واستيقظا من نومة ناما فيها مائلين على سرير مزدوج ؛ وقد نسيت خلع جواربها الطويلة . قالت وهي تدفع بالصحن جانباً " يعيش الناس هنا منذ خمسة آلاف عام ، هل تعرف ذلك ؟ " وتناولت واحدة من سجائرة " ياآلهي ، ألم يكن ذلك عندما شرع المصريون ببناء الأهرام الكبرى" قال " لا أتذكر " قالت " مدافن ، الجزيرة كلها مدافن . هلا ناولتني القهوة ، رجاءاً ؟ " وصلا الى العزبة في حوالي الثانية عشرة . بيت ريفي ، بناءة المشيد بالطوب متداع جداً ، مرآب مزدوج ، ومرحاض خارجي . في الباحة ثمة دجاجة وحيدة تبحث بمنقارها الاصفر عن شيء بين الحصى الناعم ، شاهدا ظلال أشخاص تتحرك خلف النوافذ عندما أوقفا السيارة في المدخل . أنة متحف خاص . لم تكن لديهما أدنى فكرة عن وجود مثل هذا الشيء قبل أن يلمحا الاشارة على بعد كيلومترين الى الشمال من الجزيرة . المرأة التي خرجت ووقفت على العتبة كانت طويلة ونحيلة ، وعجفاء تقريباً ، أقرب الى الثمانينات منها الى السبعينات ، عيناها غائرتان بعمق داخل وجهها ، لكنهما ماتزالان تنبضان بالحياة . وفكر ، لابد أن لها روحاً غضة : فكرة مبتذلة ، لكن ذلك مافكر فية . وعندما عرضت يدها ، انتابة شعور بأنة كان يعرف شيئاً عن التربة هنا . مدافن ؟ في هذا المبنى ثمة واحد فقط . لو كان جو هنا لدلنا على الطريق ، حالما ينتهي من غداءة . لم تتناول هي نفسها الغداء ؛ كلا ، لايمكن لهما أن ينتظرا في الخارج حيث الريح العالية . دخلا فيراندا مسقوفة تمتد على طول المبنى . وعلى الجدار وتحت صف من النوافذ كان ثمة أطر زجاجية . واشارت بسبابتها المعقوفة الى النصال ، والفؤوس الحجرية ، والجماجم ، وبقايا العظام . وتحدثت عن عمر كامل من الحفر في " الحديقة " . ثم هاهو يرى بأن ما كان يتوق الى فعلة سراً على الدوام كلما زار متحفاً يحدث فعلاً الآن . رفعت السيدة العجوز غطاء أحد ى العارضات الزجاجية ، والتفتت قائلة " من واقع تجربتي استطيع القول بأن لاأحد يمكن لة أن يفهم التاريخ دون لمسة . أنة مثل ... الموت " . وأبتسمت مثل فتاة صغيرة ، فتاة صغيرة نالت على غير توقع هدية ثمينة . بعد لحظة وجدا نفسيهما يقفان هناك ، وكل يحمل بيدة جمجمة . قالت وهي تمرر بحذر اصبعاً فوق السطح الاصفر الداكن المستقر بين كفيها " أسميتهما لوسي وجون " . " انهما جميلان . أعتقد بأنهما جميلان . يبلغ عمرهما أكثر من اربعة آلاف عام . الكراهية . الحب . السعادة . الحزن . ماتحملان الآن في يديكما هو كل ماتركاة خلفهما " . راز الجمجمة بيدة . لم يكن بها ثقل يُذكر . وعندما رفعها نحو الشمس ونظر من ثقوب عينيها لمح النور الأصفر يتخلل الغشاء العظمي الرقيق . كانت الأسنان بيضاء وقوية ، لم يصبها البلى . سن واحد منها فقط كانت مفقودة ، أحد الأنياب . تُرى ماأسمك الحقيقي ياجون ؟ واي أحلام وردية كانت تدور داخل جمجمتك الهشة هذة ؟ من وراء خواطرة ، كان يأتية صوت العجوز وهي تتحدث عن الناس الذين قطنوا هنا فوق الصخور الأبعد المواجهة للبحر . كانت تسميهم " ناس مخلب النسر " لأن مدافنهم كانت تحتوي على مخالب للنسور . لقد كان مجتمعاً هرمياً : شخص واحد كان مدفوناً مع ثلاث مخالب ، وآخر مع ثمانية . وفي قبر رجل آخر وجدوا أثنتي عشر مخلباً . وحسبوا أن أن القبر يخص زعيم القبيلة ، لكنهم وجدوا ثقباً كبيراً في مؤخرة جمجمتة . " وماذا عن جون هذا ؟" ضحكت وقالت " عامل . فلاح . حالم . لم نجد مخالباً في قبر جون ، ولا في قبر لوسي أيضاَ " وضع الجمجمة في مكانها بحرص ، شاعراً في الوقت نفسة بمهابة عجيبة ، والقى بنظرة خاطفة الى المرأة التي تشاركة حياتة وشاهد انها كانت تشعر بنفس الرهبة . أخذ يمسد جبهة لوسي بلطف كما لوكان يواسي طفلاً من الماضي أو اختاً لو شئنا المزيد من الدقة . أسنان هذة الجمجمة كانت قوية وبيضاء ، ايضاً ، أسنان كاملة . لكن بضعة اسنان كانت محكوكة الى نصف حجمها الطبيعي تقريباً ؛ شاهد زوجة الصياد تجلس بجانب النار ، تمضغ جلداً لتجعلة أكثر نعومة . أنها عملية متواصلة ، مثل عملية الهضم ، أو الرضاعة ، أو النشاط العقلي المتواصل . وضعت السيدة العجوز يدة في يدها وقالت : " أنت أيمني اليد ، اليس كذلك ؟ " نعم ، هذا صحيح . أقتربت منة كثيراً حتى تمكن من تمييز رائحتها ، مزيج خفيف من عطر اللافندر وشيء آخر لم يجد لة أسماً غير رائحة أمرأة عجوز . ولاحظ بان جلدها كان مشدوداً كجلد طبل فوق أنفها وجبهتها ، و شريان دموي صغير ينحدر فوق صدغها الايسر ؛ عيناها كانتا مفتوحتان وزرقاوان . ويحيط بها نور يشبة النور الذي تخلل الجمجمة التي أعادها الى مكانها للتو . " أنظر الى هذا . تظن أنك تنظر الى حجر ، لكن ماتراة في الواقع هو تحفة " رأى حجراً . رمادياً ، مستطيل الشكل يزن نصف كيلو غرام تقريباً ، غير منتظم الشكل ، مشحوذ وناعم ، بالطريقة التي يشحذ بها البحر الصخور بصخور آخرى . قالت وكأنها على علم بما يدور في رأسة " كلا ، ليس البحر من فعل ذلك ؛ أنة أحد أسلافك الغابرين " وضعت الحجر بيدة وطفر قلبة عندما أطبقت يدة علية . كان وزن الحجر الرمادي المستقر في يدة مثالياً ؛ واصبح جزءاً من يدة ، أمتداداً لها : سلاح قاتل . هزت رأسها : نعم سلاح . لم يستطع تركة . لقد جعلة يفكر بجدة عندما كان ممدداً على فراش الموت . اثنان وتسعون عاماً ، عصفور عار من الريش تقريباً ، يدا عامل كبيرتان تحولتا الى مخالب بلا لون . لقد طلب منة الرجل العجوز أن يجلب لة الطائرة . الطائرة الطويلة ، وظن أن العجوز قد خرف قبل الشروع برحلتة الاخيرة ، لكنة نفذ ماطُلب منة . وجلس جدة العجوز في السرير ووضع الطائرة الطويلة التي كان جدة من قبل قد صنعها لة قبل أن يموت فوق غطاء اللحاف الأبيض . وأمسك بالمقبض ، دون قوة كبيرة ، في الواقع ، لكنة أمسك بالمقبض . وكانت يداة فوق أكثر أجزاء الخشب سواداً ، ذلك الجزء الذي لوثة عرق جيلين من الراحلين . قال جدة " لم تعد ملائمة . لقد تجاوزتني الطائرة عمراً " . لكن الحجر كان ملائماً . أنة يلائم يد رجل بالغ ، اليوم ، وقبل أربعة آلاف عام . أعترتة رعدة ، لقد تأثر كثيراً ، وشعر بالدموع تسقط كخمار أمام عينية . وفكر بماقالتة السيدة العجوز عن عدم فهم أحد للتاريخ دون القيام بملامستة . لقد كان ذلك لقاءاً مع شخصاً كان ينشد الكمال في زمن سبق كل شيء . لم يقل جو الكثير . فتح ذراعية عندما شاهدهم مقبلين نحوة ، لكنة لم يكن يهمة من أي مكان جاءوا أو من يكونون . رجل يشبة جذع شجرة مقطوع ، رغم خفتة بالمسير على الأرض . أراهما المستوطنة . دائرة من الصخور نابتة في الأرض المخضلة بالماء . " لم تكن كذلك في الايام الخوالي . لقد كانت أرضاً غابية . دافئة . وقد وُجدت فيها آثار أربعة أنواع من الشوفان تحت أكوام النفايات " . وأخرج حقيبة جلدية فيها ست بطاريات . وقال ان عليهما أن يتذكرا تغيير البطاريات في المصباح اليدوي ، وأرتداء واقيات للركب عندما يدخلان . واشار الى الطريق المؤدي الى المنحدرات والبحر . المسألة في غاية البساطة . ثم عادا من نفس الطريق التي جاءا منها ، ووجدا المدفن ، وهو ربوة مغطاة بالعشب ، لاتبعد سوى ثلاثين متراً عن حافة المنحدرات السوداء . وفي الأسفل كان البحر الأخضر يرتطم بالصخور ، وينثر الزبد الأبيض ؛ ومن عل كانا ينظران الى طيور البحر . صخور على صخور حتى غطاء التربة ، ترتفع مسافة متر ونصف من القاع ، وتشكل أحدى نهايات المدفن الذي يواجههم . مدخلة كان ثقباً دائرياً . أخرجا الحقيبة وواقيات الركب والمصباح ، وعثرا على جواب للسؤال الذي لم يطرحة أي منهما . وكان عليهما الزحف كل على أطرافة الأربعة احتراماً للموتى . الممر الرطب الذي يقود الى قلب الربوة كان بالكاد يبلغ متراً واحداً أرتفاعاً ومثل ذلك عرضاً . غيّر بطاريات المصباح وقال " سأدخل أنا أولاً " . نظرت الية بريبة " لاأدري ان كنت فعلاً تريد ذلك . لاباس ، حسناً ، ادخل أنت أولاً " كان الممر ضيقاً . اضيق مما تخيلا . وكان يتصبب عرقاً ؛ وكانت قطرات من الماء تسقط فوق وجهة من السقف . قطرات ماء باردة . وتذكر طريقة التعذيب بالماء ، حيث تنزل قطرات الماء بانتظام على رأسك ، ساعة بعد ساعة ، يوم بعد يوم ، حتى تبدأ تشعر بأن كل قطرة ماء ماهي الا مطرقة ثقيلة . بعد العاشرة ، وبعد مسافة اثني عشر متراً ، وصل الى غرفة المدفن الرئيسية . سقفها كان عالياً بحيث يمكن للمرء أن يقف تحتة شبة منتصب . فوقف بهذة الطريقة ، وشعر بظهرة يتقوس خمسين درجة فعاد الى السير على أطرافة الأربعة ثانية . صخور ، صخور ، طبقات فوق طبقات من الصخور . السقف كان مصبوباً من الكونكريت ، وقد ضايقة ذلك لأنة يفسد منظر الأزمنة الغابرة . القبور كانت عبارة عن كوى مستطيلة داخل طبقات من الصخور محمية بالزجاج ضد لصوص اللُقى الأثرية . جماجم ، اكوام صغيرة من الجماجم الصفراء الداكنة . وعظام . عظام سيقان ، أفخاذ ، أرداف ، فقرات ، فكوك وأسنان . قبيلة صغيرة تنام بأكملها هنا . أي طقوس للموتى أُجريت هنا ؟ وبدا أنة تذكر شيئاً كان قد قرأة عن قبائل البكت ، وكيف كانوا يتركون موتاهم في العراء لتلهم لحمهم الطيور الجارحة والغربان ، وكيف كانوا يعودون لجمع العظام ، ويلتقطونها بعد أن تكون قد تنظفت مما بها ، وتكديسها لاحقاً في مكان آخر . يالة من طقس رائع . هاهو الصياد يعيد لفريستة ماأستلبة منها . نظر الى الجماجم ، وتحسس جبهتة باناملة وتأمل الفراغ المحيط بة . الجدران حجرية . الجمجمة . الغشاء العظمي الكامن تحت الجلد ـ مادة الدماغ الرقيقة . في الداخل ، في الداخل ، داخل الغرفة ، داخل الدماغ . في