خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 2623 - 2009 / 4 / 21 - 09:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا شك ان التغييرات النسبية التي حملها الرئيس الامريكي اوباما للنهج والسلوك السياسي الامريكي داخليا وعالميا , فاجأ الكثير من المراقبين , اللذين لا يزالون في الواقع اسرى الشك الذي اورثهم اياه تخبط وفوقية الادارات السابقة الامريكية والتي ان نجحت في شيء فقد نجحت في تكريه العالم بكل ما يحمل الاسم الامريكي , لذلك ليس مستغربا ان نجد كثيرا من الاقلام التي تفتقد رؤية الضرورة السياسية كمصلحة قومية امريكية لا تزال تخضع المستجد في السياسة والنهج الامريكي لمنطق المحاكمة الاخلاقية للسلوك السياسي وهي تبقي هذا النهج مصلوبا على حالة شكها بالاخلاق الامريكية وكان هذه الاخلاق هي موجه هذه السياسة .
استمرار افتقاد التوازن , وافتقاد عدالة الموقف , هي كل ما تراه هذه الاقلام من مستجدات نهج اوباما الذي يضفيه على النهج الامريكي في حين يحمل وباما في الحقيقة مستجدات للسياسة والنهج الامريكي والذي كانت خصوصية شخصية وخلفية اوباما الثقافية عاملا من عوامله , غير انها بالتاكيد ليست العامل الحاسم بقدر وزن الضرورة السياسية التي اضحت المصالح القومية الامريكية الداخلية والخارجية بحاجة اليها , فهذه المصالح القومية ونتيجة لاخطاء الادارات السابقة باتت تواجه تراجعا في مستوى تحققها على الصعيد الداخلي , يتقاطع معها عزلة خانقة لهذه المصالح على الصعيد العالمي , وهما تجتمعان معا في اطار من اللامسئولية والانغماس في البذخ والمتعة في مقابل حاجة امريكية ماسة للحفاظ على التفوق ووتائره لم يعد في استطاعة نمط الحياة الامريكية وعاملها المساعد الخارجي الاستجابة له
فمراكز التفوق العالمية _ ومن ضمنها الولايات المتحدة _ تتطلع الان الى مرحلة جديدة من التفوق يمكن القول عنها انها مرحلة التحكم من فوق _ من الفضاء _ بالواقع الانساني وحركته في الكرة الارضية , وبهذا الصدد كان سابقا للولايات المتحدة صدارة السبق , غير انه حدث تراجع ملحوظ عنها في عهد الادارات الاخيرة التي سبقت ادارة اوباما وعلى الخصوص في زمن ادارة بوش الابن
لقد كانت الديموقراطية والروح العملي الانتاجي وتوظيف الفائض الانتاجي في تطوير العملية الانتاجية هي روح وحراس التفوق الامريكي , والذي انقلب الى سوء توزيع طبقي لفائض الانتاج وتراجع عن الروح الديموقراطي الى نزعة شمولية نحو المزيد من سيطرة الدولة على المجتمع وتحول طابع الانتاج الامريكي الى الانتاج الخدماتي عن طابع الانتاج البضاعي الامر الذي حول المجتمع الامريكي الى مجتمع استهلاكي لا مجتمع انتاجي
لقد جاءت الازمة الاقتصادية الاخيرة لتكشف للنخبة الامريكية ان المواطن الامريكي يدفع اضعاف ثمن وقيمة ما يستهلك وان ما يدفعه يجري هدره من قبل الطبقة المسيطرة النفعية على متعتها الخاصة وهي لم تعد الطبقة القديمة مالكة وسائل الانتاج بل اصبحت تتشكل من الطفيليين الاداريين الذين حولهم والذين اصبحوا حريصين على قبض ارباح طفيليتهم مسبقا وبتقييمات تقديرية عالية جدا , والى جانبهم وليس بعيدا عنهم تشكلت وتضخمت طبقة راس المال غير المنتج بل المخرب , راس المال الناتج عن المضاربات في البورصة وغسيل الاموال القذرة اموال المخدرات وتجارة السلاح والرقيق أي راس المال الاجرامي اللاقانوني والذي اصبح في الواقع الحجم الرئيسي من مجموع الراس مال القومي الامريكي