الخارج ، الآخرون ، آخرانية الآخرين ، الصور المتبدلة . أخذ المكان ينكمش ، وراحت الجدران تقترب ، وتعيد تشكيل ردود أفعالة بالطريقة التي تؤدي بها لطمة على الرأس الى تغيير الأفكار والوعي وطريقة ادراك العالمين الداخلي والخارجي . علية مغادرة هذا المكان . حتى هذة اللحظة من حياتة كان يمتلك موقفاً نظرياً بخصوص فكرة رهاب المناطق المغلقة ؛ والآن يجد نفسة مغموراً في طيات تجربة جديدة . كان يشعر بالفزع ، وبصعوبة في التنفس ، وشعورة بالغثيان كان طاغياً ، لم يكن قد تناول شيئاً من الطعام طوال اليوم ، ولم يكن في جوفة شيء يتقيأة . وبقلب يخفق سريعاً بين ظلوعة ، ونبضات عنيفة في صدغية ، اخذ يزحف عائداً من حيث أتى . ثمة شيء لم يكن على مايُرام ، اذ يُفترض بة أن يشاهد النور الآن ، والعشب والسماء ، لكن المكان كان مظلماً ، وكان ثمة شيء يزحف نحوة . لقد كانت هي التي تزحف . صاح طالباً منها أن تعود أدراجها . أفزعتها رنة الذعر والغضب في صوتة ، فصرخت بانها لاتستطيع . وترجم كلمة لاأستطيع بلا أريد ، رغم انها لم تحمل نداءة على محمل الجد . المجال الضيق ضيق الخناق علية ، وشعر بنفسة يختنق ، وبدأ يهز رأسة يميناً ويساراً ، داخل الجدران الحجرية ، وبدأ الجلد تحت بصيلات شعرة يتمزق ، واحس بالدماء تتدفق ، ساخنة ، ولزجة الملمس ، وفقد المصباح ، وصفعتة حزمة الأشعة على وجهة ، وشرعت هي تبتهل لالة لم يكن لديها وقت لتذكرة من قبل ، وصرخ طالباً منها بأسم نفس ذلك الالة بأن تكف عن عن الصراخ ، طبلتي أذنية ... تقدمت منة حثيثاً ، وضعت يدها فوق يدة وهمست بكلمات لم تطرق أسماعة منذ عشر سنين . وجهها كان قرباً من وجهة . وطرق رأسة بالجدار ثانية . هزت وجهة بكلتا يديها وشرعت تبكي . نطحها برأسة في منتصف وجهها بكل ماأوتي من قوة ، وسمع أنفها يتهشم وأمتلأت يداة بدمها عندما مدّهما ليمنهعا من السقوط . فيما بعد ، بعد وقت طويل ، قالت " لن أنسى ماقالتة السيدة العجوز حول عدم فهم المرء للتاريخ دون ملامستة . لاأدري لماذا ، لكن كلماتها تجذرت في ذهني " . كانا قد فرغا للتو من غسل الصحون معاً ، فمسّد قماشة تجفيف الأقداح وعلقها فوق الموقد لتجف ، وذهب الى الحمام ووقف هناك يحدق بصورتة في المرآة . كانت حافة شعرة قد تراجعت الى الوراء أكثر من ذي قبل ، وراحت عيناة تغوصان أعمق واعمق داخل نفسة . أراح جبهتة على الزجاج البارد ولمدة لحظة راجفة غاب عقلة غياباً كاملاً . ترجمة علي سالم عن الأنكليزية من مجموعة THE NORWEGIAN FEELING FOR REAL الصادرة عن دار THE HARVILL PRESS LONDON ضمن سلسلة LEOPARD القصصية
#علي_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آثار دمك على الثلج ، قصة مترجمة عن الانكليزية لغابريل غارسيا
...
-
سبعة عشر إنجليزياً مسموماً / قصة غابريل غارسيا ماركيز
-
قصة قصيرة من النرويج
-
اقنعة الوحش -قصيدة
-
قصيدة نثر
-
رواد الهايكو
-
قصيدة الحادي
-
أنطباعات عن مهرجان الفلم العراقي ,أفلام ، عزف عود، و جمهور غ
...
-
أحمد مختار يستذكر ضحياً مقابر صدام الجماعية في أمسية للعود..
...
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|