لقد ادركت النخبة الامريكية علة الوضع الامريكي وضرورته السياسية فاستجابت بصورة ديموقراطية لمهمة اصلاح هذا الوضع وعبر الصراع الديموقراطي على مركز القرار الاداري للولايات المتحدة الامريكية رفعت شعار التغيير بمفهومه الاصلاحي واستجاب لها الناخب الامريكي فورا لاحساسه بصورة اقتصادية للحاجة الامريكية لهذا التغيير , فكان فوز الحزب الديموقراطي على ارضية الخطاب الثقافي الاوبامي جول ضرورة التغيير , فما هو الموقف المطلوب من مثقف منطقتنا ازاء هذا المستجد الامريكي؟
ان السؤال الفلسفي السياسي الذي يطرحه هذا المستجد الامريكي على ثقافة مثقف المنطقة يتمحور حول ضرورة ادراك نتائج انهيار الواقع الامريكي واثرها على المسائل السياسية التي تهم هذا المثقف , ولا اظن ان الاجابات على هذا السؤال ستحل وتنهي المشكلات التي يحياها ويعيشها ضمير مثقف المنطقة , حيث لن تنتهي الحالة الاستعمارية العالمية ولا مراكزها ولا اطماعها , وايضا حيث لن تنتهي حالة تخلف المنطقة , واخيرا فان قضايا المنطقة لن تحل وتنتهي بل سينتقل ثقل القرار حولها الى مراكز استعمارية عالمية اخرى , لكن هذا النوع من المثقفين سيشعرون ولا شك بفش غلهم وحقدهم على امريكا وهو جوهر التربية _ السياسية _ التي تربوا وربتهم الانظمة علىاهمية تحققها , فالولايات المتحدة الامريكية عدوا اخلاقيا لهؤلاء المثقفين لا عدوا سياسيا , وسلوكهم حيالها النابع عن طريقة فهمهم لها هو سلوك اخلاقي لا سلوك سياسي لان طريقة فهمهم لها طريقة اخلاقية _ فاميركا غير عادلة وظالمة .....الخ_
ان الذي لا يدركه هؤلاء هو ان اوباما لم يات كواحد من _ الانصار _ بل جاء كوطني امريكي يهمه الولايات المتحدة الامريكية بالدرجة الاولى , وتبعا لذلك فهو يتصرف حسب الاملاءات التي تمليها عليه شروط المصالح الامريكية حتى لو اقتضاه الامر الانحناء امام رمز البرنامج القومي السعودي الملك عبد الله ال سعود , فحينما تحتاج المصلحة الامريكية مثل هذا الانحناء فهو لن يحجم عن ذلك , وهو الامر الذي يفتقده مثقف المنطقة الذي يكره عدوه ولكن لا يفهمه ولا يفهم كيف يستجيب لمصلحته القومية لذلك كان الحوار الامريكي دائما مع البرامج القومية في المنطقة حوارا سياسيا في حين كان حوار هذه البرامج دائما مع الولايات المتحدة حوارا اخلاقيا يخلو من المحتوى السياسي . فكيف يمكن وهذه الحال ان تتخلى الولايات المتحدة الامريكية عن التعبير السياسي عن مصالحها وتتعامل مع قضايا المنطقة بصورة اخلاقية ,
من المؤسف ان مثقف المنطقة يخوض حتى صراعه الديموقراطي مع طبقته المسيطرة في مجتمعه القومي يصورة اخلاقية وكذلك مع عدو وطنه , وهو بدلا من ان يرتقي بالوعي الشعبي والجماهيري من المستوى الاخلاقي الى المستوى السياسي نراه حريصا على بقاء هذا الوعي الشعبي والجماهيري اسير الاحاسيس الاخلاقية بالعدالة والظلم وكأن الخداع هو طريق تعبئة الجماهير وتنظيمها لا اثناء الانخراط في المهمة السياسية
لذلك من الضروري ان يجيب مثقف المنطقة بصورة عملية لا نظرية فحسب على الحكمة التي تقول انه لا عدو دائم ولا صديق دائم في السياسة غير انه بمكن ان يكون هناك غباء دائم ,
ان جولة اوباما العالمية هي جولة سياسية وتقاربه مع اعداء الادارات السابقة هو تقارب سياسي , فحركة الصراع العالمي تشهد انقلابا اوروبيا وشرقيا على موقع الصدارة والتفوق الامريكي في العالم في وقت تشعر ادارة اوباما معه ان المصلحة القومية الامريكية تحتاج الى ان تستغل وتوظف اكبر واصغر الامكانات داخليا وعالميا للحفاظ على تفوقها , وفي هذا بالتحديد يمكن حساب الوقت ويجب على مثقفي المنطقة الدعوة الى حساب الوقت بصورة سياسية صحيحة في مقايضة واضحة للمصالح والمواقف مع الادارة الامريكية وايضا الاوروبية والشرقية , والتخلي عن عتب الحبايب الذي لا يملون عزف الحانه الممجوجة ....
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